الطعون الانتخابية في مصر
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص228-230
2025-12-04
36
تواترت أحكام مجلس الدولة المصري على ان الطعون الانتخابية مقصورة لفظاً وقانوناً على تلك التي تتعلق بانتخابات المجالس المحلية ولا تمتد لتشمل الصور الأخرى من الانتخابات وسواء تعلق الأمر بانتخابات المجالس النيابية أم بانتخابات هيئات نقابية أو جمعيات أو غيرها ، فالمصطلح جاء حصراً بنص المشرع في مجال انتخابات المجالس المحلية دون غيرها(1) ، كما ان المادة (93) من الدستور أعطت لمجلس الشعب وحده ، سلطة الفصل في صحة عضوية أعضائه(2) .
لكن المشرع المصري تراجع عن عناده المتمثل في سلب اختصاص مجلس الدولة في مجال الطعون الانتخابية ، وذلك بعد ان قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية العديد من نصوص القانون رقم (73) لسنة 1956 الخاص بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية ، وجاءت المادة (17) بعد استبدالها بالقانون رقم (220) لسنة 1994 مقررة لاختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الطعون عن القرارات الصادرة من لجنة فحص طلبات القيد في الجداول الانتخابية(3) ، وتكون أحكامه باتة(4) .
وقد مثلت الطعون الانتخابية في مصر دوما أحد الأمور المهمة في مسيرة الانتخابات البرلمانية هذا البلد ، خاصة منذ الأخذ بنظام الانتخاب الفردي الذي فتح الباب أمام المرشحين للطعن في صحة الترشيح وصحة العضوية ، وقد أدت تلك الطعون ـ المقدمة في مواجهة وزارة الداخلية بصفتها الجهة القائمة على إدارة الانتخابات ـ مع كثرتها إلى إثارة الجدل حول العملية الانتخابية وأسفرت عن صولات وجولات بين الطاعنين والأعضاء , وعدم رضاء كل طرف عن الإحكام القضائية الصادرة ضدهم(5) .
وتختلف نظرة مجلس الشعب إلى الطعون الانتخابية عن نظرة السلطة القضائية ، ففي حين تنظر الأخيرة للأمر بشكل قانوني , ينظر المجلس إلى تلك الطعون بشكل سياسي وحزبي ، وفي حين ان القضاء ينظر للمعروض أمامه بشكل محايد وموضوعي , ينظر مجلس الشعب للطعون بعين المتهم والقاضي معا , فقد يرفض المجلس الطعن الموجه لأحد الأعضاء لا لشيء إلا لحفظ التوازن الحزبي داخل المجلس أو لمنع الطريق أمام المعارضة من زيادة عدد أعضائها والوصول إلى نسبة الثلث مما يمكنها من التأثير في اتخاذ القرارات الجوهرية تحت قبة البرلمان(6) , كل هذه الأمور جعلت الكثير من رجال القانون يعترضون على سلطة مجلس الشعب في الفصل بالطعون الانتخابية , ويشيرون إلى وجود تضارب خطير في النصوص القانونية حول الجهة القائمة بالفصل في الطعون الانتخابية ، والجهة القائمة بالفصل في طعون صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب(7) .
وقد كان للقضاء المصري الدور الأبرز في التعرض لهذا الموضوع المهم عبر العديد من القرارات القضائية التي أرست مبادئ هامة في هذا المجال .
ففي حكم للمحكمة الإدارية العليا في هذا المجال تؤكد فيه اختصاص مجلس الدولة بالنظر بكافة القرارات الإدارية السابقة على ثبوت العضوية ومن ضمنها ما يتعلق بمرحلة الترشيح ، بالقول :
" ... إذا كان نص المادة (93) من الدستور يجري على ان يختص مجلس الشعب بالفصل في صحة عضوية أعضائه ، فان هذا الاختصاص لا يستنزف اختصاص مجلس الدولة في نظر المنازعات المتعلقة بالإجراءات السابقة على العملية الانتخابية بالمعنى الفني الدقيق ، أخذا بعين الاعتبار ان الاختصاص القضائي لمجلس الدولة والاختصاص البرلماني لمجلس الشعب مستمد كلاهما من أحكام الدستور بيد انه ينبغي دوماً تطبيق نصوص الدستور على نحو يحقق التناسق والانسجام بينها ، ومن ثم فان القرارات الإدارية التي تسبق عملية الانتخاب ، بالمعنى الفني الاصطلاحي ، لا تتمخض عملاً تشريعياً أو برلمانياً مما يختص به البرلمان وإنما هي من الأعمال الإدارية التي تباشرها جهة الإدارة في هذا المقام ، وليس في اضطلاع الجهة الإدارية بهذه الأعمال أو في الرقابة القضائية على سلامة قراراتها الصادرة في هذا الشأن ما يعني مساساً باختصاص البرلمان أو انتقاصاً لسلطاته ، ذلك ان المجلس النيابي لا يستأثر حقيقة بشئون أعضائه ومصائرهم إلا بعد ان تثبت عضويتهم الصحيحة به النابعة من إرادة الناخبين على هدى ما تسفر عنه الآلية الدستورية المقررة بالمادة (93) من الدستور ، كما وان الفصل في سلامة القرارات الإدارية الصادرة في ِشان الإعداد للعملية الانتخابية ـ بالمفهوم الفني الاصطلاحي الدقيق لهذه العملية الانتخابية ـ هو في الأصل اختصاص قضائي لا يفترق عن غيره من الاختصاصات القضائية ، فلا تنأى القرارات الصادرة في هذا الشأن عن الرقابة القضائية أو تنسلخ عنها ، وإذا كان قاضي المشروعية ، المهيمن دستوراً على كافة مناحي المنازعات الإدارية ، حريصاً على اختصاصه ، فانه لا يقل حرصاً على ألا يتجاوز اختصاصه تطاولاً على اختصاص تقرر لجهة أخرى ، ... "(8) .
وبذلك فان رقابة القضاء الإداري تمتد إلى القرارات الإدارية الصادرة من السلطة التنفيذية بوصفها السلطة المسؤولة عن تنفيذ قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية أو قانون مجلس الشعب , بمعنى ان جميع القرارات الصادرة من وزير الداخلية أو رئيس الجمهورية بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية بشان قواعد وإجراءات الترشيح , يجوز لكل مواطن حق الطعن عليها ، إذا توافرت الشروط المقررة في هذا الشأن طبقا للمادة (10) من قانون مجلس الدولة رقم (47) لسنة 1972(9) .
مع ملاحظة ما استقر عليه فقه القانون الإداري وقضاء المحكمة الإدارية العليا وقضاء مجلس الدولة على ان البطلان لا يترتب على مخالفة أي جراء وإنما يترتب على مخالفة الإجراء الجوهري وحده دون غيره ، ويتحدد نوع الإجراء في ضوء الغاية التي يبغاها المشرع من تنظيم عملية الانتخاب وهي تتمثل في الكشف عن الإرادة الشعبية التي عبر عنها جمهور الناخبين(11) .
______________
1- الفقرة الأولى من المادة (10) من قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972 .
2- د . رأفت فودة ، دراسة تحليلية لقضاء مجلس الدولة المصري في مجال الطعون الانتخابية ، دار النهضة العربية ، 2001 ، ص 35 .
3- وأصبح نصها كالتالي " لكل من رفض طلبه أو تقرر حذف اسمه الطعن بغير رسوم في قرار اللجنة المشار إليها في المادة السابقة أمام محكمة القضاء الإداري المختصة ... " .
4- المادة (19) من ذات القانون " تفصل محكمة القضاء الإداري في الطعون على وجه السرعة ، وتكون الأحكام الصادرة في هذا الشأن غير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن ... " .
5- د. راتب الجندي ، الشرعية ومراقبة الانتخابات ، بحث منشور ضمن كتاب " الأنظمة الانتخابية المعاصرة " ، مؤلف جماعي ، مركز الأردن الجديد للدراسات ، دار سندباد للنشر ، الأردن ، 1995 ، ص 177 .
6- وهو الأمر الذي كاد يحدث في البرلمان المنتخب عام 1987 ، عندما شكلت المعارضة زهاء نحو 23٪ من عدد أعضاء المجلس ؛ ينظر : د. عمرو هاشم ربيع ، الأنظمة الانتخابية والانتخابات البرلمانية في مصر ، بحث منشور ضمن كتاب " الديمقراطية في العالم العربي " ، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA) ، لبنان ، 2004 ، ص 30 .
7- د. عمرو هاشم ربيع ، تقييم نظم انتخابات مجلس الشعب ( 1984 - 2005 ) ، الموقع الالكتروني : مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ، الرابط الالكتروني : www.ahram.org.eg
8- جلسة 10 ديسمبر سنة 2000 ، الطعن رقم 1946 ، لسنة 47 القضائية ؛ ذكره : د. رأفت فودة ، دراسة تحليلية لقضاء مجلس الدولة المصري في مجال الطعون الانتخابية ، دار النهضة العربية ، 2001 ، ص 162 .
9- د. عمرو هاشم ربيع ، الأنظمة الانتخابية والانتخابات البرلمانية في مصر ، بحث منشور ضمن كتاب " الديمقراطية في العالم العربي " ، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA) ، لبنان ، 2004 ، ص 30 .
10- فاروق عبد الحميد محمود ، حق الانتخاب وضماناته ـ دراسة مقارنة ـ ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق في جامعة عين شمس ، 1998 ، ص 285 .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة