الطعون الانتخابية في فرنسا
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص 224-228
2025-12-03
16
كان التقليد المتبع في فرنسا منذ عهد المجالس العامة عام 1789 وحتى عام 1958 ، هو العهد للبرلمانات ذاتها بفحص سلامة إجراءات انتخاب أعضائها ، ويجد هذا التقليد أساسه في الصراع ضد الامتيازات الملكية الأمر الذي يبدو معه إسناد هذا الاختصاص للبرلمان أمر لا غنى عنه لاستقلاله ، وإتباعا للتقليد الفرنسي القاضي بسيادة المجالس التشريعية المختصة بإصدار القوانين ، والتي اعتبرت بمثابة التعبير عن الإرادة العامة للأمة(1) .
إلا انه وبالرغم من زوال النظام الملكي وامتيازاته استمر هذا التقليد متبعا في الجمهوريتين الثالثة والرابعة ، بحيث أصبح إسناد الاختصاص للمجالس النيابية محض امتياز لتلك الجهات أسس على مبدأ سيادة البرلمان , وتمسكت المجالس النيابية بهذا الامتياز بالرغم من سوء استعمالها له والنتائج السيئة التي ترتبت على ذلك ، حيث مارست هذا الاختصاص وكأنها سلطة فوق القانون يمكنها مخالفة قواعده ، حتى انه في عام 1879 وأثناء الجدل الذي ثار بشان انتخاب المناضل الاشتراكي ( بلانكى ) , أعلن ( كلمونصو ) ان المجلس النيابي ليس بقاض ولا محكمة بل هو مجلس النواب بما يعني انه جهاز سياسي يمارس عملا سياسيا(2) .
لكن مع دخول دستور 1958 في التطبيق ، خصص هذا الدستور الفصل السابع منه للحديث عن المجلس الدستوري ( Le Conseil Constitutionnel ) الذي يختص ـ علاوة على مراقبة دستورية التشريعات العادية والأساسية والمعاهدات الدولية ـ بالنظر في الطعون الخاصة بالانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاءات العامة(3) ، فنصت المادة (59) من الدستور على ان " يفصل المجلس الدستوري في المنازعات الخاصة بصحة انتخاب النواب والشيوخ " ، أما تكوين هذا المجلس فقد نصت عليه المادة (56) من الدستور(4) .
وفيما يلي نستعرض الإجراءات المتعلقة بالطعون في فقرة أولى ، أما الفقرة الثانية فخصصت للبحث في أسباب الطعون الانتخابية .
أولا : الإجراءات المتعلقة بالطعون
تقتضي معالجة النظام الإجرائي للطعون في صحة الانتخابات التشريعية دراسة شروط قبول الطعن الانتخابي ثم دراسة ما يمكن ان يصدر عن المجلس الدستوري من أحكام بهذا الخصوص .
1 : شروط قبول الطعن :
يمكن الاعتراض أمام المجلس الدستوري على صحة الانتخابات التشريعية بواسطة صاحب المصلحة في ذلك ، عن طريق عريضة تقدم إلى المجلس ذاته ، أو إلى بعض الجهات التي حددها الدستور إذا كان من غير المقيمين بمدينة باريس حيث يوجد مقر المجلس ، حيث ان المجلس لا يتصدى تلقائياً بل يتعين حتى يمارس المجلس رقابته وجود منازعة حول صحة الاقتراع(5) .
ولا بد هنا من التطرق إلى أصحاب المصلحة في الطعن والمواعيد القانونية لتقديم الطعن .
أ ـ أصحاب المصلحة في الطعن :
كغيره من الطعون ، لكي يقبل الطعن الانتخابي ، لابد وان تكون لصاحبه مصلحة في التقدم به ، وصاحب المصلحة في هذه الحالة هو من توافرت فيه صـفة الناخب أو صفة المرشح ، ويهدف من وراء طعنه إلى إلغاء نتيجة الانتخابات في الدائرة التي ينتمي إليها والتي حدثت فيها المخالفة التي يدعيها .
وبالفعل قضت الفقرة الثانية من المادة (33) من القانون الأساسي للمجلس الدستوري(6) ، على ان حق الطعن الانتخابي مقرر لكل شخص مقيد اسمه في جداول الناخبين في الدائرة وأيضاً لكل مرشح ، وبالترتيب على ما تقدم فانه لا يجوز للأشخاص المعنوية سواء العامة أو الخاصة حق الطعن في الانتخابات التشريعية أمام المجلس الدستوري(7) .
ب : ميعاد تقديم الطعن:
تقضي المادة (33) من المرسوم بالقانون الصادر في 7 نوفمبر 1959 والمتعلق بالمجلس الدستوري ضرورة تقديم طلب الطعن في نتائج الانتخابات التشريعية في خلال العشرة الأيام التالية لإعلان نتيجة الانتخابات ، والمقصود بالنتيجة هنا هي النتيجة النهائية وليس نتيجة انتخابات الدور الأول(8) .
2 : الحكم في الطعن :
إذا ما اكتملت شروط قبول الطعن ، انتقل المجلس الدستوري إلى مرحلة الحكم فيه ، وتحكم هذه المرحلة مجموعة من المبادئ أهمها مبدأ حضورية المرافعات ، ومبدأ كتابية المرافعات أمام المجلس ، وكذلك ما اختطه المجلس لنفسه من مبادئ تحكم عمله في هذا الخصوص ، وعلى عكس ما هو معمول به بشان الرقابة على دستورية القوانين حيث يصدر المجلس أحكامه خلال شهر من تلقيه الطلب ، فانه لا يوجد ميعاد محدد لنظر الطعن في نتيجة الانتخابات التشريعية(9) .
وحينما يقرر المجلس ان الطاعن محق في دعواه فان له ان يبطل الانتخاب محل النزاع , أو ان يعدل نتيجة الانتخاب(10) .
ويصدر المجلس أحكامه في الدعاوى الانتخابية بالأغلبية البسيطة ، ويتم أخطار القرار إلى المجلس المنتخب ( مجلس الشيوخ أو الجمعية الوطنية ) وينشر القرار في الجريدة الرسمية ، ويحوز الحكم الصادر من المجلس الدستوري حجية الشيء المحكوم فيه حيث تلتزم به كافة السلطات العامة والإدارية والقضائية في الدولة ، ولا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من المجلس الدستوري بأي طريق من طرق الطعن(11) .
ثانيا : أسباب الطعن في نتائج الانتخابات التشريعية
يمكن القول ـ استنادا إلى قضاء المجلس الدستوري ـ ان كل المخالفات التي من شانها التأثير في نتيجة الانتخابات التشريعية ، يمكن ان تشكل أسبابا للطعن في صحة نتائج الاقتراع ، غير ان قضاء المجلس قد استقر كذلك على انه ليس كل ما يوجب الطعن من المخالفات ، من شانه ان يؤدي إلى الحكم ببطلان النتيجة ، لذا سنستعرض المخالفات الموجبة للطعن ، وتلك التي من شانها الحكم ببطلان نتيجة الانتخابات .
1 : المخالفات الموجبة للطعن :
ساهم المجلس الدستوري بقضائه في رسم حدود الاختصاص الذي يتلقاه من المادة (59) من الدستور بالفصل في صحة نتائج الانتخابات التشريعية ، فالمجلس يؤكد دائما على ان تدخله يأتي في المرحلة اللاحقة على إعلان النتائج وبشان المخالفات المرتكبة أثناء عملية الاقتراع ، ومع ذلك فقد أعطى المجلس لنفسه الحق ـ استثناءً على المبدأ السابق ـ في نظر الطعون الموجهة ضد بعض المخالفات المرتكبة في مرحلة سابقة على إجراء الاقتراع إذا كان من شانها التأثير في نتيجة الانتخابات ، ومثالها المخالفات المتعلقة بالتسجيل على قوائم الناخبين وقوائم المرشحين ، المخالفات المتعلقة بتنظيم الدعاية الانتخابية ، المخالفات المرتبطة بتنظيم وسير عملية الاقتراع ، المخالفات المتعلقة بفرز أصوات الناخبين(12) .
2 : المخالفات التي من شانها الحكم ببطلان الانتخابات :
يشترط المجلس الدستوري عادة في المخالفة التي يمكن ان تؤدي إلى بطلان نتيجة انتخاب المرشح المخالف ، ان تكون على قدر كبير من الجسامة وان لا يكون الفارق بين المرشح الفائز والمرشح المهزوم من حيث عدد الأصوات كبيراً ، فإذا كان الفارق كبيرا بين الاثنين ، فانه لا بد وان يكون هناك خطأ جسيم للحكم ببطلان نتيجة الانتخاب بالنسبة للمرشح الفائز(13).
والمخالفات الجسيمة ، هي المخالفة التي من شانها ان تؤثر في حرية الاقتراع أو مصداقيته بصورة تحسم نتيجة الانتخابات ، ولو كانت وحيدة ، كما ان المجلس يحكم عادة ببطلان الانتخابات بسبب تجمع عدد من المخالفات البسيطة في عملية اقتراع واحدة(14).
______________
1- د . عيد أحمد الغفلول ، نظام الانتخابات التشريعية في فرنسا ، دار الفكر العربي ، مصر ، 2001 ، ص 59 .
2- لم تكن البرلمانات تمارس هذا الاختصاص بروح وأساليب القاضي , ففي عهد الجمهورية الثالثة كتب العميد ( ديجي ) منتقدا أداء البرلمان الذي يبدو وكأنه فوق القانون ، كما كتب العميد ( فيدال ) في ظل الجمهورية الرابعة ذاكرا انه " يخطئ من يظن ان البرلمان في ممارسته لاختصاص الفصل في الطعون الانتخابية يصدر عن روح القاضي بالرغم من ان نص المادة (8) من الدستور تلزمه بذلك " .
3- د. حسن محمد هند ، منازعات انتخابات البرلمان ، بدون مكان طبع ، 1998 ، ص 115 .
4- حيث نصت على " يتكون المجلس الدستوري من تسعة أعضاء ، تستمر عضويتهم تسع سنوات غير قابلة للتجديد ويتجدد ثلث أعضائه كل ثلاث سنوات ، ويعين كل من رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ ثلاثة أعضاء ، وزيادة على الأعضاء التسعة المنصوص عليهم في الفقرة السابقة يعتبر رؤساء الجمهورية السابقون أعضاء في المجلس بحكم القانون مدى الحياة ، يعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس وله صوت مرجح عند تساوي الأصوات " .
5- وتطبيقا لذلك قضى المجلس بعدم قبول الطعون التي قدمت الطلبات بشأنها إلى رئيس الجمعية الوطنية ، أو إلى رئيس اللجنة العامة لفرز الأصوات ، أو إلى هيئة ناخبي مجلس الشيوخ ؛ ينظر : د . عيد أحمد الغفلول ، نظام الانتخابات التشريعية في فرنسا ، دار الفكر العربي ، مصر ، 2001 ، ص 64 .
6- الصادر بالأمر رقم 1067 – 58 بتاريخ 7 نوفمبر سنة 1958 .
7- د . صلاح الدين فوزي ، المجلس الدستوري الفرنسي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1992 ، ص 156 .
8- وتطبيقا لذلك قضى المجلس الدستوري برفض الطعن في انتخابات الدور الأول من مرشح لم يحالفه التوفيق فيها ، وكذلك الطعن المقدم بعد عملية الاقتراع ولكن قبل إعلان النتائج بصورة رسمية ؛ ينظر : القرار رقم . 88-103 du 13 juillet 1988, R. P. 89 ؛ ذكره : د . عيد احمد الغفلول ، مصدر سابق ، ص 66 .
9- والملاحظ ان ذلك قد يستغرق عدة شهور تصل أحيانا إلى ستة أشهر، وقد حدث ذلك بمناسبة بعض الطعون التي قدمت بمناسبة الانتخابات التشريعية لعام 1973؛ ينظر : عيد احمد الغفلول ، مصدر سابق ، ص 68 .
10- هنري روسيون ، ص 122 .
11- بل ان المجلس الدستوري قرر في حكمه الصادر في 5 مايو سنة 1959 ، عدم قبول طلب تصحيح الأخطاء المادية التي شابت حكمه ، كون المادة 62/2 من الدستور قاطعة في عدم جواز الطعن بأي طريق من الطرق فيما يصدر عن المجلس الدستوري ، ورأى المجلس ان مفهوم المادة ينصرف حتى إلى الأخطاء المادية ، لكن وعلى الرغم من ذلك فان المجلس بدأ يتحول تدريجياً عن هذا الاتجاه ، وقبل دعوى تصحيح الأخطاء المادية وذلك في حكمه الصادر بتاريخ 23 أكتوبر سنة 1987 ، على اعتبار ان تصحيح الأخطاء المادية ليس من شانه ان ينال من حجية الأمر المقضي فيه والتي تتمتع بها أحكام المجلس الدستوري ؛ ينظر : د . صلاح الدين فوزي ، المجلس الدستوري الفرنسي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1992 ، ص 163 .
12- حكم المجلس بتاريخ 24 يناير سنة 1968 بإلغاء الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم 12 مارس سنة 1967 في إقليم كورسيكا بسبب اختفاء بعض صناديق الاقتراع وقوائم من أدلو بأصواتهم بالمراسلة ؛ ينظر : هنري روسيون ، مصدر سابق ، ص 125 .
13- وتطبيقاً لذلك ، رفض المجلس الدستوري الاستجابة لطلب أحد المرشحين المهزومين بإلغاء نتيجة المرشح الفائز ، بعد ما تبين للمجلس انه لولا حدوث المخالفة المرتكبة لكان الفارق (13) صوتاً ، بدلاً من (39) صوتاً وهو الفارق الذي أفـضت إليـه نتيجـة الانتخابـات ؛ ينظـر :
constitutional council of France wikipedia , the free encyclopedia , website : www.en.wikipedia.org
14- كما ألغى المجلس نتيجة الانتخابات بالنسبة لأحد المرشحين بسبب مخالفات تتعلق بتنظيم الاقتراع ، تمثلت في مخالفة مبادئ الاقتراع بشان ثلاثة صناديق انتخابية ، وفي منع ممثلي أحد المرشحين من التجول بحرية في مكتب الاقتراع ؛ ينظر : د . عيد أحمد الغفلول ، نظام الانتخابات التشريعية في فرنسا ، دار الفكر العربي ، مصر ، 2001 ، ص 77 .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة