وصاية أمير المؤمنين عليه السلام من قِبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص207-216
2025-11-23
33
أعلن رسول الله في أوّل يوم دعا فيه عشيرته إلى الإسلام أنّ عليّاً أخوه ووزيره ووصيّه وخليفته. وقد نقلنا وقائع تلك الجلسة في هذا الكتاب.
وروى ابن المغازليّ، وهو من أعيان علماء العامّة، بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «يَا عليّ أنتَ سَيِّدُ المسلمين وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وقائِدُ الْغُرِّ المُحَجَّلين ويَعْسُوبُ المؤمنين»[1]. ثمّ قال ابن المغازليّ نفسه: قال أبو القاسم الطائيّ: سألت أحمد بن يحيي عن معنى اليعسوب، فقال: أمير النحل وذَكَرها. وقد شبّه رسول الله عليّ بن أبي طالب في هذا الخبر بأمير النحل.
وروى الشيخ عبد الحافظ بن بدران عن جماعة كثيرة عن مشايخه بسلسلة إسناده المتّصل عن الشعبيّ قوله: قَالَ عليّ عَلَيْهِ السَّلامُ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله علَيهِ وآلهِ وسلّم: مَرحَباً بِسَيِّدِ المسلمين، وإمَامِ الْمُتَّقِينَ. فَقِيلَ لِعَليّ: فَأيّ شَيءٍ كَانَ مِنْ شُكْرِكَ؟ قَالَ حَمِدتُ اللهَ عَزَّ وجلَّ عَلَى مَا آتانِي، وسَألْتُهُ الشُّكْرَ عَلَى مَا أوْلَانِي، وأن يَزِيدَني مِمَّا أعْطَانِي»[2].
ونقل الحموينيّ، وهو من كبار علماء العامّة، بسنده المتّصل عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنّهُ قَالَ: كُنتُ يُوماً مَعَ النَّبِيّ صلى الله عَلَيهِ وآلهِ وسلّم في بعضِ حِيطانِ المَدِينَةِ ويَدُ عليّ في يَدِهِ، فَمَرَرْنا بِنَخلٍ فَصَاحَ النخْلُ: هَذَا مُحَمّدٌ سَيِّدُ الأنْبِياءِ، وهَذَا عليّ سَيِّدُ الأوصِيَاءِ وأبُو الأئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ، ثُمَّ مَرَرْنَا بِنَخلٍ: فَصَاحَ النَّخْلُ، هَذَا الْمَهْدِيّ، وهَذَا الْهادِي، ثُمَّ مَرَرْنَا بِنَخلٍ، فَصَاحَ النَّخل: هَذَا مُحَمَّدٌ رسُولُ اللهِ، وهَذَا عليّ سَيْفُ اللهِ، فالْتَفَتَ النَّبِيّ إلى عليّ، فَقَالَ: «يَا عليّ سَمِّهِ: الصَّيحانِيَ» فَسُمِّيَ مِن ذَلِكَ اليَومِ: الصَّيحانِيّ[3].
ونقل أيضاً بإسناده المتّصل عن سعيد بن جُبَير عن ابن عبّاس أنّه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسلّم لُامّ سَلَمَةَ: «هَذَا عليّ بنُ أبِي طَالِبٍ لَحْمُهُ لَحْمِي ودَمُهُ دَمِي وهُوَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى إِلَّا أنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي يَا امَّ سَلَمَةَ هَذَا عليّ أمير المؤمنين وسَيِّدُ المسلمين ووَصِيِّي وعَيبَةُ عِلمِي وبَابي الذي اوتى مِنهُ. أخي في الدُّنيَا والآخِرَةِ ومَعِي في السَّنَامِ الأعلَى، يَقتُلُ النَّاكِثِينَ والقَاسِطِينَ والمَارِقِينَ»[4]. (أصحاب الجمل وصفّين والنهروان).
وروى أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ بإسناده عن ابن أبي ليلي عن الحسن بن عليّ عليهما السلام أنّه قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَليهِ وَآله وسلّم: ادعُوا إلى سَيِّدَ الْعَرَبِ» - يَعْنِي عَليّاً- فَقَالَت عائشَةُ: ألَستَ سَيِّدَ الْعَرَبِ؟ قَالَ: «أنا سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ وعليّ سَيِّدُ الْعَرَبِ»، فَلَمَّا جاءَ عليّ أرسَلَ إلى الأنصَارِ فَأتَوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: «يَا مَعشَرَ الأنصَارِ! أ لَا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا إِن تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلِّوا بَعْدَهُ أبَداً»؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: «هَذَا عليّ فَأحِبُّوهُ بِحُبِّي وأكْرِمُوهُ بِكَرَامَتِي فَإنَّ جَبْرَئيلَ أمَرَنِي بِالَّذِي قُلتُ»[5]. قال أبو نعيم: رووا هذا الحديث بسند آخر أيضاً عن سعيد بن جبير.
وروى أبو الحسن الفقيه محمّد بن أحمد بن عليّ بن شاذان في كتابه «فضائل عليّ وأولاده المعصومين عليهم السلام» الحاوي مائة منقبة عن طريق أهل السنّة، روى بإسناده عن حَبّةَ العُرَنيّ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسلّم: أنَا سَيِّدُ الأوّلِينَ والآخَرِينَ، وأنتَ يَا عليّ؛ سَيِّدُ الخلائِقِ بَعْدِي، أوَّلُنا كآخِرِنَا وآخِرُنَا كَأوَّلِنَا»[6].
وروى ابن شاذان أيضاً عن طريق العامّة عن ابن عبّاس أنّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسلّم: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ بَشيراً ما اسْتَقَرَّ الْكُرسِيّ والْعَرشُ ولَا دارَ الْفَلَكُ ولَا قَامَتِ السمَاوَاتِ والأرضُ إِلَّا بِأنْ كُتِبَ عَلَيها: لَا إِلهَ إِلّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، عليّ أمير المؤمنين وأنّ اللهَ تعالى عَرَجَ بي إلى السَّمَاءِ واخْتَصَّنِي بِلَطِيفِ نِدَائِهِ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! قُلتُ: لَبَّيكَ رَبِيّ وسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: أنَا الْمَحْمُودُ وأنتَ مُحمَّدٌ شَقَقْتُ اسْمَكَ مِنْ اسْمي وفَضَّلْتُكَ عَلى جَمِيعِ بَرِيَّتِي فَانْصِبْ أخاكَ عَلِيّاً عَلَماً يَهْديهِمْ إلى دِيني. يَا مُحَمَّدُ! إِنّي جَعَلْتُ عَلِيّاً أمير المؤمنين، فَمَنْ تَأمَّرَ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُ، ومَن خَالَفَهُ عَذَّبتُهُ، ومَن أطَاعَهُ قَرَّبْتُهُ. يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي قَدْ جَعَلتُ عَلِيّاً إِمَامَ المسلمين، فَمَن تَقَدَّمَ عَلَيْهِ أخزَيتُهُ، ومَنْ عَصَاهُ اسْتَجْفَيْتُهُ. أنّ عَلِيّاً سَيِّدُ الوَصِيّينَ، وقَائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلين، وحُجَّتِي عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي أجمَعِينَ»[7].
وروى هو أيضاً عن طريق العامّة عن ابن عبّاس أنّه قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسلّم يَقُولُ: مَعاشِرَ النَّاسِ! اعْلَمُوا أنّ لِلّهِ تعالى بَاباً مَنْ دَخَلَهُ أمِنَ مِنَ النَّار ومِنَ الْفَزَعِ الأكْبَرِ»، فَقَالَ لَهُ أبو سَعِيد الخُدْريّ: يَا رَسُولَ اللهِ! اهْدِنَا إلى هَذَا البَابِ حتى نَعْرِفَهُ، قَالَ: «هُوَ عَلِيّ بْنُ أبِي طالِبٍ سَيِّدُ الوَصِيِّينَ وأمير المؤمنين وأخُو رَسُولِ رَبِّ العالَمِينَ وخَلِيفَةُ اللهِ عَلى النّاسِ أجمَعِينَ. مَعَاشِرَ النَّاسِ! مَنْ أحَبَّ أن يَسْتَمْسِكَ بالعُروَةِ الوثْقَى الَّتي لَا انْفِصَامَ لَها، فَليَتَمَسَّكْ بِوِلَايَةِ عليّ بنِ أبِي طالِبٍ فَإِنَّ وِلَايَتُهُ وِلَايَتِي وطَاعَتُهُ طَاعَتِي. يا مَعَاشِرَ النَّاسِ مَن أمرّه الله ليَقتَدِيَ بِي فَعَلَيهِ أن يَتوالى وِلَايَةِ عليّ بنِ أبِي طالِبٍ فَإنَّ وِلَايَتُهُ وِلَايَتِي وطَاعَتُهُ طَاعَتِي. يَا مَعَاشِرَ النَّاسِ! مَن أحَبَّ أن يَعْرِفَ الحُجَّةَ بَعدِي فَليَعْرِفْ عليّ بنَ أبِي طَالِبٍ بَعْدي والأئِمّةَ مِنْ ذُرِّيَتِي فَإِنَّهُمْ خُزّانُ عِلمِي». فَقَامَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ الأنصَارِيّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ما عِدَّةُ الأئِمّةِ؟ فَقَالَ: «يَا جَابِرُ؛ سَألتَنِي رَحِمَكَ اللهُ عَنِ الإسلَامِ بِأجْمَعِهِ، عِدَّتُهُمْ عِدَّةُ الشُّهُورِ وهُوَ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً في كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرضَ وعِدَّتُهُمْ عِدَّةُ العُيُونِ التِي انْفَجَرَت مِنهُ لِمُوسَى بْنِ عِمْرانَ حِينَ ضَرَبَ بِعَصَاهُ فَانْفَجَرَتْ مِنهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيناً، وعِدَّةُ نُقَباءِ بَنِي إسرائيلَ. قَالَ اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} فَالأئِمّةُ يا جَابِرُ؛ اثْنَا عَشَرَ إمَاماً، أوَّلُهُمْ عليّ بنُ أبِي طَالِبٍ، وآخِرُهُمُ القائِمُ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِم»[8].
وروى ابن شاذان أيضاً بإسناده من طريق العامّة عن أبي ذر الغفاريّ أنّه قالَ: نَظَرَ النَّبيّ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسلّم إلى عليّ بْنِ أبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: «هَذَا خَيرُ الأوَّلِينَ مِنْ أهلِ السَّمَاوَاتِ والأرَضِينَ، هَذَا سَيّدُ الصِّدِّيقِينَ، هَذَا سَيِّدُ الوَصِييِّنَ وإِمَامُ المُتَّقِينَ وقائِدُ الغُرِّ الْمحَجَّلِينَ، إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ جاءَ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ فَوقِ الجَنَّةِ قَد أضَاءَتِ القِيَامَةُ مِن ضِيائِها، عَلَى رَأسِهِ تاجٌ مُرَصَّعٌ بالزَّبَرجَدِ والياقُوتِ، فَتَقُولُ الملائكةُ: هَذَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ويَقُولُ النَّبِيُّونَ: هَذَا نَبِيّ مُرسَلٌ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِن بُطْنانِ الْعَرْشِ: هَذَا الصِّدِّيقُ الأكْبَرُ، هَذَا وَصِيّ حَبِيبِ الله، هَذَا عليّ بنُ أبِي طالِبٍ، فَيَقِفُ عَلَى مَتنِ جَهَنَّمَ فَيُخرِجُ مِنها مَن يُحِبُّ ويُدخِلُ فِيها مَن يُبغِضُ، ويَأتِي أبوابَ الجَنَّةِ فَيُدخِلُ أولِياءَهُ بِغَيرِ حِسابٍ»[9].
وروى ابن شاذان أيضاً عن طريق العامّة عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسلّم: سَتَكُونُ بَعْدِي فِتْنَةٌ مُظْلِمَةٌ النَّاجِي مَنْ تَمَسَّكَ بالعُروَةِ الوُثقَى، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ومَنِ العُروَةُ الوُثقَى؟ قَالَ: وِلَايةُ سَيِّدُ الوَصِييّنَ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ومَنْ سَيِّدُ الوَصِييّنَ؟ «قَالَ أمير المؤمنين». قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، ومَنْ أمير المؤمنين؟ قَالَ: «مَولَى المسلمين وإمَامُهُم بَعْدِي. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ومَنْ مَولَى المسلمين وإِمَامُهُم بَعدَكَ؟ قَالَ: أخِي عليّ بنُ أبِي طالِبٍ».[10]
وروى الشيخ الصدوق ابن بابويه القُمّيّ أيضاً بإسناده المتّصل عن الأصبغ بن نباته أنّه قال: قَالَ أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلام: «أنَا خَليفَةُ رَسُولِ اللهِ ووَزيرُهُ ووَارِثُهُ، وأنَا أخُو رَسُولِ اللهِ ووصِيُّهُ، وأنَا صَفِيّ رَسُولِ اللهِ وصاحِبُهُ، أنَا ابنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ وزَوجُ ابْنَتِهِ وأبو وُلدِهِ، وأنَا سَيِّدُ الوَصِيّينَ. أنَا الحُجَّةُ العُظمَى والآيَةُ الكُبرَى والمَثَلُ الأعْلَى وبابُ النَّبِيّ المُصْطَفَى، أنَا العُرْوَةُ الوُثقَى وكَلِمَةُ التَّقوَى وأمِينُ الله تعالى ذِكرُهُ عَلَى أهْلِ الدُّنْيَا»[11].
وروى أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي منصور الطبرسيّ في كتاب «الاحتجاج» عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّ عمر بن الخطّاب لمّا دنا أجله جعل الخلافة شورى، وعيّن ستّة من قريش بينهم أمير المؤمنين عليه السلام وأوصى أن لا تمرّ عليهم ثلاثة أيّام إلّا ويختاروا منهم خليفة. وبعد مشاورات متواصلة، تمّ انتخاب عثمان بن عفّان. فَلَمَّا رَأى أمير المؤمنين مَا هُمْ بِهِ مِنَ البَيْعَةِ لِعُثمانَ، قَامَ فيهِم لِيَتَّخِذَ عَلَيْهِمُ الحُجَّةَ، فَقَالَ لَهُمُ: «اسمَعُوا مِنّي، فَإِن يَكُ مَا أقُولُ حَقّاً فاقْبَلُوا، وإِن يَكُ بَاطِلًا فَأنكرُوا، ثُمَّ قَالَ لَهُم: أنشُدُكُمْ بِاللهِ الذي يَعلَمُ صِدقَكُمْ إِن صَدَقتُم، ويَعلَمُ كِذبَكُمْ إن كَذَبْتُمْ، هَل فِيكُم أحَدٌ صلى الْقِبلَتَينِ كِلتَيهِمَا غَيْرِي؟ قَالُوا: لَا. قالَ: فَهَل فِيكُم مَن بَايَعَ البَيعَتَينِ كِلتَيهِمَا بَيعَةَ الفَتحِ وبيَعَةَ الرِّضوانِ غَيرِي؟ قَالُوا: لَا- وساقَ الحَدِيثَ بِذِكْرِهِ مَناقِبَةُ وفَضائِلَهُ فَيُصَدِّقُونَهُ في قَولِهِ لَهُمْ إلى أن قَالَ: فَأنشُدُكُمْ باللهِ هَل فِيكُمْ أحَدٌ قالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلّمَ: «أوَّلُ طَالِعٍ يَطْلُعُ عَلَيكُمْ مِن هَذا الْبَابِ يَا أنَسُ؛ فَإِنَّهُ أمير المؤمنين وسَيِّدُ المسلمين وخيرُ الوَصِيِّينَ وأولَى بالنَّاسِ»، فَقَالَ أنَسُ: اللَهُمَّ! اجعَلهُ رَجُلًا مِنَ الأنصَارِ، فَكُنتُ أنَا الطّالِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ لأنَسٍ: «مَا أنتَ يَا أنَسُ؛ بِأوَّلِ رَجُلٍ أحَبَّ قَومَهُ» غيرِي؟» قَالُوا: لَا[12].
نلاحظ هنا أنّ الإمام عليه السلام يستدّل بحديث أنَس. وحديث أنَس من الأحاديث المشهورة والمعتبرة. ولا شبهة ولا شكّ في صدوره عن رسول للَه صلى الله عليه وآله وسلّم وقد ثبّته الكبار من محدّثي السنّة في كتبهم ناهيك عن محدّثي الشيعة. وعدّوه من المسلّمات القطعيّات كحديث الغدير، وحديث العشيرة. وقد عرف هذا الحديث بحديث أنَس. وقد روى أبو نعيم الأصفهانيّ في «حلية الأولياء» ج 1، ص 63 ومحمّد بن طلحة الشافعيّ في «مطالب السئول» ص 21 عن أبي نعيم في «الحلية». وأحمد بن الموفّق الخوارزميّ في «المناقب» ص 51 وإبراهيم بن محمّد الحموينيّ الشافعيّ في «فرائد السمطين» ج 1 باب 27 والكنجيّ الشافعيّ في «كفاية الطالب» ص 92، تحت عنوان «تخصيص عليّ بكونه سيّد المسلمين»، وابن أبي الحديد المعتزليّ الشافعيّ في «شرح نهج البلاغة» ج 2 ص 450، والقندوزيّ الحنفيّ في «ينابيع المودّة» ص 313، عن أبي نعيم في «الحلية»، وابن شهرآشوب في «المناقب» ج 1 ص 543 عن حلية أبي نعيم وولاية الطبريّ، والسيّد هاشم البحرانيّ في «غاية المرام» ص 619 عن الحموينيّ، وابن عساكر في «تاريخ دمشق الكبير» الجزء الخاصّ بأمير المؤمنين، ورقة 99،[13] روى هؤلاء بإسنادهم عن أنَس أنّه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسلّم: «يَا أنَس! اسْكُبْ لِي وَضُوءاً»، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَينِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أنَسُ! أوَّلُ مَن يَدْخُلُ عَلَيْكَ مِن هَذَا البَابِ أمير المؤمنين وسَيِّدُ المسلمين وقَائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلين وخَاتَمُ الوَصِيّينَ». قَالَ أنَسُ: قُلتُ: اللَهُمَّ اجْعَلهُ رَجُلًا مِنَ الأنصَارِ، وكَتمتُهُ، إذْ جَاءَ عليّ، فَقَالَ: «مَن هَذَا يَا أنَسُ؟» فَقُلتُ: عليّ، فَقَامَ مُسْتَبشِراً فَاعْتَنَقَهُ ثُمَّ جَعَلَ يَمسَحُ عَرَقَ وَجهِهِ بِوَجهِهِ ويَمسَحُ عَرَقَ عليّ بِوَجْهِهِ، قَالَ عليّ: «يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَد رَأيْتُكَ صَنَعتَ شَيئاً ما صَنَعْتَ لِي مِن قَبلُ؟ قَالَ: ومَا يَمْنَعُنِي وأنتَ تُؤَدِّي عَنّي وتُسمِعُهُمْ صَوتِي وتُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْدِي»[14].
نحن هنا ندرس هذا الحديث في مرحلتين: الأولى: نبحث عن سنده متطرّقين أيضاً إلى المفردات الواردة فيه. الثانية: ندرس دلالته.
المرحلة الأولى: تبيّن لنا أنّ كبار أئمّة الحديث رووا هذا الحديث بسلسلة إسنادهم المتّصل. ونحن ذكرنا عشرة منهم بأسمائهم وكتبهم ولا يقدح أحد في رواته. يقول الكنجيّ الشافعيّ: وهَذا حَديثٌ حَسَنٌ عالٍ.
وذكرنا أيضاً أنّ هذا الحديث من المشهورات ولم يقدح فيه أحد ولم يضعّفه، بل ذكره أمثال الحافظ أبي نعيم، والحمويني، والطبريّ وهم من الأجلّاء في هذا الاختصاص، ومن أعاظم أساتذة الحديث، فقد رووه بإسنادهم المتّصل عن أنَس، وذكره ابن عساكر في «تاريخ دمشق الكبير».
وابن عساكر هذا هو المؤرّخ المشهور. وكان حافظاً ومحدّثاً. وكان يسكن بلاد الشام وهو صاحب السمعانيّ مؤلّف كتاب «الأنساب». ولد في دمشق سنة 499 ه-. وتوفّى سنة 571 ه-. روى هذا الحديث بسلسلة سنده عن أبي عليّ المُقري، عن أنس.
وليس هناك من اختلاف في ألفاظ هذا الحديث إلّا في بعض الجزئيّات التي أشرنا إليها في الهامش.
الوَضوء بفتح الواو هو الماء الذي يُتَوضّأ بِهِ. الأمير بمعنى الشخص الآمر والرئيس. السيّد وهو الكبير وذو السيادة.
[1] «غاية المرام» ص 618، الحديث الأوّل. وينقل في «نظم درَر السمطين» ص 114 عن أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني بسنده عن عبد الله بن حكيم الجهني أنّه قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّ اللهَ تَبارَكَ وتعالى أوْحَي إلى في عَلِي ثلَاثَةَ أشياءَ لَيلَةَ اسْرِيَ بِي: أنَّهُ سَيِّدُ الْمؤمِنِينَ وإمَامُ الْمُتَّقِينَ وقَائِدُ الْغُرّ الْمَحَجّلينَ». وذكر في الهامش أنّ أبا نعيم روي هذا الحديث في «حلية الأولياء» ج 1 ص 67.
[2] «المصدر السابق» ص 618، الحديث التاسع، وجاء ذلك أيضاً في «نظم درر السمطين» ص 11، عن الحافظ أبي نعيم الأصفهاني بإسناده عن الشعبي، وذكره أيضاً أبو نعيم في «حلية الأولياء» ج 1، ص 66.
[3] «غاية المرام» ص 619، الحديث الثاني عشر؛ و«نظم درر السمطين» ص 124. ونقل صاحب كتاب «علي والوصيّة» من الصفحة 196 فما بعدها ثلاثة أحاديث باختلاف يسير عن «أرجح المطالب» و«المناقب» للخوارزمي و«فرائد السمطين».
[4] «المصدر السابق» ص 620. الحديث الخامس عشر.
[5] «المصدر السابق» الحديث السادس عشر.
[6] «غاية المرام» ص 620، الحديث السابع عشر.
[7] «المصدر السابق» الحديث الثامن عشر.
[8] «غاية المرام» ص 620، الحديث التاسع عشر.
[9] «غاية المرام» ص 621، الحديث الثالث والعشرون.
[10] «غاية المرام» ص 621، الحديث الحادي والعشرون.
[11] «المصدر السابق» الحديث الأوّل.
[12] «غاية المرام» ص 621: الحديث الخامس.
[13] إنّ كثيراً من أجزاء كتاب تاريخ ابن عساكر لم يطبع بعدُ. وهي موجودة في مكتبات العالم المختلفة. وبينهما جزء كتبه المؤلّف عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو لم يطبع لحدّ الآن. وقد أمر المرحوم العلّامة الأميني بعض فضلاء النجف أن يأخذوا نسخة- مصوّرة على تلك النسخة الموجودة في المكتبة الظاهريّة بدمشق. وثبّتوها في مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامّة بالنجف. ونحن نقلنا تلك الرواية عن ابن عساكر عن تلك النسخة بناءً على ما نقله صاحب كتاب «علي والوصيّة» في ص 376، وقد ذكرها في استدراكات كتابه.
[14] يتّفق جميع العلماء الذين نقلنا عنهم على ألفاظ هذا الحديث نفسها إلّا في بعض الجزئيّات المشار إليها فيما يأتي، (1) يقول الخوارزمي: ثُمَّ جَعَلَ يَمسَحُ عَرَقَ وَجهِهِ ويَمْسَحُ وَجْهَ عَلِي عَلَي وَجهِهِ. (2) يقول ابن عساكر: ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ ويَمْسَحُ عَرَقَ عَلِي بِوَجْهِهِ. (3) يقول ابن شهرآشوب ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَرَقَ وَجْهِهِ بِوَجْهِهِ. فَلم يذكر الفقرة الثانية. (4) يقول القندوزي وابن أبي الحديد: ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَرَقَ وَجْهِهِ. ولم يذكر الفقرة الاخري أيضاً. (5) ذكر ابن أبي الحديد صدر الحديث بالشكل التالي: إمامُ الْمُتَّقِينَ وسَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ ويَعْسُوبُ الدينِ وخَاتَمُ الْوَصِيّينَ وقَائِدُ الْغُرّ الْمُحَجَّلِينَ.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة