أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-14
1210
التاريخ: 2023-11-16
1255
التاريخ: 2023-03-14
1132
التاريخ: 2023-02-23
955
|
النجوم هائلة الحجم، ومرئية للعين المجردة من على مسافات بعيدة، وفي هذا تناقض صارخ مع مكوناتها الأساسية الجسيمات التي تتألف منها الذرات في نهاية المطاف. فالأمر يستلزم وضع مليار ذرة بعضها فوق بعض حتى تبلغ طول الإنسان من القدمين إلى الرأس، ويستلزم الأمر تراص عدد مماثل من البشر فوق بعضهم البعض حتى يساوي طولهم الإجمالي طول قطر الشمس. هذا إذن يضع ميزان القياس البشري في منتصف المسافة تقريبا بين الشمس والذرة. أما الجسيمات التي تتألف منها الذرات – الإلكترونات التي تكون النطاق الخارجي للذرة والكواركات التي تشكل النواة المركزية - فهي أصغر مليار مرة من إجمالي حجم الذرة نفسه.
سأفترض أن البشر يبلغ طولهم نحو متر واحد من حيث «القيمة الأسية» (وهو ما يعني أن طولهم أكبر بكثير من 1/10 أمتار، أو 10-1 أمتار، وبالتبعية أقل من 10 أمتار). إذن، بالانتقال إلى المقاييس الفلكية الكبيرة، نجد أن قطر كوكب الأرض يبلغ نحو 107 أمتار (أي 1 متبوعا بسبعة أصفار)، وأن قطر الشمس يبلغ 109 أمتار، وأن مدارنا حول الشمس يبلغ 1011 أمتار (أو بالوحدات السهلة القراءة، 100 مليون كيلومتر). للإشارات اللاحقة، ضع في اعتبارك أن أحجام الأرض والشمس ومدارنا حول الشمس تتضاعف بمعامل قدره نحو 100.
المسافات الأبعد من هذا تزداد استعصاءً على التصور؛ إذ يبلغ عدد أصفارها عددًا كبيرًا للغاية عند التعبير عنها بالأمتار، لذا تُستخدم وحدة قياس جديدة، وهي السنة الضوئية. ينتقل الضوء بسرعة قدرها 300 ألف متر في الثانية. هذه سرعة كبيرة، لكنها لیست لانهائية؛ إذ يستغرق الضوء نانو ثانية، أي 9-10 ثوان، للانتقال مسافة قدرها 30 سنتيمترًا، أو ما يعادل طول قدمك. تعمل أجهزة الكمبيوتر بهذه المقاييس الزمنية، وستصير هذه الأزمنة الدقيقة ذات أهمية محورية حين ندخل عالم الذرة. أما الآن، نحن نتَّجه في الاتجاه المعاكس، صوب المسافات الكونية الشاسعة، والأزمنة الطويلة التي يستغرقها الضوء للانتقال من المجرات البعيدة إلى أعيننا على كوكب الأرض.
يستغرق الضوء ثماني دقائق ليقطع المائة والخمسين مليون كيلومتر التي تفصلنا عن الشمس؛ لذا نقول إن الشمس تبعد عنا مسافة ثماني دقائق ضوئية. يستغرق الضوء عامًا واحدًا لقطع مسافة قدرها 1016 أمتار، لذا تسمى هذه المسافة السنة الضوئية. تمتد مجرتنا مجرة درب التبانة على مساحة قدرها 1021، أمتار، أو نحو 100 ألف سنة ضوئية. تتجمع المجرات معًا في عناقيد مجرية تمتد عبر 10 ملايين سنة ضوئية، وهذه العناقيد نفسها تتجمع في عناقيد فائقة، تمتد على مساحة قدرها نحو 100 مليون سنة ضوئية (أو 1024 أمتار). أما الكون المنظور فيمتد عبر مساحة قدرها 10 مليارات سنة ضوئية، أو 1026 أمتار. هذه الأرقام الفعلية لا تحمل أهمية كبيرة في. حد ذاتها، لكن المهم أن تلاحظ كيف أن الكون ليس متجانسًا، بل تتجمع كتلته في بنى منفصلة: عناقيد مجرية فائقة، وعناقيد مجرية، ومجرات منفردة كمجرتنا، وكل منها يبلغ نحو 1/100 من حجم سابقه. وحين ندخل عالم المسافات الدقيقة سنقابل مجددًا مثل هذه الطبقات من البني، لكن على مقياس أكثر خواءً بكثير، ليس 1/100، بل نحو 1/10000. بعد هذه الرحلة القصيرة في النطاقات المكانية الكبيرة، دعونا نذهب في الاتجاه المعاكس نحو عالم الذرة الميكروسكوبي، وبنيتها الداخلية نستطيع بأعيننا المجردة تمييز حبيبات الغبار المنفردة التي يصل حجمها – مثلًا - من واحد على عشرة إلى واحد على المائة من المليمتر أي 10-4 إلى 10-5 أمتار، وهذا يساوي حجم أكبر البكتيريا حجما. الضوء شكل من أشكال الموجات الكهرومغناطيسية، والطول الموجي للضوء المرئي الذي نستطيع رؤيته يمتد عبر مسافة قدرها من
6-10 إلى 7-10 أمتار. أما الذرات فهي أصغر ألف مرة من هذا؛ إذ يبلغ حجمها نحو
10-10 أمتار. ولأن الذرات أصغر كثيرًا من الطول الموجي للضوء المرئي تعجز أعيننا المجردة عن رؤيتها. كل شيء على الأرض مكون من ذرات وكل عنصر مكون من ذرات تمثل أصغر أجزائه، وهي صغيرة للغاية بحيث تستحيل على العين رؤيتها، لكن وجودها لا مراء فيه، وهو ما تبينه لنا معداتنا الخاصة.
تتألف الذرات من جسيمات أصغر، فالإلكترونات تدور في نطاقاتها الخارجية البعيدة، بينما في قلوبها تقبع الأنوية الضخمة المتماسكة. للنواة بنية خاصة بها؛ إذ تتكون من بروتونات ونيوترونات وهذه البروتونات والنيوترونات تتألف بدورها من جسيمات أصغر حجمًا؛ ألا وهي «الكواركات»، والكواركات والإلكترونات هما بذور المادة الموجودة على الأرض.
بينما يبلغ قطر الذرة في المعتاد 10-10 أمتار، يبلغ قطر نواتها نحو 14-10 إلى
15-10 أمتار؛ لذا توخ الحذر من التشبيه الشائع الذي يقول إن الذرة أقرب إلى مجموعة شمسية صغيرة للغاية تدور فيها «الإلكترونات الكوكبية» حول «الشمس النووية». ففي المجموعة الشمسية الفعلية تبلغ النسبة بين حجم الشمس التي تحتل المركز وبين مدار كوكبنا 100:1، بينما الذرة أكثر خواءً بكثير؛ إذ تبلغ النسبة بين مساحة نواتها المركزية وبين قطرها 10000:1. ويتواصل هذا الخواء؛ إذ يبلغ قطر البروتونات والنيوترونات المنفردة نحو 15-10 أمتار، وهي بالتبعية مؤلفة من جسيمات أصغر حجما تُعرَف بالكواركات. وإذا كانت الكواركات والإلكترونات لهما أي أحجام فعلية، فهي صغيرة للغاية بحيث يستحيل علينا قياسها كل ما يمكننا قوله على وجه اليقين هو أنها ليست أكبر من 18-10 أمتار. وهكذا مجددًا نرى أن الحجم النسبي للكوارك إلى البروتون يبلغ نحو 10000:1 (على الأكثر!) والأمر عينه ينطبق على الإلكترونات «الكوكبية» نسبة إلى البروتونات «الشمسية»؛ إذ تبلغ النسبة 1:10000 بدلا من «مجرد» 100:1 كما الحال في المجموعة الشمسية الحقيقية. إذن العالم داخل الذرة خاوِ على نحو لا يُصدق. للإحساس بهذا الفارق المهول في الحجم، تصوّر أطول مسافة من المرجح أن تجدها بين حفرتين في ملعب جولف، والتي يبلغ طولها مثلا 500 متر. تبلغ النسبة بين طول هذه المسافة وبين حجم الحفرة الصغيرة التي ستضع بها الكرة نحو 1:10000، ومن ثُمَّ فهي تقارب النسبة بين قطر ذرة الهيدروجين ونواتها المركزية؛ البروتون.
شكل 2-1: مقارنات بين النطاق البشري وما وراء الرؤية الطبيعية على النطاقات الصغيرة تعرف بالمسافة البالغة 6-10 أمتار باسم 1 ميكرو والمسافة البالغة 9-10 أمتار تعرف باسم 1 نانومتر فيما تعرف بالمسافة البالغة 15-10 أمتار (الفمتورمتر) باسم 1 فيرمي.
تتسم المسافات الكبيرة للغاية بالغرابة عندما يتم التعبير عنها بالأمتار، وينطبق الأمر عينه على الأبعاد دون الميكروسكوبية للبنى الذرية والنووية. في حالة المسافات الكبيرة استحدثنا مصطلح السنة الضوئية، وقدرها 1016، أمتار، لكن في حالة المسافات الفائقة الصغر من المعتاد أن نستخدم الأنجستروم، ورمزه A، بحيث إن 1 أنجستروم =10-10 أمتار (وهو) في المعتاد حجم الذرة البسيطة؛ وأن نستخدم أيضًا الفيرمي، ورمزه fm، بحيث إن 1 فيرمي = 10-15 أمتار. وبهذا يصير الأنجستروم وحدة ملائمة لقياس أحجام الذرات والجزيئات، فيما يُعَدُّ الفيرمي وحدة القياس الطبيعية للأنوية والجسيمات. (أنجستروم وفيرمي هما عالمان ذريان ونوويان شهيران في القرن التاسع عشر والقرن العشرين على الترتيب.)
ترى أعيننا الأشياء في نطاقات الحجم البشرية، فقد طوّر أسلافنا الحواس التي من شأنها أن تحميهم من هجوم الضواري، ومن ثَمَّ لم تكن هناك حاجة لأن ترى أعيننا المجرات التي تنبعث منها موجات الراديو، أو الذرات التي يتكون منها حمضنا النووي. واليوم، يمكننا استخدام المعدات بغرض بَسْط نطاق حواسنا على غرار التليسكوبات التي تدرس أعماق الفضاء والميكروسكوبات التي تكشف عن البكتيريا والجزيئات. ولدينا «ميكروسكوبات» خاصة تكشف عن المسافات الأصغر من الذرة، ونعني بهذا معجلات الجسيمات عالية الطاقة؛ فبواسطة هذه الأداة يمكننا الكشف عن الطبيعة على امتداد نطاق شاسع من المسافات المتدرجة.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|