الأوّل: روى الحموينيّ الشافعيّ في أواخر الجزء الثاني من «فرائد السمطين»[1] بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس أنّه قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّم: «أنّ عليّ بْنَ أبي طالِبٍ إمَامُ امَّتِي وخَلِيفَتي عَلَيها مِن بَعْدِي، ومِن وُلدِهِ القائمُ المُنَتظَرُ الذي يَمْلَا الأرَضَ قِسْطاً وعَدْلًا كَما مُلِئَتْ جَوْراً وظلماً. والَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ بَشيراً ونَذِيراً أنّ الثَابِتِينَ عَلَى القَولِ بِإمامَتِهِ في زمانِ غَيبَتِهِ لَاعَزُّ مِنَ الكبريتِ الأحْمَرِ». فَقَامَ إلَيْهِ جابِرُ بنُ عَبْد اللهِ الأنصارِيّ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! ولِلْقَائِمِ مِنْ وُلدِكَ غَيْبَةٌ؟ قَالَ: «أي ورَبّي لِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الْكافِرِينَ. يا جابِرُ؛ أنّ هَذَا الأمرَ مِن أمْرِ اللهِ وسِرٌّ مِن سِرِّ اللهِ، عِلَّتُهُ مطْوِيَّةٌ عَن عِبادِهِ[2]، فَإيّاكَ والشَّكَّ فَإنَّ الشَّكَّ في أمرِ اللهِ كُفْرٌ».
الثاني: روى العلّامة الحموينيّ الشافعيّ في «فرائد السمطين» ج1 الباب الخامس بإسناده عن الحسن بن خالد، عن عليّ بن موسى الرضا. عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام وكذلك ذكر العلّامة البحرانيّ في «غاية المرام» ص 35 هذا الحديث ذاته بنفس السند والمتن.
قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهِ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم: «مَن أحَبَّ أن يَتَمَسَّكَ بِدِيني ويَرْكَبَ سَفِينَةَ النَّجَاةِ بَعدْي فَليَقتَدِ بِعَلِيّ بنِ أبي طالِبٍ، وليُعادِ عَدُوَّهُ، ولْيُوالِ وَلِيَّهُ، فَإنَّهُ وَصِيِّي وخَلِيفَتِي عَلى امَّتِي في حَيَاتِي وبَعْدَ وَفَاتِي، وهُوَ إمامُ كُلِّ مُسلِمٍ، وأمير كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، قَولُهُ قَولِي، وأمْرُهُ أمْرِي، ونَهْيُهُ نَهْيي، وتابِعُهُ تابِعِي، وناصِرُهُ ناصِري، وخاذِلُهُ خاذِلِي ثُمَّ قَال صلى اللهِ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم: مَن فَارَقَ عَلِيّاً بَعدِي لَمْ يَرَنِي ولَم أرَهُ يَوْمَ القِيامَةِ، وموورىَن خالَفَ عَلِيّاً حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وجَعَلَ مَأواهُ النّارَ ومَن خَذَلَ عَلِيّاً خَذَلَهُ اللهُ يَوْمَ يُعْرَضُ عَلَيهِ؛ ومَن نَصَرَ عَلِيّاً نَصَرَهُ اللهُ يَوْمَ يَلقَاهُ، ولَقَّنَهُ حُجَّتَهُ عِندَ المَسألَةِ، ثُمَّ قالَ صلى اللهِ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم: والْحَسَنُ والحُسَينُ إِمَاما امَّتِي بَعدَ أبِيهِما وسَيِّدا شَبَابِ أهلِ الْجَنَّةِ، امُّهُما سَيِّدَةُ نِساءِ العَالَمِينَ، وأبُوهُما سَيِّدُ الوَصِيِّينَ، ومِنْ وُلْدِ الحُسَينِ تِسعَةُ أئمَّةٍ تاسِعُهُمُ القَائِمُ مِنْ وُلْدِي، طَاعَتُهُمْ طاعَتِي ومَعْصِيَتُهُمْ مَعْصِيَتِي، إلى اللهِ أشكُو المُنْكِرينَ لِفَضلِهِم والمُضِيعِينَ لِحُرمَتِهِمْ بَعْدِي، وكَفَى بِاللهِ وَلِيّاً وناصِراً لِعِترَتِي وأئِمَّةِ امّتِي، ومُنتَقِماً مِنَ الْجاحِدينَ حَقَّهُم {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
الثالث: الحديث الذي رواه الحموينيّ أيضاً في آخر الجزء الثاني من «فرائد السمطين» بإسناده عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عبّاس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ورواه عنه العلّامة البحرانيّ أيضاً في ص 43 وص 692 من «غاية المرام».
قَالَ ابنُ عَبّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهِ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم: «أنّ خُلَفَائِي وأوصِيائي لاثنا عَشَرَ، أوَّلُهُمْ أخِي وآخِرُهُمْ وَلَدي»، قِيلَ: يَا رَسُولَ الله؛ ومَن أخوكَ؟ قالَ: «عليّ بنُ أبي طالِبٍ». قِيلَ: فَمَنْ وَلَدُكَ؟ قالَ: «الْمَهْدِيّ الذي يَمْلُاها قِسْطاً وعَدْلًا كَما مُلِئَت جَوْراً وظُلماً. والَّذِي بَعَثَني بِالحَقِّ بَشيراً لَو لَمْ يَبقَ مِنَ الدُّنيَا إلَّا يَوْمٌ واحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ اليَومَ حتى يَخرُجَ فِيهِ وَلَدي المَهدِيّ فَيَنْزِلُ رُوحُ اللهِ عيسى ابنُ مَريَمَ فَيُصَلّي خَلفَهُ، وتُشْرِقُ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، ويَبلُغُ سُلطَانُهُ المَشرِقَ والمَغْرِبَ».
الرابع: الحديث الذي رواه الشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ في «ينابيع المودّة» ص 447 عن الحموينيّ الشافعيّ في «فرائد السمطين» يقول: وفي هَذَا الكِتابِ يعنِي في «فرائد السمطين» عَن سَعِيدٍ بنِ جُبَيرٍ، عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهِ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلَّم: «أنّ خُلَفائِي وأوصِيائِي وحُجَجَ اللهِ عَلى الْخَلْقِ بَعْدِي لاثْنَا عَشَرَ، أوَّلُهُم عليّ وآخِرُهُم وَلَدِيَ الْمَهْدِيّ، فَيَنْزِلُ رُوحُ الله عيسى ابنُ مَرْيَمَ فَيُصَلّي خَلفَ المَهدِيّ، وتُشْرِقُ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّها، ويَبلُغُ سُلطانُهُ المَشرِقَ والمَغرِبَ».
الخامس: ما رواه الحموينيّ في «فرائد السمطين» بإسناده عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلاليّ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان يوماً في مسجد المدينة أيام عثمام يتحدّث عن فضائله ومناقبه أمام جمع كثير من المهاجرين والأنصار وكان ينشدهم بها ويأخذ اعترافهم على ذلك. وممّا جاء فيها قوله: «فَأنشُدُكُمُ اللهَ أ تَعْلَمُونَ حَيثُ نَزَلَت»، {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ والْأَنْصارِ}[3]- {السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[4]، سُئِلَ عَنْها رَسُولُ اللهِ صلى اللهِ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم: فَقَالَ: «أنزَلَها اللهُ تعالى ذِكرُهُ فَخراً لأنْبِيائِهِ وأوْصِيائِهِم، فَأنَا أفْضَلُ أنبِياءِ اللهِ ورُسُلِهِ وعليّ بنُ أبي طالِبٍ وَصِيِّي أفضَلُ الأوصِياءِ؟» قَالُوا: اللهُمَّ! نَعَم وقوله: هل تعلمون أنّ رسول الله خطب يوم الغدير. فقال: «أيَّهَا النّاسُ! أ تَعْلَمُونَ أنّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ مَولايَ وأنا مَولَى المؤمنين وأوْلَى بِهِمْ مِنْ أنفُسِهِم؟ قَالُوا: بَلَى يا رَسُولَ الله؛ قالَ: قُمْ يا عليّ، فَقُمْتُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ، اللهُمَّ وَالِ مَن وَالاهُ، وعادِ مَن عَادَاهُ»، فَقَامَ سَلْمانُ فَقَالَ يا رَسُولَ الله؛ وِلَاؤُهُ مَا ذا؟ فَقَالَ: «وِلاءٌ كَوِلَائي، مَن كُنتُ أوْلَى بِهِ مِنْ نَفسِهِ فَعَلِيّ أوْلَى بِهِ مِنْ نفسِهِ. فَأنزَلَ اللهُ تعالى ذِكرَهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}. فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهِ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلّم: اللهُ أكبَرُ عَلى تَمامِ نُبُوَّتِي وتَمامِ دِينِ اللهِ ووِلَايَةِ عليّ بَعدِي. فَقَامَ أبُو بَكرٍ وعُمَرُ. فَقَالا: يا رَسُولَ اللهِ؛ هَذِهِ الآياتُ خَاصَّةٌ في عليّ؟ قالَ: «بَلَى، فِيهِ وفي أوصِيائي إلى يَومِ القِيَامَةِ، قَالا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ بَيِّنْهُم لَنَا، قَالَ: «عليّ أخي ووَزِيرِي، ووَارِثِي ووصيِّي وخَليفَتِي في امَّتِي ووَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، ثُمَّ ابْنِيَ الْحَسَنُ، ثُمَّ الحُسَيْنُ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِن وُلدِ ابنِيَ الحُسَيْنِ، واحِداً بَعدَ واحِدٍ، القُرآنُ مَعَهُم، وهُمْ مَعَ القُرآنِ، لَا يُفارِقُونَهُ ولَا يُفارِقُهُمْ حتى يَرِدَا عليّ الحَوْضَ» فَقَالُوا كُلُّهُمُ: اللهُمَّ نَعَمْ قَد سَمِعْنَا ذَلِكَ وشَهِدْنا كَمَا قُلتَ سَواءً، وقَالَ بَعْضُهُمْ: قَد حَفِظْنَا جُلَّ ما قُلْتَ ولَمْ نَحْفَظْ كُلَّهُ وهَؤْلاءِ الَّذِينَ حَفِظُوا أخيَارُنَا وأفاضِلُنا، فَقَالَ عليّ عَلَيهِ السَّلامُ: «لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَسْتَوُونَ في الحِفظِ».
وقوله: أنْشُدُكُمُ اللهَ أ تَعلَمُونَ أنّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهِ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم: قامَ خَطِيباً لَم يَخطُب بَعدَ ذَلِكَ فَقَالَ: «يَا أيُّها النَّاسُ! إنِّي تارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَينِ كِتَابَ اللهِ وعِترَتِي أهلَ بَيْتِي، فَتَمَسَّكُوا بِهِما لَن تَضِلُّوا، فَإنَّ اللطِيفَ الخَبِيرَ أخبَرَنِي وعَهِدَ إلى أنَّهُمَا لَن يَفتَرِقا حتى يَرِدَا عليّ الحَوْضَ». فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ شِبْهَ المُغضِبِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أكُلّ أهلِ بَيتِكَ؟ فَقالَ: «لَا، ولَكِنْ أوْصِيائي مِنهُمْ، أوَّلُهّمْ أخِي ووَزِيرِي ووَارِثِي وخَليِفَتِي في امَّتِي ووَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، هُوَ أوَّلُهُمْ ثُمَّ الحَسَنُ ثُمَّ ابْنِيَ الْحُسَيْنُ ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَينِ، واحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ حتى يَرِدُوا عليّ الحَوْضَ، شُهَداءُ اللهِ في أرضِهِ وحُجَجُهُ عَلَى خَلقِهِ وخُزَّانُ عِلْمِهِ ومَعادِنُ حِكْمَتِهِ، مَن أطَاعَهُمْ فَقَد أطَاعَ اللهَ، ومَن عَصاهُمْ فَقَدْ عَصَى اللهَ» فَقَالُوا كُلُّهُمْ: نَشْهَدُ أنّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم قَالَ ذَلِكَ.
أجل، لقد نقلنا هذه الفقرات من حديث المُناشَدةَ من كتاب «عَلِيّ والوصيّة». وذكر هذا الكتاب جميع فقراته من الصفحة 157 حتى الصفحة 163.
وينبغي أن نعلم بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام ناشد القوم عدّة مرّات:
الأولى: بعد وفاة الرسول العظيم في مسجد النبيّ. الثانية: بعد وفاة عمر بن الخطّاب عند ما احتجّ بمقاماته وفضائله لا سيّما مقام الوصاية والوزارة والخلافة أمام أصحاب الشورى الستّة. الثالثة: في مسجد النبيّ أيّام حكومة عثمان حينما كان عدد كبير من المهاجرين والأنصار مجتمعين في المسجد قبل الظهر، وكلّ واحد منهم كان يتحدّث بفضيلة أحد، وكان الإمام صامتاً فقالوا: يا عليّ بن أبي طالب! لم تقل شيئاً. فطفق الإمام يناشدهم مبيّناً فضائله ومناقبه مستشهداً عليها بآيات الكتاب الحكيم والأحداث التي وقعت في عصر النبيّ، وخطب النبيّ وكلماته. وأثبت بمناشدته هذه أنّ الخلافة له لا لغيره، وأنّ الخلفاء السابقين اغتصبوا هذا المقام منه.
وبشأن مناشدته في عصر عثمان، وردت عدّة أحاديث يختلف أحدهما عن الآخر في المتن.
وأهمّها ما رواه العلّامة البحرانيّ في «غاية المرام» الباب الرابع والخمسين من ص 549 إلى ص 553 عن سليم بن قيس الكوفيّ، عن سلمان الفارسيّ، وقد قسّم هذا الحديث كلّه إلى قسمين في أصل الكتاب طبع النجف بدون نقصان. ورد القسم الأوّل على الصفحة 69 فما بعدها حتى الصفحة 73. والقسم الثاني على ص 79 فما بعدها حتى ص 92. وورد هذا الحديث أيضاً في كتاب «عليّ والوصيّة» تحت عنوان الحديث الثالث والثلاثين. ونصّه يبدأ من ص 72، وحوله شرح وتفصيل حتى ص 130.
وروى الحديث أيضاً في «غاية المرام» في الباب الرابع عشر تحت عنوان: الحديث الثاني عشر، في ص 67 وص 68، وذكر موجزاً أيضاً في الكتاب نفسه في ص 642 منه.
لقد نقل كثير من علماء الشيعة والسنّة بأسانيدهم هذا الحديث المشهور بحديث المناشدة بسند متّصل، ودوّنوه في كتبهم، منهم الحموينيّ الشافعيّ في «فرائد السمطين». والخوارزميّ الحنفيّ في مناقبه ص 217، والشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ في «ينابيع المودّة» ص 114. وابن حجر الهيثميّ في «الصواعق المحرقة» ص 77. وذكره العلّامة البحرانيّ. مضافاً إلى الموارد التي اشير إليها في «غاية المرام»، في كتابه الآخر المعروف بالمناقب، وطبع هذا الكتاب مع تعليقات العلّامة الجليل العسكريّ المسمّاة: «عليّ والسّنّة». وقد فصّل ابن شهرآشوب حديث المناشدة في «المناقب» وذكر كلّ جزء منه في بابه حسب كلّ واحد من الأبواب والفصول. ففي باب الوصاية والولاية ذكر فقرة تخصّ الوصاية في ج 1 ص 542، فقال: الطَّبَريّ بإسنادِهِ عَنْ أبِي الطُّفَيلِ أنَّهُ عَلَيهِ السَّلامُ قالَ لأصحابِ الشُّورَى: «اناشِدُكُمُ اللهَ هَل تَعْلَمُونَ أنّ لِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم: وَصِيّاً غَيْري؟» قَالُوا: اللهُمَّ؛ لَا.
وأمّا مناشدته عليه السلام أصحاب الشورى بعد موت عمر، فقد جاءت في كتاب «عليّ والوصيّة» من ص 126 إلى ص 130.
ومنها: الأحاديث التي أمر رسول الله فيها الناس باتّباع أمير المؤمنين عليه السلام وقدّمه إليهم بوصفه وصيّاً مفروض الطّاعة. وهذه المجموعة من الأحاديث كثيرة للغاية، نذكر فيما يلي عدداً منها كأمثلة على ما نقول: روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق الكبير» الجزء الخاصّ بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام الذي تمّ تصويره من المخطوطة الموجودة في المكتبة الظاهريّة بدمشق وهو موجود الآن في مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامّة بالنجف الأشرف في الورقة رقم 11،[5] روى بإسناده عن ابن عبّاس أنّه قال: سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَإنْ أدْرَكَها أحَدٌ مِنكُمْ فَعَلَيْهِ بِخَصْلَتَيْنِ كِتابِ اللهِ وعَليّ بْنِ أبي طَالِبٍ، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يقولُ- وهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عليّ- «هَذا أوَّلُ مَن آمَنَ بِي وأوَّلُ مَن يُصافِحُني يَومَ القِيَامَةِ وهُوَ فَارُوقُ هَذِهِ الامَّةِ يُفَرِّقُ بَينَ الحَقِّ والْباطِلِ، وهُوَ يَعسُوبُ المؤمنين والْمَالُ يَعسُوبُ الظَّالِمِينَ، وهُوَ الصِّدِّيقُ الأكبَرُ، وهُوَ بابِيَ الذي اوتَى مِنْهُ، وهُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي». وروى ابن شهرآشوب في «المناقب» ج 1 ص 543 عن أبي رافع أنّه قَالَ: لَمّا كانَ اليَوْمُ الذي تُوُفِّى فِيهِ رَسُولُ اللهُ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم غُشِيَ عَلَيهِ فَأخَذْتُ بِقَدَمَيْهِ اقَبِّلُهُما وأبكِى، فَأفَاقَ وأنا أقُولُ: مَنْ لِي ولِوُلدِي بَعْدَكَ يا رَسُولَ اللهِ؟! فَرَفَعَ إلى رَأسَهُ وقَالَ: «اللهُ بَعْدِي ووَصِيَّي صالِحُ المؤمنين».
وفي «ينابيع المودّة» ص 248 حديث عن ابن عبّاس أنّه قال: دَعَاني رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم: فَقالَ لِي: «ابَشِّرُكَ أنّ اللهَ تعالى أيَّدنِي بِسَيِّدِ الأوّلِينَ والآخِرِينَ والوَصِيِّينَ عليّ فَجَعَلَهُ كُفوَ ابْنَتي فَإن أرَدتَ أن تَنتَفِعَ فَاتَّبِعْهُ».
وفيه أيضاً، ص 239 حديث عن أنس بن مالك أنّه قال: رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّم: جالِساً مَعَ عليّ فَقَالَ: «أنَا وهَذا حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلقِهِ». رَواهُ صاحِبُ «الفردوس» والإمامُ أحمَدُ.
أجل، فقد طال بنا المقام في بيان الأحاديث المأثورة في الوصاية مع أنّنا لم نذكر هنا عُشر الأحاديث الواردة. ونختم كلامنا بحديث عن سيّد الشهداء عليه السلام يضمّ فضائل جمّة.
فقد جاء في «ينابيع المودّة» الباب 41 ص 123 عن «مناقب الخوارزميّ»، عن أبي سعيد عَقيصا، عن سيّد الشهداء الحسين بن عليّ عليهما السلام عن أبيه أنّه قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «يَا عليّ؛ أنتَ أخي وأنا أخوكَ، أنَا المُصطَفى لِلنُّبُوَّةِ وأنتَ المُجتَبى لِلإمَامَةِ. أنا وأنْتَ أبَوَا هَذِهِ الامَّةِ، وأنْتَ وَصِيِّي ووَارِثِي وأبُو وُلْدِي، أتباعُكَ أتباعي وأوْلياؤُكَ أولِيائي وأعْدَاؤُكَ أعْدَائي، وأنْتَ صَاحِبي عَلَى الحَوْضِ وصاحِبي في المَقامِ المَحْمُودِ وصاحِبُ لِوائِي في الآخِرَةِ كَما أنْتَ صاحِبُ لِوائي في الدُّنْيا. لَقَدْ سَعِدَ مَنْ تَوَلّاكَ وشَقِيَ مَنْ عَادَاكَ. وأنّ الملائكَة لَتَتَقَرَّبُ إلى اللهِ بِمَحَبَّتِكَ ووِلَايَتِكَ وأنّ أهْلَ مَوَدَّتِكَ في السَّماءِ أكثَرُ مِن أهلِ الأرضِ. يَا عليّ؛ أنتَ حُجَّةُ اللهِ عَلَي النَّاسِ بَعدْي، قَولُكَ قَولِي، أمرُكَ أمرِي، نَهيُكَ نَهْيِي، وطَاعَتُكَ طاعَتي ومَعْصِيَتُكَ مَعصِيَتي، وحِزْبُكَ حِزْبِي، وحِزْبي حِزْبُ اللهِ، ثُمَّ قَرَأ: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ}.
فقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم- في هذا الحديث المبارك مقام الإمامة والوصاية والخلافة والأبوّة لأمير المؤمنين عليه السلام. واعتبره قريناً ومعادلًا له من جميع الجهات، بحيث أنّ مخالفة عليّ واتّباعه وأمره ونهيه، هي كمخالفة النبيّ واتّباعه وأمره ونهيه. وقدّمه بوصفه حجّة على الأرض كنفسه. وجعل السعادة والشقاء في تولّيه والتبرّي منه. وبصورة عامّة، فإنّه اعتبر أمير المؤمنين الشخص الوحيد والنموذج الفريد للتّأسّي به واتّباعه، وجعل الإعراض عنه عَينَ البؤس والشقاء والهلاك.
يقول المرحوم السيّد إسماعيل الحِميريّ:
مَنْ ذَا الَّذي أوْصَى إلَيهِ مُحَمَّدٌ *** يَقضِي العِدَاتِ فَأنفَذَ الإيصَاءا[6]
ويقول أيضاً:
وَصِيّ مُحَمَّدٍ وأبُو بَنِيهِ *** وَأوَّلُ ساجِدٍ لِلّهِ صلى[7]
ويقول كذلك:
وَكَأنَّ قَلْبِي حِينَ يَذْكُرُ أحْمَدا *** وَوَصِيّ أحْمَدَ نِيطَ مِنْ ذِي مِخْلَبِ
بِذُرَى الْقَوادِمِ مِنْ جَناحِ مُصَعَّدٍ *** في الجَوِّ أو بِذُرَى جَناحِ مُصَوَّبِ
حَتّى يَكادَ مِنَ النّزاعِ إِلَيْهِمَا *** يُفْرِي الْحِجَابَ عَنِ الضَّلُوعِ الصُلَّبِ[8]
ويقول:
مُحَمّدٌ خَيْرُ بني *** وَبَعْدَهُ ابْنُ أبي طَالِبِ
هَذا نَبِيّ ووَصِيّ لَهُ *** وَيُعزلُ العَالَمُ في جَانِبِ[9]
ويقول أيضاً:
فَيَقُولُ فِيهِ مُعْلِناً خَيْرُ الوَرى *** جَهْراً وما ناجَى بِهِ إِسْرَارَا
هَذَا وَصِيِّي فِيكُمُ وخَلِيفَتِي *** لَا تَجْهَلُوهُ فَتَرْجِعُوا كُفّارا[10]
وله كذلك:
فَطُوبَى لِمَنْ أمسَى لآلِ مُحَمَّدِ *** وَلِيّاً إمامَاهُ شُبَيْرٌ وشُبَّرُ
وَقَبْلَهُما الهَادي وَصِيّ مُحَمَّدِ *** عليّ أمير المؤمنين الْمُطَهَّرُ[11]
وله أيضاً:
عَلِيّ إمامٌ وَصِيّ النَّبِيّ *** بِمَحْضَرِهِ قَدْ دَعَاهُ أميرا
وَكَانَ الْخَصِيصَ بِهِ في الحَياة *** فَصَاهَرَهُ واجْتَبَاهُ عَشِيرَا[12]
ويقول:
هذَا أخي ووَصِيِّي في الأمْرِ ومَن *** يَقُومُ فِيكُمْ مَقَامِي عِندَ تَذْكارِي[13]
وله:
عَلِيّ وَصِيّ المُصْطَفى ووَزيرُهُ *** وَناصِرُهُ والبِيضُ بِالْبِيضِ تُقرَعُ
وَأكْرَمُ خَلقِ اللهِ صِنْوُ مُحَمَّدٍ *** وَمَنْ لَيسَ عَن فَضلٍ إذا عُدَّ يُدْفَعُ[14]
وله أيضاً:
أشْهَدُ بِاللهِ وآلَائِهِ *** وَالمَرْءُ عَمَّا قالَهُ يُسْئَلُ
أنّ عليّ بْنَ أبِي طالِبٍ *** خَلِيفَةُ اللهِ الذي يَعْدِلُ
وَإنَّهُ قَدْ كانَ مِن أحْمَد *** كَمِثلِ هَارون ولا مُرسَلُ
لَكِنْ وَصِيّ خازِنٌ عِنْدَهُ *** عِلْمٌ مِنَ الله بِهِ يَعْمَلُ[15]
أشعار بعض الشعراء في شأن أمير المؤمنين عليه السّلام
وقال عتبة بن أبي لهب مخاطباً عائشة:
أعَايِشُ! خَلِّي عَن عليّ وعَتْبِهِ *** بِما لَيسَ فِيهِ إِنَّمَا أنتِ والِدَة
وَصِيّ رَسُولِ اللهِ مِن دُونِ أهلِهِ *** فَأنتِ عَلَى ما كَانَ مِنْ ذَاكِ شاهِدَة[16]
وكتب الأشعَث بن قيس الكندي في جوابه على كتاب أمير المؤمنين:
أتَانَا الرَّسُولُ رَسُولُ الوَصِيّ *** عليّ المَهَذَّبِ مِن هَاشِمِ
وَصِيّ النَّبِيّ وذُو صِهْرِهِ *** وَخَيْرُ البَرِيَّةِ في العالَمِ[17]
ويقول كُثير عزّه:
وَصِيّ النَّبِيّ المُصْطَفَى وابْنُ عَمِّهِ *** وَفَكّاكُ أغْلَالٍ وقاضِي مَغَارِمِ[18]
ويقول الصاحب بن عبّاد:
أنّ الْمَحَبَّةَ لِلوَصِيّ فَرِيضَةٌ *** أعْنِي أمير المؤمنين عَلِيّا
قَد كَلَّفَ اللهُ البَرِيَّةَ كُلَّهَا *** واختَارَهُ لِلْمُؤمِنِينَ وَلِيّا[19]
ويقول فضل بن عبّاس:
وَكَانَ وَلِيّ الأمْرِ بَعدَ مُحَمّدٍ *** عليّ وفي كُلِّ المَواطِنِ صاحِبَهْ
وَصِيّ رَسُولِ اللهِ حَقّاً وصِهْرَهُ *** وَأوَّلَ مَنْ صلى وما ذَمَّ جانِبَهْ[20]
ويقول الكُمَيت:
وَنِعْمَ وَلِيّ الأمْرِ بَعْدَ نَبِيِّهِ *** وَمُنتَجَعُ التَّقوى ونِعْمَ المُؤَدِّبُ[21]،[22]
يتّضح جيّداً بملاحظة ما ذكرناه في هذا الفصل أنّ خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ووصايته في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، لم تحتمل الشبهة والترديد. وكانت واضحة وثابتة عند الجميع، وكلّهم أذعنوا لهذه الحقيقة.
لقد أكّد رسول الله في مواطن كثيرة، في السفر والحضر، وفي الحرب والسلم، وفي الجلسات الخاصّة والعامّة، وعند الصديق والعدو سواء سألوه، أو هو ابتدأهم، أكّد على أمير المؤمنين بوصفه وارثاً لمواهب الرسالة، ووصيّاً على أعباءِ النبوّة، وخليفة على جميع الامّة. وكثر ما سمّاه وليّاً لكلّ مسلم، وإماماً لكلّ مؤمن، وقائداً لكلّ تَقِيّ «وَلِيّ كُلِّ مُسلِمٍ وإمامُ كُلِّ مُؤمِنٍ وقائِدُ كُلِّ تَقِيّ» ووصفه مراراً بأنّه «سَيِّدُ المسلمين وإمامُ المُتَّقِينَ ويَعسُوبُ المؤمنين وسَيِّدُ الأوصِياءِ وسَيِّدُ الوَصِيِّينَ وخَيْرُ الأوصِياءِ وخَيْرُ الوَصِيِّينَ وأفضَلُ الوَصِيِّينَ».
[1] نقلًا عن كتاب «علي والوصيّة» ص 28.
[2] وقد وردت كلمة «العلّة» في كتب اللغة مثل نهاية ابن الأثير و«لسان العرب» بمعني السبب. وبالطبع فقد أورد الحمويني في كتاب «فرائد السمطين» عبارة «علمه مطويّ» بدلًا من عبارة «علّته مطويّة».
[3] الآية 100، من السورة 9: التوبة.
[4] الآية 10، من السورة 56: الواقعة.
[5] نقلًا عن كتاب «علي والوصيّة» ص 372.
[6] «ديوان الحِميري» ص 59 عن «أعيان الشيعة» ج 12، ص 212، وقد تمّ تخريج سبع حالات عن كتاب «المناقب».
[7] «المصدر السابق» ص 63 عن «أعيان الشيعة» ج 12، ص 214، وتمّ تخريجه من المناقب ج 2، ص 13 وج 3، ص 58.
[8] «المصدر السابق» ص 114 ضمن القصيدة المعروفة بالمُذهّبة وقد تمّ تخريجها عن «أعيان الشيعة» و«الكني والألقاب» و«طبقات الشعراء» و«المناقب» و«الحيوان» للجاحظ، و«كشف الغمّة» وكثير من المصادر الاخرى. ذُرَي جمع ذِروَةَ وهي أعلى الشيء. قَوادم جمع قادِمة، والقوادم هي أربع ريشات في مقدّم جناح الطائر. وخلفها المَناكِب، ثمّ الأباهِر، وبعدها الخَوافي، تتلوها الذّنابي. أربعاً أربعاً، ومجموعها عشرون ريشة.
[9] «ديوان الحِميري» ص 128 تخريجها من «أعيان الشيعة» ج 2، ص 217 و«المناقب» ج 2، ص 36 وج 3، ص 50.
[10] نفسه ص 216، وتمّ تخريجهما من «أعيان الشيعة» ج 12، ص 248 و«الغدير» ج 2، ص 196 «المناقب» ج 2 و3 في عدّة صفحات.
[11] «المصدر السابق» ص 201 وتمّ تخريجهما من «أعيان الشيعة» ج 12، ص 251.
[12] «المصدر السابق» ص 224، وتمّ تخريجهما من «أعيان الشيعة» ج 12، ص 247 و«المناقب» ج 3، ص 56.
[13] «ديوان الحِميري» ص 232، وتمّ تخريجه من «الغدير» ج 2، ص 219 و«الأغاني» ج 7، ص 269، و«المناقب» ج 3، ص 33.
[14] «المصدر السابق» ص 275، وتمّ تخريجهما من «مجموعة المكتبة الظاهريّة» ص 195.
[15] «المصدر السابق» ص 304، وتمّ تخريجها من «الغدير» ج 2، ص 205.
[16] «المناقب» لابن شهرآشوب الطبعة الحجريّة ج 1، ص 544 و545.
[17] «المصدر السابق»، لابن شهرآشوب ج 1، ص 545.
[18] «المصدر السابق»، ج 1، ص 545.
[19] «المصدر السابق»، ج 1، ص 546.
[20] «المصدر السابق»، ج 1، ص 546.
[21] «المصدر السابق»، ج 1، ص 546.
[22] ويقول ابن أبي الحديد أيضاً في شرح النهج» ح 11: ص 120(عشرون جزءاً):
وخَيرُ خَلْقِ اللهِ بَعْدَ المُصْطَفى *** أعظَمُهُمْ يَوْمَ الْفِخارِ شَرَفا
السّيِّدُ المُعَظّمُ الوَصِي *** بَعلُ البَتُولِ المُرْتَضي عَلِي
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة