المبادئ التي تحكم سياق الدعاية الانتخابية
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص147-151
2025-12-01
18
تستخدم الأحزاب السياسية المتنافسة والمرشحون مختلف أنواع وسائل الدعاية خلال فترة الحملات الانتخابية بقصد التأثير في جمهور الناخبين باستخدام مختلف وسائل الاتصال المسموعة والمرئية ، مع الانتباه إلى ان هذه الوسائل منها ما هو مشروع ومنها ما هو غير مشروع ، فكل ما يهم المرشحين هو ان تكون دعايتهم الانتخابية فعالة ومؤثرة بغض النظر عن صحة الوسائل والأساليب المستخدمة من عدمها(1).
لذلك اهتمت التشريعات بتقرير ضمانات ومبادئ تحكم الحملات الانتخابية ، وتحدد وسائل الاتصال المشروعة التي ينبغي على المتنافسين الالتزام بها .
سنبحث في هذا الموضوع اثنان من المبادئ التي تحكم الحملات الانتخابية وذلك عبر فرعين خصص الأول منها للبحث في مبدأ المساواة ، إما الفرع الثاني فقد خصص للبحث في حياد السلطة الإدارية .
الفرع الأول
مبدأ المساواة
لضمان نزاهة الانتخابات وصدق تعبيرها عن الرأي العام يجب العمل على كفالة المساواة في استخدام وسائل الإعلام من جانب المرشحين والأحزاب ، وهذا يقتضي عدم التمييز بينهم بسبب ثقل المركز المالي أو التأييد الحكومي ، وان يحكم مبدأ المساواة منح الفرص المتكافئة لكل المرشحين للتعبير عن أفكارهم وبرامجهم الانتخابية وبجميع وسائل الاتصال(2) .
ففي فرنسا ، نجد ان مبدأ المساواة يظهر واضحا في العديد من النواحي التنظيمية للحملات الانتخابية ، فقد نصت المادة (10) من المرسوم الصادر في 14 مارس 1964 على احترام مبدأ المساواة وبأن يتمتع جميع المرشحين بنفس التسهيلات التي تقدمها لهم الدولة .
فمن جهة عرض الملصقات الدعائية ، يمنح كل مرشح مساحة متساوية مع غيره من المرشحين في الأماكن المخصصة للصق الإعلانات ، وأي لصق خارج هذا المكان يكون ممنوعا وغير قانوني .
ونفس المبدأ مطبقا كذلك في الوقت المخصص لكل حزب في الإذاعة والتلفزيون لعرض أفكارهم وبرامجهم الانتخابية والدفاع عنها ، فالمادة (167) من قانون الانتخاب والمعدلة بالقانون رقم (144) لسنة 1988 ، تقسم وقت الإرسال بين أحزاب الأغلبية الحاكمة وبين أحزاب المعارضة(3) .
أما في مصر ، فانه ووفقا لنص القانون الخاص باتحاد الإذاعة والتليفزيون , فانه يلزم " الالتزام بتخصيص جانب من وقت الإرسال الإذاعي والتليفزيوني للأحزاب السياسية , أبان الانتخابات , لشرح برامجها للشعب "(4) .
إلا ان الواقع العملي يبين عدم إعمال مبدأ المساواة بين كافة الأحزاب وعدم تخصيص الوقت الكافي للدعاية الانتخابية لجميع المتنافسين مما دفع أحزاب المعرضة أبان الانتخابات التشريعية لسنة 1984 بإقامة الدعوى ضد وزير الإعلام لعدم تخصيصه الوقت الكافي في وسائل الإعلام بما يمكن الأحزاب المتنافسة من شرح برنامجها الانتخابي(5) .
أما في العراق فقد نص قانون الأحزاب والهيئات السياسية على اعتبار " كافة الكيانات السياسية ، بما في ذلك الأشخاص المصادق عليهم ، متساوية أمام القانون ، وتحظى في كافة الأوقات بمعاملة متساوية من قبل جميع مستويات الحكومة في العراق "(6) ، وكذلك نصت قواعد ونظم التغطية الإعلامية خلال فترة الانتخابات ، والتي أصدرتها ( الهيئة الوطنية العراقية للاتصالات والإعلام ) ، في المادة (3) منها على مبدأ المساواة بين الكيانات السياسية المتنافسة في التغطية الإعلامية أثناء فترة الحملة الانتخابية(7) .
وكذلك نص المادة (5-3) من تلك القواعد(8) ، كما نصت المادة (2-2) من النظام رقم (10) لسنة 2005 ( النظام المتعلق بوسائل الإعلام ) والصادر عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق على نفس المبدأ(9) .
الفرع الثاني
مبدأ حياد السلطة الإدارية
كون السلطة الحاكمة تتحصل على العديد من الإمكانات التنفيذية في مجال الدعاية ، وان قيام الحزب الحاكم باستغلال هذه الإمكانيات لصالح مرشحيه يُعد إخلالا واضحا بمبدأ المساواة الذي سبق التطرق إليه ، لذلك حرصت التشريعات المتعلقة بالحملات الانتخابية على ضمان حيادية السلطات الإدارية حرصا على توفير فرص متساوية لجميع الأطراف المتنافسة(10) .
ففي فرنسا ، نظم قانون الانتخاب الفرنسي ، وبموجب المادة (50) منه ، مبدأ حياد السلطة الإدارية ، فحظر على كل شخص عضو في السلطة العامة أو المحلية ان يقوم بتوزيع استمارات الانتخابات أو ان يجهر بانتمائه السياسي أو يقوم بتوزيع منشورات لصالح احد المرشحين ، كما يتعين على جميع المحافظين ـ باعتبارهم رؤساء الوحدات الإدارية ـ إلا يستخدموا الإمكانيات التي تتيحها لهم مواقعهم للضغط على إرادة الناخبين(11) ، كما ان على جميع الموظفين العامين عدم استخدام سلطتهم وصفتهم في الدعاية لصالح احد المرشحين ، وقد أقر مجلس الدولة الفرنسي هذه القاعدة وقضاؤه في هذا الشأن قديم ومستقر(12).
أما في مصر فان قرارات وزير الداخلية(13) بشان تنظيم الدعاية الانتخابية تُلزم جميع رجال الإدارة الالتزام بالحياد التام بين المتنافسين ، ويسري هذا الالتزام بشكل خاص على رجال الشرطة والأمن ، لما لحياد هؤلاء من تأثير كبير على نزاهة العملية الانتخابية(14) .
أما في العراق فقد نصت المادة (21) من قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 على " يمنع تنظيم الاجتماعات الانتخابية في الأبنية التي تشغلها الوزارات ودوائر الدولة المختلفة "(15) ، كما نصت المادة (23) من نفس القانون على " لا يجوز لموظفي الحكومة والسلطات المحلية القيام بالحملة الانتخابية لصالح أي مرشح "(16) ، كما نصت الفقرة الثالثة من قواعد ونظم التغطية الإعلامية خلال فترة الانتخابات التي أصدرتها الهيئة الوطنية العراقية للاتصالات والإعلام على " ... لا يجوز لأي من وسائل البث الإعلامي التابعة لشبكة الإعلام العراقي إشهار تأييدها لأي كيان أو تحالف سياسي أو أي من مرشحيها ... " ، كما لم يجز القانون " لأي كيان سياسي أو ائتلاف استخدام الموارد العامة من أموال ووسائل ومركبات حكومية وأبنية في الدعاية الانتخابية له ، وتعليق الصور عليها وتوزيع المنشورات المختلفة بواسطتها لصالح ذلك الكيان أو الائتلاف "(17) .
____________
1- د. إيليا إيليا ، المال السياسي ، بحث منشور ضمن كتاب " الانتخابات النيابية في لبنان 2005 في خضم التحولات المحلية والإقليمية " ، المركز اللبناني للدراسات ، بيروت ، 2007 ، ص 301 .
2- د. صلاح الدين فوزي ، النظم والإجراءات الانتخابية ، دار النهضة العرابية ، القاهرة ، 1985 ، ص 479 .
3- د. سليمان الغويل ، الانتخاب والديمقراطية ، ط1 ، أكاديمية الدراسات العليا ، طرابلس ، 2003 ، ص 229 .
4- الفقرة (7) من المادة (2) من القانون رقم (13) لسنة 1979 .
5- حيث قضت محكمة القضاء الإداري بقرارها في القضية رقم (3781) في 8/5/1984 بوقف تنفيذ قرار وزير الإعلام المطعون فيه , فيما تضمنه من تخصيص أربعين دقيقة لكل حزب للقيام بأعماله الدعائية ، بالقول " ... لان المشرع حدد هدفا خاصا اوجب مراعاته عند الالتزام بتخصيص جانب من وقت الإرسال للأحزاب السياسية إبان الانتخاب , وذلك الهدف هو ان يتمكن الحزب من شرح برامجه للشعب , ومن ثم على الجهة الإدارية مراعاة بلوغ هذا الهدف وتحقيق هذه الغاية , ولا يتأتى ذلك إلا إذا كانت المدة المحددة لشرح البرامج الحزبية معقولة وكافية لإعلام السامع والمشاهد بالمبادئ والأهداف التي يقوم عليها الحزب , وان تحديد فترة مدتها عشرون دقيقة تخصص لكل من الإرسال الإذاعي والتلفزيوني لا تكفي مطلقا لتحقيق الهدف منها لتقديم برامج الأحزاب على اختلافها , مما يجعل القرار مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة , لان القرار أصبح لا يؤدي الغرض المستهدف , بل اتخذ شكلا مظهريا , افرغ من مضمونه , مما يجعل وفاء اتحاد الإذاعة والتلفزيون لالتزام المفروض علية , وفقا للقانون رقم (13) لسنة 1979 , وفاء شكليا صوريا لان المحكمة لاحظت وجود برامج إذاعية وتلفزيونية تستغرق أوقات طويلة , وليست على قدر أهمية شرح برامج الأحزاب " , وانتهت المحكمة إلى وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ؛ ينظر : د. داود الباز ، حق المشاركة في الحياة السياسية ، مصدر سابق ، ص 574 .
6- المادة (3) من القسم الثالث من الأمر رقم (97) الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة ( قانون الأحزاب والهيئات السياسية ) لسنة 2004 .
7- فقد نصت المادة (3) من القواعد أعلاه على " ... لدى عرض تغطية إخبارية وبرامج سياسية ـ بما في ذلك برامج المناقشات السياسية واللقاءات والحوارات التي تتعلق بأي كيان أو تحالف سياسي أو أي من مرشحيها ، أو بمشاركة منهم ـ يجب على جميع وسائل البث الإعلامي ووسائل الإعلام التابعة لشبكة الإعلام العراقي ان تعمل على : 3-1 : ضمان ان المعلومات التي تنشرها متوازنة وغير منحازة . 3-2 : التعامل مع جميع الكيانات والتحالفات السياسية ومرشحيهم بإنصاف ودون تحيز مع عدم إعطاء أفضلية أو التحيز تجاه أي منهم ، أو التحامل على أي منهم . 3-3 : بذل كل جهد لعرض وتمثيل آراء ومواقف جميع الأطراف المعنية مع الإشارة حينما يرفض احد الأطراف الخلاف جعل رأيه متاحا لوسائل الإعلام " .
8- والتي تنص " على شبكة الإعلام العراقية توفير وقت مجاني للبث التلفزيوني ... ويجب تطبيق أي قواعد أو شروط أو إعانات أو مساعدات تتعلق بأي من مثل هذه البرامج بالإنصاف على جميع المشاركين " .
9- حيث نصت على " التأكيد على سائر وسائل الإعلام العراقية الرسمية توفير الإمكانيات المتساوية لوصول الكيانات والائتلافات السياسية إليها وتقديمها وتغطية فعالياتها " .
10- محمد زين الدين ، تأثيرات أنماط الاقتراع على الانتقال الديمقراطي ، الموقع الالكتروني : الحوار المتمدن ، 2006 ، الرابط الالكتروني : www.rezgar.com
11- د. أمين مصطفى محمد ، الجرائم الانتخابية ومدى خصوصية دور القضاء في مواجهة الغش الانتخابي ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الإسكندرية ، 2000 ص 45 .
12- أحكام مجلس الدولة في 31 يناير 1919 في قضية (Terrisse ) ، وحكمه الصادر في 11 يناير سنة 1936 في قضية (Bouzanquet )، وحكمه في 20 فبراير سنة 1952 في قضية ( Magrin ) ؛ ذكرها : د. داود الباز ، حق المشاركة في الحياة السياسية ، مصدر سابق ، ص 539 .
13- المادة (7) من قرار وزير الداخلية المرقم (2270) لسنة 1997.
14- د. محمد فرغلي محمد علي ، نظم وإجراءات انتخاب أعضاء المجالس المحلية في ضوء القضاء والفقه ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1998 ، ص 652 .
15- وكذلك نص المادة (3-2) من النظام رقم (8) لسنة 2005 والصادر عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات .
16- وكذلك نص المادة (3-4) من النظام رقم (8) لسنة 2005 والصادر عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات .
17- المادة (3-9) من النظام رقم (8) لسنة 2005 .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة