المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

تاريخ الفيزياء الحديثة
25-9-2019
معنى كلمة نظر
13-6-2022
Ciliary Processes and Zonula Filaments
3-1-2017
ما هو الخبر
22-9-2020
Uses of The group 14 elements
23-3-2017
تذرية (تنقية وتنظيف) محصول القمح
10-3-2016


تفسير الاية (6-8) من سورة الحشر  
  
9252   03:46 مساءً   التاريخ: 24-9-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الحاء / سورة الحشر /

 

قال تعالى : {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 6 - 8].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

بين سبحانه حال أموال بني النضير فقال {وما أفاء الله على رسوله منهم} أي من اليهود الذين أجلاهم وإن كان الحكم ساريا في جميع الكفار الذين حكمهم حكمهم {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} والإيجاف دون التقريب وقيل الإيجاف في الخيل والإيضاع في الإبل وقيل هما مستعملان فيهما جميعا أي فما أوجفتم عليه خيلا ولا إبلا والمعنى لم تسيروا إليها على خيل ولا إبل وإنما كانت ناحية من(2) المدينة مشيتم إليها مشيا وقوله {عليه} أي على ما أفاء الله والركاب الإبل التي تحمل القوم واحدتها راحلة {ولكن الله يسلط رسله على من يشاء} أي يمكنهم من عدوهم من غير قتال بأن يقذف الرعب في قلوبهم جعل الله أموال بني النضير لرسوله خالصة يفعل بها ما يشاء فقسمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم أبو دجانة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة {والله على كل شيء قدير}.

 ثم ذكر سبحانه حكم الفيء فقال {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} أي من أموال كفار أهل القرى {فلله} يأمركم فيه بما أحب {وللرسول} بتمليك الله إياه {ولذي القربى} يعني أهل بيت رسول الله وقرابته وهم بنو هاشم {واليتامى والمساكين وابن السبيل} منهم لأن التقدير ولذي قرباه ويتامى أهل بيته ومساكينهم وابن السبيل منهم وروى المنهال بن عمرو عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال قلت قوله {ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} قال هم قربانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا وقال جميع الفقهاء هم يتامى الناس عامة وكذلك المساكين وأبناء السبيل وقد روي أيضا ذلك عنهم (عليهم السلام) وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال كان أبي يقول لنا سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وسهم ذي القربى ونحن شركاء الناس فيما بقي والظاهر يقتضي أن ذلك لهم سواء كانوا أغنياء أو فقراء وهو مذهب الشافعي وقيل إن مال الفيء للفقراء من قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهم بنو هاشم وبنو المطلب وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال نحن قوم فرض الله طاعتنا ولنا الأنفال ولنا صفو المال يعني ما كان يصطفى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من فره الدواب وحسان الجواري والدرة الثمينة والشيء الذي لا نظير له.

 ثم بين سبحانه أنه لم فعل ذلك فقال {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} والدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم يكون لهذا مرة ولهذا مرة أي لئلا يكون الفيء متداولا بين الرؤساء منكم يعمل فيه كما كان يعمل في الجاهلية وهذا خطاب للمؤمنين دون الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) قال الكلبي نزلت في رؤساء المسلمين قالوا له يا رسول الله خذ صفيك والربع ودعنا والباقي فهكذا كنا نفعل في الجاهلية وأنشدوا :

لك المرباع منها والصفايا *** وحكمك والنشيطة والفضول(3)

فنزلت الآية فقالت الصحابة سمعا وطاعة لأمر الله وأمر رسوله ثم قال سبحانه {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} أي ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه وارضوا به وما أمركم به فافعلوه وما نهاكم عنه فانتهوا عنه فإنه لا يأمر ولا ينهى إلا عن أمر الله وهذا عام في كل ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ونهى عنه وإن نزل في آية الفيء وروى زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ما أعطى الله نبيا من الأنبياء شيئا إلا وقد أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لسليمان فامنن أو أمسك بغير حساب وقال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.

 {واتقوا الله} في ترك المعاصي وفعل الواجبات {إن الله شديد العقاب} لمن عصاه وترك أوامره وفي هذه الآية إشارة إلى أن تدبير الأمة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإلى الأئمة القائمين مقامه ولهذا قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أموال خيبر ومن عليهم في رقابهم وأجلى بني النضير وبني قينقاع وأعطاهم شيئا من المال وقتل رجال بني قريظة وسبى ذراريهم ونساءهم وقسم أموالهم على المهاجرين ومن على أهل مكة ثم قال سبحانه {للفقراء المهاجرين} الذين هاجروا من مكة إلى المدينة ومن دار الحرب إلى دار الإسلام {الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} التي كانت لهم {يبتغون} أي يطلبون {فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله} أي وينصرون دين الله {ورسوله أولئك هم الصادقون} في الحقيقة عند الله العظيم المنزلة عنده قال الزجاج بين سبحانه من المساكين الذين لهم الحق فقال {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} .

___________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص431-433.

2- في نسخة : من نواحي المدينة.

3- النشيطة ما يغنمه الغزاة في الطريق قبل الوصول الى الموضع الذي قصدوه.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

قال تعالى : {وما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ ولا رِكابٍ} . الفرق بين الغنيمة والفيء عند كثير من الفقهاء ان الغنيمة مال كسبه المسلمون من أهل الكفر بإيجاف خيل وركاب أي بحرب وقتال ، أما الفيء فهو مال حصل بلا قتال وجهاد ، ومهما يكن فإن الآية التي نحن بصددها خاصة بأموال بني النضير لأن الضمير في {منهم} يعود إليهم ، وبناء عليه يكون المعنى ان أموال بني النضير قد جعلها اللَّه فيئا لرسوله يضعها حيث يشاء ، ولا شيء منها للمسلمين لأنهم ما تحملوا في سبيلها أية مشقة {ولكِنَّ اللَّهً يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ} . ومن هذا التسليط انه تعالى ألقى الرعب والخوف من رسول اللَّه {صلى الله عليه واله } في قلوب بني النضير كي يخضعوا لأمره صاغرين من غير حرب وقتال {واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .

ومن هذا الشيء ان يخضع أرباب الحصون والعدة والعدد لعبد من عباده تعالى .

{ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبى والْيَتامى والْمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ} . المراد بأهل القرى هنا غير بني النضير من الكفرة ، والمعنى ان مال الفيء - غير مال بني النضير – هو للَّه وللرسول الخ . وبديهة ان ما كان للَّه فهو لرسوله ، واتفقوا قولا واحدا إلا من شذ على ان المراد بذي القربى قربى رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) من بني هاشم ، أما اليتامى والمساكين وابن السبيل فقال الإمامية : المراد بهم أيتام بني هاشم ومساكينهم وابن السبيل منهم خاصة .

وقال غيرهم : بل كل يتيم ومسكين وابن السبيل من المسلمين هاشميا كان أم غير هاشمي (2) . وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير قوله تعالى : {واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبى والْيَتامى والْمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ} - 41 الأنفال ج 3 ص 482 .

{كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِياءِ مِنْكُمْ} . الإسلام نظام إلهي إنساني يراعي مصلحة الجميع دون استثناء لفرد أو فئة ، فلا يحل مشكلة إنسان على حساب

غيره ، ولا يضيق على إنسان ليوسّع على غيره أيا كان ، فالجميع عنده سواء ، ويتجلى هذا في جميع أحكامه ومبادئه ، ومنها هذا المبدأ ، وهو أن لا يكون المال دولة بين الأغنياء وحدهم أي يتداولونه فيما بينهم دون الفقراء . . وتجدر الإشارة إلى ان هذا وما إليه من تحريم الربا والغش والاستغلال والضرر والضرار لا يدل من قريب أو بعيد على إقرار الاشتراكية أو رفضها بمعناها المعروف ، وكل ما يدل عليه ان الإسلام يتبنى في جميع أحكامه فكرة العدالة والمساواة ، وانه يقر كل ما فيه خير للناس وصلاح ، وهذا شيء وإلغاء الملكية الفردية دون الملكية الجماعية شيء آخر . انظر تفسير الآية 180 من سورة آل عمران ج 2 ص 217 فقرة (الغني وكيل لا أصيل) .

{وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا واتَّقُوا اللَّهً إِنَّ اللَّهً شَدِيدُ الْعِقابِ} . ربطت هذه الآية بين قول اللَّه وقول الرسول ، وأوجبت السمع والطاعة لكل منهما . أمرا ونهيا لأن قول الرسول وحي من اللَّه تعالى : {وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُو إِلَّا وَحْيٌ يُوحى} - 4 النجم . وقال سبحانه في العديد من الآيات : {أَطِيعُوا اللَّهً والرَّسُولَ} وقال : {ومَنْ يَعْصِ اللَّهً ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً} - 36 الأحزاب . وتواتر أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ما رأى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح ، واتفق المسلمون قولا واحدا على أنه لا وحي ولا تشريع ولا اجتهاد بعد رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) إلا إذا كان قول المجتهد من شريعة اللَّه ورسوله . انظر تفسير الآية 40 من سورة الأحزاب ج 6 ص 225 فقرة (لما ذا ختمت النبوة بمحمد ؟) وتفسير الآية 77 من سورة الواقعة فقرة (الإسلام وقادة الفكر الأوروبي) .

{لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورِضْواناً ويَنْصُرُونَ اللَّهً ورَسُولَهُ} . المراد بالمهاجرين هنا من هاجر مع رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) من مكة إلى المدينة رغبة في مرضاة اللَّه وثوابه وفي نصرة الإسلام والجهاد في سبيله ، وهؤلاء هم أولى الناس بالزكاة لسبقهم وجهادهم ولفقرهم وحاجتهم ، قال الطبري نقلا عن قتادة : (هؤلاء المهاجرون تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر حبا للَّه ورسوله ، واختاروا الإسلام على ما فيه من الشدة حتى لقد كان الواحد منهم يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع ، ويتخذ الحفرة في الشتاء ما له دثار غيرها) . . وما رأيت وصفا للصحابة أبلغ مما قاله الإمام زين العابدين (عليه السلام)  فيهم ، وهو يدعو اللَّه سبحانه أن يشكر لهم صنيعهم ، قال :{اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة وأبلوا البلاء الحسن في نصره وكاتفوه وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته ، وانتصروا به ومن كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته ، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته ، فلا تنس اللهم لهم ما تركوا لك وفيك ، وأرضهم من رضوانك} . {أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} في ايمانهم وجهادهم قولا وفعلا .

___________________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص285-288.

2- قيل : المراد بقوله تعالى : « ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى » هو عين المراد بقوله : « وما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ » . وقيل : المراد به الجزية والخراج .

وقيل : كل غنيمة أيا كان مصدرها . وقيل : انه منسوخ بآية 41 من الأنفال .

وقيل غير ذلك . والذي ذكرناه من تخصيص الآية الأولى بأموال بني النضير ، والآية الثانية بالفيء غير أموال بني النضير هو أرجح التفاسير في رأينا . والله اعلم بما أراد .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} إلخ، ظاهره أنه بيان لموارد مصرف الفيء المذكور في الآية السابقة مع تعميم الفيء لفيء أهل القرى أعم من بني النضير وغيرهم.

وقوله: {فلله وللرسول} أي منه ما يختص بالله والمراد به صرفه وإنفاقه في سبيل الله على ما يراه الرسول ومنه ما يأخذه الرسول لنفسه ولا يصغى إلى قول من قال: إن ذكره تعالى مع أصحاب السهام لمجرد التبرك.

وقوله: {ولذي القربى} إلخ، المراد بذي القربى قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا معنى لحمله على قرابة عامة المؤمنين وهو ظاهر، والمراد باليتامى الفقراء منهم كما يشعر به السياق وإنما أفرد وقدم على {المساكين} مع شموله له اعتناء بأمر اليتامى.

وقد ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد بذي القربى أهل البيت واليتامى والمساكين وابن السبيل منهم.

وقوله: {كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم} أي إنما حكمنا في الفيء بما حكمنا كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم والدولة ما يتداول بين الناس ويدور يدا بيد.

وقوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} أي ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه كما أعطى منه المهاجرين ونفرا من الأنصار، وما نهاكم عنه ومنعكم فانتهوا ولا تطلبوا، وفيه إشعار بأنهم سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقسم الفيء بينهم جميعا فأرجعه إلى نبيه وجعل موارد مصرفه ما ذكره في الآية وجعل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينفقه فيها على ما يرى.

والآية مع الغض عن السياق عامة تشمل كل ما آتاه النبي من حكم فأمر به أو نهى عنه.

وقوله: {واتقوا الله إن الله شديد العقاب} تحذير لهم عن مخالفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تأكيدا لقوله: {وما آتاكم الرسول} إلخ.

قوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا} إلخ، قيل: إن قوله: {للفقراء} بدل من قوله: {ذي القربى} وما بعده وذكر الله لمجرد التبرك فيكون الفيء مختصا بالرسول والفقراء من المهاجرين، وقد وردت الرواية أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قسم فيء بني النضير بين المهاجرين ولم يعط منه الأنصار شيئا إلا رجلين من فقرائهم أو ثلاثة.

وقيل: إنه بدل من اليتامى والمساكين وابن السبيل فيكون ذوو السهام هم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذا القربى غنيهم وفقيرهم والفقراء من المهاجرين يتاماهم ومساكينهم وأبناء السبيل منهم، ولعل هذا مراد من قال: إن قوله: {للفقراء المهاجرين} بيان المساكين في الآية السابقة.

والأنسب لما تقدم نقله عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن يكون قوله: {للفقراء المهاجرين} إلخ، بيان مصداق لصرف سبيل الله الذي أشير إليه بقوله: {فلله} لا بأن يكون الفقراء المهاجرون أحد السهماء في الفيء بل بأن يكون صرفه فيهم وإعطاؤهم إياه صرفا له في سبيل الله.

ومحصل المعنى على هذا: أن الله سبحانه أفاء الفيء وأرجعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فله أن يتصرف فيه كيف يشاء ثم دله على موارد صرفه وهي سبيل الله والرسول وذو القربى و يتاماهم ومساكينهم وابن السبيل منهم ثم أشار إلى مصداق الصرف في السبيل أو بعض مصاديقه وهم الفقراء المهاجرون إلخ، ينفق منه الرسول لهم على ما يرى.

وعلى هذا ينبغي أن يحمل ما ورد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قسم فيء بني النضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا إلا ثلاثة من فقرائهم: أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة فقد صرف فيهم بما أنه صرف في سبيل الله لا بما أنهم سهماء في الفيء.

وكيف كان فقوله: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} المراد بهم من هاجر من المسلمين من مكة إلى المدينة قبل الفتح وهم الذين أخرجهم كفار مكة بالاضطرار إلى الخروج فتركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا إلى مدينة الرسول.

وقوله: {يبتغون فضلا من الله ورضوانا} الفضل الرزق أي يطلبون من الله رزقا في الدنيا ورضوانا في الآخرة.

وقوله: {وينصرون الله ورسوله} أي ينصرونه ورسوله بأموالهم وأنفسهم، وقوله: {أولئك هم الصادقون} تصديق لصدقهم في أمرهم وهم على هذه الصفات.

_______________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص179-180.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

إنّ هذه الآيات ـ كما ذكر سابقاً ـ تبيّن حكم غنائم بني النضير، كما أنّها في نفس الوقت توضّح حكماً عاماً حول الغنائم التي يحصل عليها المسلمون بدون حرب، كما ذكر ذلك في كتب الفقه الإسلامي بعنوان (الفيء).

يقول الله تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما اُوجفتم عليه من خيل ولا ركاب}(2).

«أفاء» من مادّة (فيء) على وزن شيء ـ وهي في الأصل بمعنى الرجوع، وإطلاق كلمة (فيء) على هذا اللون من الغنائم لعلّه بإعتبار أنّ الله سبحانه قد خلق هذه النعم والهبات العظيمة في عالم الوجود في الأصل للمؤمنين، وعلى رأسهم الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو أشرف الكائنات، وبناءً على هذا فإنّ الجاحدين لوجود الله والعاصين له بالرغم من إمتلاكهم للبعض من هذه النعم بموجب القواعد الشرعية والعرفية، إلاّ أنّهم يعتبرون غاصبين لها، ولذلك فإنّ عودة هذه الأموال إلى أصحابها الحقيقيين (وهم المؤمنون) يسمّى (فيئاً) في الحقيقة.

«أوجفتم» من مادّة (إيجاف) بمعنى السَّوق السريع الذي يحدث غالباً في الحروب.

«خيل» بمعناه المتعارف عليه (وهي اسم جنس وجمعها خيول)(3).

«ركاب» من مادّة (ركوب) وتطلق في الغالب على ركوب الجمال.

والهدف من مجموع الجملة أنّ جميع الموارد التي لم يحدث فيها قتال وفيها غنائم، فإنّها لا توزّع بين المقاتلين، وتوضع بصورة تامّة تحت تصرّف رئيس الدولة الإسلامية وهو يصرفها في الموارد التي سيأتي الحديث عنها لاحقاً.

ثمّ يضيف سبحانه أنّ الإنتصارات لا تكون غالباً لكم {ولكن الله يسلّط رسله على من يشاء والله على كلّ شيء قدير).

نعم، لقد تحقّق الإنتصار على عدو قوي وشديد كيهود (بني النضير) وذلك بالمدد الإلهي الغيبي، ولتعلموا أنّ الله قادر على كلّ شيء، ويستطيع سبحانه بلحظة واحدة أن يذلّ الأقوياء، ويسلّط عليهم فئة قليلة توجّه لهم ضربات موجعة وتسلب جميع إمكاناتهم.

ولابدّ للمسلمين أن يتعلّموا من ذلك دروس المعرفة الإلهية، ويلاحظوا علائم حقّانية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويلتزموا منهج الإخلاص والتوكّل على الذات الإلهية المقدّسة في جميع ممارساتهم.

وهنا قد يتبادر سؤال وهو: إنّ الحصول على غنائم بني النضير لم يتمّ بدون حرب، بل إنّ المسلمين زحفوا بجيشهم نحو قلاعهم وحاصروها، وقيل أنّ إشتباكاً مسلّحاً قد حصل في حدود ضيّقة بين الطرفين.

وفي مقام الجواب نقول: بأنّ قلاع بني النضير ـ كما ذكروا ـ لم تكن بعيدة عن المدينة، وذكر بعض المفسّرين أنّ المسافة بين المدينة والقلاع ميلان وأنّ المسلمين ذهبوا إليها سيراً على أقدامهم، وبناءً على هذا فلم يواجهوا مشقّة حقيقية. أمّا بالنسبة لموضوع الإشتباك المسلّح فإنّه لم يثبت من الناحية التأريخية، كما أنّ الحصار لم يستمرّ طويلا، وبناءً على هذا فإنّنا نستطيع القول بأنّه لم يحدث شيء يمكن أن نسمّيه قتالا، ولم يرق دم على الأرض.

والآية اللاحقة تبيّن بوضوح مورد صرف (الفيء) الوارد في الآية السابقة وتقول بشكل قاعدة كليّة: {وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلّله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}.

وهذا يعني أنّ هذه الغنائم ليست كباقي الغنائم الحربية التي يكون خمس منها فقط تحت تصرّف الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر المحتاجين، والأربعة الأخماس الاُخرى للمقاتلين.

وإذا ما صرّحت الآية السابقة برجوع جميع الغنائم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يفهم من ذلك أن يصرفها جميعاً في موارده الشخصية، وإنّما اُعطيت له لكونه رئيساً للدولة الإسلامية، وخاصّة كونه المتصدّي لتغطية حاجات المعوزين، لذا فإنّ القسم الأكبر يصرف في هذا المجال.

وقد ذكر في هذه الآية بصورة عامّة ستّ مصارف للفيء.

1 ـ سهم لله، ومن البديهي أنّ الله تعالى مالك كلّ شيء، وفي نفس الوقت غير محتاج لأي شيء، وهذا نوع من النسبة التشريفية، حتّى لا يحسّ بقيّة الأصناف اللاحقة بالحقارة والذلّة، بل يرون سهمهم مرادفاً لسهم الله عزّوجلّ، فلا ينقص من قدرهم شيء أمام الناس.

2 ـ سهم الرّسول: ومن الطبيعي أن يصرف لتأمين إحتياجاته الشخصية (صلى الله عليه وآله وسلم)وما يحتاجه لمقامه المقدّس وتوقّعات الناس منه.

3 ـ سهم ذوي القربى: والمقصود بهم هنا وبدون شكّ أقرباء الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)وبني هاشم، حيث أنّهم مستثنون من أخذ الزكاة والتي هي جزء من الأموال العامّة للمسلمين(4).

وأساساً لا دليل على أنّ المقصود من ذوي القربى هم أقرباء الناس جميعاً، لأنّه في هذه الحالة ستشمل جميع المسلمين، لأنّ الناس بعضهم أقرباء بعض.

ولكن هل هناك شرط يقضي أن يكون ذوو القربى من المحتاجين والفقراء أولا يشترط ذلك؟ لقد إختلف المفسّرون في ذلك بالرغم من أنّ القرائن الموجودة في نهاية هذه الآية والآية اللاحقة توضّح لزوم شرط الحاجة.

(4، 5، 6): «سهم اليتامى» و«المساكين» و«أبناء السبيل»، وهل أنّ جميع هؤلاء يلزم أن يكونوا هاشميين أو أنّها تشمل عموم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل؟

إختلف المفسّرون في ذلك، ففقهاء أهل السنّة ومفسّروهم يعتقدون أنّ هذا الأمر يشمل العموم، في الوقت الذي إختلفت الروايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) في هذا المجال، إذ يستفاد من قسم منها أنّ هذه الأسهم الثلاثة تخصّ اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم فقط، في حين صرّحت روايات اُخرى بعمومية هذا الحكم، ونقل أنّ الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «كان أبي يقول: لنا سهم رسول الله، وسهم ذي القربى ونحن شركاء الناس فيما بقي»(5).

والآيات الثامنة والتاسعة من هذه السورة، التي هي توضيح لهذه الآية، تؤيّد أيضاً أنّ هذا السهم لا يختّص ببني هاشم، لأنّ الحديث دالّ على عموم فقراء المسلمين من المهاجرين والأنصار.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد نقل المفسّرون أنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد حادثة بني النضير قسّم الأموال المتبقية بين المهاجرين من ذوي الحاجة والمسكنة، وعلى ثلاثة أشخاص من طائفة الأنصار، وهذا دليل آخر على عمومية مفهوم الآية. وإذا لم تكن بعض الروايات متناسبة معها، فينبغي ترجيح ظاهر القرآن(6).

ثمّ يستعرض سبحانه فلسفة هذا التقسيم الدقيق بقوله تعالى: {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} فيتداول الأغنياء الثروات فيما بينهم ويحرم منها الفقراء(7).

وذكر بعض المفسّرين سبباً لنزول هذه الجملة بشكل خاصّ، واُشير له بشكل إجمالي في السابق، وهو أنّ مجموعة من زعماء المسلمين قد جاؤوا لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد واقعة بني النضير، وقالوا له: خذ المنتخب وربع هذه الغنائم، ودع الباقي لنا نقتسمه بيننا، كما كان ذلك في زمن الجاهلية. فنزلت الآية أعلاه تحذّرهم من تداول هذه الأموال بين الأغنياء فقط.

والمفهوم الذي ورد في هذه الآية يوضّح أصلا أساسيّاً في الإقتصاد الإسلامي وهو: وجوب التأكيد في الإقتصاد الإسلامي على عدم تمركز الثروات بيد فئة محدودة وطبقة معيّنة تتداولها فيما بينها، مع كامل الإحترام للملكية الشخصية، وذلك بإعداد برنامج واضح بهذا الصدد يحرّك عملية تداول الثروة بين أكبر قطاع من الاُمّة.

ومن الطبيعي ألاّ نقصد من ذلك وضع قوانين وتشريعات من تلقاء أنفسنا ونأخذ الثروات من فئة ونعطيها لآخرين، بل المقصود تطبيق القوانين الإسلامية في مجال كسب المال، والإلتزام بالتشريعات المالية الاُخرى كالخمس والزكاة والخراج والأنفال بصورة صحيحة، وبذلك نحصل على النتيجة المطلوبة، وهي إحترام الجهد الشخصي من جهة، وتأمين المصالح الإجتماعية من جهة اُخرى، والحيلولة دون إنقسام المجتمع إلى طبقتين: (الأقليّة الثريّة والأكثرية المستضعفة).

ويضيف سبحانه في نهاية الآية: {وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب).

وبالرغم من أنّ هذا القسم من الآية نزل بشأن غنائم بني النضير، إلاّ أنّ محتواها حكم عام في كلّ المجالات، ومدرك واضح على حجيّة سنّة الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم).

وطبقاً لهذا الأصل فإنّ جميع المسلمين ملزمون بإتّباع التعاليم المحمّدية، وإطاعة أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإجتناب ما نهى عنه، سواء في مجال المسائل المرتبطة بالحكومة الإسلامية أو الإقتصادية أو العبادية وغيرها، خصوصاً أنّ الله سبحانه هدّد في نهاية الآية جميع المخالفين لتعاليمه بعذاب شديد.

وقوله تعالى : {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحشر: 8]

السمات الأساسية للأنصار والمهاجرين والتابعين:

هذه الآيات ـ التي هي إستمرار للآيات السابقة ـ تتحدّث حول طبيعة مصارف الفيء الستّة، التي تشمل الأموال والغنائم التي حصل عليها المسلمون بغير حرب، وقد أوضحت الآية المعني باليتامى والمساكين وأبناء السبيل، مع التأكيد على المقصود من أبناء السبيل بلحاظ أنّهم يشكّلون أكبر رقم من عدد المسلمين المهاجرين في ذلك الوقت، حيث تركوا أموالهم ووطنهم نتيجة الهجرة، وكانوا فقراء بعد أن هجروا الدنيا من أجل دينهم.

يقول تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين اُخرجوا من ديارهم وأموالهم(8)يبتغون فضلا من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله اُولئك هم الصادقون).

هنا بيّنت الآية ثلاثة أوصاف مهمّة وأساسية للمهاجرين الأوائل، تتلخص بـ: (الإخلاص والجهاد والصدق).

ثمّ تتناول الآية مسألة (ابتغاء فضل الله ورضاه) حيث تؤكّد هذه الحقيقة وهي: أنّ هجرتهم لم تكن لدنيا أو لهوى نفس، ولكن لرضا الله وثوابه.

وبناءً على هذا فـ (الفضل) هنا بمعنى الثواب. و«الرضوان» هو رضا الله تعالى الذي يمثّل مرحلة أعلى من مرتبة الثواب. كما بيّنت ذلك آيات عديدة في القرآن الكريم، ومنها ما جاء في الآية 29 من سورة الفتح، حيث وصف أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الوصف {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا } [الفتح: 29].

ولعلّ التعبير بـ (الفضل) إشارة إلى أنّ هؤلاء المؤمنين يتصوّرون أنّ أعمالهم قليلة جدّاً لا تستحقّ الثواب، ويعتقدون أنّ الثواب الذي غمرهم هو لطف إلهي.

ويرى بعض المفسّرين «الفضل» هنا بمعنى الرزق، أي رزق الدنيا، فقد ورد في بعض الآيات القرآنية بهذا المعنى أيضاً، ولكن بما أنّ المقام هو مقام بيان إخلاص المهاجرين، لذا فإنّ هذا المعنى غير مناسب، والمناسب هو الجزاء والثواب الإلهي.

كما لا يستبعد أن يكون المراد من «الفضل» إشارة للنعم الجسمية، و«الرضوان» هو إشارة للنعم الروحية والمعنوية، والجميع مرتبط بالآخرة وليس بالدنيا.

ثمّ إنّ «المهاجرين» ينصرون المبدأ الحقّ دائماً، وعوناً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يتوقّفوا في جهادهم بهذا السبيل لحظة واحدة (يرجى ملاحظة: أنّ فعل (ينصرون) بصيغة المضارع، وهو دليل على الإستمرار).

ومن هنا يتّضح أنّ هؤلاء المهاجرين ليسوا من أصحاب الإدّعاءات الفارغة، بل هم رجال حقّ وجهاد، وقد صدقوا الله بإيمانهم وتضحياتهم المستمرّة.

وفي مرحلة ثالثة يصفهم سبحانه بالصدق، ومع أنّ الصدق له مفهوم واسع، إلاّ أنّ صدق هؤلاء يتجسّد في جميع الاُمور: بالإيمان، وفي محبّة الرّسول، وفي التزامهم بمبدأ الحقّ ..

ومن الواضح أنّ هذه الصفات كانت لأصحاب الرّسول في زمن نزول هذه الآيات، إلاّ أنّنا نعلم أنّ أشخاصاً من بينهم قد فرّطوا بالنعم الإلهية التي غمرتهم، وسلكوا سبيل الضلال كالذين أشعلوا نار حرب الجمل في البصرة، وصفين في الشام، وحاربوا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان واجب الطاعة بإجماع المسلمين، وأراقوا دماء الآلاف من المسلمين.

_______________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص70-79.

2 ـ «ما» في (ما أفاء الله ورسوله) موصولة في محلّ رفع مبتدأ وما في (ما أوجفتم عليه) نافية، ومجموع هذه الجملة خبر، وهنالك إحتمال ثان: وهو أنّ (ما) في (ما أفاء) شرطية، (وما) الثانية مع جملتها تكون جواباً للشرط ومجيء (الفاء) في صدر جملة الخبر حينما تكون فيها شبيهة بالشرط، فلا إشكال فيه.

3 ـ يقول الراغب في المفردات: إنّ الخيل في الأصل من مادّة (خيال) بمعنى التصوّرات الذهنية، وخيلاء بمعنى التكبّر والتعالي على الآخرين لأنّه ناتج من تخيّل الفضيلة، ولأنّ ركوب الإنسان على الحصان يشعر بالإحساس بنوع من الفخر والزهو غالباً، لذلك أطلق لفظ الخيل على الحصان، والنقطة الجديرة بالملاحظة أنّ خيل تطلق على الحصان وكذلك على راكبيه.

4 ـ هذا التّفسير لم يأت به الشيعة فقط، حيث جاء ذكره في تفاسير أهل السنّة أيضاً، كما ذكر ذلك الفخر الرازي في التّفسير الكبير، والبرسوني في روح البيان، وسيّد قطب في ظلال القرآن، والمراغي في تفسيره والآلوسي في روح المعاني.

5 ـ مجمع البيان، ج9، ص261، ووسائل الشيعة، ج، ص368، حديث12 وباب واحد من أبواب الأنفال.

6 ـ وسائل الشيعة، ج6، ص356، (حديث4، باب واحد من أبواب الأنفال).

7 ـ (دولة) بفتح الدال وضمّها بمعنى واحد، وفرّق البعض بين الإثنين وذكر أنّ (دولة) بفتح الدال تعني الأموال، أمّا بضمّها فتعني الحرب والمقام، وقيل أنّ الأوّل اسم مصدر، والثاني مصدر، وعلى كلّ حال فإنّ لها أصلا مشتركاً من مادّة «تداول» بمعنى التعامل من يد إلى اُخرى.

8 ـ «للفقراء» بدل وتفسير لابن السبيل.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .