ماهية الدلالة (الاصطلاح في الدلالة اللغوية، ونظرية الاعتباطية في الدلالة) |
6608
05:20 مساءً
التاريخ: 5-8-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-9-2017
3179
التاريخ: 31-8-2017
4602
التاريخ: 28-4-2018
8491
التاريخ: 3-8-2017
5936
|
استقر لدى العلماء العرب مفهوم اجتماعية الدلالة اللغوية وعرفيتها، أي اكتسابها حركتها وفاعليتها بفضل (الاصطلاح) بين أبناء المجتمع اللغوي، وقد مر بنا قول ابن سينا: " إن الطبيعة الإنسانية محتاجة الى المحاورة لاضطرارها الى المشاركة والمجاورة (1) " وعرف ابن جني (320-392 هـ) اللغة بأنها: " اصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم (2) ".
وقد رأى أبو حاتم الرازي (ت 332 هـ) " أن كلّ شيء يعرف باسمه، ويستدل عليه بصفته من شاهد يدرك او غائب لا يدرك. وربما دُعي الشيء باسم لا يعرف اشتقاقه من أي اسم هو بل يكون مصطلحاً عليه، قد خفي على الناس ما أريد به، ولأي شيء سمي بذلك الاسم كقولك: الفرس والحمار والجمل والحجر وأشباه ذلك (3) ".
يشير ابن سينا الى السمة الاجتماعية والقيمة الاصطلاحية إذ يقول: " والدلالة بالألفاظ إنما هي بحسب المشاركة اصطلاحية (4) ". ونذكر أن الجدل قد طال في أمر الدلالة، هل هي توقيف وإلهام أم هي اصطلاح وعرف ؟ وأسهب السيوطي (5) في المزهر في عرض آراء المتحاورين الذين كان يذهب جمهورهم الى عرفية الدلالة، ففي (باب القول على اللغة أإلهام هي ام اصطلاح ؟ ) يقول ابن جني: " هذا موضع محوج الى فضل تأمل، غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل
ص17
اللغة إنما هو تواضع واصطلاح، لأوحي وتوقيف (6) وقد وضع تفسيرا للوضع اللغوي يوافق الآية الكريمة {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة 2/31] بأن الله سبحانه أقدر آدم على أن واضع عليها (7). ويفصّل الإمام الغزالي في كتابه ( المنخول) هذه المسألة بما يقرب من تأويل ابن حبي، مما يجعل قضية ( الاصطلاحية ( قائمة في آفاق الباحثين في اللغة والفكر والاجتماع.
أما اعتباطية الدلالة فهي ظاهرة في جانبين في البحوث العربية القديمة:
1. ذلك أن هذه الرموز اللغوية ( لفظية وكتابية) لا صلة بينها وبين مدلولها بشكل مادي أو لازم طبيعي، وإنما تقوم الصلة على أساس العرف اللغوي الاجتماعي، وقد أورد عبد القاهر الجرجاني عبارة دقيقة في هذا المجال عندما قال في دلائل الإعجاز (مما يجب إحكامه أن نظم الحروف هو تواليها في النطق فقط، وليس نظمها بمقتضى عن معن nولا الناظم لها بمقتفٍ في ذلك رسماً من العقل اقتضى أن يتحرى في نظمه لها ما تحراه. فلو أن واضع اللغة كان قد قال (ربض) مكان (ضرب) لما كان في ذلك ما يؤدي إلى فساد (8) ويرى في موضع آخر أن الدلالة تغدو متداولة في كل لغة بهذا الترابط الذهني القائم علي العرف بين الدال والمدلول، وعندها لا تفاضل بين دلالة لفظ (رجل) على الآدمي في اللغة العربية والكلة الدالة عليه في الفارسية مثلاً، لأن كلأ منهما تؤدي وظيفتها ولها شرعيتها اللغوية في مجتمعها اللغوية (9).
2. وأما الجهة الأخرى التي تؤكد أخذ جهور الباحثين بمفهوم اعتباطية
ص18
الدلالة فهي متمثلة برفضهم وردهم لقولة عباد بن سليمان الصيمري : (بأن الألفاظ تدل على المعاني بذواتها). فالمحققون - يقول السيوطي في المزهر- متوقفون في الكل إلا في مذهب عباد. ودليل فساده أن اللفظ لو دل بالذات لفهم كل واحد منهم كل اللغات لعدم اختلاف الدلالات الذاتية واللازم باطل، أي النتيجة، وهي أننا لا نفهم الألفاظ الأجنبية العديدة للأمم رغم أنها تدل على أشياء نعرفها، فمن لا يعرف الفرنسية أو الإنكليزية أو الإيطالية يسمع،l'enfant وboy و Bambino ويكون أمامه أطفال أو هو إن لم يرهم مباشرة يعرفهم ولا يستطيع الربط بين هذه الأصوات (الكلمات) ومدلولها )الطفل)، إذ لا علاقة طبيعية بين الصوت في كلمة وما يدل عليه، وإنما هو عرفي، لذا اختلفت الكلمات أصواتا وكتابة بين لغات الأمم. وههنا نذكر الإشارة الهامة التي اوردها ابن سينا وأكدها الغزالي، وهي ان الاشياء في العالم متماثلة، وكذلك انطباع صورها في التصور الانساني والخيال لدى كل منا، اما الالفاظ والكتابة فهي مختلفة. واعتقد ان ايراد هذه الحقائق العلمية في كتب القرنين الرابع والخامس يضع ركيزة نظرية واعية عند علمائنا العرب في مجال التحليل الدلالي وإرساء مفهوماته الجوهرية)، فالملزوم كذلك (10).
ويحاور السيوطي فكرة عباد الصيمري في موضع آخر من المزهر نورده لنظهر العلائق التي تربط الاهتمامات الفكرية بالمسائل اللغوية الدلالية، خاصة في هذا المجال من الدرس، وإثر عرضنا للمحاورة الجدلية ننتقل الى زاوية من البحث تلتبس بفكرة العلاقة بين الدال والمدلول مادة وصوتاً.
يقول السيوطي: " نقل أهل أصول الفقه عن عباد بن سليمان الصيمري من
ص19
المعتزلة أنه ذهب الى ان بين اللفظ ومدلوله مناسباً طبيعية حاملة للواضع على ان يضع، قال (عباد): وإلا لكان تخصيص الاسم المعين بالمسمى المعين ترجيحاً من غير مرجح. وكان بعض من يرى رأيه يقول: انه يعرف مناسبة الالفاظ لمعنيها، فسئل ما مسمى لفظة (إذغاغ) وهو بالفارسية: الحجر، فقال: أجد فيه يبساً شديداً، وأراه الحجر.
وأنكر الجمهور هذه المقالة وقال: لو ثبت ما قاله لاهتدى كلُ انسان الى كل لغة، لما صح وضع اللفظ للضدين: كالقرء للحيض والطهر، والجون للأبيض والأسود (11) ".
وقد التبس أمر الدلالة الصرفية بتصور لدلالة طبيعية للأصوات على المسميات (المدلولات) او على اجزائها لدى عالم جليل له آراؤه الفذة في درس العربية، إلا أنه في متابعة للرغبة العقلية لسبر أغوار اللغة وقع في هذا اللبس ؛ ونقدنا له ههنا يتطلع الى تنقية مبنية على البراهين العلمية التي أوردناها في الفقرات السالفة.
نحن نقول بتحليل للدلالة يجعلها
1- دلالة أساسية أو معجمية
2- دلالة صرفية
3- دلالة نحوية
4- دلالة سياقية موقعية
وهذه الدلالات تأتلف في كل متكامل يتأدى إلينا: فالدلالة الأساسية هي جوهر المادة اللغوية المشترك في كل ما يستعمل من اشتقاقها وأبنيتها الصرفية ؛ فـ (طحن) تدل على حركة وضغط لتحويل الحبوب الى مسحوق ناعم بالرحى
ص20
ويكون حقيقياً مباشراً ومن ثم حمل الدلالات المجازية المتعددة. ويدخل هذا المفهوم في أبنية صرفية كثيرة، ونلحظ فيها اضافة الى هذه الدلالة امراً مكتسباً من الوزن نفسه أي معنى الوزن. فالافعال تحدد بحسب أوزانها الحدث والزمن وتقرن بالفاعلين بعد (طحن، يطحن، سيطحن، اطحن)، و (طحان) المفعول للشيء المطحون، و (الطاحونة، والطحّانة) تدلان على آلات الطحن التي تدور بالماء (أو بسواه من حركة للثيران، أو في العصور الحديثة بوساطة المحركات النفطية والكهربية) ؛ وبعض الصيغ خصصت دالة على أجزاء من الجسم ترتبط بوظيفة التحويل من خشن الى ناعم، فـ (الطواحن) كما يقول صاحب لسان العرب: الأضراس كلها من الإنسان وغيره على التشبيه، واحدتها طاحنة (قال) الأزهري: كلّ سن من الأضراس طاحنة (12).
نلحظ من خلال الكلمات التي أوردناها ان القيمة الصرفية توجه المادة الاساسية وتضعها في مجال وظيفي معين، وهذا أمرٌ نستطيع متابعته وتقصيه في المصنفات الصرفية وكتب اللغة، وفيما تورده المعجمات في أُثناء بسطها لاستعمالات فروع كل أصل من الأصول.
وأما الإضافة الثانية فهي الدلالة النحوية، أي ان الكلمة تكتسب تحديداً وتبرز جزءاً من الحياة الاجتماعية والفكرية عندما تحل في موقع نحوي معين في التركيب الإسنادي وعلاقاته الوظيفية: الفاعلية، المفعولية، الحالية، النعتية، الإضافة، التمييز، الظرفية، فمثلاً: " خاطبت الطحّان في شأن تحسين عمله وزيادة مقدار إنتاجه " فكلمة " طحّان " في موقع المفعول به تبرز في جهة من العلاقة الاجتماعية هي موقع المحاسبة والمسؤولية. وهناك من يحاسبها أو يسألها.
ص21
والإضافة الثالثة وهي الدلالة السياقية، أي ما يكون قد طرأ على الكلمة من تطور دلالي بحسب القوانين التي ترصد حركة الألفاظ والدلالات في الزمان المتتابع بين العصور، وفي المجالات المختلفة من علمية واجتماعية وفنية فالكلمة تكتسب أبعاداً جديدة، أو تحصر في إطار خاص، أو تنقل إلى مواقع لم تألفها قبل، وهذا كله يتناول في الفصول التالية في كتابنا هذا، ولكننا نورد شواهد سريعة ههنا، فنقول بعضهم: ( إن الأزمة الطاحنة في سوق الأوراق النقدية تجعل أصحاب رؤوس الأموال يحجمون عن تداول جزء من أرصدتهم فيها)، يستوقفنا عند (الطاحنة) ، وندرك مجازيتها التي غدت منتشرة ودالة دلالة معرفية هي (الشديدة).
وكذلك عندما يتحدث أرباب الصناعة فيقولون : ( إن عددا من المصانع المخصصة لمنع الحديد تشمل على مطحنة للسيارات القديمة والآلات المعطلة، وان إنتاجها قد يختلف نوعيا من المؤسسات الصناعية التي لا تدخل في مصنوعاتها الحديد القديم بعد تحويله) ندرك أن (المطحنة) تدل على أجهزة حديثة تستخدم في كل صناعي حديث مواده الحديد مما لم يكن مألوفاً قديما لعمل الطحن.
خصص ابن جني باباً لدراسة العلاقة بن الألفاظ والمعاني وتبيان المناسبة بينهما، وكان التركيز الأول على القيم الصرفية ودلالاتها، فقال في (باب إساس الألفاظ أشباه المعاني) :
" هذا موضع شعريف لطيف ؟ وقد نبه عليه الخليل وسيبويه، وتلقته الجماعة بالقبول له، والاعتراف بصحته.
قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومداً فقالوا: صرّ، وتوهّموا في صوت البازي تقطيعاً فقالوا: صرصر.
ص22
وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على، الفعلان : إنها تأتي للاضطراب والحركة نحو: النقزان، والغليان، والغثيان. فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال.
ووجدت أنا ابن جني من هذا الحديث أشياء كثيرة على سمت ما حداه ومنهاج ما مثلاه. وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرير نحو : الزعزعة والقلقلة، والجرجرة، ووجدت (الفعلى) في المصادر والصفات إنما تأتي للسرعة نحو: البشكى والجزى.
ومن ذلك. وهو أصنع منه. أنهم جعلوا) استفعل) في أكثر الأمر للطلب، نحو استسقى، واستطعم، واستوهب... فرتبت في هذا الباب الحروف على ترتيب الأفعال (13) ".
وعندما يتوجه إلى زاوية مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث (14) يقع في اللبس، وينسب الى الأصوات الحروف دلالة تؤديها في الكلمة التي تدخل في تركيبها، وهذا مردود لأن قيمة الرمز اللغوي: الكلمة الدلالية عرفية باتفاق اجتماعي متتابع، ولا نستطيع أن ننسب قدرة دالة لكل حرف يؤلف هذه الكلمة، ذلك أن العبقرية العربية تجلت في النضج الأبجدي في أوغاريت (*)، إذ غدت الحروف )الأصوات) التسعة والعشرون أدوات بحق مجردة تدخل في تركيبات صرفية كثيرة، ومنذ الألف الثاني قبل الميلاد استقر هذا النهج اللغوي.
ص23
لابد لنا في هذا المقام أن نميز بن حالتين لا يستري الأمر فيهما. وقد تغيب الفروق عن بعض الدارسين وها:
1- الدلالة اللغوية بحب العرف اللغوي مع كل التطورات التي تطرأ عليما في الياقات المتعددة. وهذه مرصودة في المعجم وفي الاستعمال، ولا ينطبق عليها أي حديث عن صلة طبيعية بين الدال والمدلول.
2- الدلالة الفنية، والسياقية عامة، وههنا نجد أن كثرة استعمال كلمات بأعيانها في مجال اجتماعي أو علمي أو فني تورث انطباعاً يربط بين هذه الأجواء والرمز اللغوي توهماً أن هذا الصوت من الأصوات في الكلمة له صلة طبيعية بالحدث أو بالصفة أو الشيء من الأشياء. ومرد الأمر كما نرى إلى الاعتياد لا إلى حقيقة طبيعية كانت الدافع الى تشكيل الكلمة وتأليفها، واستعمالها في حالة الوضع اللغوي، إذ أن هذا الوضع يعتد الاعتباطية كما رأينا وتابعنا في أحاديث العلماء: ابن سينا، الغزالي...
ص24
_______________
(1) العبارة لابن سينا 1-2، وينظر كذلك في العبارة 5-4.
(2) الخصائص لابن جني (1/33)، تحقيق محمد علي النجار – دار الكتب المصرية.
(3) الزينة، لأبي حاتم الرازي أحمد بن حمدان (1/132)، تحقيق حسين فيض الله الهمداني بالقاهرة 1957.
(4) العبارة لابن سينا 4.
(5) المزهر في علوم اللغة العربية، لجلال الدين السيوطي (ت 911) ج (1/10 – 47).
(6)) الخصائص لابن جي (1/40-41).
(7)) المزهر للسيوطي ( (1/2 – 23) . وانظر (المنخول) للإمام الغزالي (70-71) باب القول في اللغات. تحقيق الدكتور حسن هيتو - دمشق 1٤٠٠/ 1٩٨٠ دار الفكر.
(8) ) دلائل الإعجاز، لعبد القاهر الجرجاني ٤٢ تحقيق د. رضوان الداية و د. فايز الداية - دمشق 1٩٨٣ .
(9) الدلائل، عبد القاهر ٣٩ .
(10) المزهر، السيوطي (1/16)، والعبارة الأخيرة تعني نقض قول ابن عباد: الملزوم وهو الدلالة الذاتية للألفاظ على المدلولات.
(11) المزهر للسيوطي (1/47). وكان ابن جني قد ناقش هذه المسألة وأورد ما ذكره السيوطي، ينظر الخصائص (2/157).
(12) اللسان مادة (طحن ).
(13) الخصائص، ابن جني (2/152 – 153)، والمزهر (1/48 – 49).
(14) الخصائص (2/157 – 165).
(*) إننا نقول – اعتماداً على الوثائق التاريخية والدلائل اللغوية – بصلة النسب العربية بين الأصول والإيبلائية والأغاريتية واليمنية، والمصرية القديمة، وسائر فروعها موصولة بالفصحى.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|