التطور الدلالي بين اللغة والنقد (التطور بالانتقال من المحسوس الى المجرد) |
3179
01:27 مساءً
التاريخ: 10-9-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-9-2017
718
التاريخ: 2-9-2017
1064
التاريخ: 10-9-2017
2666
التاريخ: 30-8-2017
632
|
ان هذا القسم من الدراسة يستدعي تمييزاً بين نوعين من التجريد، ذلك اننا نبغي ههنا اظهار صور وامثلة للتطور الدلالي بالانتقال من المجال الحسي الى مجال المفهومات الذهنية المجردة، ويعرف البحث اللغوي مصطلح(التجريد) مقروناً بمصطلح اخر هو التعميم عندما يشرح النقلة الكبيرة بين الادراك الحي للأشياء
ص288
والمواقف الجزئية لدى الانسان، وذاك النمط الاشاري الذي انتظم فيما بعد على هيئة اللغة المختلفة رقياً وبدائية، ففي هذا الحين يكون(التجريد): " قيام الاسماء او الصفات مقام مسمياتها وموصوفاتها او حلول الالفاظ محل الاشياء التي تدل عليها(1) " اي ان الانسان صمل الى القدرة على الفصل بن الاشارة اللغوية والمادة والموقف فيشير بالكلمة الى الاشياء والاحداث سواء في الحاضر او في الماضي او في المستقبل بينما تعد اشارات الحيوان مشخصة وملتصقة بالواقعة(2)، واما اصطلاح(التعميم) فهو قدرة الانسان على التعبير عن اشياء واحداث بألفاظ وكلمات واحدة اي ادراك الخصائص المشتركة بينها واغفال الفروق الفردية فكلمة منزل تنطبق على كل ما يسكنه الناس مع اختلاف الاشكال والتفصيلات في النماذج المختلفة للنازل في هذه البيئة او تلك. وبذا نجد ان التجريد والتعميم يرجعان الى مرحلة متقدمة من تطور اللغة في المجتمع الانساني، وبفضلها غدا من السهل نفل الخبرات اللازمة والمعارف التي ساعدت على نماء قدرة البشرية وبناء حضارتها.
ويظل مصطلح(المفهومات المجردة) بحاجة الى التخصيص ومزيد من البيان فهي عندنا تمثل مرحلة اخرى من النمو اللغوي الذي يعبر عن العالم الذهني للإنسان، فالمجردات لا تتناول المفردات او الاعال الحركية او المتصلة بالحواس الظاهرة وانما تعبر عن الحالات النفسية والعقلية ومفرداتها من الشعور والانفعال، والحكم، في السلوك والحياة عامة وفي العلوم.
وثمة ربط بين احوال المجتمع حضارياً ومدى غنى لغته بالمجردات فإنها تزداد وتنمو مع نماء ثقافته وتكامل اسباب التقدم الحضاري لها، ويقول في هذا المقام كوند راتوف " اننا سنجد صعوبة شديدة في كتابة علم الطبيعيات بلغة البوشمان
ص289
او بلغة سكان استراليا الاصليين، بل من المستحيل عملياً ان نعبر عن أسس الفيزياء النووية(وربما الرياضيات) باللغة الروسية العامية او بالإنجليزية العامية ذلك لأننا سنضطر الى اقحام مفاهيم ومصطلحات علمية مثل(الكوانطا) و(السلب) الخ...(3) ولهذا تبدو قيمة الكشف عن حركة اللغة بن الأبعاد المادية الحسية، وتلك الابعاد الذهنية المجردة اذ تعكس قدرتها على التشكل وفق الاحتياجات المتنوعة لحياة اكثر اتساعاً واكبر تعقيداً مع تقدمها، وتستوي عندنا الاهمية في المجال العلمي، وفي مجال الفكر والفن، فنحن نلتمس الطريق الى اداء لغوي يستجيب لهذه الجوانب كافة.
وقد حلل احمد بن فارس اللغوي في كتابه(الصاحبي في فقه اللغة) مجموعة من الالفاظ الاسلامية، وبيّن المنطلق الحسي لعدد منها وسنعرض ما جاء لديه قبل تناول ما أتى به النقاد الشراح لنعقد الاسباب فيما بين العمل اللغوي العام واهتمامه بالظواهر الدلالية، والعمل النقدي فكلاها يشكلان - في النظرة الكلية - نسيج القرن الرابح ادباً ولغة:
" فالإسلام والمسلم انما عرفت العرب هنه اسلام الشيء، ثم جاء في الشرع من اوصافه ما جاء وكذلك كانت لا تعرف من الكفر الا الغطاء والستر. اما المنافق فاسم جاء به الاسلام لقوم ابطنوا غير ما اظهروا، وكان الاصل من نافقاء اليربوع، ولم يعرفوا في الفسق الا قولهم: فسقت الرطبة، اذا خرجت من قشرها، وجاء الشرع بأن الفسق: الإفحاش في الخروج عن طاعة الله - عز وجل - وكذلك الزكاة لم تكن العرب تعرفها الا من ناحية النماء، وزاد الشرع فيها مما لأوجه لإطالة الباب بذكره(4) ". ويورد ابن فارس هذه الامثلة في سياق يضم مفردات اخرى كالصلاة والصوم والمؤمن، وهو يفسرها على انها مصطلحات
ص290
تناظر معاني اخرى للألفاظ كما يكون شأن الكلات الاصطلاحية في العلوم والفنون كالنحو والعروض والشعر، ولنا ان نقول في هذا المضمار: " ثمة اسمان لغوي وصناعي او شرعي(5) " مما يحملنا على شرحها بحسب المنطق. رغم ان ابن فارس يجهر بعدائه للفلسفة - فالألفاظ يزاد في منطوقها شروط وصفات تجعل ما يصدق عليه التعريف يضيق الى ان يختص بجانب محدد اضافة الى تفله من الحيز الحسي الى المجال التجريدي باستخراج اوجه للشبه كما في(نافق والمنافقة) والنافقاء التي تتخفى وتستمر في افعالها، فالمنافق انما يبدي اشياء ويضر ما يخالفها ويستعين على اغراضه الخفية بالتتر بعيداً عن الاعين.
وثمة مصطلح يقترب ابن فارس من تحليله الا انه لا يتعمق التاريخ اللغوي بالقدر الكافي، انه يلجأ الى المجاز في كلمة:(التيمم) لمسح الوجه من الصعيد، " فقد قال علماؤنا: العرب تسمي باسم الشيء اذا كان مجاوراً له او كان منه بسبب، وانما(التيمم): الطلب والقصد يقال تيمتك وتأممتك اي تعمدتك. ومن ذلك تسميتهم السحاب والمطر سماء(6) "، وكان الاجدر ان يعود ابن فارس الى معنى:(القصد والطلب) في التيمم ويحلل مادة(ي م م) التي تعني في الاصول السامية: البحر، النهر، الغدير، والماء عامة، وفي السريانية كذلك:(ي م ا: بحر، نهر غدير، و م ي ا: ماء)(7). واذا ما راجعنا الحصيلة اللغوية ممثلة بالقاموس المحيط نجد تردد الاصل اللغوي(ي م) دلالة على البحر عامة وعلى مواضع عدة في الجزيرة العربية " يم ماء بنجد، واليمامة: بلاد الجو في وسط الشرق عن مكة، واليمة موضع، وبنو يم بطن(8) " وهذا يدل على ان العرب قديماً عرفت مواضع المياه سواء الغدران او الانهار او شواطئ البحر، ومن ثم
ص291
يكون:(التيمم) هو طلب الماء والسفر اليه، وبعد ذلك عمم المعنى فغدت الدلالة شاملة كل قصد وطلب.
وهناك مصطلح أدبي تاريخي ذو صلة بالإسلام، وما طرأ على الحياة العربية بقدومه يعرضه ابن فارس وهو:(المخضرم) ويرجح واحدا من احتمالين وأولهم يجتاز ما بين الحسي والمجرد الذهني، فالمخضرم، من خضرمت الشيء اذا قطعته وخضرم فلان عطيته اي قطعها، فسمي هؤلاء - الشعراء - مخضرمين كأنهم قطعو عن الكفر الى الاسلام، وثمة احتمال اخر - وهوما يفضله ابن فارس - ينتج عن فهم خاص للشعر، بل هو صدى لقولة الاصمعي في حسان بن ثابت وشعره الذي لأن لما دخل في الاسلام: " ويمكن ان يكون ذلك - المخضرم - لان هؤلاء الشعراء تقصت رتبتهم في الشعر، لان حالة الشعر تطامنت في الاسلام لما انزل الله جل ثناؤه من الكتاب العربي العزيز وهذا عندنا هو الوجه، لأنه لو كان - القطع لكان كل من قطع الى الاسلام مخضرما والامر بخلاف هذا(9) "، ولن نقف طويلا امام ترجيح المصنف ونكتفي ما يراد التعليل الاول على انه يتسق والامثلة السابقة وما سيأتي فيما بعد منها.
والمثال الاخير من امثلة ابن فارس عام وهو يدعم هذا النوع من التحليل " فقد قال قوم اشتقاق(المعنى) من الاظهار، يقال: عنت القربة اذا لم تحفظ الماء به اظهرته، وعنوان الكتاب من هذا. وقال قوم: المعنى من قول العرب: عنت الارض بنبات حسن اذا انبتت نباتاً حسناً(10) " وههنا تتقدم الدلالة المادية سواء في القربة او الارض، ومنهما ومن الصفات المتصلة بهما تتخلق الدلالة المجردة الذهنية.
ص292
وتستوقفنا التفاتة للحاتمي في رسالته(الموضحة) اذ تناول تطور دلالة حسية جزئية لتغدو معنى مجرداً ذهنياً وذلك في بيت المتنبي.
وقتلن دفراً والدهم فما ترى أم الدهيم وأم دفرٍ هابل
فهو يقول: " اما الدهم فمن اساء الداهية، والاصل في ذلك ان ناقة كانت لبعض الملوك تسمى الدهيم، فقتل قوماً وبعث برؤوسهم عليها في غرارة، فلما جاءت قالوا: عليها بيض نعام، فقال الرسول انظروا عما يفرخ البيض، فلما نظر الى رؤوس أولاده قال:
وعند الدهيم لو أحلّ عقالها فتصعد لم تعدم من الجن حاديا
ثم كثر تشاؤمهم بهذا الاسم حق جعلوا الداهية دهيماً(11) " ولقد روى ابن جني القصة معللاً التطور الذي خضعت له الكلمة في شرحه(الفسر) بشكل مختصر(12).
وان صنيع الحاتمي يجعل ظاهرة التحليل الدلالي ومعرفة تطور الدلالات غير قاصرة على الشروح بل تتعداها الى ضروب النشاط النقدي الاخرى. في المصنفات المعروفة في القرن الرابع واننا بحاجة الى التأكيد على الصلة القائمة بين عمل اللغويين كأحمد بن فارس واعمال النقاد لان ثقافة العصر لم تكن منفصلة اجزاؤها بعضا عن بعض، بل هي متكاملة، وهذا التداول للمعطيات اللغوية مخصصة الجانب الدلالي يعكس فهماً عميقاً لدور اداة الادب:(اللغة) في تحليله وادراك ابعاده عند اسلافنا النقاد والادباء.
ويشير ابن النحاس الى دلالتين ترتبطان بالإسلام وقيمه، وذلك خلال شرحه معاني بيتين لطرفة وامرئ القيس، فطرفة يأتي على ذكر(البرك) في
ص293
وبرك هجود قد أثارت مخافتي نواديها اسعى بعضب مجرد
ويلحظ الشارح ان القصد هنا من البرك: الإبل الباركة، ويستطرد الى الفعل المشتق(برك) اذا ألقى البعير صدره على الارض ومنه سمي الصدر بركاً وبركة، وينتقل الى دلالة اخرى: فالبركة - يقال - مشتقة من البرك لأن معناها خير مقيم، وسرور لازم، وقولهم مبارك معناه الخير يأتي بنزوله " و{تبارك الله رب العالمين} [الاعراف 7/54] منه "(13) فالتطور اتخذ طريقاً من الحسي المحدود الى معنى مجرد لا ينحصر في الاطار المادي، ولئن كانت النقلة سابقة على الاسلام في هذا الاصل اللغوي فإنها تأكدت وغدت ثابتة ضمن مفهوماته.
ويعرض الشارح لاستخدام مادي لأمرئ القيس في معلقته ويرينا كيف يتأدّى المعنى الى طرف اخر ذهني ذي صلة بالمعاني الروحية الاسلامية، ففي المعلقة:
فلما أجزنا ساحة الحيِّ وانتحى بنا بطن خبت ذي قفافٍ عقنقلِ
" الخبت: هو ما اطمأن من الارض، والمخبت مشتق من هذا فمعنى المخبت: المطمئن بالإيمان بالله والتوكل عليه "(14).
وهذان المثالان هما الموصلان الى النماذج التالية التي تشتمل على صور من الحياة العربية القديمة بشكل عام اذ تستمد من المراحل السابقة من الاغلب على الاسلام. وسنبدأ بما هو صريح العبارة في مسألة النقل والاشتقاق من الاصل الحي وسيتعدد النقاد كيما نؤكد البرهنة على(فرضيتنا) كما سيكون لنا التعليق او اعادة التصور للتتابع الذي انتهجته المادة اللغوية المعالجة وسنحاول في كل موضع الا نخرج عن معطيات نص الناقد وافتراضاته هو نفسه اي سنتصرف في
ص294
الترتيب وفق الحدود الاجتماعية والتاريخية واللغوية وبيت لبيد:
يعلو طريقة متنها متوتراً في ليلةٍ كفز النجوم غمامها
يثير الدلالة(كفر) ويجتمع ابن النحاس، وابن الانباري عليها ويوردان عدداً من الدلالات المادية بمعنى غطى ويكون المال: المعنى الاسلامي المخصص اصطلاحا. ونبدأ بالسياق وما تدل ، عليه الكلمة فيه " كفر: غطى يريد الشاعر انها ليلة مظلمة قد غطى السحاب فيها النجوم، ويقال: إنما سمي الكافر كافراً لأنه غطى ما ينبغي ان يظهره من دين الأجل وعز. وقيل لأن الكفر كفر قلبه أي غطاه(15) "، ويزيد ابن الانباري امثلة مادية، فإنه " يقال كفرت المتاع في الوعاء اذا غطيته. ويقال قد كفر على درعه بثوبه اذا ستره، والكافور من الطلع من هذا مأخوذ. وجمعه كوافير. وقال الا تبارك وتعالى: {اعجب الكفار نباته}[الحديد ٥٧ / 20]: معناه اعجب الزراع، واحدهم كافر، وانما قيل للزارع كافر لأنه اذا ألقى البذر في الارض غطاه بالتراب(16) ". وفي موضع اخر يؤكد ابن الانباري معنى الغطاء في قول المتلمس:
وألقيتها بالثني من جنب كافر كذلك اقنو كلّ قط مضلّل
فقد قال ابو عمرو - بن العلاء – " كافر: نهر بالحيرة، وقال غيره: كافر نهر قد ألبس الارض وغطاها، ويقال للسيل كافر، لأنه يلبس كل شيء ويغطيه(17) "، وتلاحظ الاصول السامية متوافقة في الجانب المادي من الاصل اللغوي، وفي السريانية: : قرية و : كافر جاحد)(18)، ولقد ظل الاستعمال المتعلق بالزراعة مستمرا حق العصر الحديث على شكل اسم
ص295
للتجمعات السكانية حول مناطق زراعية في ارجاء شتى من الاقطار العربية ففي مصر تكثر تسمية(كفر): كفر الدوار، كفر الزيات، وكذلك في سورية لدينا تسميات(كفر تخاريم في المناطق الشمالية) و(كفر سوسة، وكفر بطنا حول دمشق)، وهكذا يعايش المعنى الذهني الدلالة المادية في بعض صورها، ولا يلغي الجديدُ القديم.
ويرينا النقاد ضرباً اخر من التحول اذ يمثل المنطلق بعض اجزاء الجسم فهي تحمل خصائص فيها دلالات مميزة تتنامى وتتخذ لها صيغا واشتقاقات تجمع بين الاصل المادي، والدلالة التجريدية الذهنية - النفسية - ويشرح لنا ابن الانباري بيت عرو بن كلثوم:
تريك اذا دخلت على خلا، وقد امنت عيون الكاشحينا
" فالكاشحون: هم الاعداء واحدهم كاشح، انما قيل له كاشح لأنه يعرض عنك ويوليك كشحه، و الكشخ والخصر والقرب واحد وهوما يلي الخاصرة، وقال اخرون: انما قيل للعدو كاشح لأنه يضر العداوة في كشحه، ويؤكد هذا الراي ابن النحاس في شرحه(19) وقالوا انما خص الكشح لان الكبد فيه فيراد ان العداوة في الكبد، ولذلك يقال عدو اسود الكبد اي شديد العداوة قد احرقت كبده(20)، ويسهم ابن جني في هذا السباق، فيذكر انتقال الدلالة للفظ( شفاف ) من الغلاف الرقيق المحيط بالقلب الى الحب والشق بعد الافادة من الاشتقاق باستعمال فعل من المادة اللغوية الاولى في بيت المتنبي:
الى ذي شيمة شغفت فؤادي فلولاها لقلت بها النسيبا
( فشغفت ) _ اي غلب على قلبي حبها. يقال شغف الرجل فهو مشغوف،
ص296
وهو قد شغفها، وبالكسر على وزن عشقها ومعناها واحد، وقضوا ايمنا: شغفها بالغين معجمة وفسروه: بلغ حبه شغاف قلبها وهو قميص القلب وغلافه(21).
وتعرف المجتمعات البشرية في اوليتها الربط بن اعضاء الجسم والانفعالات لكنها تحتفظ بها مع التطوير الذي يلحق بها، ويخبرنا يوجين نيدا ببعض ما استطاعت الدراسات ان تحصيه من هذه العلاقات لدى القبائل والشعوب التي تحيا حياة اقرب ما تكون الى الاشكال الاولى للمجتمعات البشرية، فعلى سبيل المثال يتكلم سكان الموسيس في فولتا العليا عن معظم الحالات العاطفية في ضوء القلب( مثلا: القلب عذب تعني الفرح، القلب متلوف تعني الحزن. والقلب متعتم تعني الخنوع، والقلب مجدب تعني الغيرة )، وفي لغة الكونوب في غواتيمالا تعتبر الامعاء مركز الحياة العاطفية، وفي لغة المارشال في ميكرونسيا يوصف عدد من الحالات النفسية استنادا الى الحنجرة، وفي بعض اللهجات الميلانسية في نيوكاليدونيا يعتبر الجلد عضوا مهما في الحياة الوجدانية وفي لغات اخرى خفيضة يمكن ان تستعمل المرارة والكل والاحشاء كعناصر مركزية في وصف الحالات النفسية(22) وعلى العموم فان ردود الفعل الجسدية بينة في المجتمعات القديمة والحديثة، ولكنها تظل محدودة مع التفريعات والابتكارات اللغوية، وللعربية قدرتها على التوليد والخلق بعد ان تجعل الكلمة المادية بؤرة تشع الاستخدامات المختلفة.
ومن امثلة ابن الانباري ما جاء حول الغلو وانتقاله من الارتفاع المكاني او المحسوس عموما الى المجرد الذهني ويكاد يكون المسالة متدرجا من المعنى المجرد الى المحسوسات اي بعكس ماهي عليه في اللغة تاريخا، وما هذا من الشارح الا
ص297
استجابة لمتطلبات عرض السياق أولا ثم استيفاء جوانب الدلالات فالحارث بز حلزة يقول:
ان اخواننا الاراقم يلغو ن علينا في قولهم احفاء
فقوله( يغلون علينا ) معناه يرتفعون علينا في القول، ويظلموننا، ويحملوننا ذنب غيرنا، ويطلبون ما ليس لهم بحق. واصل الغلو في اللغة: الارتفاع والزيادة. قال الله عز وجل ( لا تغلوا في دينكم غير الحق )( المائدة 5/ 77 ) اراد لا تجوروا ولا ترتفعوا عن محجة الطريق، وجاء في الحديث " من اجلال الله عز وجل اجلال حامل القران غير الغالي فيه، والجافي عنه، واعظام ذي الشيبة المسلم " اراد غير المرتفع عن محجة القصد. ويقال: غلا السعر اذا ارتفع وزاد. ويقال غلا الصبي اذا شب وزاد. ويقال غلا النبات يغلو اذا طال، ويقال فعل ذلك في غلو شبابه اي في اوله وزيادته. قال عبد الله بن قيس الرقيات:
لم تلتفت للداتها ومضت على غلوائها
اي، سبقت نظراءها في السن، وزادت عليهن(23)، وكذلك يشرح انتقال فكرة التقويم من الدلالة الحسية في الرماح الى امور ذهنية، فالثقاف في قول عمرو بن كلثوم:
اذا عض الثقاف بها اشمأزت و ولتهم عشوزته زبونا
هي ما تقوم به الرماح، وقد قال عبد الله بن مسعود( رضي الله عنه ): اعربوا القران فانه عربي، فانه سيجيء قوم يثقفونه وليسوا بخياركم( فمعنى يثقفونه يقومون
ص298
حروفه كما يثقف المثقف الرمح ) وهنا تظهر المشابهة بين استواء الرمح وصلاحيته، وما تكون عليه الافكار والالفاظ من صحة وافادة دون خلل او انحراف عن القصد.
وينفرد ابن النحاس كذلك بأمثلة نذكر منها تحديده الاصل المادي لمعنى السيادة في(البعل) والبعولة. فبيت عمرو بن كلثوم يثير المسالة:
اخذن على بعولتهن عهدا اذا لاقوا فوارس معلمينا
" اذ البعولة ههنا في النص: الازواج، واحدهم بعل. واصل البعل في اللغة ما علا وارتفع، ومنه قيل للسيد بعل، قال اله عز وجل:( أتدعون بعلا وتذرون احن الخالقين ) [الصافات 37 / ١٢٥ ] اي أتدعون ما سميتموه سيدا. ومنه قيل لما روي بالمطر بعل(24) ".
وان مراجعة هذه المادة في اللغات السامية تؤكد معنى العلو والارتفاع فيها، فاللفظ متداول على انه من اسماء الالهة المعروفة حق عند الامم العربية القديمة التي ذكرها القران الكرم كما يشير الى ذلك صاحب القاموس المحيط " بعل: صنم كان لقوم الياس عليه السلام " ويورد الآية التي استشهد بها ابن النحاس: (أتدعون) الاية... وان الدلالة على الارض المروية بماء المطر دليل على الاتصال بين بعل(الاله) والعال (السماء) حيث تتكون السحب والامطار وتهطل، ومن ثم تتطور الدلالة الى معنى السيادة والهيمنة المجردين اللذين ينعكسان في اشكال اخرى ترتبط بالزوج، والسيد، وصاحب الشيء، وليس في الامر اي تعارض بين المعنى المقدس(بعل) والاستعمالات الاقل شانا، وذلك ان لفظا اخر تزدوج فيه دلالتان واحدة قدسية واخرى عادية: الرب، فثمة ايضا: رب الاسرة،
ص299
ورب العمل، وربة البيت، وان يكن صاحب القاموس المحيط يذكرانه لا يطلق باللام. اي مع اداة التعريف. لغير الله عز وجل(25).
وفي بيت عنترة:
طورا يجرد للطعان وتارة يأوي الى حصد القسي عرمرم
يفسر الطور بالمرة والوقت، ونجد البداية المادية لهذا المعنى المجرد في سياق شرح اية( وقد خلقك اطوارا )( نوح 71/14 )، واصل هذا من الناحية: ما يمر بطوار الدار اي بناحيتها، وجاز فلان طوره اي ناحيته وحده(26).
وفي جانب اخر يشرح ابن جني الاصل المادي لمعنى قريب كل القرب مما ذكره ابن النحاس، فان(تارة) في بيت الهذلي:
حين السيوف بأيدي القوم ناصلة تصدر منهم وفيهم تارة ترد
ينبغي ان تكون عينها واوا اشتقاقا وقياسا، اما الاشتقاق، لأنها من معنى( التور ) اي الرسول والتقاؤهما ان الرسول من شأنه ان يذهب ويجيء، والتارة هكذا معناها فهي ترد الشيء، طورا كذا(27)، فمن الحركة المرتبطة بالرسول والرسالة يرى ابن جني منطلق المعنى الذهني لـ( تارة ).
ويعرض ابن جني مثالا اخر فيه انتقال المعنى الحسي بواسطة المشابهة الى الدلالة الذهنية، ذلك ان رواية لفظ( نلحاك ) بالحاء تستدعي قوله بأن " فيه لغتين: لحوت، ولحيت لحوا ولحيا، ثم يقول وغصن ملحو وملحي، ومنه
ص300
- اخذ - تلاحى الرجلان اي تشاتما، وكأن كل واحد قشر صاحبه(28) فهنا نرى ان الغصن يزال لحاؤه عنه فهو ملحو، والرجل يغيب ذكر فضائله فهو ملحو كذلك وبذا يستقيم معنى لمن يشتق الفعل: تلاحى، ولحاه.
ب - لقد وقفنا في النماذج السابقة كل عبارات واضحة في بسطها للانتقال بين المجالين الحسي والذهني، وفي هذه الفترة سنورد امثلة لمجموعة من المفردات لم ينص فيها ذلك النص الصريح ولكنها تومئ الى التحول اوهي في احيان تترك لنا المواد في حيز متقارب يسهل التصور فيه لذاك التحول، وقد اثرت ان افردها. حتى في الجداول الملحقة بالفصل - ليكون امر مناقشتها لدى الدارسين ميسورا، فنعن نتناول مسالة ذات اهمية في التاريخ لتطور الدلالة في العربية.
وابن الانباري يسرد عددا من الدلالات لمادة( ج ل و ) في عرضه لبيت امرئ القيس:
الا ايها الليل الطويل الا انجلي بصبح وما الاصباح منك بأمثل
وينقل أولا عن يعقوب بن السكيت قوله:(الا انجلي) اي الا انكشف، والامر الجالي: المنكشف ثم يشرح العبارة المشهورة( انا ابن جلا ) فهي: انا ابن المنجلي: الامر المشهور وغير المستور " وتتابع الدلالات فـ(الجليلة): الامر المنكشف، ومنه جلوت العروس جلاء وجلوة، جلوت السيف معناه كشفته من الصدأ ويقال جلا القوم عن منازلهم جلاء اذا انكشفوا عنها. وقال الله عز وجل،( ولولا ان كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا )(29) ( الحشر 59/3).
ص301
ولنا بعد هذا العرض الذي لا يحرص فيه ابن الانباري على الترتيب في الاشتقاق مبنى ومعنى ان نتصور الحلقات المتتالية لتطور الدلالة بحسب معطيات الحياة العربية القديمة، ومسلكنا هذا يسوغه ان اللغة مرتبطة اشد الارتباط بالحياة الاجتماعية، وما يتصل بها: فأول المراحل هي المتعلقة بالسيف ورفع الصدأ عنه والعروس وزينتها فهي تبدل هيئتها في ذاك اليوم المميز الحافل بالبريق والالوان الزاهية، والمرحلة الثانية حسية كالأولى، وفيها تظهر الديار التي جلا عنها اهلها خاصة اوقات الغازات والحروب فهي تبدو كالسيف الصقيل اضافة الى معنى الازالة بفضل القوة و الغلبة كما يكون الشأن في ازالة الصدأ واوضار الصحراء والعمل في حالة العروس، والمرحلة الثالثة هي: التجريد الذهني المرادف للوضوح والظهور. في بيت عمرو بن كلثوم:
ونحن الحاكمون اذا اطعنا ونحن العازمون اذا عصينا
يشرح ابن الانباري المعنى السياقي، فنحن الحاكمون معناه: نحن الذين نمنع الناس من كل ما لا ينبغي لهم الدخول فيه، ثم يروي، المعاني الدائرة حول المادة( ح ك م ) فعن ابن الاعرابي انه يقال: قد احكمت الرجل اذا رددته عن رأيه ويقال: احكم بعضم عن بعض " اي اردد بعضم عن بعض. ويقال: إنما سميت حكمة الفرس حكمة لأنها ترد من غربه اي من حده. ويقال قد حكم الرجل يحكم اذا تناهى وعقل "(30).
وفي هذه المسالة انتقال من المحسوس الى المجرد الذهني، فالدلالة في صورها الاولى افا اتصلت بالضبط والتنظيم للأشياء فيما بينها ومن ذلك( حكمة الفرس التي تضبط حركته خاصة وان مظنة الدمج بين اصلين ثنائيين قائمة بين( حك، وكم = حكم) فالصوت المنبعث من الحك والاحتكاك، وكذلك من التكميم
ص302
يتوافقان مع وظيفة الحكمة، والمرحلة الثانية حسية ايضا اذ يشتهر بعضهم بمهارتهم وقدرتهم على تنظيم الاشياء و يتأدى هذا الى المعنى الذهني المرتبط بالعقل والتفكير مع ما للعقل من ارتباط بالمعاني الحسية(عقل الناقة: ربطها ).
ولدى ابن النحاس امثلة يمكننا تحليلها لنشير الى الاصول الحسية التي تفرعت منها المعاني المجردة الذهنية، ودليلنا هنا كذلك القرائن المستمدة من حياة الجزيرة العربية في عهود النشأة والنمو للعربية وتستوقف الناقد كلمة(شطط) في قول الاعشى:
لا ينتهون ولا ينهى ذوي شطط كالطحن يهلك فيه الزيت والفتل
فيقول: " الشطط: الجور. والفعل منه اشط، ويقال شطت داره اذا بعدت "(31)، واننا اذا رجعنا الى القاموس المحيط وجدنا ان(الشط) شاطئ النهر جمع شطوط. وشطان، والشط بلدة باليمامة، واشط في المفازة ذهب ؛ وهذا يرجح اذ الرمز اللغوي انصرف في البدء الى المحسوسات، فسواحل البحر والانهار بعيدة عن قلب الجزيرة واوسطها، والرحلة اليها بعيدة حتى لتقترن بالهلاك(المفازة) لكثرة احتمالات الضياع في السفر البعيد، ويمكننا تصيف مراحل الدلالة كالتالي: 1- الشط اخر مكان للإنسان قبل الخوض في الماء 2- بيته على الشاطئ - الشط وقد شط اي بعد ٣ - الشطط: الايغال في التصرفات والاحكام( المعنى الذهني ).
وفي رواية لبيت عرو بن كلثوم:
باي مشيئة عمرو بن هند تطيع بنا الوشاة وتزدرينا
ينتهي البيت بكلمة(يزدهينا ) في رواية فيشرح ابن النحاس المعنى
_______________________
(31) شرح ابن النحاس 726.
ص303
السياقي: زهى فلان علينا، وازدهى بنا اذا تكبر علينا، ويقال " زهاه الله اي جعله متكبرا "، ثم يروي عن الاصمعي انه يقال " ازهى النخل اذا ظهرت صفرة ثمره، وحمرته. ولا يعرف زها النخل بغير الف. وذكر غير الاصمعي: " زهى البسر اذا احمر او اصفر(32) ". ونحن نرجح هنا الانتقال من الدلالة الحسية( ازهى النخل، و زهى البسر):
ففي هذه الحالة ينتقل الجمال والعلو - الى المجرد الذهني: الخيلاء والتكبر، مرورا بمرحلة يرتبط فيها التكبر بالهيئة المميزة( الملابس، والزينة كزهو الزهر والثمر في عليائه وتفرده).
ويعرض ابن جني في بيت ابي صخر الهذلي:
تجلو عن اوجه جنة وكشوحها اوعن مها بلق بجو باقل
لصياغة لفظة( مها ) ويستعرض عددا من الدلالات يستنتج منها انتقال الدلالة في الاصل اللغوي( م و ه ) من الماء الى التحسين، ومن ثم الى الخداع والتضليل: فألف ( مها ) واو لأنه في الاصل: البلور، ويقال الى البلور، ثم شبه النجوم بها وبقر الوحش ايضا لبياضهما، ويدل على ان الف(مها) بدل من واو انه معنى الماء لبياض البلورة وصفائها. " وقد قالوا: موهت علي اذا حسن حديثه وجعله كان عليه ماء(33) ".
ولنا ان نتصور انتقال صفاء الماء والبياض المنعكس الى البلورة ثم الانتقال الى الصيغ القريبة كالماوية: المرآة، وكذلك الى بقر الوحش لبياضها فتسمى(مها) وبعدها يكون الانتقال الى المعنى المجرد: الخداع والتضليل سائغا.
ص304
ويقف ابن جنى امام لفظ(طمام ) في بيت من ارجوزة ابي نواس الرائية:
يممن من جنبي هجر اخضر طمــــــــــام العكر
فيقول: " طمام مرتفع بزنه( فعال ) من الطم، ومنه الطامة وهي(فاعلة) من هذا المعنى، ومنه قيل: هذا اطم من هذا اي ارفع منه واعظم(34) " ونستدعي بعض الاستعمالات يوردها صاحب القاموس " فالاطم: القصر وكل حصن مبني بحجارة، وكل بيت مربع سطح، واطم على البيت ارخى ستوره، واطم بابه اغلقه، وتأطم الهودج ستره بثياب(35) " وهنا يرجع تفريع المعنى المجرد الذهني من المادي الحسي خاصة وان( الطامة ) انتقلت من الوصفية الى الاسمية فكأنما المصيبة طامة، اي بالغة مدى بعيدا وكبيرا و مغطية كل ما عداها من الظواهر وامور الحياة، ومن ثم تحولت الصفة الى الاسمية.
وفي نهاية هذه الامثلة نلحظ ان ميزة العربية في الاشتقاق واشتجار علاقاته بارزه في معظم المواضع التي ذكرناها، فلير الامر مقصورا على مفردة تتحول من مجال حشي الى اخر ذهني مجرد، وإنما هو الاصل اللغوي فتتسع الاحتمالات لفروع اشتقاقية وتستوي في الاهمية الاسماء المصدرية، والافعال، والاسماء المشتقة في كونها منطلقا لتحول الدلالة - وان ما يخالف هذه القاعدة من ورود التحول خاصا بمفردة لا تنعكس على اصل المادة قليل بالقياس الى معظم الحالات( التارة، الطور، بعل ).
ولنا تحليل لاستعانتنا في شرحنا وتحليلنا بمواد لغوية من القاموس المحيط،فهو يمثل حصيلة اللغة العربية الفصحى في حدودها الاحتجاجية التي
ص305
________________
(1) اللغة والفكر، نوري جعفر 59 الرباط، 1971 م مكتبة التومي.
(2) الاصوات والاشارات، كندراتوف، ترجمة شوقي جلال 14، الهيئة العامة للكتاب القاهرة 1972.
(3) الاصوات والاشارات ٧٨ .
(4) الصاحبي في فقه اللغة. احمد بن فارس ٧٩ - ٨١ .
(5) الصاحبي ٨١ .
(6) الصاحبي ٩٤ .
(7) قاموس سرياني، كوستاز 141،181.
(8) القاموس المحيط( ٤ / ١٩٣ - 1٩٤ ).
(9) ينظر في الشعر والشعراء لأبن قتيبة(1/ ٣٠٥) ، حيث يقول الاصمعي: " الشعر نكد باب الشعر، فإذا دخل في الخير ضعف، هذا حسان بن ثابت فحل من فحول الجاهلية، فلما جاء الإسلام سقط شعره ".
(10) الصاحبي. احمد بن فارس ٩٠ .
(11) الموضحة للحاتمي ٦٠ .
(12) الفسر الصغير لابن جني ٢٤٨ ب.
(13) شرح القصائد التسع المشهورات، ابو جعفر بن النحاس ٢٧٦ .
(14) شرح القصائد التسع. ابن النحاس ١٣٥ .
(15) شرح القصائد التسع لابن النحاس ٤٠٢-٤٠3
(16) شرح القصائد السبع لابن الانباري ٥٦٠ .
(17) شرح ابن الانباري ١٢٤ .
(18) قاموس سرياني ١٦١ .
(19) ابن النحاس 620.
(20) شرح ابن الانباري 378.
(21) الفسرالكبير، ابن جني،( ١ / ٣١٧ ).
(22) نحو علم للترجمة،( يوجين أ. نيدا ) ١١٦ .
(23) شرح ابن الانباري 404.
(24) شرح ابن النحاس 675.
(25) القاموس المحيط مادة( ب ع ل )،( ر ب ب ).
(26) شرح ابن النحاس 506 .
(27) النمام في شرح بقية اسعار هذيل، ابن جني 3 ١٢ .
(28) التمام، ابن جني 22-23.
(29) شرح ابن الانباري 77.
(30) شرح ابن الانباري 410.
(32) شرح ابن النحاس ٦٥١ .
(33) التمام - ابن جني ١٨٥ .
(34) تفسير ارجوزة ابي نواس، ابن جني ١١٤ .
(35) القاموس المحيط ( ٤ / ٧٥ ).
اثبتنا ابعادها في الفصل الاول مما يجعل صنيعنا غير بعيد عن اطار القرن الرابع والمادة اللغوية المتداولة لدى النقاد واللغويين.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|