x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
التربية البيئية بين الواقع والأمل
المؤلف: د. صبحي عزيز البيات
المصدر: التربية البيئية
الجزء والصفحة: ص 159 ــ 171
2023-10-04
1311
معالم أستراتيجية عربية للتربية البيئية.. دون فعل جاد
قبل ثلاثين عاماً عقدت في الكويت (الندوة العربية للتربية البيئية)، خلال الفترة من 21 ـ 26 تشرين الثاني / نوفمبر 1976، وذلك من أجل وضع أستراتيجية عربية للتربية البيئية إستعدادا للمؤتمر الدولي الحكومي للتربية البيئية، الذي ينعقد في تبليسي في أكتوبر 1977. وتمخضت الندوة عن نتائج أعتبرت من الوثائق ذات الأهمية في مؤتمر تبليسي (1) ومما جاء فيها:
لما كان النمو الصناعي والزراعي والاجتماعي في العالم قد أدى الى تدهور مكونات البيئة، فأصبحت حمايتها وتطويرها وتحسينها من الأمور الملحة والعاجلة، الأمر الذي يبقى قاهراً ما لم تتبن الدول استراتيجية تربية بيئية توجه الى جمهور المواطنين، سواء في القطاع المدرسي أو في القطاع غير المدرسي.. وآخذاً في الإعتبار الخطوات السابقة في هذا المضمار، والتي تتمثل في التوصية 96 الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة في ستوكهولم عام 1972، وبرنامج المشروع المشرك بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة واليونسكو المتعلق بالتعليم الخاص بالبيئة، في مطلع عام 1975، وندوة بلغراد الخاصة بالتربية البيئية في أكتوبر 1975، والتي صدر عنها ميثاق بلغراد، الذي يعتبر أساس كل عمل مستقبلي في مجال التربية البيئية، وجهود المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والتي أكدت جميعها ضرورة إيجاد نظام تعليمي يهتم بالبيئة يشمل كل درجات التعليم، ويتوجه للجميع من أجل تعريفهم بالبيئة، وبالعمل البسيط الذي يمكن ان يقوموا به وفي حدود طاقاتهم لتدبر أمور بيئتهم وحمايتها، سواء أكانت بيئة مادية او إجتماعية.. وإنطلاقا من الإحساس بالحاجة الملحة الى ضرورة بناء خطة عربية للتربية البيئية، فقد توصل المجتمعون الى منطلقات لأستراتيجية عربية، يمكن تلخيص أهم معالمها وسماتها في ما يلي:
ـ أولاً - تطعيم مناهج التعليم بمختلف أنواعه ومراحله بالتربية البيئية بشكل متكامل مع
المقررات الدراسية المختلفة في التعليم العام، وبشكل منفصل في مراحل التعليم الجامعي.
ـ ثانياً - إمداد المواطنين في جميع الأعمار، وعلى مختلف المستويات، بالقدر المناسب من التربية البيئية، وذلك عن طريق وسائل الإعلام ونشاط الجمعيات المعنية.
ـ ثالثاً - الأخذ في الإعتبار برامج التنمية الشاملة في العالم العربي.
ـ رابعاً - الأخذ في الإعتبار الأمكانات العربية المتاحة للتربية البيئية.
ـ خامساً - الأخذ بعين الأعتبار ان البيئة كل لا يتجزأ، ولذا يجب ان تشمل التربية البيئية كل مجالات البيئة الاقتصادية، والتكنولوجية، والإجتماعية، والتشريعية، والثقافية، والجمالية.
ـ سادساً - التأكيد على أهمية قيام مشاركة فاعلة في توقي حدوث الأضرار والأخطار التي تتعرض لها البيئة.
ـ سابعاً - البحث في قضايا البيئة بنظرة قومية وعالمية، مع مراعاة الفوارق الاقليمية.
ـ ثامناً - التوجه الى الأوضاع الحالية والمستقبلية بالبيئة.
ـ تاسعاً - البحث في جميع قضايا التنمية من منظور بيئي.
ـ عاشراً - التمسك بقيمة وضرورة التعاون والتنسيق المحلي والقومي والدولي في حل مشكلات البيئة.
لقد مرت ثلاثة عقود كاملة على صياغة هذه المنطلقات الاستراتيجية المهمة، وهي تتسم بالموضوعية، وقابلة للتحقيق، لو رافقها فعل وجهود رسمية جدية وفاعلة لتنفيذها، ولتحققت في الوطن العربي طفرة نوعية في المسألة البيئية، وفي التنمية الوطنية، ولأزدهرت التربية البيئية.
في افتتاحيته الشهرية، يعرض الباحث البيئي نجيب صعب - رئيس تحرير مجلة (البيئة والتنمية) حادثة ذات دلالة تؤكد ما ذهبنا إليه. يقول: كنا في المنامة مع مجموعة من الخبراء لبحث المساهمة العربية في تقرير توقعات البيئة العالمية الرابع (جيو4) الذي يحضر برنامج الأمم المتحدة للبيئة لإصداره سنة 2007. فلاحظنا أن التقرير الثالث، الذي صدر عام 2002، تضمن أربعة سيناريوهات كانت نتائجها جميعاً كارثية على العالم العربي. وحاولنا اقتراح أسس لاتجاه إيجابي، يضع المنطقة العربية على الطريق الصحيح نحو تحقيق تنمية قابلة للاستمرار.. أحد الزملاء اقترح أن تكون (مبادرة) جامعة الدول العربية إلى مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في جوهانسبورغ عام 2002 أساساً للمساهمة العربية في التقرير العالمي الجديد. فعدنا الى نص هذه (المبادرة)، التي لم تتجاوز إعلان النيات والمواقف العمومية، ولم تضع أي خطة عمل أو آليات للتنفيذ. ولاحظنا أن (المبادرة) حددت، في فقرتها الاخيرة، مجالات ذات أولوية، هي الموارد المائية ومكافحة التصحر وادارة المناطق الساحلية، ووعدت بأن (البرامج الثلاثة والمشاريع ستكون جاهزة للاعتماد من خلال الآليات الاقليمية في أواخر تشرين الأول / اكتوبر 2002). وحين طلبنا مراجعة البرامج والمشاريع الموعودة، فوجئنا أنه بعد مرور سنتين على الموعد، لم يتم إعداد أي برنامج أو مشروع لتحويل النص العام الى مبادرات فعلية. فهل تقتصر المساهمة العربية في تقرير سنة 2007 على تمنيات خطابية، تقودنا من كارثة الى أخرى؟ وتساءل بعضنا: لماذا لا تتجاوز مؤسساتنا البيئية، المحلية والاقليمية، العناوين العامة إلى التفاصيل؟.
ويضيف: فيما تغرق مؤسساتنا البيئية في العموميات، يستمر التدهور البيئي على مدى العالم العربي. على الأقل، فلتجمع هذه المؤسسات أرقام البنك الدولي عن التدهور البيئي، من خلال الدراسات التي نشرت في السنتين الماضيتين. فهي تظهر أن العالم العري يخسر سنوياً أكثر من 20 مليار دولار لأسباب بيئية، بخاصة تلوث الهواء والتربة والمياه وتدهور المناطق الساحلية. الخسارة الاقتصادية من التدهور البيئي تتجاوز 3 مليارات دولار في مصر وحدها، أي نحو 5 في المئة من مجمل الناتج القومي. وهي تصل الى 700 مليون دولار في سورية، و500 مليون دولار في لبنان. هكذا، فخسارة العرب الاقتصادية من اهمال البيئة تتجاوز كل معدلات النمو. إذا، نحن واقعياً في حال إفلاس.
ويختتم صعب: آن الأوان لنضع الأصبع على الجرح، ونطوّر خططاً عملية تكون بديلاً للواقع المخزي والسيناريوهات السقيمة (2).
ولو راجعت إجتماعات مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة لوجدت ان نجيب صعب لم يكن قاسياً في طرحه. فالوزراء ناقشوا قضايا ساخنة كثيرة، وأصدروا قرارات عديدة.. ولكن، أين التنفيذ؟
خذ مثالاً: قرر وزراء البيئة في ختام اجتماع دورتهم الـ 16، في 8 / 12 / 2004، عقد اجتماع خاص لتقييم الوضع البيئي في العراق، وتحديد متطلبات واحتياجات الدعم التقني وبناء القدرات البيئية فيه. وقرر مجلسهم، بعد دراسته تقرير حول الحروب في العراق وتحقيق التنمية المستدامة، دعوة برنامج الامم المتحدة للبيئة، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا (اسكوا) بتنسيق جهودهما حيال انشطة متعلقة بالعراق، والاستفادة من خبرات المنظمات العربية المتخصصة واشراكها في هذه الانشطة لإعادة اعمار وتأهيل ما دمرته الحروب في العراق.. وفي الشأن الفلسطيني اتخذ المجلس قرارا بأعداد دراسة حول المخاطر البيئية والصحية الناجمة عن مفاعل ديمونه وأثرها على المنطقة العربية وجدوى وضع خطة عربية لمواجهة اي احتمالات لكارثة قد تفع نتيجة وجود المفاعل، وتكليف برنامج الامم المتحدة للبيئة اجراء دراسة ميدانية حول التدهور البيئي الناتج عن الممارسات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة (3).
فما الذي تحقق؟ وهل نتابع أحد تنفيذ هذه القرارات وغيرها؟
واقع الحال والتطلعات
أكدت التجارب بأن التربية البيئية قد تطورت في بعض المجتمعات المتقدمة قبل الحركة التي نشطت عقب الأعلان العالمي للبيئة، الذي صدر عن مؤتمر البيئة البشرية في ستوكهولم عام 1972، وذلك إستجابة للمشكلات البيئية الملحة، التي بكرت في الظهور في هذه المجتمعات.. إلا ان التربية البيئية لم تتبلور كفكر متكامل واتجاه واضح المعالم إلا بعد الجهود المنسقة التي أعقبت المؤتمر المذكور.
وعلى الرغم من ان التربية البيئية قد إجتازت مرحلة الجدل والإقناع، إلا أنها لا زالت في الكثر من المجالات، والكثير من البلدان، خططاً وآمالا لم تدخل في حيز الواقع.. فالكثير من قادة الدول لا زالوا ينظرون الى الأدخنة فوق عواصمهم ببهجة وسرور على اساس ان الأدخنة علامات للتقدم.. وما زال الكثير من المعماريين يبشرون ببناء المصانع بالقرب من المناطق السكنية.. ولا زالت مطارات تقام على مشارف المجمعات السكنية.. ولا زالت سدود تقام دون إعتبار للآثار البيئية الجانبية التي يمكن ان تنشأ. وقصة السد العالي، على سبيل المثال، قد دخلت المراجع الحديثة في العلوم البيئية. فالبعض يرى ان التخطيط لبناء السد لم يضع في الإعتبار الآثار الجانبية التي حدثت فعلاً.. والأسماك لا زالت تلاحق بالمفرقعات ووسائل الصيد التي لا تفرق بين كبيرها وصغيرها الذي لازال في طور النمو.. والطيور وحيوانات البر الأخرى لا زالت تتعرض للملاحقة المكثفة بتقنيات متطورة لا تراعي حرمة مواسم التكاثر، ولا ترتدع بالتشريعات التي تسنها الدول لحماية الأحياء وبخاصة النادرة منها.. ولا زالت الحرائق المقصودة تُشعل في الغابات والحدائق والمتنزهات دون إعتبار للأذى الذي يلحق بالنباتات والتشويه الذي يصيب أماكن الترويح التي هي رئات للمدن.. والكثر من الصناعيين لا زال همه ازدهار منتوجاته، ولو كان على حساب توعية حياة الناس. ولعل الدليل على ذلك التشريعات الكثيرة التي تسنها الحكومات من أجل حماية البيئة من الملوثات المتنوعة التي تنجم عن العمليات الصناعية. ولا شك ان الأفضل من التوسع في سن التشريعات إتاحة الفرصة لرجال الصناعة بالانخراط في برامج خاصة للتربية البيئية تبصرهم بما تفعله مصانعهم في البيئة البشرية.
وبالمقابل، هناك حركة نشطة تغذ الخطى نحو بناء مناهج وبرامج للتربية البيئية في كل المجالات ولكل قطاعات المجتمع البشري.. فالكثير من المناهج الدراسية اليوم تستوعب قضايا البيئة في نسيج المواد الدراسية بالمراحل التعليمية المختلفة، لأن البيئة ليست بحثاً او مقرراً دراسياً منفصلا عن المقررات الدراسية المعروفة، بل على العكس فان تحقيق وتعميق أهداف التربية البيئية لا يتأتى إلا بتطعيم مختلف المواد الدراسية من لغات وإنسانيات وفنون وعلوم وغيرها بقضايا بيئية.. ولعل الأفضل ان تأخذ المناهج الدراسية البيئية إتجاه لها. وهذا هو الفكر الذي بدأ يأخذ طريقه الى المقررات الدراسية في مراحل التعليم، بما فيها الجامعة أحياناً.. فيدرس الأبناء اليوم مقررات محورها الإنسان، واتجاهها البيئة، فمنهاج الإنسان والبيئة، الذي أعدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم للمرحلة المتوسطة على مستوى الوطن العربي بدأ يؤثر في مناهج الكثير من الدول العربية لأنه يطرح البيئة بمفهومها الشامل المتكامل بهدف تنمية وعي بيئي لدى الناشئة يمكنهم من التعامل مع البيئة من منطلق حمايتها وتحسينها.. والإنسان والطاقة منهج دراسي يدرسه الأبناء في الكثير من دول العام. والطاقة مشكلة، بل لعلها أزمة، والمناهج تطرح للأبناء مفهوم الطاقة وأهميتها ومصادرها وترشيد إستهلاكها والبدائل المتاحة.. والتربية الصحية اليوم تطرح بمنطوق بيئوي لأن غالبية الأمراض تنشأ من ملوثات بايولوجية.. ومشكلات البيئة الرئيسية أصبحت تطرحها المناهج الدراسية من خلال آثارها الإجتماعية والاقتصادية. فالتلوث له آثار إجتماعية، وكذلك نقص الغذاء، وتزايد السكان، والنقل، وغيرها (4).
وخلاصة القول فان التعليم النظامي (المدرسي) بدأ يلتفت الى مشكلات البيئة ويستوعبها في المقررات الدراسية المختلفة على أساس الإقتناع بان التربية البيئية في إطار الأنظمة التربوية المدرسية تساعد على فهم أفضل للجوانب الإنسانية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية للحياة.. والتربية البيئية اليوم تبدأ من مستوى رياض الأطفال وتسير قدماً حتى تغطي باقي مراحل التعليم. ولما كانت التربية البيئية في مفهومها الأساسي، وفي تطبيقها معاً، تجمع بين شتى فروع العلم، فأنها تدمج في البرامج الدراسية المختلفة على كل مستوى من مستويات التدريس.. ففي مراحل التعليم العام تتضمن المناهج الدراسية فيما تتضمنه مواد تنبه عند الناشئة ملاكات الفضول والملاحظة والتفسير، وتتضمن أيضاً المعارف الأساسية عن ترابط جميع عناصر البيئة وواقع هذه الترابط على حياة الإنسان الإجتماعية والثقافية.. وتتضمن المناهج الدراسية أيضاً الإدراك العلمي للبيئة الطبيعية ولما فيها من وقائع ووظائف، كما تتضمن تبصيراً بالمنهج السليم في الأغتراف من الموارد الطبيعية، سواء منها ما يتجدد وما لا يتجدد.. والموارد التي تتجدد، يكون لها بلا شك، أهمية خاصة.
ولا يفوتنا ان نشير الى إجتماع خبراء التربية البيئية العرب، الذي إنعقد في الكويت، أبريل 1978، بالتعاون بين المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، واللجنة الوطنية الكويتية للتربية والثقافة والعلوم (5)، وكان هدفه بناء وحدات مرجعية في التربية البيئية توجه الى مخططي البرامج ومصممي الوسائل التعليمية وواضعي برامج أعداد المعلمين في الوطن العربي للإسترشاد بها في إستيعاب أهداف التربية البيئية في المقررات الدراسية.
وقد عرف الخبراء العرب الوحدة المرجعية على إنها كل متكامل من الخبرات والنشاطات المتعلقة بالبيئة يربط بينهما محور معين. وقد أختير (وطني) محور لوحدة مرجعية للمرحلة الابتدائية تتكامل فيها مختلف المقررات الدراسية في إطار أهداف التربية البيئية التي تسعى أساساً الى ترشيد سلوك الإنسان في البيئة. وفي المرحلة المتوسطة أختيرت (الموارد الطبيعية) محور للوحدة المرجعية، تتناول المقررات الدراسية المختلفة ضمن العلاقة المتبادلة بين الإنسان وموارد البيئة (الدائمة والمتجددة وغير المتجددة) في إطار ملامح رئيسية خمسة، هي: تأثر حياة الإنسان بموارد البيئة المختلفة، وتأثير توزيع الجماعات البشرية بموارد البيئة، وتأثير الثقافة البشرية بالموارد الطبيعية، وتأثير الثورة الصناعية على الموارد الطبيعية، وإرتباط بقاء الإنسان بحسن إستغلال الموارد الطبيعية.
أما في المرحلة الثانوية فقد أختيرت (الطاقة والإنسان) كمحور للوحدة المرجعية، تتناول مختلف المقررات الدراسية ضمن العلاقة بين الإنسان والطاقة وذلك في إطار تنمية إتجاهات إيجابية للطلاب نحو البيئة وحسن إستثمار الطاقة والتغلب على المشكلات الناجمة عن إستخدامها.
وأما التربية البيئية في التعليم غير النظامي (غير المدرسي) والذي يطلق عليه البعض (الإعلام البيئي) أو (الثقافة البيئية) او (التوعية البيئية)، فتتعدد أجهزتها وبرامجها ونشاطاتها.. فإلى جانب الهيئات الرسمية التي تخصص جزءا كبيراً من نشاطها للتربية البيئية بكافة صورها تنشط حركة للتربية البيئية على مستوى القطاعات غير الرسمية.. فاتحاد التربية البيئية الذي أسس في أوائل السبعينيات بالولايات المتحدة هو تحالف لثلاثين منظمة كبيرة تهتم بمجال أو آخر من مجالات التربية البيئية، وقد بلغت ميزانية الاتحاد في السنوات الخمس الأخيرة حوالي 14 مليون دولار، خصص نصفها للتربية البيئية في التعليم النظامي، والباقي صرف على نشر المعلومات، وتدريب المعلمين، والتخطيط لمراكز الدراسات البيئية، وبرامج التربية للمواطنين، وفي إختبار وتقييم النشاطات البيئية.. وفي الولايات المتحدة أيضاً ظهرت منظمات بيئية متحمسة، منها: (أصدقاء الأرض)، و(جماعة النمو السكاني الصغرى)، و (منظمة حماية الطبيعة)، والتي هدفها شراء الأراضي للمحافظ على مناطق ترويحية للأطفال..
وفي ألمانيا ظهر في إحدى المقاطعات حزب أخضر يضم أنصار حماية البيئة، وقد حصل هذه الحزب على نسبة مئوية عالية من الأصوات في إنتخابات البرلمان (ألبوندستاغ) مما يعني أن أنصار حماية البيئة أصبحوا يضغطون على السياسيين لأخذ حماية البيئة وتحسينها في الإعتبار عند مناقشة قضايا البيئة، وإلا فانه سوف يحرمون من الأصوات مستقبلا. وتكمن قوة (حزب الخضر) في العدد الضخم من العناصر الشابة، التي إنظمت الى صفوفه مؤخرا..
وفي الاتحاد السوفياتي السابق كانت هناك حركة أهلية واسعة لحماية الموارد الطبيعية تكثر من عقد الندوات وإصدار النشرات وإعداد البرامج في الإذاعة والتلفزيون بهدف توعية المواطنين بالمشكلات التي تمزق البيئة والتي غدت تشكل خطراً على مستقبل الإنسان..
وفي دول شمال أوربا هناك المجلس الأعلى للتربية البيئية الذي يخطط سياسة التربية البيئية لكل مستوياتها. وتعتبر دول شمال أوربا من أكثر الدول إهتماماً بالبيئة، كما ان شعوبها تتمتع بمستوى عالي من الوعي البيئي..
وفي الدول العربية هناك جهود تبذل لتوعية المواطنين بكافة مستوياتهم بقضايا البيئة حتى يمكن لكل منهم ان يساهم بحدود موقعه وإمكاناته. غير أن ما يؤخذ على برامج التربية البيئية الكثيرة التي تقدم للجماهير في العديد من الأقطار العربية مأخذين:
ـ التخصص الدقيق في طرح بعض قضايا البيئة، وعدم تبسيطها، وتحليل عناصرها بشكل يجذب الناس. مثال ذلك ما نقرأ أو نسمع عن الربط بين البيئة والتنمية، او البيئة والصناعة، او البيئة والتخطيط الشامل، وغيرها. ومع أهمية هذه القضايا إلا ان الكثير من الناس لا يستطيعون تبين موقعهم ودورهم مع هذه القضايا، وهذا بلا شك يفسر عزوف الكثيرين عن متابعة البرامج التي تقع ضمن هذا الإطار لأنهم يشعرون أنها لا تخصهم، بل هي موجهة لغيرهم.
ـ التبسيط المفرط في طرح الكثير من قضايا البيئة، الذي يفصم عرى ارتباطها بالإطار التكاملي للبيئة. فعندما تسعى بعض الجهات الى توعية وتبصير الناس كافة ان يساهموا به في مجال حماية البيئة تحجم هذا الدور ليصبح رديفاً للنظافة. وحتى تناول موضوع النظافة بالوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية، يحجم ليصبح رديفاً للعناية في إلقاء وجمع القمامة. فالنظافة لا ترتبط فقط بالقمامة، فهناك الحرائق وصيد الطيور والأسماك والرعي والطعام والضجيج..
إن برامج التربية البيئية المتخصصة يجب ان تبسط وتحلل وتوضح دور كل فرد فيها.. والبرامج المبسطة يجب ان تكون أكبر تنويعاً، وتوضح موقعها في الإطار الشامل المتكامل للبيئة (6).
لعله من المفيد تكرار ما أشرنا إليه، وهو ان التربية البيئية إتجاه وفكر وفلسفة تهدف الى تسليح الإنسان في شتي أرجاء العالم (بخلق بيئي) او (ضمر بيئي) يحدد سلوكه وهو يتعامل مع البيئة في أي مجال من مجالاتها.. الخلق البيئي يجب ان يكون العامل المؤثر في إتخاذ القرارات البيئية مها كان مستواها.. بناء مدينة او إنشاء جسر أو شق طريق أو بناء سد او إقامة مصنع أو إصطياد سمك في نهر او التخلص من القمامة المنزلية او التنزه على شاطئ البحر او في حديقة عامة.. وحتى القرارات الأكبر على المستوى السياسي والاقتصادي يجب ان تحسب حساباً للبيئة في أطارها العالمي لأن المصالح البشرية واحدة، ومستقبل الجنس البشري واحد.. (الخلق البيئي) معناه أن يعي الإنسان الوحدة والتكامل البيئي في عالمنا المعاصر، حيث يمكن ان تترتب على القرارات التي تتخذها البلاد المختلفة، وعلى مناهج سلوكها، آثار على النطاق الدولي.. والمشكلة البيئية التي تحدث في بلد معين كثيراً ما تؤثر في بلاد أخرى بعيدة عنها. ولعلنا نذكر أزمة السكر التي نشأت في العالم جراء تعرض مزارع قصب السكر في كوبا لإعصار شديد.. وأزمة الرز التي عاشتها دول كثرة عندما عطشت حقول الأرز في الدول الآسيوية المنتجة له بسبب الجفاف.. وأزمة البن التي عاشها العالم لأن المحصول في الدول المنتجة تدنى بسبب عوامل بيئية مختلفة.. وحادثة تشرنوبيل التي طالت آثار الإشعاع دولاً عديدة، مسببة لشعوبها السرطان والتشوهات الولادية.. الخلق البيئي معناه التصرف بروح المسؤولية الشخصية والعامة لأن مسبب مشكلة ما ربما يكون هو أول المعرضين لأذاها.. وأخيراً وليس اخرا، فان الخلق البيئي أو الضمير البيئي، الذي تهدف التربية البيئية الى إيجاده او تنميته عند كل إنسان في المجتمع العالمي، يعني ان يتكيف الإنسان من اجل البيئة لا أن يستمر في تكييف البيئة من أجله.. الخلق البيئي بإختصار معناه (التعايش مع البيئة)، وبذلك تسهم التربية البيئية في حماية البيئة (7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- رشيد الحمد ومحمد سعيد صباريني، البيئة ومشكلاتها، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1979، ص 241.
2- نجيب صعب، البيئة العربية أسيرة السيناريوهات والمبادرات، (البيئة والتنمية)، العدد 80، نوفمبر 2004.
3- وزراء البيئة العرب يقررون عقد اجتماع خاص لتقييم الوضع البيئي في العراق، القاهرة- (كونا)، 8 / 12 / 2004.
4- رشيد الحمد ومحمد سعيد صباريني، البيئة ومشكلاتها، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1979.
5ـ Carbon Dioxide and Climate, A Scientific assessment, National Academy of Science, Washington D.C; 1979.
6- رشيد الحمد ومحمد سعيد صباريني، البيئة ومشكلاتها، عالم المعرفة.
7ـ المصدر السابق.