أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-1-2018
1116
التاريخ: 27-8-2017
878
التاريخ: 27-8-2017
988
التاريخ: 17-9-2017
830
|
خرج المأمون من عاصمته بغداد إلى طرطوس (1) للتنزّه والراحة، وقد أعجبته كثيراً، وذلك لما تتمتّع به من المناظر الطبيعية، وأخذ يتجوّل في بعض متنزّهاتها فراقه مكان فيها كان حافلاً بالأشجار والمياه الجارية وعذوبة الهواء، فأمر أصحابه أن ينزلوا فيها، فنزلوا فيها، ونصبت لهم المائدة فجلسوا للأكل، والتفت المأمون إلى أصحابه فقال لهم: إنّ نفسي تطالبني الآن برطب جني ويكون ازاذ (2) وبينما هم في الحديث إذ سمعوا قعقعة ركب البريد الواصل من بغداد، وفيه أربع كثات (3) من الخوص ملؤها رطب زاذ لم يتغيّر كأنّه جُنِي في تلك الساعة فقدّمت بين يديه، وشعر من ذلك بقرب أجله المحتوم فكان يقول:
(ملكت الدنيا، وذلّت لي صعابها، وبلغت آرابي).
وكان يذكر وصول الرطب في أكثر أوقاته، وهو يقول: آخر عهدي بأكل الرطب، فكان كما قال: فقد ألمّت به الأمراض واشتدّت به العلّة، وكان نازلاً في دار خاقان المفلحي، خادم الرشيد، ولمّا دنا منه الموت أمر أن يفرش له الرماد، ويوضع عليه، ففعل له ذلك، وكان يتقلّب على الرماد، وهو يقول: (يا من لا يزول ملكه، ارحم من زال ملكه) (4).
واشتدّ به النزع، وكان عنده من يلقّنه فعرض عليه الشهادة، وكان ابن ماسويه الطبيب حاضراً، فالتفت إلى من يلقّنه قائلاً:
(دعه فإنّه لا يفرّق في هذه الحال بين ربّه وماني..).
وفتح المأمون عينيه، فقد لذعته هذه الكلمات، وقد أراد أن يبطش به إلاّ أنّه لم يستطع فقد عجز عن الكلام (5)، ولم يلبث قليلاً حتى وافاه الأجل المحتوم، وكان عمره (49 سنة) أمّا مدّة خلافته فعشرون سنة، وخمسة أشهر وثمانية عشر يوماً (6)، ويقول فيه أبو سعيد المخزومي:
هل رأيت النجوم أغنت عن المأ *** مون في ثبت ملكه المأسوس
خلفـــوه بعرصتــــي طرطـــوس *** مثل مـــا خلّفوه أبـــاه بطوس (7)
وكان عمر الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في ذلك الوقت يربو على اثنين وعشرين عاماً، وكان - فيما يقول المؤرّخون - ينتظر موت المأمون بفارغ الصبر لعلمه أنّه لا يبقى بعده إلاّ قليلاً ثمّ يرحل إلى جوار الله، ويفارق هذا العالم المليء بالفتن والأباطيل، وقد قال:
(الفرج بعد وفاة المأمون بثلاثين شهراً..).
ولم يلبث بعد وفاة المأمون إلاّ ثلاثين شهراً حتى توفّي (8).
وفي نهاية هذا الحديث نودّ أن نبيّن أن المأمون أسمى شخصيّة سياسية وعلمية من ملوك بني العباس فقد استطاع أن يتخلّص من أشدّ الأزمات السياسية التي أحاطت به، وكادت تقضي على ملكه وسلطانه وكان من ذكائه الخارق أنّه تقرّب إلى العلويين وأتباعهم فأوعز إلى أجهزة الأعلام بنشر فضل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) على جميع الصحابة كما ردّ فدكاً إلى العلويّين، وعهد إلى الإمام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد، وزوّج الإمام الجواد (عليه السلام) من ابنته أمّ الفضل، ولم يصنع ذلك عن إيمان أو إخلاص لأهل البيت (عليهم السلام) وإنّما صنع ذلك ليتعرّف على الحركات السرية والأجهزة السياسية التي كانت تعمل تحت الخفاء للإطاحة بالحكم العباسي وإرجاع الخلافة إلى العلويّين.
لقد استطاع المأمون بعد هذه العمليات التي قام بها أن يتعرّف على الخلايا وما تقوم به من النشاطات السياسية ضدّ الحكم العباسي وقد جهد قبله ملوك بني العباس أن يتعرّفوا على ذلك فلم يستطيعوا ولم يهتدوا إلى ذلك بالرغم ممّا بذلوه من مختلف المحاولات التي كان منها التنكيل الشديد بأنصار العلويّين وشيعتهم، وإنزال أقصى العقوبات بهم، فإنّهم لم يصلوا إلى أيّة معلومات عنهم، ولم يكشفوا أي جانب من جوانبهم السياسية.
___________
(1) طرطوس: بلدة في أرض الشام - معجم البلدان.
(2) ازاذ: الرطب الجديد.
(3) كثات: لعلّ المراد منه المكتل من الخوص.
(4) الأنباء في تاريخ الخلفاء: ص 104.
(5) تاريخ ابن الأثير: ج 5 ص 227.
(6) التنبيه والأشراف: ص 404.
(7) أخبار الدول: ص 154.
(8) إثبات الهداة: ج 6 ص 190.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|