أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-1-2017
7396
التاريخ: 8-4-2021
3774
التاريخ: 16-11-2016
1755
التاريخ: 23-5-2017
2240
|
عن أبي سهيل التميمي قال: حج معاوية فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون يقال لها: دارمية الحجونية. وكانت سوداء كثيرة اللحم فأخبر بسلامتها فبعث إليها فجئ بها فقال: ما جاء بك يا ابنة حام؟ فقالت: لست لحام إن عبتني، أنا امرأة من بني كنانة، قال: صدقت أتدري لما بعثت إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب إلا الله، قال: بعث إليك لأسألك علام أحببت عليا وأبغضتني؟ وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك. قالت: أما إذا أبيت فإني أحببت عليا على عدله في الرعية، و قسمه بالسوية، وأبغضتك على قتال من هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحق، وواليت عليا على ما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاء، وحبه المساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى. قال:
فلذلك انتفخ بطنك وعظم ثدياك، وربت عجزتك؟ قالت: يا هذا بهند والله كان يضرب المثل في ذلك لا بي. قال معاوية: يا هذه اربعي فإنا لم نقل إلا خيرا، إنه إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها، وإذا عظم ثدياها تروي رضيعها، وإذا عظمت عجزتها رزن مجلسها فرجعت وسكنت، قال لها: يا هذه هل رأيت عليا؟ قالت: أي والله، قال: فكيف رأيته؟
قالت: رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك، قال: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم والله، فكان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطست قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟ قالت: أو تفعل إذا سألتك؟ قال: نعم. قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها، قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أغذوا بألبانها الصغار، وأستحيي بها الكبار، وأكتسب بها المكارم، وأصلح بها بين العشائر، قال: فإن أعطيتك ذلك فهل أحل عندك محل علي بن أبي طالب؟ قالت: سبحان الله أو دونه فأنشأ معاوية يقول:
إذا لم أعــــــد بالحلم مني عليكم *** فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحلم؟
خذيها هنيئا واذكري فعل ماجد *** جزاك على حرب العداوة بالسلم
ثم قال: أما والله لو كان علي حيا ما أعطاك منها شيئا، قالت: لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين. العقد الفريد 1: 162، بلاغات النساء لابن أبي طاهر ص 72.
- دخلت أروى بنت الحرث بن عبد المطلب على معاوية وهي عجوز كبيرة فلما رآها معاوية قال: مرحبا بك وأهلا يا خالة! فكيف كنت بعدنا؟ فقالت: يا ابن أخي لقد كفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك، من غير دين كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الاسلام بعد أن كفرتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنفس الله منكم الجدود، وأضرع منكم الخدود، ورد الحق إلى أهله ولو كره المشركون، وكانت كلمتنا هي العليا، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، وتحتجون بقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن أقرب إليه منكم و أولى بهذا الأمر، فكنا فيكم بمنزلة هارون من موسى، فغايتنا الجنة وغايتكم النار.
الحديث. العقد الفريد 1: 164، بلاغات النساء ص 27.
إن معاوية كان يقال إنه من أربعة من قريش: عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي. مسافر بن أبي عمرو. أبي سفيان.
العباس بن عبد المطلب. وهؤلاء كانوا ندماء أبي سفيان وكان منهم من يتهم بهند.
فأما عمارة بن الوليد كان من أجمل رجالات قريش.
وأما مسافر بن أبي عمرو فقال الكلبي: عامة الناس على أن معاوية منه لأنه كان أشد الناس حبا لهند، فلما حملت هند بمعاوية خاف مسافر أن يظهر أنه منه، فهرب إلى ملك الحيرة فأقام عنده، ثم إن أبا سفيان قدم الحيرة فلقيه مسافر وهو مريض من عشقه لهند وقد سقى بطنه فسأله عن أهل مكة فأخبره، وقيل: إن أبا سفيان تزوج هندا بعد انفصال مسافر عن مكة، فقال له أبو سفيان: إني تزوجت هندا بعدك فازداد مرضه وجعل يذوب فوصف الكي فاحضروا المكاوي والحجام، فبينا الحجام يكويه إذ حبق الحجام فقال مسافر: قد يحبق العير والمكواة في النار. فسارت مثلا، ثم مات مسافر من عشقه لهند.
وقال الكلبي: كانت هند من المغيلمات وكانت تميل إلى السودان من الرجال فكانت إذا ولدت ولدا أسود قتلته قال: وجرى بين يزيد بن معاوية وبين إسحاق بن طابة بين يدي معاوية وهو خليفة فقال يزيد لإسحاق: إن خيرا لك أن يدخل بنو حرب كلهم الجنة. أشار يزيد إلى أن أم إسحاق كانت تتهم ببعض بني حرب، فقال له إسحاق إن خيرا لك أن يدخل بنو العباس كلهم الجنة. فلم يفهم يزيد قوله وفهم معاوية، فلما قام إسحاق قال معاوية ليزيد: كيف تشاتم الرجال قبل أن تعلم ما يقال فيك؟ قال:
قصدت شين إسحاق. قال: وهو كذلك أيضا. قال: وكيف؟ قال: أما علمت أن بعض قريش في الجاهلية يزعمون أني للعباس. فسقط في يدي يزيد. وقال الشعبي: وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وآله إلى هند يوم فتح مكة بشئ من هذا فإنها لما جاءت تبايعه وكان قد أهدر دمها فقالت: على ما أبايعك؟ فقال: على أن لا تزنين. فقالت: وهل تزني الحرة؟ فعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر إلى عمر فتبسم.
- وقال الزمخشري في ربيع الأبرار (1) ج 3 باب القرابات والأنساب وذكر حقوق الآباء والأمهات وصلة الرحم والعقوق:
وكان معاوية يعزى إلى أربعة إلى أبي عمرو بن مسافر. وإلى عمارة بن الوليد.
وإلى العباس بن عبد المطلب. وإلى الصباح مغنى أسود كان لعمارة. قالوا: وكان أبو سفيان ذميما، قصيرا، وكان الصباح عسيفا لأبي سفيان شابا وسيما فدعته هند إلى نفسها - وقالوا: إن عتبة بن أبي عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا - وإنما كرهت أن تضعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك، وفي ذلك قال حسان:
لمن الصبي بجانب البطحاء *** في الترب ملقى غير ذي مهد
نجلــت به بيضــــاء آنســـة *** من عــــبد شمس صلبة الخد؟
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 1: 111: كانت هند تذكر في مكة بفجور وعهر وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار: كان معاوية. وذكر إلى آخر الكلمة المذكورة فقال: والذين نزهوا هندا عن هذا القذف، فذكر حديث الفاكهة الذي ذكره أبو عبيد معمر بن المثنى.
وفي كتاب لزياد بن أبيه مجيبا معاوية عن تعييره إياه بأمه سمية: وأما تعييرك لي بسمية فإن كنت ابن سمية فأنت ابن جماعة. شرح ابن أبي الحديد 4: 68.
- أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه من طريق عبد الملك بن عمير قال: قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية فقال: من أنت؟ قال: جارية بن قدامة. قال:
وما عسيت أن تكون هل أنت إلا نحلة؟ قال: لا تقل فقد شبهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق، والله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب، وما أمية إلا تصغير أمة.
وأخرج عن الفضل بن سويد قال: وفد جارية بن قدامة على معاوية، فقال له معاوية: أنت الساعي مع علي بن أبي طالب، والموقد النار في شعلك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم. قال جارية: يا معاوية! دع عنك عليا فما أبغضنا عليا منذ أحببناه، ولا غششناه منذ صحبناه. قال ويحك يا جارية! ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية؟
قال: أنت يا معاوية! كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية. إلخ وذكره بطوله وما قبله السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 133.
وفي لفظ ابن عبد ربه: قال معاوية لجارية: ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية؟ قال: ما كان أهونك على أهلك إذ سموك معاوية وهي الأنثى من الكلاب؟
قال: لا أم لك. قال: أمي ولدتني للسيوف التي لقيناك بها في أيدينا، قال: إنك لتهددني؟ - قال: أما والله إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا إنك لم تفتتحنا قسرا، ولم تملكنا عنوة، ولكنك أعطيتنا عهدا وميثاقا، وأعطيناك سمعا وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن فزعت إلى غير ذلك فإنا تركنا وراءنا رجالا شدادا وألسنة حدادا. قال له معاوية: لا كثر الله في الناس أمثالك. قال جارية: قل معروفا وراعنا فإن شر الدعاء المحتطب. العقد الفريد 2: 143 في مجاوبة الأمراء والرد عليهم، وذكره الأبشيهي قريبا من هذا اللفظ في المستطرف 1: 73 وما ذكرناه بين الخطين من لفظه.
- دخل شريك بن الأعور على معاوية وكان دميما فقال له معاوية: إنك لدميم والجميل خير من الدميم، وإنك لشريك وما لله من شريك، وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور، فكيف سدت قومك؟ فقال له: إنك معاوية وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت الكلاب، وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة صغرت، فكيف صرت أمير المؤمنين؟ ثم خرج وهو يقول:
أيشتمنـــي معاوية بن حرب *** وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من ذوئ يزن ليوث *** ضراغمة تهش إلى الطعان
يعير بالدمـــامة مــــن سفـاه *** وربات الجمال من الغواني
المستطرف 1: 72
قال الأميني: إن معاوية لما كان تتوجه إليه تلكم القوارص من ناحية اسمه، ولعله كان لا ينسى معناه عند توجيه الخطاب إليه بذلك، ولم يك له بد منه إذ سمته به هند وما كان يسعه إن يخطأها، فبذل ألف ألف درهم لعبد الله بن جعفر الطيار أن يسمي أحد أولاده (معاوية) (2) زعما منه بتخفيف الوطئة إن كان له سمي في البيت الهاشمي. لكن خفي على المغفل أن فناء آل هاشم لا يقصر عن فناء أصحاب الكهف فإن كلبهم ما دنس ساحتهم، فإني تدنس الأسماء تلك الأفنية المقدسة التي منها بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
- ومن خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، ولكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة.
ولابن أبي الحديد في شرحه 2: 572 - 589 كلمة ضافية في شرح هذه الخطبة فيها فوائد جمة من جهات شتى، ومنها كلمة الجاحظ أبي عثمان حول معاوية، وقول أبي جعفر النقيب: إن معاوية من أهل النار لا لمخافته عليا ولا بمحاربته إياه، ولكن عقيدته لم تكن صحيحة ولا إيمانه حقا، وكان من رؤوس المنافقين هو وأبوه، ولم يسلم قلبه قط، وإنما أسلم لسانه، وكان يذكر من حديث معاوية ومن فلتات قوله وما حفظ عنه من كلام يقتضي فساد العقيدة شيئا كثيرا.. إلخ.
- لما قتل العباس بن ربيعة يوم صفين عرار بن أدهم من أصحاب معاوية تأسف معاوية على عرار وقال: متى ينطف فحل بمثله؟ أيطل دمه؟ لاها الله ذا. ألا مؤمن ولا يقرب من كافر. فقال معاوية: إن أرضنا أرض مقدسة. فقال له صعصعة: إن الأرض لا يقدسها شئ ولا ينجسها، إنما تقدسها الأعمال. فقال معاوية: عباد الله اتخذوا الله وليا واتخذوا خلفاءه جنة تحترزوا بها. فقال صعصعة: كيف وكيف؟ وقد عطلت السنة، وأخفرت الذمة، فصارت عشواء مطلخمة، في دهياء مدلهمة، قد استوعبتها الأحداث، وتمكنت منها الأنكاث. فقال له معاوية: يا صعصعة! لإن تقعى على ظلعك خير لك من استبراء رأيك، وإبداء ضعفك، تعرض بالحسن بن علي علي، ولقد هممت أن أبعث إليه. فقال له صعصعة: أي والله وجدتهم أكرمهم جدودا، وأحياكم حدودا، و أوفاكم عهودا، ولو بعثت إليه فلوجدته في الرأي أريبا، وفي الأمر صليبا، وفي الكرم نجيبا، يلذعك بحرارة لسانه، ويقرعك بما لا تستطيع إنكاره. فقال له معاوية: والله لأجفينك عن الوساد، ولأشردن بك في البلاد، فقال له صعصعة: والله إن في الأرض لسعة، وإن في فراقك لدعة، فقال معاوية: والله لأحبسنك عطاءك. قال: إن كان ذلك بيدك فافعل، إن العطاء وفضائل النعماء في ملكوت من لا تنفد خزائنه، ولا يبيد عطاءه، ولا يحيف في قضيته. فقال له معاوية: لقد استقتلت. فقال له صعصعة: مهلا، لم أقل جهلا، ولم أستحل قتلا، لا تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلوما كان الله لقاتله مقيما، يرهقه اليما، ويجرعه حميما، ويصليه جحيما.
- لما ولي معاوية بن يزيد بن معاوية صعد المنبر فقال: إن هذه الخلافة حبل الله وإن جدي معاوية نازع الأمر أهله، ومن هو أحق به منه، علي بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته فصار في قبره رهينا بذنوبه، ثم قلد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهينا بذنوبه ثم بكى. الصواعق لابن حجر ص 134.
- أخرج أبو الفرج الاصبهاني في الأغاني 3: 18 قال: أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني أحمد بن معاوية عن الهيثم بن عدي قال: حج معاوية حجتين في خلافته وكانت له ثلاثون بغلة يحج عليها نساؤه وجواريه قال: فحج في إحداهما فرأى شخصا يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان فقال: من هذا؟ قالوا: شعبة بن غريض (3) وكان من اليهود فأرسل إليه يدعوه فأتاه رسوله فقال: أجب أمير المؤمنين. قال: أو ليس قد مات أمير المؤمنين قبل؟ قال: فأجب معاوية فأتاه فلم يسلم عليه بالخلافة فقال له معاوية: ما فعلت أرضك التي بتيماء؟ (4) قال: يكسى منها العاري ويرد فضلها على الجار قال: أفتبيعها؟ قال: نعم. قال: بكم؟ قال: بستين ألف دينار ولولا خلة أصابت الحي لم أبعها. قال: لقد أغليت. قال: أما لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستمائة ألف دينار ثم لم تبل. قال: أجل: وإذ بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي نفسه فقال: قال أبي:
يا ليت شعري حين أندب هالكا *** ماذا تؤبننـــي بــــه أنواحي؟
أيقلـــن لا تعــبد فـــرب كريهة *** فرجتهـــا ببشـــــارة وسماح
ولقد ضــربت بفضـل مالي حقه *** عند الشتاء وهبـــة الأرواح
ولقد أخــذت الحق غير مخاصم *** ولقد رددت الحق غير ملاح
وإذا دعـــيت لصعـــبة سهلتهـــا *** ادعى بأفلــــح مـــرة ونجاح
معاوية والخمر:
- أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده 5: 347 من طريق عبد الله بن بريدة قال: دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ثم أتينا بالطعام فأكلنا، ثم أتينا بالشراب فشرب معاوية ثم ناول أبي ثم قال: ما شربته منذ حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش، وأجودهم ثغرا، وما شيئ كنت أجد له لذة كما كنت أجده وأنا شاب غير اللبن أو إنسان حسن الحديث يحدثني.
- أخرج ابن عساكر في تاريخه 7: 211 من طريق عمير بن رفاعة قال: مر على عبادة (5) بن الصامت وهو في الشام قطارة تحمل الخمر فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل لا، بل: خمر تباع لفلان، فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلا بقرها وأبو هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلان إلى أبي هريرة يقول له: أما تمسك عنا أخاك عبادة؟ أما بالغدوات فيغدوا إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا أو عيبنا، فأمسك عنا أخاك، فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال له: يا عبادة! مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل، فإن الله يقول: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. قال: يا أبا هريرة؟
لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنة، فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بايعناه عليها فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الله له بما بايع عليه نبيه. فلم يكلمه أبو هريرة بشئ.
- وأخرج في التاريخ 7 ص 213 من طريق عمرو بن قيس قال: إن عبادة أتى حجرة معاوية وهو بأنطرطوس (6) فألزم ظهره الحجرة وأقبل على الناس بوجهه وهو يقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه و[آله و]سلم أن لا أبالي في الله لومة لائم، ألا إن المقداد بن الأسود قد غل بالأمس حمارا، وأقبلت أوسق من مال، فأشارت الناس إليها فقال: أيها الناس إنها تحمل الخمر، والله ما يحل لصاحب هذه الحجرة أن يعطيكم منها شيئا، ولا يحل لكم أن تسألوه، وإن كانت مقبلة - يعني سهما - في جنب أحدكم، فأتى رجل المقداد وفي يده قرصافة، فجعل يتل الحمار بها وهو يقول: معاوية! هذا حمارك شأنك به، حتى أورده الحجرة.
- وفد عبد الله (7) بن الحارث بن أمية بن عبد شمس على معاوية فقر به حتى مست ركبتاه رأسه ثم قال له معاوية: ما بقي منك؟ قال: ذهب والله خيري وشري، فقال له معاوية: ذهب والله خير قليل، وبقي شر كثير، فما لنا عندك؟ قال: إن أحسنت لم أحمدك، وإن أسأت لمتك، قال: والله ما أنصفتني، قال: ومتى أنصفك؟ فوالله لقد شججت أخاك حنظلة فما أعطيتك عقلا ولا قودا وأنا الذي أقول:
أصخر بن حرب لا نعدك سيدا *** فسد غيرنا إذ كنت لست بسيد
وأنت الذي تقول:
شربت الخمر حتى صـــــرت كلا *** على الأدنــى وما لي من صديق
وحتــى ما أوســـد من وســـــاد *** إذا أنســوا سوى الترب السحيق
ثم وثب على معاوية يخبطه بيده ومعاوية ينحاز ويضحك.
رواها ابن عساكر في تاريخه 7: 346، وقال ابن حجر في الإصابة 2: 291: روى الكوكبي من طريق عبسة بن عمر وقال: وفد عبد الله بن الحارث على معاوية فقال له معاوية: ما بقي منك؟ قال: ذهب والله خيري وشري، فذكر قصة. [يعني هذه]
- أخرج ابن عساكر في تاريخه، وابن سفيان في مسنده، وابن قانع وابن مندة من طريق محمد بن كعب القرظي قال: غزا عبد الرحمن بن سهل الأنصاري في زمن عثمان، ومعاوية أمير على الشام فمرت به روايا خمر - لمعاوية - فقام إليها برمحه فبقر كل راوية منها فناوشه الغلمان حتى بلغ شأنه معاوية فقال: دعوه فإنه شيخ قد ذهب عقله. فقال:
كلا والله ما ذهب عقلي ولكن رسول الله صلى الله عليه و[آله و]سلم نهانا أن ندخل بطوننا وأسقيتنا خمرا، و أحلف بالله لئن بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و[آله و]سلم لأبقرن بطنه أو لأموتن دونه.
وذكره ابن حجر في الإصابة 2: 401، ولخصه في تهذيب التهذيب 6: 192، وأخرجه ملخصا أبو عمر في الاستيعاب 2: 401، وذكره ابن الأثير في أسد الغابة 3: 299 باللفظ المذكور إلى (وأسقيتنا) فقال: أخرجه الثلاثة (يعني ابن مندة وأبو نعيم وأبو عمر).
قال الأميني: لعل في الناس من يحسب أن سلسلة الاستهتار بمعاقرة الخمور كانت مبدوءة بيزيد بن معاوية، وإن لم يحكم الضمير الحر بإنتاج أبوين صالحين في دار طنبت بالصلاح والدين تخلو عن الخمور والفجور ولدا مستهترا مثل يزيد الطاغية المتخصص في فنون العيث والفساد، لكن هذه الأنباء تعلمنا أن هاتيك الخزاية كانت موروثة له من أبيه الماجن المشيع للفحشاء في الذين آمنوا بحمل الخمور إلى حاضرته على القطار تارة، وعلى حماره أخرى، بملأ من الاشهاد، ونصب أعين المسلمين، وتوزيعها في الملأ الديني، وهو يحاول مع ذلك أن لا ينقده أحد، ولا ينقم عليه ناقم، وكم لهذه المحاولة من نظائر ينبو عنها العدد ولا تقف على حد، فهو وما ولد سواسية في الخمر والفحشاء، والمجون وهذه هي التي أسقطته عند صلحاء الأمة، وحطته عن أعينهم، فلا يرون له حرمة ولا كرامة، ولا يقيمون له وزنا، حتى إنه لما استخلف قام على المنبر فخطب الناس فذكر أبا بكر وعمر وعثمان ثم قال: وليت فأخذت حتى خالط لحمي ودمي، فهو خير مني، و أنا خير ممن بعدي. يا أيها الناس! إنما أنا لكم جنة، فقام عبادة بن صامت فقال: أرأيت إن احترقت الجنة؟ قال: إذن تخلص إليك النار، قال: من ذلك أفر، فأمر به فأخذ، فأضرط بمعاوية، ثم قال: علمت كيف كانت البيعتان حين دعينا إليهما؟ دعينا على أن نبايع على أن لا نزني ولا نسرق ولا نخاف في الله لومة لائم، فقلت: أما هذه فاعفني يا رسول الله، ومضيت أنا عليها، وبايعت رسول الله صلى الله عليه و[آله و]سلم، ولأنت يا معاوية أصغر في عيني من أن أخاف في الله عز وجل. (8)
وذكر معاوية الفرار من الطاعون في خطبته فقال له عبادة: أمك هند أعلم منك (9) وسيوافيك قوله له: لا أساكنك بأرض، وقوله: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله وإن رغم معاوية، ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء، وقال أبو الدرداء له: لا أساكنك بأرض أنت بها.
ومن جراء هذه المكافحة والكشف عن عورات الرجل كتب معاوية إلى عثمان بالمدينة: إن عبادة قد أفسد علي الشام وأهله، فإما أن تكفه إليك، وإما أن أخلي بينه وبين الشام. فكتب إليه عثمان: أن أرحل عبادة حتى ترجعه إلى داره من المدينة فبعث بعبادة حتى قدم المدينة، فدخل على عثمان في الدار وليس فيها إلا رجل من السابقين أو من التابعين الذين قد أدركوا القوم متوافرين فلم يفج عثمان به إلا وهو قاعد في جانب الدار فالتفت إليه وقال: مالنا ولك يا عبادة؟ فقام عبادة بين ظهراني الناس فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا القاسم يقول: إنه سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، فلا تضلوا بربكم، فو الذي نفس عبادة بيده إن فلانا - يعني معاوية - لمن أولئك. فما راجعه عثمان بحرف (10).
وحذا معاوية في هذه الموبقة حذو أبيه أبي سفيان فإنه كان يشرب الخمر وهو من أظهر آثامه وبوائقه، وقد جاء في حديث أبي مريم السلولي الخمار بالطائف أنه نزل عنده وشرب وثمل وزنا بسمية أم زياد بن أبيه.
فبيت معاوية حانوت الخمر، ودكة الفجور، ودار الفحشاء والمنكر من أول يومه، والخمر شعار أهله، وما أغنتهم النذر إذ جاءت، وهم بمجنب عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - لا بل هم أهله - لعنت الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وعاصرها، ومعتصرها، وآكل ثمنها (11).
وعن قوله صلى الله عليه وآله: شارب الخمر كعابد وثن. وفي لفظ: مدمن خمر كعابد وثن (12).
وعن قوله صلى الله عليه وآله: ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث. (13).
وعن قوله صلى الله عليه وآله: ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا: الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر (14).
معاوية يأكل الربا:
- أخرج مالك والنسائي وغيرهما من طريق عطاء بن يسار: إن معاوية رضي الله عنه باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا إلا مثلا بمثل. فقال معاوية: ما أرى بهذا بأسا.
فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم أبو الدرداء رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر له ذلك فكتب عمر إلى معاوية: أن لا تبع ذلك إلا مثلا بمثل، وزنا بوزن.
راجع موطأ مالك 2: 59، اختلاف الحديث للشافعي هامش كتابه الأم 7: 23، سنن النسائي 7: 279، سنن البيهقي 5: 280.
- وأخرج مسلم وغيره من طريق أبي الأشعث قال: غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنايم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى، فرد الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه؟ فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية، أو قال: وإن رغم، ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.
راجع صحيح مسلم 5: 43، سنن البيهقي 5: 277، تفسير القرطبي 3: 349.
- وأخرج البيهقي وغيره من طريق حكيم بن جابر عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الذهب الكفة بالكفة، والفضة الكفة بالكفة حتى خص أن الملح بالملح فقال معاوية: إن هذا لا يقول شيئا. فقال عبادة رضي الله عنه: أشهد أني سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
وزاد النسائي: قال عبادة: إني والله ما أبالي أن لا أكون بأرض يكون بها معاوية، وفي لفظ ابن عساكر: إني والله ما أبالي أن أكون بأرضكم هذه.
راجع مسند أحمد 5: 319، سنن النسائي 7: 277، سنن البيهقي 5: 278، تاريخ ابن عساكر 7: 206.
معاوية يتم في السفر:
أخرج الطبراني وأحمد بإسناد صحيح من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجا، قدمنا معه مكة قال: فصلى بنا الظهر ركعتين ثم انصرف إلى دار الندوة، قال: وكان عثمان حين أتم الصلاة فإذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء الآخر أربعا أربعا، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة حتى يخرج من مكة، فلما صلى بنا الظهر ركعتين نهض إليه مروان ابن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمك بأقبح ما عبته به، فقال لهما:
وما ذاك؟ قال: فقالا له: ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمكة، قال: فقال لهما: ويحكما و هل كان غير ما صنعت؟ قد صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قالا: فإن ابن عمك قد أتمها وإن خلافك إياه له عيب، قال: فخرج معاوية إلى العصر فصلاها بنا أربعا. (15)
قال الأميني: انظر إلى مبلغ هؤلاء الرجال أبناء بيت أمية من الدين، ولعبهم بطقوس الاسلام، وجرأتهم على الله وتغيير سنته، وأحداثهم في الصلاة وهي أفضل ما بنيت عليه البيضاء الحنيفية، وانظر إلى ابن هند حلف الخمر والربا كيف يترك ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجد هو عمله عليه، ووافقه هو مع أبي بكر وعمر، ثم يعدل عنه لمحض أن ابن عمه غير حكم الشريعة فيه، وأن مروان بن الحكم طريد رسول الله وابن طريده، الوزغ ابن الوزغ، اللعين ابن اللعين على لسان النبي العظيم، وصاحبه عمرو بن عثمان ما راقهما إتباعه السنة، فاستهان مخالفتها دون أن يعيب ابن عمه بعمله، فأحيى أحدوثة ذي قرباه، وأمات سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، غير مكترث لما سمعته أذن الدنيا عن ابن عمر: الصلاة في السفر ركعتان من خالف السنة فقد كفر (16) فزه به من خليفة للمسلمين وألف زه.
أحدوثة الأذان في العيدين:
أخرج الشافعي في كتاب الأم 1: 208 من طريق الزهري قال: لم يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر ولا لعمر ولا لعثمان في العيدين حتى أحدث ذلك معاوية بالشام فأحدثه الحجاج بالمدينة حين أمر عليها.
وفي المحلى لابن حزم 5: 82: أحدث بنو أمية تأخير الخروج إلى العيد وتقديم الخطبة قبل الصلاة والأذان والإقامة.
وفي البحر الزخار 2: 58: لا أذان ولا إقامة لها [لصلاة العيدين] لما مر ولا خلاف أنه محدث (17) أحدثه معاوية. (ابن سيرين) بل مروان وتبعه الحجاج (أبو قلابة) بل ابن الزبير، والمحدث بدعة لقوله صلى الله عليه وآله: فهو رد وشرها محدثاتها. وينادى لها: الصلاة جامعة.
وفي فتح الباري لابن حجر 2: 362: اختلف في أول من أحدث الأذان فيها، فروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه معاوية، وروى الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله، وروى ابن المنذر عن حصين بن عبد الرحمن قال: أول من أحدثه زياد بالبصرة. وقال الداودي: أول من أحدثه مروان، وكل هذه لا ينافي أن معاوية أحدثه كما تقدم في البداءة بالخطبة.
وقال فيما أشار إليه في البداءة بالخطبة: لا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان لأن كلا من مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله. (18)
وقال القسطلاني في إرشاد الساري 2: 202، أول من أحدث الأذان فيها معاوية.
رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، زاد الشافعي في روايته: فأخذ به الحجاج حين أمر على المدينة أو زياد بالبصرة رواه ابن المنذر، أو مروان قاله الداودي، أو هشام قاله ابن حبيب، أو عبد الله بن الزبير رواه ابن المنذر أيضا. ويوجد في شرح الموطأ للزرقاني 1: 323 نحوه.
وفي أوائل السيوطي ص 9. أول من أحدث الأذان في الفطر والأضحى بنو مروان أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي سيرين (19) وأخرج أيضا عن ابن المسيب قال: أول من أحدث الأذان في العيدين معاوية، وأخرج عن حصين قال: أول من أذن في العيد زياد.
وفي نيل الأوطار للشوكاني 3: 364: قال ابن قدامة في المغني: روي عن ابن الزبير: إنه أذن وأقام، وقيل: إن أول من أذن في العيدين زياد. وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " بإسناد صحيح عن ابن المسيب قال: أول من أحدث الأذان في العيد معاوية.
قال الأميني: إن من المتسالم عليه عند أئمة المذاهب عدم مشروعية الأذان والإقامة إلا للمكتوبة فحسب، قال الشافعي في كتابه " الأم " 1: 208: لا أذان إلا للمكتوبة فإنا لم نعلمه أذن لرسول الله صلى الله عليه وآله إلا للمكتوبة وأحب أن يأمر الإمام المؤذن أن يقول في الأعياد وما جمع الناس له من الصلاة: الصلاة جامعة. أو: آن الصلاة. وإن قال: هلم إلى الصلاة، لم نكرهه وإن قال: حي على الصلاة. فلا بأس، وإن كنت أحب أن يتوقى ذلك لأنه من كلام الأذان. إلخ.
ومن مالك في الموطأ 1: 146: إنه سمع غير واحد من علمائهم يقول: لم يكن في عيد الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، قال مالك: وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار 3: 364: أحاديث الباب تدل على عدم شرعية الأذان والإقامة في صلاة العيدين، قال العراقي: وعليه عمل العلماء كافة. وقال ابن قدامة في المغني: ولا نعلم في هذا خلافا ممن يعتد بخلافه.
وقد تضافرت الأخبار الدالة على هدي الرسول الأعظم في صلاة العيدين وإنه صلى الله عليه وسلم صلاها بغير أذان ولا إقامة وإليك جملة منها:
1 - عن جابر بن عبد الله: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكأ على بلال فأمر بتقوى الله، وحث على الطاعة ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن.
صحيح البخاري مختصرا 2: 111، صحيح مسلم 3: 18، سنن النسائي 3: 186، سنن الدارمي مختصرا ومفصلا 1: 375، 377، وأخرجه بلفظ قريب من هذا من طريق ابن عباس في ص 376، 378، زاد المعاد لابن القيم 1: 173.
2 - عن جابر بن سمرة: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة.
صحيح مسلم 3: 29، سنن أبي داود 1: 179، جامع الترمذي 3: 4، مسند أحمد 5: 92، 94، 95، 98، 107 بألفاظ شتى، سنن البيهقي 3: 284، فتح الباري 2: 362.
3 - عن ابن عباس وجابر قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى.
صحيح البخاري 2: 111، صحيح مسلم 3: 19، جامع الترمذي 3: 4، المحلى لابن حزم 5: 85، سنن النسائي 3: 182، سنن البيهقي 3: 284.
يصلي معاوية الجمعة يوم الأربعاء:
ان رجلا من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق في حال منصرفهم عن صفين فتعلق به رجل من دمشق فقال: هذه ناقتي أخذت مني بصفين. فارتفع أمرهما إلى معاوية وأقام الدمشقي خمسين رجلا بينة يشهدون أنها ناقته فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير إليه فقال الكوفي: أصلحك الله إنه جمل وليس بناقة فقال معاوية: هذا حكم قد مضى، ودس إلى الكوفي بعد تفرقهم فأحضره وسأله عن ثمن بعيره فدفع إليه ضعفه وبره وأحسن إليه وقال له: أبلغ عليا أني أقابله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل،. ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أنه صلى بهم عند مسيرهم إلى صفين الجمعة في يوم الأربعاء وأعاروه رؤوسهم عند القتال وحملوه بها وركنوا إلى قول عمرو بن العاص: إن عليا هو الذي قتل عمار بن ياسر حين أخرجه لنصرته، ثم ارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لعن علي سنة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير.
قال الأميني: اشتملت هذه الصحيفة السوداء على أشياء تجد البحث عن بعضها في طيات كتابنا هذا كاتخاذ لعن علي أمير المؤمنين سنة يدؤب عليها، وكتأويل عمرو ابن العاص قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية، بأن عليا عليه السلام هو الذي قتل عمارا لإلقائه بين سيوف القوم ورماحهم، وكبيان ما يعرب عن حال أصحاب معاوية ومبلغهم من العقل والدين، وهذه كلمة معاوية ومعتقده فيهم، وهو على بصيرة منهم، وقد كان يستفيد من أولئك الهمج بضؤلة عقليتهم، وخور نفسياتهم، وبعدهم عن معالم الدين ونواميس الشريعة المقدسة، فيجمعهم، على قتال إمام الحق تارة وللشهادة بأنه عليه السلام هو الذي قتل عثمان طورا إلى موارد كثيرة من شهادات الزور التي كان يغريهم بها كقصة حجر بن عدي وأمثالها.
والذي يهمنا هاهنا أولا حكمه الباطل على ناقة لم تكن توجد هنالك، وإنما الموجود جمل قد شاهده وعلم به وأنه خارج عن موضوع الشهادة، لكنه نفذ الحكم الباطل المبتني على خمسين شهادة، زور كلها، ويقول بملء فمه: هذا حكم قد مضى. والحقيقة غير عازبة عنه ويتبجح أنه يقابل إمام الهدى عليه السلام بمائة ألف من أولئك الحمر المستنفرة لكنه لم يقابل إمام الحق بهم فحسب، وإنما كان يقابل النبي الأعظم ودينه الأقدس وكتابه العزيز بتلكم الرعرعة الدهماء.
ويهمنا ثانيا تغييره وقت صلاة الجمعة عند مسيره إلى صفين - في تلك السفرة المحظورة التي أنشأت على الضد من رضى الله ورسوله - إلى يوم الأربعاء، وإلى الغاية لم يظهر لي سر هذا التغيير، هل نسي يوم الجمعة فحسب يوم الأربعاء إنه يوم الجمعة؟ ومن العجب أنه لم يذكره أحد من ذلك الجيش اللجب، ولا ذكره منهم أحد. أو أنه كان يبهضه ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل يوم الجمعة وفضل ساعاته والأعمال الواردة فيه، وقد اتخذه هو صلى الله عليه وآله والمسلمون من بعده عيدا تمتاز به هذه الأمة عن بقية الأمم؟ وما كان ابن هند يستسهل أن يجري في الدنيا سنة للنبي متبعة لم يولها إخلالا وعبثا، فبدر إلى ذلك التبديل عتوا منه، وما أكثر عبثه بالدين وحيفه بالمسلمين؟
ولعله اختار يوم الأربعاء لما ورد فيه من أنه أثقل الأيام، يوم نحس مستمر (20) فأراد أن يرفع النحوسة بصلاة الجمعة، ولم يعبأ باستلزام ذلك تغيير سنة الله التي لا تبديل لها، والجمعة سيد الأيام خير يوم طلعت عليه الشمس. (21)
وبهذا وأمثاله يستهان بما يؤثر عن الرجل من تقديم وقت الجمعة إلى الضحى (22) ووقتها المضروب لها في شريعة الاسلام الزوال لا غيره، وهي بدل الظهر، ووقتها وقتها وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله الثابتة المتبعة، فعن سلمة بن الأكوع قال: كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفئ (23)
وعن سلمة أيضا قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليس للحيطان فيئا يستظل به (24).
وعن جابر بن عبد الله لما سئل متى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة؟ قال:
كان يصلي ثم نذهب إلى جمالنا لنريحها حين تزول الشمس (25).
وعن أنس بن مالك قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين يميل الشمس. (26)
وعن الزبير بن العوام قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نبتدر الفئ فما يكون إلا موضع القدم أو القدمين. وفي رواية أبي معاوية: ثم نرجع فلا نجد في الأرض من الظل إلا موضع أقدامنا (27)
وقال البخاري في صحيحه: باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، وكذلك روي عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث رضي الله عنهم.
وقال البيهقي في سننه الكبرى 3: 191: ويذكر هذا القول عن عمر وعلي ومعاذ ابن جبل والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث أعني في وقت الجمعة إذا زالت الشمس.
قال ابن حزم في المحلى 5: 42: الجمعة هي ظهر يوم الجمعة، ولا يجوز أن تصلى إلا بعد الزوال، وآخر وقتها آخر وقت الظهر في سائر الأيام.
وقال ابن رشد في البداية 1 ص 152: أما الوقت فإن الجمهور على أن وقتها وقت الظهر بعينه أعني وقت الزوال، وأنها لا تجوز قبل الزوال، وذهب قوم إلى أنه يجوز أن تصلى قبل الزوال وهو قول أحمد بن حنبل.
أحدوثة الجمع بين الأختين:
أخرج ابن المنذر عن القاسم بن محمد: إن حيا سألوا معاوية عن الأختين مما ملكت اليمين يكونان عند الرجل يطؤهما؟ قال: ليس بذلك بأس، فسمع بذلك النعمان ابن بشير، فقال: أفتيت بكذا وكذا؟ قال: نعم. قال: أرأيت لو كان عند الرجل أخته مملوكته يجوز له أن يطأها. قال: أما والله لربما وددتني أدرك، فقل لهم: اجتنبوا ذلك، فإنه لا ينبغي لهم؟ فقال: إنما الرحم من العتاقة وغيرها .
قال الأميني: هذا الباب المرتج فتحه عثمان كما أسلفنا تفصيله في الجزء الثامن ص 220 - 229 وقد عد ذلك من أحداثه، ولم يوافقه عليه أحد من السلف والخلف ممن يعبأ به وبرأيه، حتى جاء معاوية معليا على ذلك البنيان المتضعضع، معليا بما شذ عن الدين الحنيف، أخذ بأحدوثة ابن عمه، صفحا عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أتينا هنالك في بطلانه بما لم يبق معه في القوس منزع.
أحدوثة معاوية في الديات:
أخرج الضحاك في الديات ص 50 من طريق محمد بن إسحاق قال: سألت الزهري قلت: حدثني عن دية الذمي كم كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قد اختلف علينا فيها. فقال: ما بقي أحد بين المشرق والمغرب أعلم بذلك مني، كانت على عهد رسول الله ألف دينار وأبي بكر وعمر وعثمان حتى كان معاوية أعطى أهل القتيل خمسمائة دينار، و وضع في بيت المال خمسمائة دينار.
وفي لفظ البيهقي في سننه 8: 102: كانت دية اليهود والنصارى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مثل دية المسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف، وألقى النصف في بيت المال، قال: ثم قضى عمر بن عبد العزيز في النصف وألقى ما كان جعل معاوية.
وفي الجوهر النقي: ذكر أبو داود في مراسيله بسند صحيح عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: كان عقل الذمي مثل عقل المسلم في زمن رسول الله وزمن أبي بكر وزمن عمر وزمن عثمان حتى كان صدرا من خلافة معاوية، فقال معاوية: إن كان أهله أصيبوا به فقد أصيب به بيت مال المسلمين، فاجعلوا لبيت مال المسلمين النصف ولأهله النصف خمسمائة دينار، ثم قتل رجل من أهل الذمة. فقال معاوية: لو إنا نظرنا إلى هذا الذي يدخل بيت المال فجعلناه وضيعا عن المسلمين وعونا لهم، قال لمن هناك: وضع عقلهم إلى خمسمائة.
وقال ابن كثير في تاريخه 8: 139: قال الزهري: مضت السنة أن دية المعاهد كدية المسلم، وكان معاوية أول من قصرها إلى النصف وأخذ النصف.
قال الأميني: تقدم في الجزء الثامن ص 176: إن دية الذمي في دور النبوة لم يكن ألفا كما حسبه الزهري، ولم يذهب إليه أحد من أئمة المذاهب إلا أبا حنيفة وإن أول من جعلها ألفا هو عثمان، وعلى أي حال فما ارتكبه معاوية فيه بدع ثلاث.
1 - أخذ الدية ألفا.
2 - تنصيفه بين ورثة المقتول وبيت المال.
3 - وضعه حصة بيت المال أخيرا إن كانت الألف سنة ولبيت المال فيها حق.
فمرحى بخليفة يجهل حكما واحدا من الشريعة من شتى نواحيه، أو: يعلمه لكنه يتلاعب به كيفما حبذته له ميوله، وهو لا يقيم للحكم الإلهي وزنا، ولا يرى لله حدودا لا يتجاوزها، ويقول: لو أنا نظرنا. إلخ. ولا يبالي بما تقول على الله ولا يكترث لمغبة ما أحدثه في الدين وفي الذكر الحكيم قوله تعالى: ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين سورة الحاقة 44، 45، 46.
ترك التكبير المسنون في الصلوات:
أخرج الطبراني (وفي نيل الأوطار: الطبري) عن أبي هريرة: إن أول من ترك التكبير معاوية، وروى أبو عبيد: إن أول من تركه زياد.
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق سعيد بن المسيب أنه قال: أول من نقص التكبير معاوية. (28)
قال ابن حجر في فتح الباري 2: 215: هذا لا ينافي الذي قبله، لأن زيادا تركه بترك معاوية. وكان معاوية تركه بترك عثمان (29)، وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الاخفاء.
وفي الوسائل إلى مسامرة الأوائل ص 15: أول من نقص التكبير معاوية كان إذا قال: سمع الله لمن حمده. انحط إلى السجود فلم يكبر، وأسنده العسكري عن الشعبي، وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: أول من نقص التكبير زياد.
وفي نيل الأوطار للشوكاني 2: 266: هذه الروايات غير متنافية، لأن زيادا تركه بترك معاوية، وكان معاوية تركه بترك عثمان وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الاخفاء، وحكى الطحاوي: إن بني أمية كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع، وما هذه بأول سنة تركوها.
وأخرج الشافعي في كتابه " الأم " 1: 93 من طريق أنس بن مالك قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة، ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك - الصلاة، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان: يا معاوية؟ أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن وكبر حين يهوي ساجدا.
وأخرج في كتاب " الأم " 1: 94. من طريق عبيد بن رفاعة: أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم فلم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون حين سلم والأنصار: أن يا معاوية! سرقت صلاتك؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ وأين التكبير إذا خفضت وإذا رفعت؟ فصلى بهم صلاة أخرى، فقال: ذلك فيما الذي عابوا عليه.
وأخرجه من طريق أنس صاحب " الانتصار " كما في البحر الزخار 1: 249.
قال الأميني: تنم هذه الأحاديث عن أن البسملة لم تزل جزئا من السورة منذ نزول القرآن الكريم، وعلى ذلك تمرنت الأمة، وانطوت الضمائر، وتضامنت العقائد، و لذلك قال المهاجرون والأنصار لما تركها معاوية: إنه سرق ولم يتسن لمعاوية أن يعتذر لهم بعدم الجزئية حتى التجأ إلى إعادة الصلاة مكللة سورتها بالبسملة، أوانه إلتزم بها في بقية صلواته، ولو كان هناك يومئذ قول بتجرد السورة عنها لاحتج به معاوية لكنه قول حادث ابتدعوه لتبرير عمل معاوية ونظرائه من الأمويين الذين اتبعوه بعد تبين الرشد من الغي.
وأما التكبير عند كل هوي وانتصاب فهي سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله عرفها الصحابة كافة فأنكروا على معاوية تركها، وعليها كان عمل الخلفاء الأربعة، واستقر عليها إجماع العلماء وهي مندوبة عندهم عدا ما يؤثر عن أحمد في إحدى الروايتين عنه من وجوبها وكذلك عن بعض أهل الظاهر، وإليك جملة مما ورد في المسألة:
1 - عن مطرف بن عبد الله قال: صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنا وعمران بن حصين فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: قد ذكرني هذا صلاة محمد، أو قال:
لقد صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي لفظ لأحمد: قال عمران: ما صليت منذ حين. أو قال: منذ كذا كذا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الصلاة. صلاة علي.
وفي لفظ آخر له: عن مطرف عن عمران قال: صليت خلف علي صلاة ذكرني صلاة صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين قال: فانطلقت فصليت معه فإذا هو يكبر كلما سجد وكلما رفع رأسه من الركوع فقلت: يا أبا نجيد من أول من تركه؟ قال عثمان بن عفان رضي الله عنه حين كبر وضعف صوته تركه.
صحيح البخاري 2: 57، 70، صحيح مسلم 2: 8، سنن أبي داود 1: 133، سنن النسائي 2: 204، مسند أحمد 4: 428، 429، 432، 440، 444، البحر الزخار 1: 254.
2 - عن أبي هريرة أنه كان يصلي بهم فيكبر كلما خفض ورفع فإذا انصرف قال:
إني لأشبهكم صلاة برسول الله. وفي لفظ للبخاري: فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله.
راجع صحيح البخاري 2: 57، 58، صحيح مسلم 2: 7 بعدة طرق وألفاظ، سنن النسائي 2: 181، 235، سنن أبي داود 1: 133، سنن الدارمي 1: 285، المدونة الكبرى 1: 73، نصب الراية 1: 372، البحر الزخار 1: 255.
ترك التلبية خلافا لعلي عليه السلام:
أخرج النسائي في سننه 5: 253، والبيهقي في السنن الكبرى 5: 113 من طريق سعيد بن جبير قال: كان ابن عباس بعرفة فقال: يا سعيد! مالي لا أسمع الناس يلبون؟
فقلت: يخافون معاوية. فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك أللهم لبيك، وإن رغم ألف معاوية، اللهم العنهم فقد تركوا السنة من بغض علي.
وقال السندي في تعليق سنن النسائي: (من بغض علي) أي لأجل بغضه، أي وهو كان يتقيد بالسنن فهؤلاء تركوها بغضا له.
وفي كنز العمال: عن ابن عباس قال: لعن الله فلانا إنه كان ينهى عن التلبية في هذا اليوم يعني يوم عرفة، لأن عليا كان يلبي فيه. ابن جرير.
في لفظ أحمد في المسند 1: 217 عن سعيد بن جبير قال: أتيت ابن عباس بعرفة وهو يأكل رمانا فقال: أفطر رسول الله بعرفة وبعثت إليه أم الفضل بلبن فشربه. وقال:
لعن الله فلانا عمدوا إلى أعظم أيام الحج فمحوا زينته، وإنما زينة الحج التلبية. وحكاه في كنز العمال عن ابن جرير الطبري.
وفي تاريخ ابن كثير 8: 130 من طريق صحيح عن سفيان عن حبيب عن سعيد عن ابن عباس إنه ذكر معاوية وإنه لبى عشية عرفة فقال فيه قولا شديدا، ثم بلغه أن عليا لبى عشية عرفة فتركه.
وقال ابن حزم في المحلى 7: 136: كان معاوية ينهى عن ذلك.
قال الأميني: إن السنة المسلمة عند القوم استمرار التلبية إلى رمي جمرة العقبة أو لها أو آخرها على خلاف فيه. وإليك ما يؤثر منها عندهم:
1 - عن الفضل: أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، ويكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة. وفي لفظ: لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة.
صحيح البخاري 3: 109، صحيح مسلم 4: 71، صحيح الترمذي 4: 150، قال: وفي الباب عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، سنن النسائي 5: 268، 275، 276، سنن ابن ماجة 2: 244، سنن أبي داود 1: 287، سنن الدارمي 2: 62، سنن البيهقي 5: 112، 119، كتاب الأم 2: 174 وقال: وروى ابن مسعود عن النبي مثله. هـ. مسند أحمد 1: 226، وأخرجه ابن خزيمة وقال: هذا حديث صحيح مفسرا لما أبهم في الروايات الأخرى (30) وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
2 - عن جابر بن عبد الله وأسامة وابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لزم التلبية و لم يقطعها حتى رمى جمرة العقبة.
راجع صحيح البخاري 3: 114، سنن ابن ماجة 2: 244، المحلى 7: 136، بدايع الصنائع 2: 156.
وقال ابن حجر في فتح الباري 3: 419: وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم.
وفي نيل الأوطار 5: 55: إن التلبية تستمر إلى رمي جمرة العقبة، وإليه ذهب الجمهور.
هذا ما تسالمت عليه الأمة سلفا وخلفا، لكن معاوية جاء متهاونا بالسنة لمحض أن عليا عليه السلام كان ملتزما بها، فحدته بغضاءه إلى مضادته ولو لزمت مضادة السنة، ومحو زينة الحج، هذه نظرية خليفة المسلمين فيما حسبوه، وهذا مبلغه من الدين ومبوأه من الأخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وآله فلهفي على المسلمين من متغلب عليهم باسم الخلافة.
وإني لست أدري أكان من السائغ الجائز لعن ابن عباس وهو محرم في ذلك الموقف العظيم، في مثل يوم عرفة اليوم المشهود معاوية باغض علي أمير المؤمنين ومناوئه تارك سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ هلا كان حبر الأمة يعلم أن الصحابة كلهم عدول؟ أو أن الصحابي كائنا من كان لا يجوز سبه؟ أو أن معاوية مجتهد وللمخطأ من المجتهدين أجر واحد؟ أنا لا أدري، غير أن ابن عباس لا يقول بالتافه ولا يخبت إلى الخرافة.
وما أظلم معاوية الجاهل بأحكام الله؟ فإنه يخالف هاهنا عليا عليه السلام وهو بكله حاجة وافتقار إلى علم الإمام الناجع، قال سعيد بن المسيب: إن رجلا من أهل الشام وجد رجلا مع امرأته فقتله وقتلها فأشكل على معاوية الحكم فيه فكتب إلى أبي موسى ليسأل له علي بن أبي طالب رضي الله عنهم فقال له علي رضي الله عنه: هذا شيئ ما وقع بأرضي عزمت عليك لتخبرني. فقال له أبو موسى: إن معاوية كتب إلي به أن أسألك فيه. فقال علي رضي الله عنه: أنا أبو الحسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته. (30)
أخرجه مالك في الموطأ 2: 117، سنن البيهقي 8: 231، تيسير الوصول 4: 73
لفت نظر:
هذه النزعة الأموية الممقوتة بقيت موروثة عند من تولى معاوية جيلا بعد جيل فترى القوم يرفعون اليد عن السنة الثابتة خلافا لشيعة أمير المؤمنين عليه السلام، أو إحياء لما سنته يد الهوى تجاه الدين الحنيف. كما كان معاوية يفعل ذلك إحياء لما أحدثه خليفة بيته الساقط تارة، كما مر في الإتمام في السفر ومواضع أخرى، وخلافا للإمام آونة كما في التلبية وغيرها.
قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن الدمشقي في كتاب " رحمة الأمة في اختلاف الأئمة " المطبوع بهامش الميزان للشعراني 1: 88: السنة في القبر التسطيح، وهو أولى على الراجح من مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: التسنيم أولى لأن التسطيح صار شعارا للشيعة.
وقال الغزالي والماوردي: إن تسطيح القبور هو المشروع لكن لما جعلته الرافضة شعارا لهم عدلنا عنه إلى التسنيم.
وقال مصنف " الهداية " من الحنفية: إن المشروع التختم في اليمين ولكن لما اتخذته الرافضة جعلناه في اليسار. هـ.
وأول من اتخذ التختم باليسار خلاف السنة هو معاوية كما في ربيع الأبرار للزمخشري.
وقال الحافظ العراقي في بيان كيفية إسدال طرف العمامة: فهل المشروع إرخاؤه من الجانب الأيسر كما هو المعتاد أو الأيمن لشرفه؟ لم أر ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني، وبتقدير ثبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن ثم يردها إلى الجانب الأيسر كما يفعله بعضهم، إلا أنه صار شعارا للأمامية فينبغي تجنبه لترك التشبه بهم. شرح المواهب للزرقاني 5: 13.
أحدوثة تقديم الخطبة على الصلاة:
قال الزرقاني في شرح الموطأ 1: 324 في بيان كون الصلاة قبل الخطبة في العيدين:
ففي الصحيحين عن ابن عباس شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة، واختلف في أول من غير ذلك، ففي مسلم عن طارق بن شهاب: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، وفي رواية ابن المنذر بسند صحيح عن الحسن البصري: أول من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس ثم خطبهم أي على العادة فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك أي صار يخطب قبل الصلاة، وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان لأن عثمان راعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة، وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة، لكن قيل: إنهم في زمنه كانوا يتعمدون ترك سماعهم لما فيها من سب من لا يستحق السب والافراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه، ويحتمل أن عثمان، فعل ذلك أحيانا بخلاف مروان فواظب عليه فلذا نسب إليه، وعن عمر مثل فعل عثمان، قال عياض ومن تبعه: لا يصح عنه. وفيه نظر لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعا عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام، وهذا إسناد صحيح، لكن يعارضه حديثا ابن عباس وابن عمر، فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرا و إلا فما في الصحيحين أصح.
وأخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس وزاد حتى قدم معاوية فقدم الخطبة، وهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعا لمعاوية، لأنه كان أمين المدينة من جهته، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية، وروى ابن المنذر عن ابن سيرين: أول من فعل ذلك زياد بالبصرة. قال عياض: ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان لأن كلا من مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله. ا هـ
وقال السكتواري في محاضرة الأوائل ص 144: أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة معاوية، وجرى ذلك في الأمراء المروانية كمروان وزياد وهو فعله بالعراق، و معاوية بالمدينة شرفها الله تعالى.
قال الأميني: مر في الجزء الثامن ص 164 - 171 بيان السنة الثابتة في خطبة العيدين، وانها بعد الصلاة كما مضى عليه الرسول الأمين صلى الله عليه وآله واتبعه الشيخان وعثمان ردحا من أيامه ثم حداه عيه عن تلفيق الخطبة بصورة مرضية، فكانت الناس تتفرق عن استماعها، إلى تقديمها على الصلاة ليمنعهم انتظارهم لها عن الانتفال، ثم اقتص أثره عماله والمتغلبون على الأمة من بعد من بني أبيه وإن افترقت العلة فيهم عنها فيه، فإنهم لما طغوا في البلاد طفقوا يسبون أمير المؤمنين عليا عليه السلام في خطبهم، فكان الحضور لا يستبيحون ذلك فيتفرقون، فبدا لهم تقديمها لإسماع الناس.
وأول من أحدث أحدوثة السب هو معاوية، فالشنعة عليه في المقام أعظم ممن بدل السنة قبله، فإنه وإن تابع البادي على البدعة غير أنه قرنها بأخرى شوهاء شنعاء، فأمعن النظرة في تطبيق هذه البدعة بصورتها الأخيرة على ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله:
من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله (31) وقوله صلى الله عليه وآله: لا تسبوا عليا فإنه ممسوس بذات الله (32) ثم ارجع البصر كرتين إلى أنه هل يباح لأي مسلم أن يجتهد بجواز سب مولانا أمير المؤمنين تجاه نص الكتاب العزيز في تطهيره وولايته ومودته وكونه نفس النبي الأقدس صلى الله عليه وآله، تجاه هذا النص الجلي الخاص له عليه السلام والنصوص العامة الواردة في سباب المؤمن مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: سباب المسلم فسوق؟! (33) وهل يشك مسلم أن أمير المؤمنين أول المسلمين وأولاهم بهم من أنفسهم وهو أميرهم وسيدهم؟!
حد من حدود الله متروك:
ذكر الماوردي وآخرون: إن معاوية أتى بلصوص فقطعهم حتى بقي واحد من بينهم فقال:
يميني أميــــــر المؤمنين أعيذها *** بعفوك أن تلقى نكــــالا يبينها
يدي كانت الحسناء لو تم سترها *** ولا تعدم الحسناء عينـا يشينها
فلا خير في الدنيا وكانت حبيبة *** إذا ما شمـــــالي فارقتها يمينها
فقال معاوية: كيف أصنع بك؟ قد قطعنا أصحابك. فقالت أم السارق: يا أمير المؤمنين اجعلها في ذنوبك التي تتوب منها. فخلى سبيلها، فكان أول حد ترك في الاسلام (34).
قال الأميني: أفهل عرف معاوية من هذا اللص خصوصية استثنته من حكم الكتاب النهائي العام " السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "؟! أم أن الرأفة بأمه تركت حدا من حدود الله لم يقم؟! وفي الذكر الحكيم: من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه (35) تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (36) ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها (37) أم أنه كان لمعاوية مؤمن من العقاب غدا وإن تعمد اليوم بإلغاء حد من حدود الله؟ وهل نية التوبة عن المعصية تبيح اجتراح تلك السيئة؟ أن هذا لشيئ عجاب، ومن ذا الذي طمنه بأنه سيوفق للتوبة عنها ولا يحول بينه وبينها ذنوب تسلبه التوفيق، أو عظائم تسلبه الإيمان، أو استخفاف بالشريعة ينتهي به إلى نار الخلود؟ ويظهر منه أن التعمد باقتراف الذنوب بأمل التوبة كان مطردا عند معاوية، وهذا مما يخل بأنظمة الشريعة، ونواميس الدين، وطقوس الاسلام، فإن النفوس الشريرة إنما تترك أكثر المعاصي خوفا من العقوبة الفعلية، فإن زحزحت عنها بأمثال هذه التافهات لم يبق محظور - يفسد النفوس، ويقلق السلام، ويعكر صفو الاسلام - إلا وقد عمل به، و هذا نقص لغاية التشريع، وإقامة الحدود الكابحة لجماح الجرأة على الله ورسوله.
وهب أن التوبة مكفرة للعصيان في الجملة، ولكن من ذا الذي أنبأه إنها من تلك التوبة المقبولة؟ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم، وكان الله عليما حكيما، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار، أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما (38).
معاوية ولبسه ما لا يجوز:
أخرج أبو داود من طريق خالد قال: وفد المقدام بن معدي كرب وعمرو بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي توفي؟ فرجع المقدام فقال له رجل (39) أتراها مصيبة؟ فقال: ولم لا أراها مصيبة؟ وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال: هذا مني وحسين من علي.
فقال الأسدي: جمرة أطفأها الله عز وجل قال فقال المقدام: أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره ثم قال: يا معاوية! إن أنا صدقت فصدقني. وإن أنا كذبت فكذبني، قال: أفعل. قال فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير؟
قال: نعم. قال: فأنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن لبس الذهب؟ قال نعم. قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم. قال فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية! فقال معاوية: قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام! (40)
قال الأميني: هل يرجى خير ممن اعترف بكل ما قيل له من المحظورات المتسالم عليها التي ارتكبها؟ فهلا أقلع عنها لما ذكر بحكمها الذي نسيه أو لم يعبأ به؟ لكن الرجل طاغوت يعمل عمل الفراعنة ولم يكترث لمغبته، ولم يبالي بمخالفة السنة الثابتة، فزه به من خليفة تولى أمر الأمة بغير مرضاتها، وتغلب على إمرتها من دون أي حنكة.
قد جاء في كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام إلى عمرو بن العاص قوله: فإنك قد جعلت دينك تبعا لدينا امرئ ظاهر غيه، مهتوك ستره. إلخ.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 4: 60: فأما قوله عليه السلام في معاوية " ظاهر غيه " فلا ريب في ظهور ضلاله وبغيه وكل باغ غاو. وأما " مهتوك ستره " فإنه كان كثير الهزل والخلاعة صاحب جلساء وسمار، ومعاوية لم يتوقر ولم يلزم قانون الرياسة إلا منذ خرج على أمير المؤمنين، واحتاج إلى الناموس والسكينة وإلا فقد كان في أيام عثمان شديد الهتك موسوما بكل قبيح، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلا خوفا منه إلا أنه كان يلبس الحرير والديباج، ويشرب في آنية الذهب والفضة ويركب البغلات ذوات السروج المحلاة بهما جلال الديباج والوشي، وكان حينئذ شابا، وعنده نزق الصبا، وأثر الشبيبة، وسكر السلطان والأمرة، ونقل الناس عنه في كتب السيرة إنه كان يشرب الخمر في أيام عثمان في الشام، وأما بعد وفاة أمير المؤمنين واستقرار الأمر له فقد اختلف فيه، فقيل: إنه شرب الخمر في ستر. وقيل: إنه لم يشرب. ولا خلاف في أنه سمع الغناء وطرب عليه وطرب عليه وأعطى ووصل إليه أيضا.
إقرأ وتبصر.
مأساة الاستلحاق سنة أربع وأربعين:
كان من ضروريات الاسلام إلى هذه السنة 44، إلى هذا اليوم الأشنع الذي تقدم فيه ابن آكلة الأكباد ببدعته الخرقاء على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله بملأ فمه المبارك، و اتخذته الأمة أصلا مسلما في باب الأنساب: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
جاء هذا الحديث من طريق أبي هريرة في الصحاح الست: صحيح البخاري 2: 199 في - الفرائض، صحيح مسلم 1: 471 في الرضاع، صحيح الترمذي 1: 150، و ج 2: 34، سنن النسائي 2: 110، سنن أبي داود 1: 310، سنن البيهقي 7: 402، 412.
ومن طريق عائشة أخرجه الحفاظ المذكورون إلا الترمذي كما في نصب الراية للزيلعي 3: 236.
ومن طريق عمر وعثمان في سنن البيهقي 7: 412، ومن طريق عبد الله بن عمرو، أخرجه أبو داود في اللعان 1: 310، وأخرجه أحمد في مسنده من غير طريق ج 1: 104، ج 2: 409، ج 5: 326 وغيرها.
وصح عند الأمة قول نبيها صلى الله عليه وآله: من ادعى أبا في الاسلام غير أبيه فالجنة عليه حرام (41).
وقوله صلى الله عليه وآله من خطبة له بمنى: لعن الله من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، الولد للفراش وللعاهر الحجر. وفي لفظ:
الولد للفراش وللعاهر الحجر، ألا ومن ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل منه صرف ولا عدل (42).
وقوله صلى الله عليه وآله: ليس من رجل ادعى بغير أبيه وهو يعلم إلا كفر، ومن ادعى ما ليس له فليس منا (43).
وقوله صلى الله عليه وآله: من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين عاما. أو: مسيرة سبعين عاما (44).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام (45).
وقوله صلى الله عليه وآله: من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة (46).
لكن سياسة معاوية المتجهمة تجاه الهتافات النبوية أصمته عن سماعها وجعلت للعاهر كل النصيب، فوهبت زيادا كله لأبي سفيان العاهر، بعد ما بلغ أشده لما وجد فيه من أهبة الوقيعة في أضداده وهم أولياء علي أمير المؤمنين عليه السلام.
ولد زياد على فراش عبيد مولى ثقيف، وربي في شر حجر، ونشأ في أخبث نشء، فكان يقال له قبل الاستلحاق: زياد بن عبيد الثقفي، وبعده زياد بن أبي سفيان، ومعاوية نفسه كتب إليه في أيام الحسن السبط سلام الله عليه: من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد، أما بعد: فإنك عبد قد كفرت النعمة، واستدعيت النقمة، ولقد كان الشكر أولى بك من الكفر، وإن الشجرة لتضرب بعرقها، وتتفرع من أصلها، إنك لا أم لك، بل لا أب لك، يقول فيه: أمس عبد واليوم أمير، خطة ما ارتقاها مثلك يا بن سمية، وإذا أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة وأسرع الاجابة فإنك إن تفعل فدمك حقنت، ونفسك تداركت، وإلا اختطفتك بأضعف ريش ونلتك بأهون سعي، وأقسم قسما مبرورا أن لا أوتى بك إلا في زمارة تمشي حافيا من أرض فارس إلى الشام حتى أقيمك في السوق وأبيعك عبدا، وأردك إلى حيث كنت فيه و خرجت منه. والسلام (47).
ثم لما انقضت الدولة الأموية صار يقال له: زياد بن أبيه، وزياد بن أمه، وزياد بن سمية، أمه " سمية " كانت لدهقان من دهاقين الفرس بزندرود بكسكر، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن كلدة الطبيب الثقفي فعالجه فبرأ فوهبه سمية وزوجها الحارث غلاما له روميا يقال له: عبيد. فولدت زيادا على فراشه، فلما بلغ أشده اشترى أباه عبيدا بألف درهم فأعتقه، كانت أمه من البغايا المشهورة بالطائف ذات راية.
أخرج أبو عمرو ابن عساكر قالا: بعث عمر بن الخطاب زيادا في إصلاح فساد وقع باليمن فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع الناس مثلها، فقال عمرو بن العاصي: أما والله لو كان هذا الغلام قرشيا لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان: والله إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه، فقال له علي بن أبي طالب: ومن هو يا أبا سفيان؟ قال: أنا. قال:
مهلا يا أبا سفيان. وفي لفظ ابن عساكر: فقال له عمرو: اسكت يا أبا سفيان! فإنك لتعلم أن عمر إن سمع هذا القول منك كان سريعا إليك بالشر فقال أبو سفيان:
أما والله لـــولا خوف شخص *** يراني علي من الأعادي
لأظهر أمره صخر بن حرب *** ولم يكن المقالة عن زياد
وقد طـــالت مجـــــاملتي ثقيفا *** وتركــــي فيهم ثمر الفؤاد
فذلك الذي حمل معاوية على ما صنع بزياد (48).
وفي العقد الفريد 3: 3: أمر عمر زيادا أن يخطب فأحسن في خطبته وجود وعند أصل المنبر أبو سفيان بن حرب وعلي بن أبي طالب فقال أبو سفيان لعلي: أيعجبك ما سمعت من هذا الفتى؟ قال: نعم. قال: أما إنه ابن عمك. قال: وكيف ذلك؟ قال:
أنا قذفته في رحم أمه سمية. قال: فما يمنعك أن تدعيه؟ قال: أخشى هذا القاعد على المنبر - يعني عمر - أن يفسد علي أهابي. فبهذا الخبر استلحق معاوية زيادا وشهد له الشهود بذلك. وهذا خلاف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
ولا أحسب أن أحدا من رجالات الدين يشذ عما قاله الجاحظ في رسالته النابتة في بني أمية ص 293: فعندها استوى معاوية على الملك واستبد على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه " عام الجماعة " وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكا كسرويا، والخلافة منصبا قيصريا، ولم يعد ذلك أجمع الضلال والفسق، ثم ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا، وعلى منازل ما رتبنا، حتى رد قضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ردا مكشوفا، وجحد حكمه جحدا ظاهرا في ولد الفراش وما يجب للعاهر، مع إجماع الأمة على أن سمية لم تكن لأبي سفيان فراشا، وأنه إنما كان بها عاهرا فخرج بذلك من حكم الفجار إلى حكم الكفار. ا هـ.
ولو تحرينا موبقات معاوية المكفرة له وجدنا هذه في أصاغرها، فجل أعماله - إن لم يكن كله - على الضد من الكتاب والسنة الثابتة، فهي غير محصورة في مخالفته لقوله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
____________
(1) وقفت منه على عدة نسخ منها نسخة في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد رقم 388.
(2) تاج العروس 10: 260.
(3) كذا في الأغاني والصحيح كما ضبطه ابن حجر في الإصابة: سعنه. بالمهلة والنون. و يقال بالمثناة التحتانية وعريض بالمهملة أيضا.
(4) تيما: محل بين الحجاز والشام.
(5) كان بدريا عقبيا أحد نقباء الأنصار بايع رسول الله على أن لا يخاف في الله لومة لائم.
سنن البيهقي 5: 277.
(6) بلدة من سواحل بحر الشام، هي آخر أعمال دمشق من البلاد الساحلية وأول أعمال حمص. معجم.
(7) أدرك الاسلام وهو شيخ كبير ثم عاش بعد ذلك إلى خلافة معاوية. الإصابة 2: 291.
(8) تاريخ الشام لابن عساكر 7: 213.
(9) أخرجه ابن عساكر والطبراني كما في تاريخ الشام 7: 210.
(10) مسند أحمد 5: 325، تاريخ ابن عساكر 7: 212.
(11) سنن أبي داود 2: 161، سنن ابن ماجة 2: 174، جامع الترمذي 1: 167، مستدرك الحاكم 4: 144، 145. وأخرجه أحمد في المسند 2: 71، وابن أبي شيبة، وابن راهويه والبزار، وابن حبان، راجع نصب الراية للزيلعي 2: 264.
(12) أخرجه ابن ماجة وابن حبان والبزار وغيرهم، راجع الترغيب والترهيب 3: 102، نصب الراية 2: 298.
(13) أخرجه أحمد والنسائي والبزار والحاكم وصححه. راجع الترغيب والترهيب 3: 104.
(14) أخرجه الطبراني، وابن المنذر في الترغيب والترهيب 3: 104 وقال: رواته لا أعلم فيهم مجروحا.
(15) مر تفصيل الكلام حول ما أحدثه عثمان في صلاة المسافر خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله في الجزء الثامن ص 100 - 119، وأسلفنا الحديث في ج 8: 269.
(16) راجع ج 8: 115.
(17) إشارة إلى سعيد بن المسيب.
(18) راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 160، 164، 165، ط 2.
(19) كذا في النسخ والصحيح: ابن سيرين.
(20) راجع ثمار القلوب ص 521، 522.
(21) أخرجه الحاكم والترمذي والنسائي وأبو داود.
(22) راجع فتح الباري 2: 309، نيل الأوطار 3: 319، 320.
(23) صحيح مسلم 3: 9، سنن البيهقي 3: 190، نصب الراية 2: 195.
(24) صحيح مسلم 3: 9، سنن البيهقي 3: 191.
(25) مسند أحمد، سنن النسائي، صحيح مسلم 3: 8، 9، سنن البيهقي 3: 190، المحلى 5: 44.
(26) صحيح البخاري، مسند أحمد، سنن أبي داود، سنن النسائي، سنن البيهقي 3: 190 نصب الراية 2: 195.
(27) الدر المنثور 2: 137.
(28) فتح الباري 2: 215، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 134، نيل الأوطار 2: 266، شرح الموطأ للزرقاني 1: 145.
(29) أخرج حديثه أحمد في مسنده من طريق عمران كما يأتي في المتن بعيد هذا
(30) الرمة: الحبل الذي يقاد به الجاني.
(31) أخرجه الحفاظ بإسناد رجاله كلهم ثقات صححه الحاكم والذهبي.
(32) حلية الأولياء 1: 68.
(33) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي والحاكم والدار قطني وغيرهم في الصحاح والمسانيد.
(34) الأحكام السلطانية ص 219، تاريخ ابن كثير 8: 136، محاضرة السكتواري ص 164.
(35) سورة الطلاق: 1.
(36) سورة البقرة: 229.
(37) سورة النساء: 14.
(38) سورة النساء: 17، 18.
(39) في مسند أحمد 4 ص 130: فقال له معاوية: أتراها مصيبة. انظر إلى أمانة أبي داود.
(40) سنن أبي داود 2: 186.
(41) مسند أحمد 5: 38، 46، سنن البيهقي 7: 403.
(42) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي راجع مسند أحمد 4: 186، 187، مسند أبي داود الطياسي ص 169، الترغيب والترهيب 3: 21.
(43) أخرجه البخاري ومسلم وعنهما البيهقي في السنن 7: 403، وابن المنذر في الترغيب والترهيب 3: 21.
(44) سنن ابن ماجة 2: 131، تاريخ بغداد 2: 347، الترغيب والترهيب 3: 21.
(45) رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة كما في سنن البيهقي 7: 403، والترغيب والترهيب 3: 21.
(46) الترغيب والترهيب 3: 22 عن أبي داود.
(47) شرح ابن الحديد 4: 68.
(48) الاستيعاب 1: 195، تاريخ ابن عساكر 5: 410.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|