ترشيح النساء
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص166-168
2025-12-03
24
كان الجنس ـ إلى وقت ليس ببعيد ـ احد القيود الواردة على مبدأ حرية الترشيح بصفة عامة ، ولكن اغلب التشريعات المعاصرة تمنح المرأة الحق في الترشيح أسوة بالرجل تطبيقا لمبدأ المساواة الذي يعد من الأسس التي يقوم عليها أي نظام ديمقراطي(1) ، هذا في الوقت الذي لا تزال فيه بعض التشريعات لحد الآن تمنع المرأة من ممارسة حق الترشيح لعضوية المجالس النيابية ، وان تجنبت النص على ذلك بصراحة(2) .
ويلاحظ ان الكثير من دول العالم ـ وخصوصا في الدول حديثة العهد بالديمقراطية ـ تنهج أسلوبا يشجع على مشاركة المرأة السياسية ، مع اختلاف الطرق المتبعة لضمان ذلك ، فمن القوانين ما يحجز نسبة معينة من الممثلين المنتخبين للنساء ، أو قد يتطلب القانون ان تترشح نسبة معينة من النساء في المعركة الانتخابية دون الالتفات إلى ضمان نجاحهن أو خسارتهن(3) ، كما ان للأحزاب السياسية دوراً في زيادة عدد النساء في البرلمان ، وذلك عندما يطرح الحزب نساءً من أفراده كمرشحات برلمانية(4) ، وتعتمد بلدان أخرى على نظام المقاعد المحجوزة للنساء ، في حين نجد ان بعض القوانين تشجع النساء على المشاركة في العملية الانتخابية ترشحا واقتراعا(5) ، كما ان المشرع قد يعمد إلى إجراء تمييز خاص لصالح المرأة(6) .
ومع ان النساء يشكلن أكثر من 50% من سكان أي من الدول العربية ، إلا ان نسبة وجودهن في الهيئات التشريعية هي نسبة متدنية ، فمعدل البرلمانيات الوسطي لا يتجاوز 6% (7) ، لا بل ان الغريب في الأمر ان عدد النساء المنتخبات لعضوية المجالس التشريعية في الدول العربية ينحى نحو التناقص(8).
في فرنسا لم تنل المرأة حق التصويت إلا بمقتضى المرسوم الصادر عن اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني في 21 نيسان 1944 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العامة بعد التحرير(9) .
ولو نظرنا للتجربة المصرية بهذا المجال ، سنرى ان الدستور المصري لسنة 1956 وضع اللبنة الأولى للمساواة بين الرجل والمرأة في مجال الحقوق السياسية ، عندما أقر بحق المرأة بالتصويت والترشيح لعضوية المجالس النيابية ، وأكد الدستور المصري الحالي لسنة 1971 على هذا المبدأ بموجب نص المواد (11) ، (62) منه(10) ، لا بل ان المشرع المصري ذهب إلى ما هو أكثر من مبدأ المساواة ، وذلك عندما قام بحجز (30) مقعدا نيابيا للنساء ، وذلك بنص المادة (1) من القرار بقانون رقم (22) لسنة 1979 والتي أوجبت تخصيص (30) مقعداً تحجز للنساء بواقع ثلاثين دائرة تبين بجدول ، ينتخب عن كل منها بالإضافة إلى العضوين المقرر انتخابهما ، عضو ثالث من النساء ، وبعد مرور أربع سنوات صدر القانون رقم (114) لسنة 1983 والذي جعل للنساء (31) مقعدا ، لكن في الانتخابات البرلمانية لعام 1987 تم العدول عن المنهج السابق ولم تخصص مقاعد للنساء ، حيث اصدر المشرع قانونا برقم (188) لسنة 1986 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (38) لسنة 1972 ، ألغى بمقتضاه النص على تخصيص مقعد للمرأة في بعض الدوائر ، كما أكد ذلك بالقانون رقم (201) لسنة 1990، وأصبحت المادة الثالثة تخلو من النص على تخصيص مقعد للنساء ، وكذا جرى عليه الأمر في الانتخابات اللاحقة(11) .
أما في العراق وبعد سقوط النظام السابق ، فنجد انه وبعد ان أكد الدستور العراقي لسنة 2005 على مبدأ المساواة وذلك بموجب المادة (14)(12) منه ، فان المشرع الدستوري ذهب إلى ما هو ابعد من المساواة وذلك بتبنيه نهجا يراد به تحقيق زيادة حتمية لعدد النساء في المجالس المنتخبة ، وذلك حينما حجز ما لا يقل عن ربع المقاعد في مجلس النواب للنساء ، بموجب الفقرة ( رابعا ) من المادة (49) من الدستور(13) ، وفعلا جرت انتخابات الجمعية الوطنية ومن ثم انتخابات مجلس النواب وفق هذا المبدأ ، حيث اوجب قانون الانتخابات على ان لا تقل نسبة النساء في قوائم المرشحين للكيانات السياسية عن نسبة 25% من مجموع المرشحين ، وذلك بموجب المادة (11) من قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005(14) ، وكان نتيجة ذلك ان بلغ عدد النساء في مجلس النواب الحالي (70) امرأة ، من بين عدد الأعضاء البالغ عددهم (275) نائب .
والحقيقة انه رغم وجاهة الأسباب التي دعت المشرع الدستوري لاشتراط تمثيل هذه النسبة العالية من النساء في المجلس النيابي ، إلا اننا نرى ان المشرع الدستوري قد ناقض نفسه بالحياد عن مبدأ المساواة التي نصت عليها المادة (14) من الدستور ، بالإضافة إلى ما تضمنته المادة (20) من الدستور ، والتي نصت على " للمواطنين رجالا ونساءً ، حق المشاركة في الشؤون العامة ، والتمتع بالحقوق السياسية ، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح " ، بالإضافة إلى ان الواقع العملي الذي شهدناه من خلال جلسات مجلس النواب العراقي للفترة المنصرمة ، والذي تبين منه ضعف أداء النيابيات في المجلس التشريعي ، كل ذلك يدعو إلى إعادة التفكير بهذه النسبة المرتفعة المحجوزة للنساء في المجلس النيابي .
______________
1-Ed. Michael D. Boda , Previous reference , P.39 .
2- مثال ذلك : قانون تنظيم الانتخابات لمجلس الشورى في دولة قطر العربية رقم (9) لسنة 1970 والذي نص في مادته الأولى على " يتمتع بحق الانتخاب كل قطري من الذكور البالغين من العمر ثماني عشر سنة ميلادية ... " ، وطبعا لا يعقل ان تتمتع المرأة بحق الترشيح بعد ان حرمت من حق الانتخاب .
3- وهي حالة أنظمة التمثيل النسبي في بلجيكا وناميبيا ، وفي النيبال يشترط ان يكون 5% من مرشحي المنطقة من النساء ؛ ينظر : د. عادل لطفي ، نحو نظام انتخابي أكثر كفاءة تجاه المرأة المصرية ، الموقع الالكتروني : المركز المصري لحقوق المرأة ، 2006 ، الرابط الالكتروني : www.ecwronline.org .
4- وهذه الآلية هي الأكثر شيوعا التي تستعمل للترويج لإشراك النساء في الحياة السياسية ، وقد استعملت في جنوب أفريقيا والأرجنتين وبوليفيا والمكسيك واستراليا والمملكة المتحدة وفي كافة أنحاء اسكندنافيا ؛ ينظر : المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات ( IDEA ) ، الديمقراطية في العالم العربي ، لبنان ، 2004 ، ص 14 .
5- فمثلا نقرأ في القانون الانتخابي اليمني رقم (27) لسنة 1996 ، على ضرورة قيام اللجنة العليا باتخاذ الإجراءات التي تشجع المرأة على ممارسة حقوقها الانتخابية .
6- ففي المملكة الأردنية ، أوجب القانون حفظ ستة مقاعد نيابية تخصص للنساء ، وذلك في الانتخابات التشريعية التي جرت في حزيران 2003 ، ونتيجة لهذه الكوتا ، دخلت ستة نساء إلى المجلس النيابي الأردني ، ولكن بنسب تصويت متدنية جدا فقد أصبحت إحداهن نائبة بـ (365) صوتا فقط ؛ ينظر : د. بلقيس أبو إصبع ، آلية تفعيل المشاركة السياسية للمرأة ، الموقع الالكتروني : اللجنة الوطنية للمرأة ، الرابط الالكتروني : www.yemeni-women.org.ye .
7- المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات ( IDEA ) ، الديمقراطية في العالم العربي ، لبنان ، 2004 ، ص 14 .
8- فنلاحظ ان عدد النساء المنتخبات لعضوية البرلمان في اليمن ومصر قد تناقص في الانتخابات الأخيرة ، ففي اليمن ، تم انتخاب امرأة واحدة في العام 2003 ، بعدما كانتا امرأتين في البرلمان الأسبق ، أما في مصر ، فان 2,4% من المنتخبين في العام 2000 ، كن من النساء بعدما كانت نسبة مشاركتهن البرلمانية 9% في الثمانينات ؛ د. عادل لطفي ، نحو نظام انتخابي أكثر كفاءة تجاه المرأة المصرية ، الموقع الالكتروني : المركز المصري لحقوق المرأة ، 2006 ، الرابط الالكتروني : www.ecwronline.org .
9- ينظر : ابتهال كريم عبد الله ، الاستفتاء الشعبي ـ دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون ـ جامعة بابل ، 2003 ، ص 87 ؛ د. مصطفى عفيفي ، نظامنا الانتخابي في الميزان ، مكتبة سعيد رأفت ، جامعة عين شمس ، 1984 ، ص 28 .
10- حيث تنص المادة (11) من الدستور " تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، دون إخلال بإحكام الشريعة الإسلامية " ، وتنص المادة (62) من الدستور " للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقا لأحكام القانون ، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني " .
11- ينظر : د فاروق عبد البر ، دور مجلس الدولة المصري في حماية الحقوق والحريات العامة ، ج 3 ، المجلد الأول ، النسر الذهبي للطباعة ، القاهرة ، 1988 ، ص 1344 ؛ د. بلقيس أبو إصبع ، آلية تفعيل المشاركة السياسية للمرأة ، الموقع الالكتروني : اللجنة الوطنية للمرأة ، الرابط الالكتروني : www.yemeni-women.org.ye
12- والتي تنص على " العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي " .
13- والتي تنص على " يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب " .
14- والتي تنص على " يجب ان تكون امرأة واحدة على الأقل ضمن أول ثلاثة مرشحين في القائمة ، كما يجب ان تكون ضمن أول ستة مرشحين في القائمة امرأتان على الأقل وهكذا حتى نهاية القائمة " .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة