أقرأ أيضاً
التاريخ: 26/12/2022
![]()
التاريخ: 1-2-2023
![]()
التاريخ: 2024-08-27
![]()
التاريخ: 13-4-2020
![]() |
قال (عليه السلام) لرجل سأله ان يعظه :
لا تكن ممن يرجو الاخرة بغير العمل، ويرجي (1) التوبة بطول الامل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين ، ويعمل فيها بعمل الراغبين، ان اعطي منها لم يشبع، وان منع منها لم يقنع ، يعجز عن شكر ما اوتي ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، ينهى ولا ينتهي ، ويأمر بما لا يأتي ، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ، ويبغض المذنبين وهو احدهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه ، ويقيم على ما يكره الموت له ، ان سقم (2) ظل نادما ، وان صح أمن لاهيا ، يعجب بنفسه إذا عوفي ، ويقنط (3) إذا ابتلي ، ان اصابه بلاء دعا مضطرا ، وان ناله رخاء اعترض مغترا ، تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن ، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله ، ان استغنى بطر وفتن (4)، وان افتقر قنط ووهن(5) يقصر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل ، ان عرضت له شهوة أسلف المعصية وسوف التوبة (6)، وان عرته محنة انفرج عن شرائط الملة (7) ، يصف العبرة ولا يعتبر(8) ، ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ ، فهو بالقول مدل (9) ، ومن العمل مقل ، ينافس فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى الغنم مغرما ، والغرم مغنما (10) ، يخشى الموت ولا يبادر الفوت (11)، يستعظم من معصية غيره ما يستقل اكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على الناس طاعن ولنفسه مداهن (12) ، اللهو مع الاغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء ، يحكم على غيره لنفسه ولا يحكم عليها لغيره ، ويرشد غيره ويغوي نفسه ، فهو يطاع ويعصي ، ويستوفي ولا يوفي ، ويخشى الخلق في غير ربه ولا يخشى ربه في خلقه.
الدعوة إلى تجنب بعض الصفات التي قد شخص (عليه السلام) انها مضرة بمن يتصف بها ، فيلزمه الإقلاع عنها إن كان متصفا بها ، أو الابتعاد عنها إن لم يكن كذلك ، وهو أمر مهم للغاية في تصحيح مسار الإنسان ، من خلال نقده في ما يتخذه تعريفا لشخصيته ، حيث قد تعكس صفات الإنسان اخلاقه وطبائعه وقناعاته، فلابد له من وقفة تصحيحية للتعديل وإعادة التوازن .
وقد حذر (عليه السلام) من ان يسترسل الإنسان مع آماله ، ليفاجأ بانحسار المساحة المتوقعة ، لذا فعليه بدلا من ذلك ان يستعد لما يريد تحقيقه بما يناسبه ويلائمه كما وكيفا ، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان ، وان اختلفا في تفاصيله الجزئية ، فلذلك كان الاجدر به ان يبادر بالتوبة ، بما تمثله من إرادة جدية للتصحيح ، بدلا من التسويف والمماطلة بتنفيذ ما عليه اتجاه خالقه سبحانه ، لأنه ليس من الصحيح التمني وطول الامل ، بعد عدم تحديد العمر، وبالتالي فهو في معرض الضياع ما لم يباشر العمل أو التوبة عند التقصير.
ولما كان الأساس في عملية إصلاح المجتمع ، هو تهذيب الفرد وتكامله ، وهو ما يعتمد بدوره على توثيق العلاقة الروحية ، لذا كان التركيز في هذه الحكمة المباركة على ان يكون الإنسان موضوعيا واقعيا ، فلا يتجاوز رصيده ، لئلا يخلو من روابطه الداخلية ، التي تؤكد له وجود جهة معنوية روحية ، يسكن إليها ويطمئن بها، حيث لا تتخلى عنه في ظروفه كافة ، ولا تتعامل معه لاعتبارات معينة ، بل يستطيع الانفتاح عليها متى شاء وكيف أراد ، وهو ما يفتقده مع غيرها مهما كان ، لأنه غير مؤقتة بالانضمام والانخراط ضمن حالة معينة ، بل ضمانها انها متاحة للجميع قال تعالى : {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة : 39] ، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه : 82] ، { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان : 70] ، مما يتيح فرصة ذهبية للخروج من دائرة التقصير إلى أفق التصحيح ، فلا بد من :
1- ان يترك التلون الاجتماعي ، عندما يظهر نفسه كزاهد في الدنيا معرض عنها ، لكنه يعمل فيها عمل الراغب المحب لها ، بحيث لا يشبع منها ، كما لا يقنع بما يصله من حطامها ، وهو مع ذلك عاجز عن شكر ما وصل إليه من نعمه تعالى ، ومستزيد لغيره ، الامر الذي يدل على ازدواجية في الاداء والتطبيق.
2- ان يطبق ما يأمر به او ينهى عنه ، فلا يعذر نفسه عندما يلوم غيره ، ولا يزيد قوله عن فعله ، إذ ان اضطرابه في صفاته يحوله إلى عداد المنافقين فإنهم كذلك ، حيث يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ، ويبغض المذنبين ويمارس أعمالهم ، كما انه يكره الموت ، لما يعنيه من كشف لحسابه ، وفضح لسرائره.
ولكنه لا يقلع عن اخطائه وذنوبه ، مع ان من خاف شيئا عمل لدفعه ، إلا انه إذا مرض ندم ، وان عوفي عاد لحالته السابقة ، لا هيأ معجبا بما لديه ، فإن تبدل حاله لم يحسن ظنه بربه ، بل يدعو مضطرا ، فإن أصابه خير رجع إلى لهوه وعبثه.
3- ان يكون واثقا من ربه تعالى ، فلا تغلبه نفسه ليصدقها في ما يظنه ، ويترك ما هو متأكد منه ، فإنه متيقن بأن الأمر بيده تعالى ، بينما تمنيه نفسه برجاء الخلق فيصدقها ، كما هو عالم بمفاجأة الموت لكنه يستجيب للأماني ، ليرى ما ظنه بعيدا قريبا.
4- ان يراقب نفسه ولا يهملها ، فهي قريبة من الزلل والانفلات ، وبالتالي لا يصح منه ان ينصح غيره بما يتركه هو بنفسه ، فهل يعقل ان يخاف على غيره مالا يخافه على نفسه ؟!
فقد يحذر احدا من بطر النعمة وعدم التعامل المناسب معها ، لكنه لا يطبق فتغره عندما تتوارد عليه وتتكاثر لديه ، ليتوهم اهميته وميزته ، وهو لا يدري لعل ذلك من الاستدراج والإمهال ؟
كما انه قد يوصي بالصبر على الفقر ، لكنه يضيق لو افتقر ، ولا يفتش عن سبب زوال النعمة.
5- ان يلتزم بالضوابط والقوانين الشرعية والاخلاقية ، فلا يستثني نفسه مما أمر به او نهي عنه ، ولا يقصر بالعمل ، كما لا يتهالك على الدنيا ، بل يكون معتدلا في حالتيه ، فلا يسرف في معصية ، لأنه تجاوز للحد ، كما لا يبخل على نفسه بالإسراع بالتوبة ، لأنه تقصير ، بل عليه استحضار عبوديته لله تعالى بما يوجب الالتزام بلوازمها وشروطها ، ولا يستسيغ لنفسه التمرد مهما كان.
6- ان يحفظ اعتداله في الاشياء كلها ، فلا يصح منه تعداد ما حصل مع الاخرين من عبر ومواقف تدل على عظمة الخالق تعالى ، لكنه لا يعتبر بذلك ، فهو يعظ غيره بينما لا يتعظ هو ، ليكون بذلك أعلى من غيره لكنه أقل منه بعمله ، فإنه اهتم بالفاني ، ولم يبال بالباقي ، بل كان تفريطه بخير الدنيا والاخرة ، دالا على انه رأى الغنيمة غرامة ، وبالغرامة غنيمة ، بينما كان المأمول فيه ان يبادر قبل فوت الفرصة ، وإلا فلماذا يستقبح من غيره ما يمارسه بنفسه ؟!، فهل هذه مداراة لنفسه ولماذا ؟!
وهل هذه إلا الالتواء مع الذات ، ولذا يحب اللهو واللغو وسائر المعاصي مع الغني لغناه ، ويكره الذكر والدعاء والعلم وسائر الطاعات مع الفقير لفقره ، ومن هنا كانت نفسه غالبة، فينصف نفسه على غيره ، بل يهيء فرص الخير لغيره ويحرمها نفسه ، فهو ممن يدخل الناس الجنة بسببه ، بينما يدخل النار بتقصيره ، إذ خالف ربه تعالى ، وهذا أسوء ما يصل إليه احد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يرجي : يؤخر.
(2) سقم : مرض.
(3) يقنط : ييأس.
(4) بطر : طغى بالنعمة ، فتن : تعرض للاختبار لكنه لم يفز.
(5) وهن : ضعف.
(6) أسلف : عجل ، سوف : أخر.
(7) عرته ، اصابته ، انفرج عن شرائط الملة ، تخلى ولم يلتزم بمقتضيات الاسلام وما يحب عليه.
(8) العبرة اسم مصدر للاعتبار وهو : النظر إلى الشيء لمعرفة غير المشاهد من خلال المشاهد ، لا يعتبر : لا يستفيد من العبرة.
(9) مدل : دليل.
(10) الغنم : إفادة شيء لم يملك من قبل، الغرم كالغرامة ، ما يلزم اداؤه.
(11) يبادر : يعاجل قبل الموت فيفوته العمل.
(12) طاعن : منتقد وذاكر بسوء ، مداهن : غاش ومجامل على حساب الحقيقة.
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
سماحة السيد الصافي يؤكد ضرورة تعريف المجتمعات بأهمية مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية
|
|
|