علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
البحث حول كتاب أحمد بن محمد بن عيسى.
المؤلف: الشيخ محمد طالب يحيى آل الفقيه.
المصدر: سدرة الكمال في علم الرجال
الجزء والصفحة: ص 244 ـ 250.
30/11/2022
2112
نوادر أحمد بن محمد بن عيسى هو كتاب روائيّ فقهيّ رواه أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن المعصومين (عليهم السلام) بواسطة الحسين بن سعيد وغيره من مشايخه، وقد وصلنا منه أربعمائة وست وخمسون رواية، بينما تراث أحمد بن محمد المدوّن في كتب الأصحاب يزيد عن ألفين ومائتي رواية.
هذا وقد عُرف الكتاب ب "النوادر" وقد اختلف الأصحاب في المراد من هذا الاصطلاح، فقد نقل السيد الخوئيّ في معجمه عن الشيخ المفيد أنّ النوادر "هي التي لا يعمل بها" (1).
بينما قال الوحيد (رحمه الله): "وأمّا النوادر فالظاهر أنّه ما اجتمعت فيه أحاديث لا تنضبط في باب لقلّته بأن يكون واحداً أو متعدّداً، لكن يكون قليلاً جداً، ومن هذا قولهم في الكتب المتداولة: نوادر الصلاة ونوادر الزكاة وأمثال ذلك..." (2).
في حين قال صاحب حاوي الأقوال: "إنّه ما قلّت روايته وندر العمل به (3)" أي: قد جمع ما بين قولي المفيد والوحيد.
وهكذا تعدّدت الأقوال في المراد منها، لكن مع مراجعة كتاب النوادر
المروي عنه في الكافي والفقيه والتهذيبين وغيرها من الكتب لا نلاحظ كلا الأمرين - أي عدم العمل بها وعدم وجود باب لتنضبط به - إنّما عليها العمل وقد أفتى الأصحاب بمضمونها وهي منضبطة بالكتب الفقهيّة في أبوابها، فهي من حيث العمل قد عمل بها الكلينيّ والصدوق والشيخ، ومن حيث التبويب قد دوّنت في أبوابها.
ولعلّ المراد من النوادر هو ما قلّت أخباره في بابه، فمثلا لو نظرنا إلى بداية الكتاب نراه يروي عن الصادق (عليه السلام) في سبب تسمية شهر رجب فإنّه يروي فيه خبراً واحداً بهذا التفصيل ولم يُروَ غيره مثله في المعنى إلى زمنه، فكان هذا الخبر نادراً من حيث معناه وصدوره كذلك. والله العالم.
وبعبارة أخرى: الخبر النادر ما قلّت روايته ولم يُروَ مثله، سواء كان له باب فقهيّ يبوّب فيه أم لا، وسواء عمل به الأصحاب أم لا، فهو نادر من حيث الرواية.
ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى:
قال الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة: "كان أحمد بن محمد بن عيسى في فضله وجلالته يروي عن أبي طالب عبد الله ابن الصلت القمي (رضي الله عنه)" (4).
وقال الشيخ النجاشي في رجاله: "أحمد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري. من بني ذخران بن عوف بن الجماهر بن الأشعر يكنّى "أبا جعفر" وأول من سكن قم من آبائه: سعد بن مالك بن الأحوص.. قال ابن نوح: وما روى أحمد عن ابن المغيرة ولا عن الحسن بن خرزاد، وأبو جعفر (عليه السلام) شيخ القميين ووجههم وفقيههم غير مدافع، وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان، ولقي الرضا (عليه السلام)، وله كتب ولقي أبا جعفر الثاني وأبا الحسن العسكري (عليه السلام).
فمنها: كتاب التوحيد، كتاب فضل النبي (صلى الله عليه)، كتاب المتعة، كتاب النوادر وكان غير مبوب، فبوبه داود بن كورة..." (5).
هذا وقد ذكره الشيخ أيضا في رجاله في أصحاب الرضا والجواد والهادي (عليهما السلام)، كما ذكره النجاشي - كما رأيت - في أصحاب العسكري (عليه السلام).
وكذا وثّقه العلامة وابن داود وغيرهما.
ويعلم من كونه من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) ومشيه في جنازة البرقي أنّه عمّر في حياته إذ استشهاد الرضا (عليه السلام) كان سنة 203هـ ووفاة البرقي - على الأظهر - سنة مائتين وثمانين كما ذكره النجاشي في ترجمة البرقي فتكون حياته - والله العالم - دامت ما يقارب المائة سنة؛ لأنّ مقتضى كونه من أصحاب الرضا (عليه السلام) أن يكون عمره ما يقارب الخمس عشرة سنة - على أقلّ تقدير - فتكون ولادته حوالي سنة 185هـ، ومشيه خلف الجنازة سنة 280هـ، فحياه ناهزت المائة سنة. والله العالم.
حال الكتاب وطريقه:
لم يصلنا الكتاب بطريق صحيح بحيث نقول: إنّ صاحب الوسائل أو صاحب البحار رواه معنعنا، وإنّما يظهر أنّ النوادر وصل مع كتاب فقه الرضا (عليه السلام) والذي وصل إلى السيد مير حسين القاضي من أهل قم في مكّة المكرّمة ما يقارب سنة 1080هـ، فإنّ فقه الرضا وجد بآخره نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، ولذا قال بعضهم: إنّ النوادر الموجود بين أيدينا هو من فقه الرضا (6)، بل والطبعة الحجرية لفقه الرضا والموجودة في السوق والتي طبعت سنة 1274هـ طبع بآخرها كتاب النوادر، أي: كما وجدت طبعت.
وحيث وصلت هذه النسخة إلى صاحب البحار والوسائل نجد أنّ صاحب البحار اعتمد فقه الرضا ونسبه للرضا (عليه السلام) وكتاب النوادر للأشعريّ واستظهر أنّه كتاب الحسين بن سعيد وإن احتمل أنّه نوادر أحمد بن محمد، لكنّه على كل حال اعتمد الكتابين، لكنّا نجد صاحب الوسائل أعرض عن فقه الرضا وعمل على النوادر خاصّة، وروى عنه كثيراً في الوسائل دون فقه الرضا، وذلك للقرائن التي ذكرها حاشية على كتاب النوادر والتي يرى أنّها كافية لنسبة الكتاب إلى أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.
كتب الحرّ على النسخة التي وصلته من أبي الفتح الأسفرايينيّ سنة 1104ما هذا لفظه: "يروي المصنّف عن الحسين بن سعيد وعن مشايخه أيضا، فإنّهما شريكان في المشايخ، ويروي أيضا عن أبيه كثيراً، وهو ينافي ظنّ من ظنّ أنّه من كتب الحسين بن سعيد، إذ ليس له فيه رواية أصلا.
واعلم أنّي قد وجدت لهذا الكتاب نسختين صحيحتين عليها آثار الصحّة والاعتماد، ثم إنّي تتبّعت ما فيه من الأحاديث فوجدت أكثرها منقولة في الكتب الأربعة، وأمثالها من الكتب المشهورة المتواترة، والباقي قد روي في الكتب المعتمدة ما يوافق مضمونه، فلا وجه للتوقف فيه.
وقد رأيت أحاديث كثيرة نقلها الشيخ والشهيد وابن طاووس والحميري والطبرسي وغيرهم من مصنّفاتهم من نوادر أحمد بن محمد بن عيسى وتلك الأحاديث موجودة هنا.
وبالجملة: القرائن على اعتباره كثيرة، وليس فيه ما ينكر ولا ما يخالف الأحاديث المرويّة في الكتب الأربعة ونحوها، والله أعلم. حرّره محمد الحر".
ثم قال (رحمه الله): "هذا ما وجدناه من كتاب نوادر أحمد بن عيسى في نسخة معتبرة جدا نفع الله بها، قوبل بنسختين صحيحتين عليها خطوط جماعة من الفضلاء، حرره محمد الحر".
وقد تبيّن من كتابته أنّ النسخة وجادة وليس له إليها طريق، لكنّه (رحمه الله) قابلها بنسختين أخريين عليها قرائن الصحّة والصدور، ولقرائن أخرى صحّح الكتاب، ولذا قال بعد ذلك فلا وجه للتوقف فيه".
وقد تلخّصت دلائل الصدور فيما ذكره (رحمه الله) بأربعة أدلة:
الأول: قوله: "إنّي قد وجدت لهذا الكتاب نسختين صحيتين عليها آثار الصحّة والاعتماد" فإنّ وجود ثلاث نسخ من مصادر متغايرة ومتّحدة المضمون دليل على صحّتها جميعا، خاصّة أنّ النسختين عليها آثار الصحّة والاعتماد - كما قال (رحمه الله).
الثاني: قوله: "تتبّعت ما فيه من الأحاديث فوجدت أكثرها منقولة في الكتب الأربعة وأمثالها" إذ من المعلوم أنّ من أصحّ الطرق لتصحيح الكتاب مطابقته للأخبار التي وصلتنا بطريق صحيح كالكتب الأربعة، والمطابقة الخارجيّة دليل على صحّة النسخة التي بين يديه.
الثالث: قوله: "رأيت أحاديث كثيرة نقلها الشيخ والشهيد وابن طاووس والحميري والطبرسي وغيرهم في مصنّفاتهم" ما يعلم معه أنّ الموجود بين يديه، هو عين النسخة التي نقل عنها من تقدّم عنه كالشهيد وابن طاووس والحميري وغيرهم، ما يعلم منه أنّ نسخته هي عين نسخة هؤلاء الذين تقدّموا عليه مئات السنين.
الرابع: قوله: "القرائن على اعتباره كثيرة، وليس فيه ما ينكر" أي: أنّ مطابقته للفتوى والعمل وعدم الإعراض عن أخباره دليل قبوله عند الأصحاب.
وبعد غضّ النظر عمّا أفاده من قرائن الصدور نقول: إنّ ما وصلنا من كتاب النوادر فيه اختلاف كبير، بحيث يمكن أن يُقال بأنّ ما من رواية فيه إلا وفيها تغاير مع النسخة الأخرى سواء وافقتها في المعنى أو خالفتها، فصاحب البحار روى نسخة وصلتنا بتوسّط البحار وصاحب الوسائل روى عنه - النوادر - كثيراً في الوسائل وبينهما تغاير، والنسخة الحجريّة الموجودة في السوق تغايرهما معا، والنسخة المطبوعة طباعة عادية صُحِّحَت بالمطابقة تارة مع نسخة البحار وأخرى مع الوسائل وثالثة مع المستدرك ورابعة مع الكافي وخامسة مع التهذيب، وقد صرّح المصحّح في كل رواية بأنّ هذه الرواية هكذا كتبت في البحار، ومرّة أخرى يقول: إنّها من الوسائل وهكذا، بحيث يمكن القول بأنّه لم تسلم رواية عن التصحيح، وقد أوعز المصحّح ذلك إلى اختلاف النسخ حيث قال: "بما أنّ النسختين الخطيّتين والنسخة المطبوعة لم تسلم من التحريف والتصحيف والأغلاط فلم نعتمد على نسخة معيّنة منها، لذا قمنا بمقابلة الكتاب مع الوسائل والبحار ومستدرك الوسائل ومع أمّهات الأصول الحديثيّة المعتمدة بأسانيد ابن عيسى وغيرها.. ومن خلال ذلك أثبتنا في المتن ما رأيناه أولى من غيره..." (7).
والمشكلة أنّ النسخة المطبوعة أصبحت كشكولا متّخذا من البحار والوسائل والمستدرك والكافي وغيرها من الكتب، والتصحيح أُدخل في متن الأخبار وليس في المصادر، فالمتن صار مغايراً لجميع النسخ الموجودة، إذ رأى المصحّح أنّ ما رآه أولى فأثبته في المتن.
على كلٍّ فنسخ النوادر الواصلة إلينا متغايرة كلّها فيما بينها، فليست المشكلة حينها هي كونها وجادة أم لا، وإنّما المشكلة في تعدّد النسخ وتغايرها، ولمّا لم تكن النسخ الموجودة عندنا لها طريق صحيح إلى أحمد بن محمد بن عيسى وذلك كنسخة صاحب البحار أو الوسائل أو غيرهما لا يمكننا حينئذ الاعتماد على أي من النسخ تلك.
نعم، ما وصلنا من طريق الكتب الأربعة أو الحميري في قرب الإسناد وغيرها من الكتب معلومة الإسناد إلى أربابها يمكن اعتمادها، لكن الاعتماد حينئذ ليس على نوادر ابن عيسى، وإنّما الاعتماد على كتب القدماء والذين رووا عن النوادر، ولذا لا تكون للنسخة الموجودة عندنا كثير فائدة، وإنّما الفائدة في الاعتماد على أخبار القدماء وبذلك تسقط أخبار النوادر المطبوعة في أيّامنا هذه عن الحجيّة، إلا مع الموافقة في اللفظ أو المعنى مع قرائن الصدور.
وقد تلخّص أنّ كتاب نوادر أحمد بن محمد بن عيسى (رحمه الله) له وجود ومذكور في كتب القدماء، إلا أنّ ضياعه لفترة طويلة من الزمن ووجوده في زمن صاحب البحار أسقط حجيّته لوجادته إضافة إلى تعدّد نسخه وتغايرها، فإذا وافقت أخباره غيرها من الأخبار المعتمدة اعتمدت، لكن لا فائدة منها بعدُ مهمّة كما هو واضح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم رجال الحديث، ج1، ص31.
(2) التعليقة المطبوعة في مقدمة منهج المقال، ص7.
(3) حاوي الأقوال، ج1، ص113.
(4) كمال الدين، ص3.
(5) رجال النجاشي، ج 1، ص217.
(6) ذكر ذلك السيد الأبطحيّ في مقدمة الكتاب، ص9.
(7) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، ص 12.