أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-9-2017
2796
التاريخ: 6-9-2017
2468
التاريخ: 6-9-2017
2530
التاريخ: 3-9-2017
25564
|
حادثة وقعت قبل ثلاثين سنة سأرويها لمن يبحثون عن الشفاء وقد اعيتهم الحيل وعجز عن علاجهم الطب...
أجل؛ إنّي سأروي لكم أفضل علاج مهما كان المرض، بيد أنّ ثمة شرط وحد في تأثيره، وهو أن تكون معتقداً تماماً وعارفاً تماماً بأهل بيت العصمة والطهارة، ومرتبطاً ارتباطاً وثيقاً فكرياً ومعنوياً بالمنبر الحسيني، فتتوسل حينئذٍ بسيدة نساء العرب أم البنين (عليها السلام) وأولادها الشهداء إلى الله وتدعوه للشفاء...
إيه يا عراق.. ويا مدينتي الحبيبة الكوت.. ويا حيّنا الذي كان تملأه صراخات الطفولة الوديعة.. ويا تلك البيوت المتراصة التي تحمل لنا الذكريات الحلوة.. ويا تلك الدموع التي كانت تسيل في المآتم وتلك المسوح التي تغشى أبدان الناس في أيام المحرم.
.. أيتها الكوت.. لقد عادت اليّ ذكرياتك وقد غمرتني ضلال الشيخوخة، وبانت على تجاعيد وجهي آلام الصراع الممض مع الغربة والتشريد.. لقد تصرمت أيامنا الحلوة الوادعة التي قضيناها على تربك الطاهر....
هل لا زلت تتذكرين فلاناً وفلاناً وفلاناً..؟
هل لا زلت تحملين ذكريات الشهر الكريم شهر رمضان حينما كان يغير كل معالمك، ويقلب ليلك نهاراً ونهارك ليلاً، فيقشع النور الظلام في كلّ أرجاءك...
أتتذكرين كيف كان الناس يجتمعون أقرباء وغرباء، جيران وغيرهم؛ ليزوروا حاجاً عاد تواً من زيارة بيت الله الحرام، ويجتمعون في منزل الحاجة أم عبد الأمير حيث يقام هناك مجلس العزاء في العشرة الثانية من شهر المحرم الحرام، فيخشع الجميع وتدمع عيونهم ويختم المجلس بذكر مصاب أم البنين (عليها السلام)، ثم ترتفع الأصوات بالدعاء والأيدي بالابتهال وينفض المجلس....
أيتها الكوت.. يا مدينتي الحبيبة.. هل لا زلت تتذكرين تلك العائلة التركية السنة التي كانت تتقزز من الشعائر الحسينية وتكرهها أشدّ الكراهية؟!
وكان فيهم فتاة اسمها وزيرة كانت قد تزوجت منذ عشرة سنين ولم يرزقها الله ولداً، وكانت عقيماً، فالتف حولها نساء من البلد وقالوا لها: وزيرة لماذا لا تتوسلين بأم البنين (عليها السلام)، فأجابت وزيرة: لا فائدة في ذلك أنا أعلم؛ لأن علم الطب عجز عن علاجي والأمر مستحيل، وقد استعملت الأعشاب الطبية، وراجعت علماء الطب القديم، وصمت صوم زكريا، ولا من فائدة.
فقالوا لها: لا تيأسي من روح الله فانّ كلّ من أكل من زاد أم البنين (عليها السلام) وتوسل بها إلى الله فان الله يجيب دعوته، وما يضرك أن تفعلي أنت ذلك، فلعل الله يرزقك ببركتها بنتاً فتسميها فاطمة تيمناً بها، فماذا تقولين؟!
وظلت وزيرة شابحة البصر تحدّق فيها والسكوت يخيم عليها، وفجاءة مزق لسانها الصمت وقالت بصوت متحشرج مرتعش: أجل ولكن بشرط أن يبقى الأمر بيننا ولا يطلع عليه أحد من أهلي وذوي زوجي، بل وحتى زوجي أيضاً.
فقالوا: لا بأس عليك إذهبي الآن واحضري في يوم غد أو بعد غد في بيت الحاجة وستسمعين الخطيب وسيختم المجلس بذكر أم البنين (عليها السلام).
فودعتهم وزيرة ودرجت عائدة إلى البيت، وهي تفكر في أمرها وماذا ستفعل؟! فدلفت إلى البيت وجبال الهموم تتراكم عليها والعبرات تتكسر في صدرها، وأنفاسها المتلاحقة تعدو أمامها، وقلبها الخافق يكاد يمزق شفافه، فانتبه أهل البيت من نومهم وتعجبوا من أمرها فسألوها: ما الخبر يا وزيرة؟ ماذا حدث لك؟ فأجابت: لا شيء.. لا شيء، ولكنها أحسن بالاختناق، فراحت تفتح النافذة لتبدد وحشتها وفزعها وفرحها وحزنها بين سقسقة العصافير وحفيف سعف غابات النخيل، فتستنشق نسيم دجلة الفواح وينعشها أريجه.
وزيرة تسمع الخطيب:
خرجت وزيرة من بيتها والخوف يحاصرها والرعب يلاحقها، وقد تقنعت بقناع وغطت وجهها لئلا يعرفها أحد، واتجهت إلى بيت الحاجة أم عبد الأمير وهي تتصبب عرقاً من الحياء والخوف والاضطراب، وكلما اقتربت من البيت تتضح نبرات صوت الخطيب وتتسرب إلى مسامعها لتنقذها من كابوس العقم وصراع النفس، وتبعث فيها الأمل في الحياة.
ودخلت وزيرة والخطيب في بدايات المصيبة، فلمّا علا صوت النساء بالعويل والبكاء أحست بالهم بداخلها والحزن يستولي عليها إلّا أنّ عينها لا زالت هامدة؛ لأن الخطيب كان قد قطع كلامه، وبعد لحظة عاد ليقول: إنّا لله وإنا اليه راجعون، وأخذ يتكلّم عن شخصية أم البنين وآبائها وأجدادها وفضائلهم وفضائلها ثم قال: قال الشاعر الشيخ أحمد الدجيلي: وأخذ يتلو أبياتاً بأشجى لحن وصوت حزين:
أم البنين وما اسمى مزاياك ... خلّدت بالعبر والايمان ذكراك
أبناءك الغرّ في يوم الطفوف قضوا ... وضمنوا في ثراها بالدم الزاكي
لما أتى بشر ينعاهم ويندبهم ... اليك لم تنفجر بالدمع عيناك
وقلت قولتك العظمى التي خلدت... إلى القيامة باقٍ عطرها الزاكي
أفدي بروحي وأبنائي الحسين إذا ... عاش الحسين قرير العين مولاك
وقال السيد محمد كاظم الكفائي:
أم على أشبالها أربع ... جاءت لبشر وبه تستعين
وتحمل الطفل على كتفها ... تستهدي فيه خبر القادمين
ملهوفة مما بها من أسى ... ترى بذاك الجمع شيئاً دفين
فقال يا أم ارجعي للخبا ... وابكي بنيك قتلوا أجمعين
فما انثنت وما بكت أمهم ... وخاب منه ظنه باليقين
كأنّها الطود وما زلزلت ... وحق أن تجري لهم دمع عين
فقال يا أم البنين اعلمي ... بأن عباساً قتيلاً طعين
قالت طعنت القلب من فقل ... النفس والدنيا وكل البنين
نمضي جميعاً كلنا للفنا ... نكون قرباناً فدىً للحسين
وقال الشيخ محمد علي اليعقوبي:
وإن أنسى لا أنسى أم البنين ... وقد فقدت ولدها أجمعا
تنوح عليهم بوادي البقيع ... فيذرى الطريد لها الأدمعا
ولم تسل من فقدت واحداً ... فما حال من فقدت أربعا
اغرورقت عين وزيرة بالدموع، ومن ثم هملت وأجهشت بالبكاء، وانتهى الخطيب من نياحته ودعا للحارين والغائبين وللمرضى وغيرهم كالعادة، وفرشت سفرة أم البنين (عليها السلام) وتقدّمت النساء - وكان فيهن من ذوات الثراء - يتبركن بزاد السيدة، وكانت النساء بشكل حلقات حول الطعام يتناولن ويطلبن المراد، والشفاء تتمتم بالدعاء للمرضى وذوي الحاجات، والقلوب مفعمة بالرجاء وواثقة بالاستجابة، وامتدت يه وزيرة مرتعشة ترتجف كالسعف إذا اشتدّ به الريح، وتناولت شيئاً من الطعام المصفوف على السفرة وخبأته تحت عباءتها وخرجت مسرعة، ولا زال الدمع يغسل وجهها، وذهبت إلى البيت وانتظرت حتى إذذا غطى الظلام كلّ شيء أخرجت الطعام ودعت اليه زوجها فأكلا معاً.
وبعد شهر واحد:
بعد شهر واحد من دموع وزيرة على أم البنين (عليها السلام) ورجاءها الواثق وتوسّلها أخذ الشحوب يطلي وجهها ويصفر لونها، والدوار يثقل رأسها، وبدأت تشعر بشيء من الألم في صدرها، وعزفت عن الطعام، وصارت تحاول الابتعاد من زوجها، وصار النوم لا يكحل عينها إلّا قليلاً، وصارت تفرّ من التجمعات، وتهرب من أي مكان فيه لغوب وصخب، وكلّما أنيطت بها مهمة وكلّفت بعمل تتثاقل ولا تنجزه إلّا بمشقة، وأخذت تعاني من القي الذي يفاجئها المرة تلو الأخرى.
وبقي زوجها حيران لا يدري ما يفعل، فسألها والقلق يحطم أعصابه: وزيرة ماذا دهاك يا وزيرة؟ هل أنت مريضة؟
وتجيب وزيرة: لا أدري.
فقام بها زوجها إلى الطبيب، ودخل إلى المطب وصارح الطبيب بكلّ ما تعانيه زوجته وزيرة، ففحصها الطبيب بدقة ثم تبسم وقال: لا بأس عليك.. لا شيء يخشى منه إنّما هي علامات الحمل.. إنّها حامل، ولكي تطمئن يمكنك أن تأخذها غداً إلى المختبر لتعرف هناك الخبر اليقين.
فسحت دموع الفرح من عيون الزوج والزوجة على الرغم منها، وقال الزوج متلجلجاً يحاول تمرير الكلمات بين الدموع والعبرات: هل أنّك مطمئن سيادة الدكتور؟
فأجابه الطبيب ببرود الواثق: نعم.
وخيم الظلام مرة أخرى، فأثقل العيون وأغمض الجفون، وغطً الناس كلّهم في نوم عميق إلّا وزيرة وزوجها، فقد قلقل الشهادة أحشاءهم وهم يتطايرون من غصن إلى غصن، ويبنون لأنفسهم في كلّ لحظة ألف عش، ويصغون إلى زغاريد الصغير الذي سيملأ حياتهم حباً ونشاطاً وفاعلية، ويبعث فيهم الحياة من جديد، يستعجلون عقارب الساعة لينفلق الفجر فيفرحون، ويحاولون جرجرت قطع الليل لئلا ينتهي فتموت آمالهم في صدورهم، وباغتهم الفلق، فانتبهوا على ضجيج الناس وهم ينتشرون في الشوارع، فسارعوا إلى المختبر والآمال تسبقهم، ودخلوا المستشفى وقدّموا طلبهم وانتظروا فترة، ما كان أطولها في عمرهم، فنادت الممرضة باسم وزيرة فحبست الأنفاس في صدورهم، وخانتهم السيقان فلم تقوى على حملهم، فتحامل زوجها وتقدم نحو الممرضة، ووزيرة قعدت مكانها وتسمّرت إلى الأرض، فقال الزوج: نعم ما هي النتيجة؟ فنظرت الممرضة في الورقة وتبسمت وقالت: آسفة إنّها حاملة...
ليت الكلمات تستطيع أن تعبّر... طار من الفرح وهو يحاول أن يعيد قلبه النشوان إلى صدره، فصرخ وصرخ معه كلّ وجوده، وصرخت معه جميع خلايا جسمه: الحمد لله. الحمد لله. الحمد لله واحتضن وزيرة وهو يقول: لا أصدق يا وزيرة... لا أصدق. فارتسمت على شفتي وزيرة ابتسامة أمل نشوى، وأحست بأن كلّ معاناتها قد ذابت وصارت ذكريات.
وعاد الزوجان إلى البيت وسجدا شكراً لله، وذاع الخبر بين الناس، وسمع الأقرباء والجيران، ووزيرة تكتم نذرها لأم البنين مع الجنين وتحبسه في صدرها لئلا يكتشفه الأقربين.
وصارت تعدّ أيام الحمل فتتخيل الشهور التسعة تمرّ بخطى شيخ متهاود تجاوز التسعين، ولكنها تعيش لذة انتظار الجنين، وتتضايق من نصائح النساء ووصفاتهن بين الحين والحين، وبدأ القلق يساورها لمستقبل الطفل ووضع الحمل.
وفي الشهر الثالث من الحمل:
أحست بالآلام في بطنها وظهرها، فغرقت في الهموم مرة أخرى، ونقلت إلى المستشفى هذه المرة تحفّها نساء الأقرباء والجيران، وألقى الزوج بنفسه على يد الطبيب يقبلها ويتوسل اليه أن يصنع أي شيء ليحفظ الجنين ويحول دون سقوطه، ويجيب الطبيب: إنّ الأمر بيد الله أولاً وآخراً، وليس باليد حيلة، ولا دواء ناجع ولا طبيب نافع، ولكن عليها أن تستريح استراحة مطلقة وتبقى في المستشفى لمدة ثلاثة أيام.
فلمّا سمعت وزيرة أنّ الأسباب تقطّعت بها التجأت بحرقة وقلب مكسور إلى أم البنين وتوسّلت بها أن تعينها....
فأخذ الألم يتضاءل، وكأنّه نار تخمد أو ثلج يذوب، وعادت الابتسامة لترتسم على شفتي الزوج من جديد، وعادت الآمال والأمنيات، وارتفع الكابوس القاتل المقيت، حيث رجعت الوزيرة إلى بيتها لتكمل شوط الحمل....
وانقضت الشهور التسعة، وتصرّمت بأيامها وليالها، وساعاتها وثوانيها، وأطل الربيع بنداوة الحياة، أصاب الوزيرة ألم الطلق عند الفجر حينما كان المؤذن يرفع الأذان، فلمّا نادى المؤذن أشهد أنّ علياً ولي الله صرخت وزيرة: يا علي... ووضعت حملها سالماً سوياً، وكانت أنثى تحمل معها كلّ أمنيات الوالدين وأقرباءهم.
فقالت وزيرة: سموها فاطمة تيمناً بأم البنين (عليها السلام).
وخالفها أقرباء زوجها أشدّ المخالفة وقالوا: لابد أن تسمى عائشة.
ووقع الخلاف بينهما، فتدخل الوسطاء وأقترحوا حلّاً وسطاً، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فقالوا: سموها بشرى فاضطرت وزيرة إلى أن تكفر عن نذرها الذي حنتث به .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|