أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-20
835
التاريخ: 22-4-2019
1878
التاريخ: 30-1-2022
2195
التاريخ: 27-6-2019
1833
|
من أفضل الطرق لكسب فضيلة حسن الخلق وملاحظة نتائجها الإيجابية على واقع الإنسان هو التحقيق في سيرة الأولياء العظام.
1 ـ نقرأ في حديث عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال : «كَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) دَائِمُ البُشر ، سَهلُ الخُلق ، لَينُ الجَانبِ ، لَيسَ بِفَظٍّ ولا غلِيظٍ ولا سَخّابٍ ، ولا فَحّاشٍ ، ولا عيّابٍ ، ولا مَدّاحٍ ، ولا يَتَغافَلُ عَمّا لا يَشتَهِي ، ولا يُؤيس مِنهُ ، قَد تَركَ نَفسَهُ مِنْ ثَلاث : كَانَ لا يَذُمُّ أَحداً ، ولا يُعيّرُه ، ولا يَطلُبُ عَورَتَهُ ، ولا يَتَكَلَّمُ إِلّا فَيما يَرجُو ثَوابَهُ ، إِذا تَكَلَّمَ أَرقَ جُلساؤُهُ كَأَنّما عَلى رُؤوسِهِم الطَّيرُ ، وإذا تَكَلَّمَ سَكَتُوا وإذا سَكَتَ تَكَلَّمُوا لا يُسارِعُون عِندَهُ بِالحَديثِ ، مَن تَكَلَّمَ نَصتُوا لَهُ حَتّى يَفرَغَ حَدِيثُهُم عِندَهُ حَديث إِلَيهم ، يَضحَكُ ممّا يَضحَكُونَ مِنهُ ، وَيَتَعَجَّبُ ممّا يَتَعَجَّبُونَ مِنهُ ، يُصبِّرُ الغريبَ عَلى الجَفوةِ فِي المنطِقِ ، وَيَقُولُ : (إِذا رَأَيتُم صاحِبَ الحَاجَة يَطلُبُها فَأَرفِدُهُ) ، ولا يَقبَلُ الثَّناءَ إلّا مِنْ مُكافئ ، ولا يَقطَعُ عَلَى أَحدٍ حَدِيثَهُ حَتّى يَجُوزَهُ فَيَقطَعُهُ بِانتهاء أَو قِيام» ([1]).
2 ـ ونقرأ في حالات الإمام علي (عليه السلام) في الرواية المعروفة أنّ الإمام كان قاصداً الكوفة فصاحب رجلاً ذميّاً فقال له الذمّي : أين تريد يا عبد الله ، قال : اريد الكوفة ، فلما عدل الطريق
بالذمّي عدل معه علي (عليه السلام) ، فقال له الذمي : أليس زعمت تريد الكوفة؟ قال: بلى.
فقال له الذمي : فقد تركت الطريق ، فقال (عليه السلام) : قد علمت ، فقال له : فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟
فقال له علي (عليه السلام) : «هذا مِن تمام الصُّحبةِ أَن يُشيِّعَ الرّجلُ صاحِبهُ هُنيئةً إذا فارَقَهُ وَكَذلِكَ أَمرنا نَبيِّنُا».
فقال له الذمي : هكذا أمركم نبيّكم؟ فقال : نعم ، فقال له الذمّي : لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ، وأنا أشهد على دينك ، فرجع الذمّي مع الإمام علي (عليه السلام) ، فلما عرفه أسلم» ([2]).
3 ـ وفي حديث آخر في تفسير الإمام الحسن العسكري أنّه قال : حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت : إنّ لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء وقد بعثتني إليكِ فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك فثنت فأجابت ثم ثلثت إلى عشرة فأجابت ثم خجلت في الكثرة فقالت : لا أشق عليك يا ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت فاطمة : هاتي وسلي عمّا بدا لك ، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟ فقالت : لا ، فقالت : اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملأ ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً فأحرى أن لا يثقل عليَّ ، سمعت أبي (صلى الله عليه وآله) يقول : «علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله ..» ([3]).
وهذا الصبر العجيب والتعامل المليء بالمحبّة واللطف وهذا التشبيه الجميل الباعث على إزالة الحياء من السائل من كثرة سؤاله كل واحدة منها مثال جميل على حسن خلق الأولياء العظام حيث ينبغي أن يكون درساً بليغاً وعبرة نافعة في طريق إرشاد الناس إلى سلوك مثل هذه الممارسات الأخلاقية.
4 ـ وممّا ورد عن حلم الإمام الحسن (عليه السلام) أنّ شامياً رآه راكباً (في بعض أزقة المدينة) فجعل يلعنه والحسن لا يردّ ، فلمّا فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلّم عليه وضحك فقال : «أيُّها الشّيخ أَظُنُّك غَريباً ، وَلَعلَّك شُبّهت ، فَلَو استَعتَبتَنا أَعتَبناكَ ، وَلَو سَأَلتَنا أَعطَيناكَ ، وَلَو استَرشَدتَنا أَرشدناك ، وَلَو استَحمَلتَنا أَحملناكَ ، وإن كُنتَ جائِعاً أَشبَعنَاك ، وَإِن كُنتَ عُرياناً كَسوناك ، وإِن كُنتَ مُحتاجاً أَغنَيناكَ ، وإِن كُنتَ طِريداً آويناكَ ، وإن كانَ لَكَ حاجَةً قَضيناها لَكَ ، فَلَو حَركتَ رَحلَكَ إِلينا وَكُنتَ ضَيفَنا إِلى وَقتِ إرتحالِك كانَ أَعود عَلَيكَ ، لأنَّ لَنا مَوضِعاً رَحِباً وَجاهاً عَريضاً وَمالاً كَثَيراً».
فلمّا سمع الرجل كلامه بكى ، ثم قال أَشهدُ أَنّك خَليفة الله في أرضه ، اللهُ أَعلَمُ حيثُ يَجعلُ رسالتهُ وكنتَ أَنت وأبوك أبغضُ خلق الله إليَّ ، والآن أَنت وأبُوكَ أحبُّ خلق اللهِ إليَّ ، وَحوّل رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقداً لمحبتهم ([4]).
5 ـ وجاء في كتاب «تحف العقول» : أنّ رجلاً من الأنصار جاء إلى الإمام الحسين (عليه السلام) يريد أن يسأله حاجة ، فقال (عليه السلام) : «يا أخا الأنصار صُن وجَهك عَن بَذلِ المسألةِ وارفع حاجتَك فِي رقعةٍ فإنّي آت فِيها ما ساركَ إن شاء الله» ، فكتب الأنصاري : يا أبا عبد الله إنّ لفلان عليَّ خمسمائة دينار وقد الجّ بي فكلّمه ينظرني إلى ميسرة ، فلما قرأ الإمام الحسين (عليه السلام) الرقعة ، دخل إلى منزله فأخرج صرّة فيها ألف دينار وقال (عليه السلام) له : «أَما خمسمائة فاقض بِها دينك وأمّا خمسمائة فاستعن بِها على دَهرِكَ ولا تَرفع حاجتَكَ إلّا إِلى أحد ثلاث : إِلى ذِي دين ، أَو مروّة ، أو حسب ، فأمّا ذو الدين فَيصُون دِينُهُ ، وأَمّا ذو المُروة فإنّه يستحي لمروّته ، أَمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهكَ أن تَبذلُه فِي حاجتِكَ فَهو يَصون وَجهكَ أن يردَك بِغير قضاءِ حاجتِك» ([5]).
6 ـ ونقرأ في حالات الإمام زين العابدين أنّه وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه فلم يكلّمه ، فلما انصرف قال لجلسائه : قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا احب أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منّي ردي عليه.
فقالوا له : نفعل ولقد كنّا نحبّ أن تقوله له ونقول ، قال : فأخذ نعليه ومشى وهو يقول : (... وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)([6]).
فعلمنا أنّه لا يقول له شيئاً قال : فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك أنّه إنّما جاءه مكافئاً له على بعض ما كان منه فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) : «يا أَخي إنَّكَ كُنتَ قَد وَقفتَ عليَّ آنفاً قُلتَ وَقُلتَ فإن كُنتَ قَد قُلتَ ما فيَّ فأنا استغفرُ اللهَ مِنهُ وإن كُنتَ قُلتَ ما لَيس فيَّ فَغفرَ اللهُ لَكَ».
قال (الراوي) فقبل الرجل بين عينيه وقال : بلى قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به.
قال الراوي الحديث : والرجل هو الحسن بن الحسن (عليه السلام) ([7]).
7 ـ ونقرأ في حالات الإمام الباقر : عن محمد بن سليمان عن أبيه قال : كان رجل من أهل الشام يختلف على أبي جعفر (عليه السلام) (الإمام الباقر) وكان مركزه بالمدينة يختلف إلى مجلس أبي جعفر يقول له : يا محمد ألا ترى أنّي إنّما أغشى مجلسك حياء منك ولا أقول أنّ أحداً في الأرض أبغض إليَّ منكم أهل البيت ، وأعلم أنّ طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ولكن أراك رجلاً فصيحاً لك أدب وحسن لفظ ، فإنّما اختلافي إليك لحسن أدبك.
وكان أبو جعفر (عليه السلام) يقول له خيراً ويقول : لن تخفى على الله خافية فلم يلبث الشامي إلّا قليلاً حتى مرض واشتدّ وجعه ، فلمّا ثقل دعا وليّه وقال له : إذا أنت مددت عليَّ الثوب فأت محمد بن علي (عليه السلام) وسله أن يصلّي عليَّ واعلمه إنّي أنا الذي أمرتك بذلك.
قال : فلمّا أن كان في نصف الليل ظنّوا أنّه قد برد وسجّوه ، فلمّا أن أصبح الناس خرج وليّه إلى المسجد ، فلمّا أن صلّى محمد بن علي (عليه السلام) وتورّك وكان إذا صلّى عقب في مجلسه ، قال له : يا أبا جعفر إنّ فلان الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلي عليه.
فقال أبو جعفر (عليه السلام) : كلّا إنّ بلاد الشام بلاد صرد والحجاز بلاد حر لهبها شديد انطلق فلا تعجلنّ على صاحبك حتى آتيكم ثم قام (عليه السلام) من مجلسه فأخذ وضوءاً ثم عاد فصلّى ركعتين ثم مدّ يده تلقاء وجهه ما شاء الله ثمّ خرّ ساجداً حتّى طلعت الشمس ثم نهض فانتهى إلى منزل الشامي ، فدخل عليه فدعاه فأجابه ثم أجلسه وأسنده ودعا له بسويق فسقاه وقال لأهله : املؤوا جوفه وبرّدوا صدره بالطعام البارد. ثمّ انصرف (عليه السلام) ، فلم يلبث إلّا قليلاً حتّى عوفي الشامي فأتى أبا جعفر (عليه السلام) فقال : اخلني فأخلاه ، فقال : أشهد أنّك حجّة الله على خلقه وبابه الذي يؤتى منه فمن أتى من غيرك خاب وخسر وضلّ ضلالاً بعيداً.
قال له أبو جعفر (عليه السلام) : وما بدا لك؟
قال : أشهد أنّي عهدت بروحي وعاينت بعيني فلم يتفاجأني إلّا ومناد ينادي اسمعه بأذني ينادي وما أنا بالنائم ردّوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمد بن علي.
فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : «أَما عَلِمتَ أَنّ اللهَ يُحبُّ العَبدَ ويُبغِضُ عَمَلهُ ويُبغض العبد ويحبّ علمه؟» ، (أي كما أنّك كنت مبغوضاً لدى الله لكنّ عملك وهو حبّنا مطلوباً عنده تعالى).
قال الراوي : فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) ([8]).
8 ـ ورد في الحديث المعروف في حالات الإمام الصادق المذكور في مقدمة (توحيد المفضل) أنّ المفضل بن عمر قال كنت ذات يوم بعد العصر جالساً في الروضة وبين القبر والمنبر وأنا مفكّر فيما خصّ الله به سيّدنا محمداً من الشرف والفضائل ، وما منحه وأعطاه وشرّفه به وحباه لا يعرفه الجمهور من الامّة ، وما جهلوه من فضله وعظيم منزلته وخطر مرتبته ، فإنّي لك ذلك إذ أقبل ابن أبي العوجاء فجلس بحيث أسمع كلامه ، فلمّا استقرّ به المجلس إذا رجل من أصحابه قد جاء فجلس إليه فتكلّم ابن أبي العوجاء؟ فقال : لقد بلغ صاحب هذا القبر العزّ بكماله ، وحاز الشرف بجميع خصاله ، ونال الحظوة في كل أحواله ، فقال له صاحبه : إنّه كان فيلسوفاً ادّعى المرتبة العظمى والمنزلة الكبرى ، وأتى على ذلك بهجرات بهرت العقول ، وضلّت فيها الأحلام ، وغاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر فرجعت خاسئات وهي حسير ، فلمّا استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء دخل الناس في دينه أفواجاً فقرن اسمه باسم ناموسه ، فصار يهتف به على رؤوس الصوامع في جميع البلدان ...
فقال ابن أبي العوجاء : دع ذكر محمد ، فقد تحيّر فيه عقلي ، وضلّ في أمره فكري ، وحدثنا في ذكر الأصل الذي يمشي به ، ثمّ ذكر ابتداء الأشياء وزعم أنّ ذلك بإهمال لا صنعة فيه ولا تقدير ، ولا صانع له ولا مدبّر ، بل الأشياء تتكوّن من ذاتها بلا مدبّر ، وعلى هذا كانت الدنيا لم تزل ولا تزال.
قال المفضّل : فلم أملك نفسي غضباً وغيظاً وحنقاً ، فقلت : يا عدوّ الله ألحدت في دين الله ، وأنكرت الباري جلّ قدسه الذي خلقك في أحسن تقويم ، وصوّرك في أتمّ صورة ، ونقلك في أحوالك حتى بلغ بك إلى حيث انتهيت.
فقال ابن أبي العوجاء : يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلّمناك ، فإن ثبت لك حجّة تبعناك ، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك ، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد (الصادق) ، فما هكذا يخاطبنا ، ولا بمثل دليلك يجادلنا ، ولقد سمع من كلامنا أكثر ممّا سمعت ، فما أفحش في خطابنا ولا تعدّى في جوابنا ، وإنّه للحلوم الرزين العاقل الرصين لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق ، ويسمع كلامنا ويصغي إلينا ويستعرف حجّتنا حتى إذا استفرغنا ما عندنا وظننا أن قد قطعناه أدحض حجّتنا بكلام يسير وخطاب قصير يلزمنا به الحجّة ، ويقطع العذر ، ولا نستطيع لجوابه ردّاً ، فان كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه ([9]).
9 ـ ونقرأ في حالات الإمام موسى بن جعفر أنّ رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذيه ويشتم علياً (عليه السلام) قال : وكان قد قال له بعض حاشيته دعنا نقتله فنهاهم عن ذلك أشدّ النهي وزجرهم أشدّ الزجر وسأل عن العمري فذكر له أنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة ، فركب إليه في مزرعته فوجده فيها فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري لا تطأ زرعنا فوطئه بالحمار حتى وصل إليه فنزل فجلس عنده وضاحكه وقال له : كم غرمت في زرعك هذا قال له : مائة دينار قال : فكم ترجو أن يصيب ، قال له : أنا لا أعلم الغيب ، قال : إنّما قلت لك كم ترجو أن يجيئك فيه قال : أرجو أن يجيئني مائتا دينار، قال : فأعطاه ثلاثمائة دينار ، وقال : هذا زرعك على حاله ، قال : فقام العمري فقبل رأسه وانصرف.
قال الراوي : فراح المسجد فوجد العمري جالساً فلمّا نظر إليه قال : الله أعلم حيث يجعل رسالته ، قال : فوثب أصحابه فقالوا له : ما قصتّك؟ قد كنت تقول خلاف هذا ، قال : فخاصمهم وشاتمهم ، قال : وجعل يدعو لأبي الحسن موسى كلّما دخل وخرج ، قال فقال أبو الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) لحاشيته الذين أرادوا قتل العمري : «أيما كان خير ما أردتم أو ما أردت أصلح أمره بهذا المقدار» ([10]).
10 ـ وهكذا ورد في سيرة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وكيفية تعامله مع الناس من موقع المحبّة واللطف ، نقل عن اليسع بن حمزة ، قال : كنت في مجلس أبي الحسن الرضا (عليه السلام) احدثه وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام ، إذ دخل عليه رجل طوال آدم فقال : السلام عليك يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل من محبيك ومحبّي آبائك وأجدادك مصدري من الحج وقد افتقدت نفقتي وما معي ما أبلغ به مرحلة ، فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي ولله عليَّ نعمة ، فإذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك فلست بموضع صدقة.
فقال له الإمام (عليه السلام) : اجلس يرحمك الله ، واقبل على الناس يحدثهم حتّى تفرقوا وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا ، فقال : أتأذنون لي في الدخول؟
فقال له سليمان : قدم الله أمرك ، فقام ودخل الحجرة وبقي ساعة ثم خرج ورد الباب وأخرج يده من أعلى الباب ، وقال اين الخراساني؟ فقال : ها أنا ذا.
فقال (عليه السلام) : خذ هذه المأتي دينار فاستعن بها في مؤنتك ونفقتك وتبرك بها ولا تصدق بها عنّي واخرج فلا أراك ولا تراني ، ثم خرج ، فقال سليمان الجعفري : جعلت فداك لقد اجزلت ورحمت فلما ذا استرت وجهك عنه؟
فقال (عليه السلام) : مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته ، أما سمعت حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «المُستَترُ بِالحسنَةِ تَعدِلُ سَبعِينَ حِجَّةً ، وَالمُذِيعُ بِالسيئَةِ مَخذُولٍ ، وَالمُستَترُ بِها مَغفُورٌ لَهُ» ، أَما سمعت قول الأول :
متى آته يوماً اطالب حاجة |
|
رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه ([11]). |
11 ـ ونقرأ في حالات الإمام الجواد (عليه السلام) ، عن علي بن جرير قال : كنت عند أبي جعفر ابن الرضا (عليهما السلام) جالساً وقد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجيران يجرّونهم إليه ويقولون : أنتم سرقتم الشاة ، فقال أبو جعفر الإمام الجواد (عليه السلام) : ويلكم خلّوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم الشاة في دار فلان ، فاذهبوا فأخرجوها من داره ، فخرجوا فوجدوها في داره ، وأخذوا الرجل وضربوه وخرقوا ثيابه ، وهو يحلف أنّه لم يسرق هذه الشاة إلى أن صاروا إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال : ويحكم ظلمتم الرجل فإنّ الشاة دخلت داره وهو لا يعلم بها ، فدعاه فوهب شيئاً بدل ما خرق من ثيابه وضربه ([12]).
12 ـ وكذلك ورد في سيرة الإمام الهادي (عليه السلام) عن أبي هاشم الجعفري قال : أصابني ضيقة شديدة فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد (الإمام الهادي (عليه السلام)) فأذن لي فلمّا جلست قال : يا أبا هاشم أي نعم الله عز وجل عَلَيكَ تُريدُ أَن تُؤدّي شُكرَها؟ قال أبو هاشم : فوجمت فلم أدري ما أقول له.
فأبتدأ (عليه السلام) فقال : «رَزقَك الإيمانَ فَحرَّمَ بَدَنَك عَلى النّارِ ، وَرَزَقَكَ العافِيةَ فَأعانَتكَ عَلَى الطَّاعَةِ ، وَرَزَقَكَ القنُوعَ فَصانَكَ عَن التَّبَذُّلِ ، يا أبا هاشم إِنَّما ابتدأتُكَ بِهذا لأَنّي ظننتُ تُريدُ أن تَشكُو لِي مَن فَعَلَ بِكَ هذا ، وَقَد أَمرتُ لَكَ بِمائةِ دينار فَخُذها» ([13]).
13 ـ وأورد (الكليني) في الجزء الأول من اصول الكافي ـ حول الإمام العسكري (عليه السلام) ـ أنّه قال : «حُبِس أبو مَحمّد (الإمام العسكري) عِندَ عَلي بن نارمش وهو أنصب الناس وأشدّهم عَلى آل أبي طالب وَقِيلَ لَهُ : افعل به وافعل ـ يعني مِن السوء وَالاذى ـ فما أقام ـ الإمام ـ عِندَهُ إلّا يَوماً حَتّى وَضَعَ خديَّه لَه ، وَكانَ لا يَرفَع بَصره إليهِ إجلالاً وإعظاماً فَخرجَ مِن عِندِهِ وهو أحسنَ النّاسَ بَصيرة وَأحَسنهم فِيهِ قَولاً» ([14]).
14 ـ وجاء في الروايات عن الإمام المهدي أرواحنا فداه وحسن خلقه وعنايته بالأشخاص الذين يتشرفون بلقائه روايات وقصص كثيرة ، منها ما ذكره المرحوم (المحدّث النوري) في كتابه (جنّة المأوى) عن أحد علماء النجف الأشرف أنّه قال : كان في النجف الأشرف رجل مؤمن يسمّى الشيخ محمد حسن السريرة ، وكان في سلك أهل العلم ذا نية صادقة ، وكان معه مرض السعال إذا سعل يخرج من صدره مع الأخلاط دم ، وكان مع ذلك في غاية الفقر والاحتياج لا يملك قوت يومه ، وكان يخرج في أغلب أوقاته إلى البادية إلى الأعراب الذين في اطراف النجف الأشرف ليحصل له قوت ولو شعير وما يتيسر ذلك ، وكان يكفيه مع شدّة رجائه وكان مع ذلك قد تعلق قلبه بتزويج امرأة من أهل النجف ، وكان يطلبها من أهلها وما أجابوه إلى ذلك لقلّة ذات يده ، وكان في هم وغم شديد من جهة ابتلائه بذلك ، فلما اشتدّ به الفقر والمرض وأيس من تزوج البنت عزم على ما هو معروف عند أهل النجف من أنّه من أصابه أمر فواظب الرواح إلى مسجد الكوفة أربعين ليلة أربعاء ، فلا بدّ أن يرى صاحب الأمر عجّل الله فرجه من حيث لا يعلم ويقضي له مراده ، فواظب على ذلك أربعين ليلة أربعاء ، فلما كان الليلة الأخيرة وكانت ليلة شتاء مظلمة وقد هبّت ريح عاصفة فيها قليل من المطر وأنا جالس في الدكة التي هي داخل باب المسجد وكانت الدكة الشرقية المقابلة للباب الأول تكون على الطرف الأيسر عند دخول المسجد ولا أتمكن الدخول في المسجد من جهة سعال الدم ولا يمكن قذفه في المسجد وليس معي شيء اتقي فيه عن البرد وقد ضاق صدري واشتد عليَّ همّي وغمّي وضاقت الدنيا في عيني وافكر أن الليالي قد انقضت وهذه آخرها وما رأيت أحداً ولا ظهر لي شيء وقد تعبت هذا التعب العظيم وتحملت المشاق والخوف في أربعين ليلة أجيئ فيها من النجف إلى مسجد الكوفة ويكون لي الاياس من ذلك ، فبينما أنا افكر في ذلك وليس في المسجد أحد أبداً وقد أوقدت النار لأسخن عليها قهوة جئت بها من النجف لا أتمكن في تركها لتعودي عليها وكانت قليلة جدّاً إذا بشخص من جهة الباب الأول متوجهاً إليَّ ، فلما نظرته من بعيد تكدرت وقلت في نفسي هذا اعرابي من أطراف المسجد قد جاء إليَّ ليشرب من القهوة أبقى بلا قهوة في هذا الليل المظلم ويزيد عليَّ همّي وغمّي ، فبينما أنا افكر إذا به قد وصل إليَّ وسلّم عليَّ باسمي وجلس في مقابلي فتعجبت من معرفته باسمي وظننته من الذين أخرج إليهم في بعض الأوقات من أطراف النجف أسأله من أي العرب يكون؟ قال : من بعض العرب ، فصرت أذكر له الطوائف التي في أطراف النجف فيقول : لا لا وكلما ذكرت له طائفة قال : لا لست منها فاغضبني ، وقلت له : أجل أنت من طريطرة مستهزءاً هو لفظ بلا معنى ، فتبسّم (عليه السلام) من قولي ذلك وقال : لا عليك من اين كنت ما الذي جاء بك إلى هنا ، فقلت : وأنت ما عليك السؤال عن هذه الامور؟
فقال : ما ضرّك لو أخبرتني فأعجبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه فمال قلبي إليه وصار كلّما تكلم ازداد حبّي له فعملت له السبيل من التتن وأعطيته فقال : أنت اشرب فأنا لا أشرب وصببت في الفنجان قهوة وأعطيته فأخذه وشرب شيئاً قليلاً منه ثم ناولني الباقي وقال : أنت اشربه فأخذته وشربته ولم التفت إلى عدم شربه تمام الفنجان ، ولكن ازداد حبّي به آناً فآناً.
فقلت له : يا أخي قد ارسلك الله إليَّ في هذه الليلة تأتيني أفلا تروح معي إلى أن نجلس في حضرة مسلم (عليه السلام) ونتحدّث؟ فقال : أروح معك فحدّث حديثك.
فقلت له : أحكي لك الواقع أنا في غاية الفقر والحاجة مذ شعرت على نفسي ومع ذلك معي سعال أتنخع الدم وأقذفه من صدري منذ سنين ولا أعرف علاجه وما عندي زوجة وقد علق قلبي بامرأة من أهل محلتنا في النجف ومن جهة قلّة ما في اليد ما تيسّر أخذها.
وقد غرّني هؤلاء الملائية وقالوا لي : اقصد في حوائجك صاحب الزمان وبت أربعين ليلة أربعاء في مسجد الكوفة فانك تراه ويقضي لك حاجتك وهذه آخر ليلة من الأربعين وما رأيت فيها شيئاً وقد تحملت هذه المشاق في هذه الليالي فهذا الذي جاءني هنا وهذه حوائجي.
فقال لي وأنا غافل غير ملتفت : أمّا صدرك فقد برأ وأمّا الامرأة فتأخذها عن قريب ، وأمّا فقرك فيبقى على حاله حتى تموت وأنا غير ملتفت إلى هذا البيان أبداً.
فقلت : ألا تروح إلى حضرة مسلم؟ قال : نعم فقمت وتوجّه أمامي فلّما وردنا أرض المسجد فقال : ألا تصلّي تحية المسجد ، فقلت : افعل فوقف هو قريباً من الشاخص الموضوع في المسجد وأنا خلفه بفاصلة فأحرمت الصلاة وصرت أقرأ الفاتحة.
فبينما أنا أقرأ وإذا يقرأ الفاتحة قراءة ما سمعت أحداً مثلها أبداً ، فمن حسن قراءته قلت في نفسي لعله هذا هو صاحب الزمان وذكرت بعض كلمات له تدل على ذلك ثم نظرت إليه بعد ما خطر في قلبي ذلك وهو في الصلاة وإذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف وهو مع ذلك يصلّي وأنا أسمع قراءته وقد ارتعدت فرائصي ولا استطيع قطع الصلاة خوفاً منه فأكملتها على أي وجه كان وقد علا النور من وجه الأرض فصرت اندبه وأبكي واتضجر واعتذر من سوء أدبي معه بباب المسجد وقلت له : أنت صادق الوعد وقد وعدتني الرواح معي إلى مسلم.
فبينما أنا اكلم النور وإذا بالنور قد توجّه إلى جهة مسلم فتبعته فدخل النور الحضرة وصار في جو القبة ولم يزل على ذلك ولم ازل أندبه وأبكي حتى إذا طلع الفجر عرج النور.
فلّما كان الصباح التفت إلى قوله ، أمّا صدرك فقد برأ وإذا أنا صحيح الصدر وليس معي سعال أبداً ، وما مضى اسبوع إلّا وسهّل الله علي أخذ البنت من حيث لا أحتسب وبقي فقري على ما كان كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين ([15]).
وما ذكر أعلاه نماذج ونقاط مضيئة من سيرة الأئمّة والأولياء العظام وبما يكون بمثابة تجلّيات نورانية لسلوكهم الأخلاقي السامي وحسن تعاملهم مع الصديق والعدو ، وهذه النماذج القليلة تدل على مدى تأكيد هؤلاء العظام والقادة على هذه السجية وأهميّتها في حياة الإنسان المعنوية ، وما ورد في القرآن الكريم حكاية عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من حسن الخلق العظيم نجده مترجماً في سلوكيات الأئمّة الكرام (عليهم السلام) في دائرة العمل والسلوك الأخلاقي ، نعم فإنّ الدعوة إلى حسن الخلق لا تكون باللسان فقط ومن خلال التوصيات والإرشادات الكلامية ، بل إنّ الممارسة الأخلاقية والتحرّك الأخلاقي العملي يمثّل أسمى نداء أخلاقي وإرشاد تربوي في عملية التكامل المعنوي والحضاري للبشرية.
[1] جلاء الأفهام ، لابن قيم الجوزي ، ص 92.
[2] سفينة البحار ، ج 2 ، ص 692 الطبعة الحديثة.
[3] بحار الانوار ، ج 2 ، ص 3.
[4] بحار الانوار ، ج 43 ، ص 344.
[5] تحف العقول ، ص 178.
[6] سورة آل عمران ، الآية 134.
[7] منتهى الآمال ،
[8] منتهى الآمال ، ص 63 (بتلخيص).
[9] بحار الانوار ، ج 3 ، ص 57 و 58 (مع التلخيص).
[10] أعيان الشيعة ، ج 2 ، ص 7.
[11] فروع الكافي ، ج 4 ، ص 23 ، ح 3 مع قليل من التلخيص.
[12] بحار الانوار ، ج 50 ، ص 47.
[13] المصدر السابق ، ص 129.
[14] اصول الكافي ، ج 1 ، ص 508 ، ح 8.
[15] جنّة المأوى ، المطبوع بضميمة ج 53 ، ص 240.
|
|
دون أهمية غذائية.. هذا ما تفعله المشروبات السكرية بالصحة
|
|
|
|
|
المنظمة العربية للطاقة تحذر من خطر.. وهذه الدولة تتميز بجودة نفطها
|
|
|
|
|
فعاليات مهرجان العقيلة تشهد تقديم محاضرة حول سيرة السيدة زينب (عليها السلام) ومواقفها
|
|
|