الإعلان عن النتائج قرار إداري خاضع للرقابة القضائية
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص216-219
2025-12-03
17
يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى ان قرار الإعلان عن النتائج هو قرار إداري يخضع للرقابة القضائية .
ففي مصر يرى أصحاب هذا الرأي ان قرار إعلان نتائج الانتخابات بواسطة وزير الداخلية , لا ينصرف إليه نص المادة (93) من الدستور(1) , وبالتالي فهو قرار إداري يجوز الطعن فيه أمام القضاء الإداري ان خالف الدستور والقانون بصدوره على نحو غير مشروع ، شأنه في ذلك شان باقي القرارات الإدارية , ومجلس الدولة هو القاضي الطبيعي لهكذا قرارات(2) .
ويذهب أنصار هذا الرأي إلى سوق عدد من الحجج التي تؤيد ما ذهبوا إليه ، ومنها :
1: صريح نص المادة (37) من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية ، إذ تؤكد هذه المادة على ان " إعلان نتيجة الاقتراع تتم بواسطة ـ قرار ـ يصدر من وزير الداخلية خلال الثلاثة أيام التالية لوصول محاضر لجان الانتخاب أو الاستفتاء إليه " .
2: يُعد قرار وزير الداخلية بإعلان نتيجة الاقتراع قرارا إداريا بالنظر إلى الآثار القانونية التي تترتب عليه , فمن شروط القرار الإداري ان تترتب عليه آثار قانونية معينة ، أي التأثير في المركز القانوني القائم سواء بالإنشاء أو التعديل أو الإلغاء ، وبما ان قرار إعلان النتائج الصادر عن وزير الداخلية يُعد منشأ لمركز قانوني يتمثل في حق المرشح الفائز في ان يصبح عضوا في مجلس الشعب ، فهو يعتبر إذن قرارا إداريا ، ويستدل على ذلك من نص المادة (38) من قانون مباشرة الحقوق السياسية " يرسل وزير الداخلية عقب إعلان نتيجة الانتخاب إلى كل من المرشحين المنتخبين شهادة بانتخابه "(3) .
3: صدور العديد من الأحكام القضائية التي تؤكد خضوع قرار وزير الداخلية بإعلان نتيجة الاقتراع لرقابة القضاء .
ومن الأحكام القضائية التي تؤكد ذلك ، القرار الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في جلسة 25 مايو 1985 ، والذي نص على "... أما حيث يتعلق الطعن بقرار صدر عن جهة الإدارة في مرحلة من مراحل العملية الانتخابية أو بعد انتهائها , تعبر فيه عن إرادتها كسلطة إدارية أو سلطة عامة وهي بصدد الإشراف على العملية الانتخابية أو إعلان نتيجتها , ... ، فان الاختصاص بنظر هذا الطعن في مثل هذه الحالات يظل مقصورا لمحاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري باعتباره القاضي الطبيعي في المنازعات الإدارية طبقا لحكم المادة (172) من الدستور ، والمادة (10) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1972 ، ولا وجه بعدئذ لان يفلت هذا القرار من الرقابة القضائية أو ينأى عن قاضيه الطبيعي أو ان يُخلط بينه وبين طعون صحة العضوية التي استأثر مجلس الشعب بالفصل فيها ، ولا يعني مجرد إعلان نتيجة الانتخاب وما يسفر عنه من إعلان أسماء الفائزين بالعضوية , نزع اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الطعون في القرارات الإدارية المشار إليها والمحدد لها في القانون إذا لا يتعدل هذا الاختصاص إلا بالقانون ، هذا وان القول بغير ما تقدم مؤداه إهدار إرادة الناخبين بقرار يصدر من جهة الإدارة تتنكب فيه عن إعمال صحيح حكم القانون في صدد توزيع المقاعد على قوائم الأحزاب حسبما أوضحت عنه الإرادة الحقيقية للناخبين مما يجعل قرار الإدارة في هذا الشأن تعبيرا عن إرادتها الذاتية وليس تعبيرا عن إرادة الناخبين ، ومن ثم يتعين ألا يفلت مثل هذا القرار من الرقابة القضائية , إعمالا لقواعد المشروعية ورد الأعمال الإدارية إلى حظيرة القانون " ، وتتابع المحكمة قولها بأنه " وليس أدل على صحة هذا النظر من ان وزير الداخلية بعد ان أعلن نتيجة الانتخاب بتاريخ 30/5/1984 متضمنة ان حزب الوفد حصل على (57) مقعدا , عاد في اليوم التالي 31/5/1984 وعدل إعلان النتيجة ـ اثر تظلم قدم إليه عن نتيجة الدائرة الأولى بالمنيا ـ فزاد حزب الوفد مقعدا عن هذه الدائرة , نقص به عدد المقاعد التي سبق إعلان فوز الحزب الوطني بها ، ومفاد ذلك انه إذا كان قرار إعلان نتيجة الانتخاب قابلا للسحب الجزئي بمعرفة جهة الإدارة فانه من باب أولى يكون خاضعا للرقابة القضائية على المشروعية "(4) .
لا بل ان القضاء المصري أكد في قراراته على ان أحكام القضاء الإداري في هذا الخصوص واجبة النفاذ ولا يترتب على الطعن فيها وقف تنفيذها ، مثال ذلك حكم محكمة القضاء الإداري وقف إعلان نتائج الانتخابات في (109) دائرة في انتخابات مجلس الشعب التي تمت في ديسمبر 1995 ، وحينما استشكلت وزارة الداخلية في تنفيذ هذا الحكم ، قضت محكمة القضاء الإداري بتاريخ 30 يوليو 1996 رفض هذه الاستشكالات ، وأكدت المحكمة ان وزارة الداخلية وهي الجهة الإدارية المسؤولة عن تنفيذ الأحكام امتنعت متعمدة عن تنفيذ الأحكام القضائية العاجلة النفاذ ، ووصفت محاولة الوزارة بأنها مخالفة قانونية صارخة ، وانه لا يليق بحكومة في بلد متحضر الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء بغير وجه حق قانوني ، وأوضحت المحكمة ان ما حدث بشان رفض وزارة الداخلية تنفيذ أحكام القضاء الإداري ببطلان انتخابات مجلس الشعب في (109) دائرة يعد إساءة للنظام القانوني للدولة ، وان إعلان نتيجة الانتخابات بعد صدور الحكم ببطلانها لا يكون سبباً لوقف تنفيذ حكم حاز حجية الأمر المقضي به ، وصدر في ظل اختصاص أصيل للمحكمة مصدرة الحكم(5) .
أما في العراق ومن خلال تفحص النصوص المتعلقة بإعلان النتائج ، نرى ان المشرع العراقي قد اخضع قرارات مجلس المفوضين للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات سواء المتعلقة بالإعلان عن النتائج أو سائر العمليات الانتخابية الأخرى ، أخضعها لإمكانية الطعن بها أمام هيئة قضائية مختصة ، هي الهيئة القضائية للانتخابات(6) ، وكذلك ألزم حصول مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج انتخابات مجلس النواب(7) ، وبذلك نرى ان المشرع العراقي لم يحصن قرار إعلان النتائج من الطعن القضائي وانه ساير هذا الاتجاه بهذا الخصوص .
أما في فرنسا ، يعد المجلس الدستوري قاضي الانتخابات السياسية ، فهو الذي يفصل في الطعون الموجهة إلى إعلان نتائج انتخابات مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية ، ويراقب سلامة ومشروعية العمليات الانتخابية والاستفتاءات ، لذا فان العمليات الخاصة بفرز الأصوات وإعلان النتائج تخضع لرقابة المجلس الدستوري ، على اعتبار ان الطعن أمام المجلس إنما ينصب على نتائج الانتخابات ذاتها ، وينسحب إلى تقرير مدى شرعية عمليات أخرى كثيرة ساهمت في تحديد نتيجة الانتخابات ومن بينها عمليات فرز الأصوات وحساب وإعلان النتائج(8) .
_______________
1- والتي تنص على " يختص المجلس بالفصل في صحة عضوية أعضائه ، وتختص محكمة النقض بالتحقيق في صحة الطعون المقدمة إلى المجلس بعد إحالتها إليها من رئيسه ، ويجب إحالة الطعن إلى محكمة النقض خلال خمسة عشر يوما من تاريخ علم المجلس به ، ويجب الانتهاء من التحقيق خلال تسعين يوما من تاريخ إحالته إلى محكمة النقض ، وتعرض نتيجة التحقيق والرأي الذي انتهت إليه المحكمة على المجلس للفصل في صحة الطعن خلال ستين يوما من تاريخ عرض نتيجة التحقيق على المجلس ، ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس ".
2- د. سعاد الشرقاوي ، النظام الانتخابي المناسب لمصر ـ مناخ سياسي وقانون ملائم ، بحث مقدم إلى منتدى الإصلاح الدستوري لمنظمة شركاء التنمية ، 2007 ، الموقع الالكتروني : Egypt office ، الرابط الالكتروني : ww.kas.de .
3- المستشار هشام البسطويسي ، الإصلاح السياسي هو الوجه الآخر للإصلاح الدستوري ، الموقع الالكتروني : مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ، 2006 ، الرابط الالكتروني : www.eicds.org .
4- د. أمين مصطفى محمد ، الجرائم الانتخابية ومدى خصوصية دور القضاء في مواجهة الغش الانتخابي ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الإسكندرية ، 2000 ، ص 130 .
5- د. احمد فارس عبد المنعم ، دور القضاء في الرقابة على الانتخابات في مصر ، بحث منشور ضمن كتاب " الانتخابات البرلمانية في دول الجنوب " ، مركز دراسات وبحوث الدول النامية ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة ، 1997 ، ص 222.
6- الفقرة ( ثالثا ) من المادة (8) من القانون رقم (11) لسنة 2007 .
7- الفقرة ( سابعا ) من المادة (92) من الدستور العراقي لسنة 2005 .
8- د. عيد أحمد الغفلول ، نظام الانتخابات التشريعية في فرنسا ، دار الفكر العربي ، مصر ، 2001 ، ص 38 .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة