ليس لأُولي الأمر حقّ التشريع
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص139-142
2025-11-18
102
هذا مردود من ناحيتين: الأولى: قلنا: أنّ المراد من أولي الأمر هم المعصومون لا غيرهم. الثانية: قلنا: أنّ حقّ التشريع يختصّ بكتاب الله في الاصول. أمّا في الفروع وبيان خصوصيّات الأحكام وتعيين الموضوعات، فإنّه لرسول الله، وليس لأولي الأمر حقّ في ذلك، بدليل أنّ الآية تقول عند التنازع: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ}[1].
لذلك فإنّ جميع الآراء والفتاوى التي صدرت عن الخلفاء، صغرى وكبرى لا تحظى بتأييد الشارع.
أجل، فإنّ هذه الشريحة من العامّة على مدّعاها تستدلّ قائلة: لمّا كانت مراعاة المصلحة العامّة ومتطلّبات كلّ عصر تستدعي أن يصدر الخليفة أحياناً حكماً خاصّاً، فالواجب يقتضي إطاعة حكمه حتى لو كان مخالفاً للكتاب والسنّة. وهذا الحكم يحظى بتأييد الدين أيضاً وفقاً لآية أولي الأمر؛ لأنّه لمّا كان الدين يريد صلاح الامّة في كلّ عصر، وأنّ الخليفة يحكم على الناس وفقاً لآية أولي الأمر، وأنّه أصدر هذا الحكم الخاصّ مخالفاً للنصوص الدينيّة، فمن الطبيعيّ أنّ هذا الحكم يحظى بتأييد الشارع.
والذي ينظر في التاريخ، يجد أنّ حكومات مختلفة قد تعاقبت على الامّة منذ عصر صدر الإسلام، وأنّ مثل تلك الأحكام قد صدرت عن الحكّام كثيراً في العصر الامويّ والعبّاسيّ. ففي ضوء هذه النظرية، لا يعدّ للدين مفهوم صحيح؛ لأنّ الدين في قاموس هؤلاء عبارة عن مصالح اجتماعيّة يتعامل الحاكم والسلطان بمقتضاها في كلّ عصر. ويغيّر حكم الله ورسوله وفقاً لما يراه من مصلحة، على النحو المتداول في المجتمعات الاخرى حيث يحكم أهل الحلّ والعقد في كلّ عصر وفقاً لصلاح تلك الجماعة وينفّذون ذلك. فالدين- في ظلّ هذه النظرية- سيصبح سنّة اجتماعيّة فقط، إذ كان الأنبياء في العصور الخالية يبيّنونه في قالب الدين، وعلى شكل إظهار الوحي، وذلك من أجل تربية الناس. كما يصرّح البعض بأنّ الدين سنّة اجتماعيّة في قالب الوحي.
وأنّ مشاهدة جبرئيل، ووجود الجنّة والنار، والصراط، والكتاب وغيرها من الأشياء، جاءت بشكل مبسّط لتفهيم الناس وتطويعهم. ولمّا تطوّرت العلوم، وشقّت طريقها في العالم، فلا معنى لتربية الناس بنمط دينيّ، لقد كان الدين في حلقة من حلقات الماضي مدرسة تربويّة، وكما أنّ علماء الجيولوجيا يخرجون من باطن الأرض أشياء من خلال دراسة آثار طبقات الأرض «الجيولوجيا»، فيتصدُّوا إلى الخوض في أحوال أهل ذلك العصر وخصوصيّاتهم، فكذلك علماء الاجتماع هذا اليوم، فإنّ عليهم الخوض في المباحث الدينيّة بنفس تلك الطريقة.
إذا كان قصد أهل السنّة من لزوم إطاعة الخلفاء هو إطاعتهم بأيّ شكل كان، فلا نقاش لنا معهم؛ لأنّ هذا النقاش سيئول إلى إنكار الله وعوالم الباطن، والملكوت، والفضائل الأخلاقيّة، والمعاد، واتّصال الأنبياء بالملائكة.
وأمّا إذا كان قصدهم هو أنّ للخلفاء، مع وجود الاعتقاد بالله ورسوله، أن يضعوا حكماً من عندهم وفقاً لمصالح العصر وقابليّات الناس، فينبغي أن نقول في جوابهم، أنّ الدين أمر أصيل، والأحكام الدينيّة حاكمة على الاجتماعيّات ومصالحها، أي: يجب إصلاح المجتمعات بالتعاليم الدينيّة، ويجب تربية الناس بتطبيق التعاليم الإلهيّة. وينبغي تنظيم المجتمع على أساس التعاليم الدينيّة؛ لا أنّ الدين يفقد أصالته، ويعيش المجتمع مستقلّا ومنفكاً عنه فلا يتنازل عن فعليّة تفكيره القائم ومصالحه التخيّليّة فيفرض رأيه على الأحكام الدينيّة، ويجعلها عرضة للتغيّر والتبديل.
وفيما يلي نماذج قرآنيّة كشاهد على ما نقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ}[2]. {فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[3]. {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ... ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ... ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ... فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً ومِنْهاجاً ... وأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ}[4].
ويقول تعالى- أيضاً: {وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ولا واقٍ}[5]. {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ}[6]. {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}[7].
أجل، فإنّ سبب جميع هذه الأحكام الباطلة التي صدرت عنهم هو أنّهم زحزحوا الخلافة عن محورها الأصليّ بعد رسول الله، واجتهدوا في الأحكام وفقاً لآرائهم وأهوائهم، ومنذ ذلك الحين فإنّ كلّ حاكم جاء بعدهم حذا حذوهم فحكم وأفتى وفقاً لميله وهواه، جرياً على تلك السنّة السيّئة لأولئك الاوّل. ثمّ وضعوا لذلك اسماً هو: مصلحة المجتمع.
[1] الآية 59، من السورة 4: النساء.
[2] الآية 57، من السورة 6: الأنعام.
[3] الآية 32، من السورة 10: يونس.
[4] الآيات 44 إلى 49، من السورة 5: المائدة.
[5] الآية 37، من السورة 13: الرعد.
[6] الآية 26، من السورة 38: ص.
[7] الآية 7، من السورة 49: الحجرات.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة