أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-9-2017
![]()
التاريخ: 30-8-2017
![]()
التاريخ: 10-9-2017
![]()
التاريخ: 2-9-2017
![]() |
لقد اصاب النقاد في القرن الرابع حظاً من الثقافة اللغوية رأينا في دراستنا ما يمت منه الى الجانب الدلالي بصلات متينة، واستكمالاً لتتبعنا للظواهر التطورية التي وقف عندها النقاد نحاول ههنا ان نرسم اجزاء من صور التطور، وذلك عليها. نثارات موزعة في ثنايا الأبحاث والشروح.
والحديث عن التطور يعنى بنماء الثروة اللفظية، وبالتحولات التي تطرأ عليها. ولدى ابن الانباري اشارات ثلاث تظهر انه كان على بينة من مسائل دلالية، على الرغم من قلة تداوله لها في عمله النقدي، وقد يكشف التتبع لمصنفات اخرى - غير التي درسناها في بحثنا. عن قيم فنية او احكام تقويمية مبنية على تلك المفهومات للدلالة واحوالها.
ويعلق ابن الانباري أولا على بيت امرئ القيس:
فاليوم اشرب غير مستحقب اثماً من الله ولا واغل
فإن " الواغل هو الداخل في القوم وليس منهم، والواغل في الخمر، والوارش
ص327
في الطعام، وهو مثل الطفيلي، والطفيلي مولد من كلام العرب(1) ". فههنا مفهوم للمولد يقضي بأنه عربي ولكن في حالة مضافة الى الرصيد الموروث، ولا يحدد لنا الزمن او الكيفية التي تحول فيها الاصل اللغوي العتيق الى صيغة جديدة واستعمال لم يكن وولّد. وقد يكون منسوباَ الى شخص معروف واسمه(طفيل) خاصة وان هذا الاسر قديم جاهلي - ومن الشعراء المعروفين ممن سبقوا زهير بن أبي سلمى زمناً:(طفيل الغنوي) بل هو من اقربائه وأساتذته.
وتثير لفظة(سلكى) تساؤلا يعقبه تفسير لها، ولكن تضاف عبارة ذات اهمية في التاريخ للدلالة، والبيت هو:
ونطعنهم سلكى ومخلوجة كرك لا مين على نابل
فقد قال ابو عبيدة:سلكى:مستوية، ومخلوجة تختلجهم، وقال:سألت عنها أبا عمرو بن العلاء فقال:سألت عنها فلم أجد من يعرفها، وهي من الكلام الدارس، وقال الأصمعي سلكى مستقيمة، ومخلوجة:يمنة ويسرة ؛ ومثل من الامثال:الرأي مخلوجة وليس بسلكى(2) وقد تعني(الدارس) ان هذه الصيغة من المادة اللغوية لم تعد مستعملة في هذا المعنى، واستبدلت بصيغ من مواد اخرى، وهؤلاء الرواة لا يذكرون اسبابا تعلل اهمالها. وقد تكمن القضية في ضياع المرويات المثبتة لها. وفي مثال ثالث لأمرئ القيس يستطرد ابن الانباري في الشرح ويشير الى مستوى من الكلام ينسب الى العامة:
ألا يالهف نفسي اثر قوم هُم كانوا الشّفاء فلم يصابوا
وقاهم جدهم ببني أبيهم وبالأشقين ما كان العقاب
فالجد ههنا:الحظ ومن ذلك قولهم " ولا ينفع الجد منك الجد " وهو الذي تسمية العامة:البخت(3) " ويكتفي الناقد بهذه العبارة دون ان يعطي أية قيمة
ص328
سواء أكانت لغوية او جمالية اسلوبية لاستخدام ما تتداوله العامة(البخت) "، وفي القاموس المحيط(4):ان الكلمة معربة، وفي حاشيته ذكر لاحتمالات عدة منها:التوليد والتعريب عن العجمة، وحيرة بين ان تكون غربية أولا تكون ذلك نقلاً عن اصحاب المعجمات كالمصباح - المنير -، واللسان، وتهذيب الازهري ، وبعض الكتب كشفاء الغليل. وتبقى هذه الاشارة - لدى ابن الانباري - معبرة عن ان الصفات النقدية لم تبعد عنها هذه الاصداء الدلالية.
وقد تعد الملحوظات الدائرة حول الكلمات الاعجمية ابرز الجوانب الهامشية للتطور، فالنقاد يتنبهون - بفضل ما يرد في كلام الشعراء - الى الكلمات الاجنبية، والتي يشك في عربيتها، ومن ثم يمكننا عرض بعض الآراء في مسألة استعمال الاعجمي.
ويدور نقاش حول كلمة ورت لدى المتبني هي(المخشلب):
بياض وجه يريك الشمس حالكة ودُر لفظ يريك الدر مخشلبا
ونبدأ براي ابن جني " فالمخشلب – او المشخلب - هذا الخرز المعروف، وليست عربية و لا فصيحة واللفظ العربي هو:(الخضض) قال الشاعر:
فإن قروم خطمة انزلتني بحيث يُرى من الخضض الحزوت
والمتنبي استعمل الكلمة على ما جرت عادة الاستعمال ، وقد فعلت العرب هذا، فجاءت بغير لغتها اتباعاً للعادة، وقد جاء الاعشى في شعره بـ(الاسفنط)، ومن الرومي(القسطاس) ومن العجمي(الابريق) و(الأساور). وهذا أكثر من ان يحصى(5) "، وبعد هذا التحليل الذي يردّ الى العادة نجد القاضي الجرجاني يتقدم خطوات لإيجاد الأسباب التي يمكن أن تقبل
ص329
موضوعياً في جانب منها لان يقول - بعد ان رفض التسليم بكون مخشلب عربية فصيحة كما اراد المتنبي لها:
" اني أجد العرب تستعمل كثراً من ألفاظ العجم اذا احتاجت اليه لإقامة الوزن، واتمام القافية كما قال التغلبي:
وكنا اذا القيسي نب عتوده ضربناه دون الانثيين على الكرد
اراد الشاعر هنا:العنق وهو الكردن في الأصل – فأقام بلفظة الكرد قافيته "، ويذكر القاضي الجرجاني حالة تبدو قريبة مما ذهب إليه ابن جني " فقد تتجاوز - العرب - ذلك الى استعمال الاعجمي مع الاستغناء عنه كما سموا(الحمل) بـ(البرق) مع كثرة اسماء الغنم عندهم(6) .
وهذه الملحوظات التي اتى بها الجرجاني على قلتها واختصارها تنبئ بأن ثمة تقاليد فنية في التعبير الشعري تسوغ للشاعر ان يستعير الفاظا غريبة عن العربية مع التصرف بها وذلك للتغلب على مصاعب في بناء الوزن في بعض الحالات، ولأسباب ايحائية اخرى لا نستطيع الآن - وكل ما لدينا هذه الاشارات القصيرة - تحديدها بدقة، ولكن قد يكون للبيئات المختلفة اثرها في تقبل تلك الالفاظ الاعجمية او الرومية بحسب قربها من المواطن الاجنبية واحتكاكها بها، ونذكر هنا تقاليد فنية متأخرة نسبياً في العدوة الاندلسية، فإن القوم هناك اتبعوا في بناء الموشحات أنماطا من الترتيبات للأوزان وتفعيلاتها، وكان من المطلوب في الموشح ان يختم آخر بيت فيه بما يسمى بـ(الخرجة) ويستملح - او يطلب - كونها بلغة الرومانس اي لغة اسبانيا القديمة أو بلغة العامة التي مزجت بين العربية ولغة الفرنجة في تلك البلاد(7).
ص330
وفي موضع آخر يقرر ابن حني ان العرب اذا استعملت الألفاظ الاعجمية تصرفت بها ، فلكلمة:(النوروز) يذكرها سيبويه بالياء(نيروزنا) على هذا الاساس، ويفهم ايضا من كلام ابن جني واستاذه ابي علي الفارسي أنه يستمد من الاعجمي ويشتق المشتقات بأوزانها العربية فمن(الزرجون) الذي هو الخمر ينبغي القياس(المزرجن) اي الذي شربه. واما ما جاء في قول الشاعر:
هل تعرف الدار لأمر الخزرج منها فظلت اليوم كالمزرج
فهو غير ملتزم بالحروف الاصول لأن النون في(زرجون) اصلية(8).
ويستخدم النقاد مصطلحاً للتعبير عن التغيير الذي يجب ان يجري على الكلمات الاعجمية هو:(اعربته العرب(9)) سواء أكان بإبدال حرف مكان اخر كما في(دشت) الفارسية التي تعني الصحراء فتحول الى(دست) في العربية فللمتنبي(10):
ان النفوس عدد الآجال سقيا لدشت الارزن الطوال
او بصوغ تحذف معه بعض الحروف كما في(القرمد) الذي كان في الرومية:قرميدي فقد قال طرفة:
كقنطرة الرومي اقسم ربها لتكتنفاً حق تشاد بقرمد(11)
ونلحظ في امثلة من الاعجمي رغبة بض اللغويين والشعراء في ان يجعلوها عربية، ولم يلتمسون التعليلات اما في الرواية - كما ذهب المتنبي في لفظ(المخشلب) فقال:ان الكلمة مروية عن العجاج، ولكن القاضي الجرجاني لم يصادفها في شعر العجاج مع تقصيه لذلك - عن الفصحاء، واما بتحليل المعنى كما ذهب الى ذلك ابن الاعرابي(فالإسفنط) مأخوذ من سفطت نفسي أي طابت،
ص332
وهو اسفد نفساً من فلان، وذلك لطيب الخمر وههنا يحكم ابن جني بضرورة الرجوع الى " ما أطبقت الجماعة عليه، فلم يذكر وزن افعل لدى سيبويه(12) " وبذا لا تدخل اسفنط في المجموعة العربية الاصلية.
وقد اتبع النقاد اسلوب شرح معنى الكلمة الاعجمية في اصلها كما نرى في صنيع ابي هلال العسكري " فالحرباء كلمة فارسية معربة، وإنما هي خربا، اي حافظ الشمس، والشمس تسمى بالفارسية(خر)(13)، وابن النحاس بين ان " من اسماء الخمر الزرجون وهو بالفارسية لون يشبه الذهب(14) "، وابن الانباري يروي ان " السجنجل - كما قال يعقوب بن السكيت - رومي ويراد به:المرآة، وهو ايضاً قطع الفضة وسبائكها "، والمهضم هو - القصب - الذي قد غمر حتى انفضح وهو النرمثاي:ضرب من الات الزمر(16) ".
وبصورة عامة لا تخرج المصطلحات هنا عن ثلاثة:(الاعجمي) ويشمل الفارسي والرومي ثم هناك:(الفارسي) مخصصاً، وكذلك(الرومي) مخصصاً.
ص332
____________________
(1) شرح ابن الأنباري 10.
(2) شرح ابن الأنباري 9-10.
(3) شرح ابن الأنباري 6، 457.
(4) القاموس المحيط(1/141).
(5) الفسر الكبير، ابن جني 256-257.
(6) الوساطة للقاضي الجرجاني ٤٦٠ - ٤٦١.
(7) ينظر في(الزجل في الاندلس) لعبد العزيز الأهواني ٤ ، 6 ، معهد الدراسات العربية 1957م.
(8) الفسر الصغير. ابن جني 123 أ - ب.
(9) شرح ابن الانباري ١٦٦ ، الفسر الصغير لابن جني ٢٦٤ ب، الموشح للمرزباني ١٣١ .
(10) الفسر الصغير. ابن جني ٢٦٤ ب.
(11) شرح ابن الانباري ١٦٦.
(12) التمام. ابن جني ٢٠٨ - ٢٥٣ .
(13) الصناعتين، ابو هلال العسكري ٢٥٣.
(14) شرح ابن انحاس 4٩٨.
(16) شرح ابن الانباري ٥٩ ، ٢٣٠.
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
بالصور: تزامنا مع ختام فعالياته.. ممثل المرجعية العليا يشارك في المحفل القرآني المركزي في الصحن الحسيني الشريف
|
|
|