الموت مع عدم معرفة الإمام موت جاهليّ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج3/ص7-13
2025-11-26
29
إنَّ الأحاديث المأثورة عن رسول الله التي تدلّ على ضلال الناس بلا إمام كثيرة للغاية ولها مضامين متنوّعة. ونذكر هنا واحداً منها يتّفق عليه الشيعة والسنّة ويقطعون بصدوره عن الرسول الأكرم، وهو قوله: «مَنْ مَاتَ ولَمْ يَعْرِفْ إمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً»[1].
أمّا عن طريق الشيعة فقد روى هذا الحديث بعبارات متعدّدة. في «روضة الكافي»[2] حديث واحد. وفي «بحار الأنوار» عن «محاسن البرقيّ»، و«رجال الكشّيّ»، و«إكمال الدين» للصدوق ستّة أحاديث بهذا المضمون[3]: «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ لَهُ إمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً».
وفي «بحار الأنوار» أيضاً عن «الكافي»[4] عن الإمام الصادق، عن الرسول الأكرم وعن «غيبة النعمانيّ»[5] عن الرسول الأكرم، وعن «عيون أخبار الرضا»[6]، فيما كتب الرضا للمأمون، ثلاثة أحاديث بهذا المضمون: «مَنْ مَاتَ وهُوَ لَا يَعْرِفُ إمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً».
وعن «ثواب الأعمال»[7] للصدوق حديث واحد بهذا المضمون: «مَنْ مَاتَ ولَيسَ عَلَيْهِ إمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً».
وعن «المحاسن»[8] للبرقيّ حديث واحد بهذا المضمون «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ لَهُ إمَامٌ فَمَوْتُهُ مِيتَةٌ جَاهِليَّةٌ». وعنه أيضاً: «مَن مَاتَ بِغَيْرِ إمَامِ جَماعَةٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
وعن «الغيبة»[9] للنعمانيّ حديث واحد بهذا المضمون: «مَن بَاتَ لَيْلَةً لَا يَعْرِفُ فِيها إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً».
وعن «عيون أخبار الرضا»[10] و«كنز الفوائد»[11] للكراجكيّ، عن الرضا، عن آبائه، عن عليّ عليه السلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله حديثان بهذا المضمون: «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ لَهُ إمَامٌ مِنْ وُلدِي مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً ويُؤخَذُ بِمَا عَمِلَ في الْجَاهِلِيَّةِ والإسلامِ».
وعن كتاب «الغيبة» للنعمانيّ[12] أيضاً ثلاثة أحاديث: الأوّل: عن ابن أبي يعفور، والثاني: عن سماعة بن مهران، والثالث: عن حمران بن أعين، يقول هؤلاء الثلاثة باختلاف يسير في المضمون: قلنا للصادق عليه السلام: رجل يتولّاكم، ويبرأ من عدوّكم، ويُحلّل حلالكم، ويحرّم حرامكم، ويزعم أنَّ الأمر فيك لم يخرج منكم إلى غيركم. إلّا أنَّه يقول: إنَّهم [المقصود أبناء السجّاد، والباقر وأبناء الحسن بشكل عام] قد اختلفوا فيما بينهم وهم الأئمّة القادة. وإذا اجتمعوا على رجل فقالوا: هذا، قلنا: هذا، فقال عليه السلام: «إنْ مَاتَ على هَذَا، فَقَد مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
وينقل أيضاً ثلاث روايات عن كتاب «الاختصاص»[13].
الاولى: عن عمر بن يزيد، عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام أنَّه قال: «سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً، إمَامٍ حَيّ يَعْرِفُهُ» قُلْتُ: لَمْ أسْمَعْ أباكَ يَذْكُرُ هَذَا يَعْنِي إمَاماً حَيّاً، فَقَالَ: «قَدْ واللهِ قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ». قالَ: وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ لَهُ إمَامٌ يَسْمَعُ لَهُ ويُطِيعُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
الثانية: عن محمّد بن عليّ الحلبيّ أنَّه قالَ: قَالَ أبو عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السّلامُ: «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ عَلَيْهِ إمَامٌ حَيّ ظَاهِرٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
الثالثة: عن أبي الجارود أنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أبا عَبدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ عَلَيْهِ إمَامٌ حَيّ ظاهِرٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». قَالَ قُلْتُ: إمَامٌ حَيّ جُعِلْتُ فِداكَ؟ قَالَ: «إمَامٌ حَيّ، إمَامٌ حَيّ».
يقول السيّد عليّ خان المدنيّ في «شرح الصحيفة السجّاديّة»[14]: الروايات في هذا الموضوع من طرق الخاصّة أكثر من أن تحصى. وأمّا من طريق العامّة[15]، فمنها الحديث المشهور المتّفق على روايته عن النبيّ، وهو قوله: «مَن مَاتَ ولَمْ يَعْرِف إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً». وذكره الحاكم في «المستدرك» وعدّه صحيحاً عن طريق ابن عمر فقال: قال رسول الله: «مَن مَاتَ ولَيْسَ عَلَيْهِ إمَامُ جَمَاعَةٍ فَإنَّ مَوْتَهُ مَوْتَةٌ جَاهِليَّةٌ».
وروى ابن مردويه حديثاً عن عليّ عليه السلام بسند متّصل أنَّه قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في قَولِ الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ}[16] قَالَ: يُدعى كُلُّ قَوْمٍ بِإمَامِ زَمَانِهِمْ وكِتَابِ رَبِّهِمْ وسُنَّةِ نِبِيِّهِمْ».
وروى ابن عساكر عن خالد بن صفوان بسند متّصل أنَّ رسول الله قال: «لَا تَخْلُو الأرضُ مِن قَائِم لِلهِ بِحُجَّتِهِ في عِبَادِهِ». ومنها عن طريق العامّة ما قاله العلّامة الأمينيّ: روى هذا الحديث من طريق أبي صالح عن معاوية مرفوعاً: [وهو مذكور في المسند، للإمام أحمد حنبل ج 4، ص 94]: «مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[17]. ثمّ قال: أخرجه الحافظ الهيثميّ في «مجمع الزوائد» ج 5، ص 218، وأبو داود الطيالسيّ في مسنده ص 259 من طريق عبد الله بن عمر، وزاد: [عليه جملة عن رسول الله وهي] «وَمَنْ نَزَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ جَاء يَوْمَ القِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ».
وقال أيضاً: وهذا الحديث معتضدٌ بألفاظ اخرى من طرق شتّى منها قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن مَاتَ ولَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». أخرجه مسلم في صحيحه ج 6، ص 22، والبيهقيّ في سننه ج 8، ص 156، وابن كثير في تفسيره ج 1، ص 517، والحافظ الهيثميّ في «مجمع الزوائد» ج 5، ص 218. واستدلّ بهذا اللفظ شاه وليّ الله في كتاب «إزالة الخفاء» ج 1، ص 3، على وجوب نصب الخليفة على المسلمين إلى يوم القيامة وجوباً كفائيّاً.
الثاني: وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ عَلَيْهِ طَاعةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». أخرجه أحمد في مسنده ج 3، ص 446، والهيثميّ في «المجمع» ج 5، ص 233.
الثالث: وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن مَاتَ ولَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». ذكره التفتازانيّ في «شرح المقاصد» ج 2، ص 275، وجعله كقول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} في المفاد. وبهذا اللفظ ذكره التفتازانيّ أيضاً في «شرح عقائد النسفيّ» الطبوع سنة 1320هـ. غير أنَّ يد الطبع الأمينة على ودائع العلم والدين حَرّفت من الكتاب في طبع سنة 1313 هـ سبع صحائف يوجد فيها هذا الحديث.
وحكاه الشيخ على القاريّ صاحب «المرقاة» في خاتمة «الجواهر المضيئة»، ج 2، ص 59. وقال في ص 457: وقوله عليه السلام في صحيح مسلم: «مَن ماتَ ولَمْ يَعْرِف إمَامَ زَمانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، معناه: من لم يعرف إماماً يجب عليه الاقتداء والاهتداء به في أوانه.
الرابع: وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ وفَارَقَ الجَمَاعَةَ[18] فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً». أخرجه مسلم في صحيحه ج 6، ص 21، والبيهقيّ في سُننه ج 8، ص 156. وذكر في «تَيسير الوصول» في الجزء الثالث، ص 39، نقلًا عن الصحيحين للشيخين من طريق أبي هريرة.
الخامس: وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن فَارَقَ الْجَمَاعَةَ[19] شِبراً فَمَاتَ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ». أخرجه مسلم في صحيحه ج 6، ص 21.
السادس: قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَنْ مَاتَ ولَا إمَامَ لَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةٌ». ذكره أبو جعفر الإسكافيّ في «خلاصة نقض كتاب العثمانيّة» للجاحظ ص 29. وذكره الهيثميّ في «المجمع» ج 5، ص 224 و225 بلفظ: «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ عَلَيْهِ إمَامٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيةٌ»؛ وبلفظ: «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ عَلَيْهِ إمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةٌ».
السابع: وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ لإمَامِ جَمَاعَةٍ عَلَيْهِ طَاعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». أخرجه الحافظ الهيثميّ في «مجمع الزوائد» ج 5، ص 219.
الثامن: وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن أتَاهُ مِنْ أمِيرهِ مَا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإنَّ مَنْ خَالَفَ الْمُسلِمِينَ قَيْدَ شِبْرٍ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَة الجَاهِلِيَّةِ». [جاء هذا الحديث في] «شرح السير الكبير» ج 1، ص113[20].
نعم فهذه مجموعة من الأحاديث التي وردت بهذا السياق صرّحت بحكم رسول الله بأنَّ من لم يعرف إمام زمانه ومات، فإنَّه مات ميتة أهل الجاهليّة. ولا مجال للنقاش في سندها؛ لأنَّها بلغت حدّ الاستفاضة، بل حدّ التواتر من حيث الكثرة مضافاً إلى أنَّ سند أكثرها سند صحيح، بحيث إنَّ بعض الكبار اعتبر هذه الأحاديث في عداد الأحاديث المأثورة عن رسول الله، التي بلغت حدّ التواتر المعنويّ مثل حديث: «مَنْ كُنتُ مَولَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ»، فقد نقلوا أنَّ هذا الحديث مأثور عن رسول الله بالتواتر المعنويّ، وذهب الكثيرون إلى تواتره اللفظيّ.
[1] يقول السيّد على خان المدنيّ في شرح الدعاء السابع والأربعين من «رياض السالكين» ص 501: فَمِنْهُ الحَديثُ المَشْهُورُ المُتَّفَق على رِوايَتِهِ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ: "مَنْ مَاتَ ولَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً."
[3] «بحار الأنوار» ج 7، ص 16 إلى ص 20.
[4] «المصدر السابق» ج 10، كتاب الإيمان، ص 195.
[5] «المصدر السابق» ج 7، ص 16 إلى ص 20.
[7] «المصدر السابق» ج 7، ص 18.
[8] «المصدر السابق» ج 7، ص 17.
[10] «المصدر السابق»، ص 20.
[11] «نفس المصدر السابق».
[12] «بحار الأنوار» طبع الكمباني، ج 7، ص 17.
[13] «المصدر السابق» ج 7، ص 20.
[14] «تلخيص الرياض» ج 3، ص 242.
[15] «المصدر السابق» ج 3، ص 241.
[16] الآية 71، من السورة 17: الإسراء.
[17] «الغدير» ج 10، ص 358.
[18] قال المرحوم الصدوق: الجَمَاعَةُ أهْلُ الْحَقِّ وإنْ قَلُّوا، وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ أنَّه قالَ: الْمُؤمِنُ وَحْدَهُ حُجَّةُ والْمُؤمِنُ وَحْدَهُ جَمَاعَةٌ «بحار الأنوار» ج 8، ص 2.
[20] «الغدير» ج 10، ص 359 وص 360.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة