عجز أكثريّة الناس عن انتخاب الإمام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص89-92
2025-11-12
40
أنّى يتسنّى للناس الذين هم في غطاء عن العلم بالباطن والسرائر والنيّات والملكات أن يعرفوا الشخص المتّصف بأدقّ الملكات والصفات الروحيّة. وأعمقها، وألطفها، فيختاروه إماماً؟ ولو قاموا بذلك، فإنّهم يحيدون عن جادّة الصواب. وعند ما نقرأ عن موسى على نبيّنا وآله وعليه السلام أنّه اختار سبعين رجلًا من قومه لميقات ربّه وأنّ هؤلاء المصطفَين قد سقطوا في الامتحان حين طلبوا منه أن يريهم الله جهرة، حيث جاء في القرآن على لسانهم: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}[1]، فما بالنا باختيار الناس العاديّين، وما ذا ننتظر من أهل الماديّات غير أنّهم يميلون إلى من يشبع غرائزهم ويضمن لهم ماديّاتهم وشهواتهم. فيصوّتوا لصالحه؟! وفي مثل هذه الحالة. فما هو الدليل القاطع المقنع على أن نقول بأن هؤلاء لا يخطئون في اختيارهم. ولا ينتخبون شخصاً منحرفاً لمقاليد الامور؟، وربّما كان انتخابهم لأشخاص خونة خَبَّأوا أنفسهم وراء الكواليس وعند ذلك، تُرتكَب الجرائم، وتشيع المعاصي والذنوب، ولا يدري هؤلاء المساكين ما الخبر؟؛ ولا يدركون الأساليب الخادعة البرّاقة التي اتّخذها المنتخَب، أو إنّهم يدركونها ولكن لا حيلة لهم حيالها. فيتسلّط علي الناس ويجرّهم جميعاً إلى جحيم الهلاك، كما نجد ذلك ملحوظاً للغاية في بيعة معاوية، ويزيد، وبقيّة سلاطين بني أميّة.
أنّ الله الذي خلق الخلق بالحقّ، كيف يفوّض للناس القاصرين في عملهم، المحتاجين إلى من يعلّمهم، نصب الإمام؟ {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}[2].
وقد نبّه رسول الله الناس إلى هذه الحقيقة منذ اليوم الأوّل الذي نشر فيه دعوته وبلّغها القبائل. فلمّا عرض على بني عامر بن صَعْصَعة دعوته قال له رجل منهم: أ رأيتَ إن نحن بايعناك على أمرك، ثمّ أظفرك الله على من خالفك، أ يكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال: الأمر إلى الله يضعه حيث شاء[3].
قال تعالى: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ومَنْ يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً}[4].
كيف يتيسّر للناس أن ينتخبوا لهم إماماً وهم على ما هم عليه من الأغراض الشخصيّة، والمشاجرات، والشهوات، واختلاف الآراء والمعتقدات في المقياس الذي يشخّصون المرشّح الصالح؟ لا سيّما مع كثرة التجمّعات، وتشتّت الروحيّات، ووجود التكتّلات المضادّة للحقّ التي كانت ولا زالت ممّا تنوء به البشريّة. ولذلك يلاحظ ما ذا جرّت الإنتخابات من ويلات، فكم من حقوق قد اضيعت، ودماء اريقت وأموال نُهبت. وأعراض هُتكت، وأحكام عُطّلت، وحدود امتُهنت وإذا بذلك الإسلام الذي رفد الناس بالحياة وامتدت أغصانه على أساس الحقّ والعدالة فظلّلت ربوع المعمورة، أضحى مسرحاً للأحداث الدامية الشنيعة والعوبة بِيَدِ الفجّار والفسّاق الذين خلا لهم الجوّ ليشنّوا هجماتهم ضدّ المساكين الأبرياء، وواصلوا انتهاكاتهم وتعدّياتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
فما يتطلّبه هذا الحديث وما نستخلصه من هذا البحث هو أنّ الخليفة ينبغي أن يكون معصوماً، ومنصوباً من قبل الله. ومضافاً إلى ذلك كلّه يمكن أن يواجه الخليفة المنتخب مسائل علميّة يعجز عن جوابها، ففي مثل هذه الحالة، ومن أجل المحافظة على شخصيّته، إمّا يجيب من عنده ويفتي بلا دليل، وإمّا يرجع إلى أهل الرأي فيأخذ الجواب ممّن هو أعلم منه وأوعى. ففي الحالة الأولى أظهر فشل القانون الإلهيّ وضعفه، أمّا في الحالة الثانية، فقد أسقط مكانته ومنزلته من الأنظار. فالإمام الذي هو الحاكم الروحيّ والمعنيّ للناس يجب أن يتّبع بما له من منزلة هي كمنزلة نفس النبيّ {وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}[5]، فيقيم الحدود الإلهيّة، ويدحض الباطل ما استطاع إلى ذلك سبيلًا. وربّما يفضي عجزه عن الإجابة على الأسئلة إلى ضعف يقين السائل وتشكيكه به. {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ}[6]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى والْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ والنُّورُ}[7].
وعند تقدّم المفضول على الفاضل، فإنّ الباطل سيتقدّم على الحقّ والجهل على العلم. ومن هنا تنبثق ضروب الفساد. {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ، ولَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ والْأَرْضُ ومَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ}[8].
[1]الآية 153، من السورة 4: النساء.
[2]الآية 68، من السورة 28: القصص.
[3]«سيرة ابن هشام» ج 2، ص 289 و«السيرة الحلبيّة» ج 2، ص 3.
[4]الآية 36، من السورة 33: الأحزاب.
[5]الآية 64، من السورة 4: النساء.
[6]الآية 9، من السورة 39: الزمر.
[7]الآية 16، من السورة 13: الرعد.
[8]الآيتان 70و 71، من السورة 23: المؤمنون.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة