أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2016
371
التاريخ: 15-11-2016
395
التاريخ: 13-11-2016
518
التاريخ: 14-11-2016
319
|
[نص الشبهة]
...اعلم أن الأشاعرة احتجوا على مقالتهم بوجهين، هما أقوى الوجوه عندهم، يلزم منهما الخروج عن العقيدة. ونحن نذكر ما قالوا: ونبين دلالتهما على ما هو معلوم البطلان بالضرورة من دين النبي صلى الله عليه وآله.
الأول: قالوا لو كان العبد فاعلا لشيء ما بالقدرة والاختيار، فإما أن يتمكن من تركه، أو لا.
والثاني: يلزم منه الجبر، لأن الفاعل الذي لا يتمكن من ترك ما يفعله موجب لا مختار، كما يصدر عن النار الاحراق، ولا تتمكن من تركه، والأول، إما أن يترجح الفعل حالة الايجاد، أو لا.
والثاني أيضا: أنه يلزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح، لأنهما لما استويا من كل وجه بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، وبالنسبة إلى القادر الموجد، كان ترجيح القادر للفعل على الترك ترجيحا للمساوي بغير مرجح، وإن ترجح، فإن لم ينته إلى حد الوجوب أمكن حصول المرجوح مع تحقق الرجحان وهو محال.
أما أولا، فلامتناع وقوعه حالة التساوي فحالة المرجوحية أولى.
وأما ثانيا، فلأنه مع قيد الرجحان يمكن وقوع المرجوح، فلنفرضه واقعا في وقت، والراجح في آخر، فترجيح أحد الوقتين بأحد الأمرين لا بد له من مرجح غير المرجح الأول، وإلا لزم ترجيح أحد المتساويين بغير مرجح، فينتهي إلى حد الوجوب، وإلا تسلسل، وإذا امتنع وقوع الأثر إلا مع الوجوب، والواجب غير مقدور، ونقيضه ممتنع غير مقدور أيضا، فيلزم الجبر والايجاب، فلا يكون العبد مختارا.
الثاني: أن كل ما يقع، فإن الله تعالى قد علم وقوعه قبل وقوعه، وكل ما لم يقع فإن الله قد علم في الأزل عدم وقوعه، وما علم الله وقوعه فهو واجب الوقوع، وإلا لزم انقلاب علم الله تعالى جهلا، وهو محال، وما علم عدم وقوعه فهو ممتنع، إذ لو وقع انقلب علم الله تعالى جهلا، وهو محال أيضا، والواجب والممتنع غير مقدورين للعبد، فيلزم الجبر.
الجواب عن شبهة الأشاعرة :
والجواب عن الوجهين، من حيث النقض، ومن حيث المعارضة.
أما النقض ففي الأول من وجوه:
الأول: وهو الحق: أن الوجوب من حيث الداعي والإرادة، لا ينافي الامكان في نفس الأمر، ولا يستلزم الايجاب وخروج القادر عن قدرته، وعدم وقوع الفعل بها. فإنا نقول: الفعل المقدور للعبد يكمن وجوده منه، ويمكن عدمه. فإذا خلص الداعي إلى إيجاده، وحصلت الشرائط، وارتفعت الموانع، وعلم القادر خلوص المصالح الحاصلة من الفعل عن شوائب المفسدة البتة وجب من هذه الحيثية إيجاد الفعل، ولا يكون ذلك جبرا، ولا إيجابا بالنسبة إلى القدرة والفعل لا غير.
الثاني: يجوز أن يترجح الفعل فيوجده المؤثر، والعدم فيعدمه، ولا ينتهي الرجحان إلى الوجوب، على ما ذهب إليه جماعة من المتكلمين، فلا يلزم الجبر، ولا الترجيح من غير مرجح.
قوله: (مع ذلك الرجحان لا يمتنع النقيض، فليفرض واقعا في وقت، فترجيح الفعل وقت وجوده يفتقر إلى مرجح آخر). قلنا، ممنوع، بل الرجحان الأول كاف، فلا يفتقر إلى رجحان آخر.
الثالث: لم لا يوقعه القادر مع التساوي، فإن القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجح، وقد ذهب إلى هذا جماعة من المتكلمين، وتمثلوا في ذلك بصورة وجدانية، كالجائع يحضره رغيفان متساويان من جميع الوجوه، فإنه يتناول أحدهما من غير مرجح، ولا يمتنع من الأكل حتى يترجح لمرجح، والعطشان يحضره إناءان متساويان من جميع الوجوه، والهارب من السبع إذا عن له طريقان متساويان، فإنه يسلك أحدهما، ولا ينتظر المرجح، وإذا كان هذا الحكم وجدانيا كيف يمكن الاستدلال على نقيضه؟
الرابع: أن هذا الدليل ينافي مذهبهم، فلا يصح لهم الاحتجاج به لأن مذهبهم: أن القدرة لا تصلح للضدين، فالمتمكن من الفعل يخرج عن القدرة لعدم التمكن من الترك، وإن خالفوا مذهبهم: أن القدرة لا تتقدم. على المقدور عندهم، وإن فرضوا للعبد قدرة موجودة حال وجود قدرة الفعل، لزمهم: إما اجتماع الضدين، أو تقدم القدرة على الفعل، فانظر إلى هؤلاء القوم، الذين لا يبالون في تضاد أقوالهم، وتعاندها.
وفي الثاني من وجهين:
الأول: العلم بالوقوع تبع الوقوع، فلا يؤثر فيه، فإن التابع إنما يتبع متبوعه، ويتأخر عنه بالذات، والمؤثر متقدم.
الثاني: أن الوجوب اللاحق لا يؤثر في الامكان الذاتي، ويحصل الوجوب باعتبار فرض وقوع الممكن، فإن كل ممكن على الاطلاق إذا
فرض موجودا، فإنه حالة وجوده يمتنع عدمه، لامتناع اجتماع النقيضين، وإذا كان ممتنع العدم كان واجبا، مع أنه ممكن بالنظر إلى ذاته.
والعلم حكاية عن المعلوم، ومطابق له، إذ لا بد في العلم من المطابقة، فالعلم والمعلوم متطابقان.. والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم، فإنه لولاه لم يكن علما به. ولا فرق بين فرض الشيء، وفرض ما يطابقه بما هو حكاية عنه، وفرض العلم هو بعينه فرض المعلوم، وقد عرفت أن مع فرض المعلوم يجب، فكذا مع فرض العلم به، وكما أن ذلك الوجوب لا يؤثر في الامكان الذاتي، كذا هو الوجوب. ولا يلزم من تعلق علم الله تعالى به وجوبه بالنسبة إلى ذاته، بل بالنسبة إلى العلم.
وأما المعارضة في الوجهين: فإنهما آتيان في حق واجب الوجود تعالى.
فإنا نقول في الأول:
لو كان الله تعالى قادرا مختارا، فإما أن يتمكن من الترك أو لا، فإن لم يتمكن من الترك كان موجبا مجبورا على الفعل، لا قادرا مختارا. وإن تمكن، فإما أن يترجح أحد الطرفين على الآخر أو لا، فإن لم يترجح لزم وجود الممكن المتساوي من غير مرجح، فإن كان محالا في حق العبد كان محالا في حق الله تعالى، لعدم الفرق. وإن ترجح، فإن انتهى إلى الوجوب، لزم الجبر، وإلا تسلسل، أو وقع المتساوي من غير مرجح فكل ما تقولونه ها هنا نقوله نحن في حق العبد.
ونقول في الثاني:
إن ما علمه الله تعالى إن وجب، ولزم بسبب هذا الوجوب خروج القادر منا عن قدرته، وإدخاله في الموجب، لزم في حق الله تعالى ذلك بعينه. وإن لم يقتض سقط الاستدلال.
فقد ظهر من هذا أن هذين الدليلين آتيان في حق الله تعالى، وهما إن صحا لزم خروج الواجب عن كونه قادرا، ويكون موجبا.. وهذا هو الكفر الصريح، إذ الفارق بين الإسلام والفلسفة هو هذه المسألة.
والحاصل: أن هؤلاء إن اعترفوا بصحة هذين الدليلين لزمهم الكفر، وإن اعترفوا ببطلانهما سقط احتجاجهم بهما.
فلينظر العاقل من نفسه: هل يجوز له أن يقلد من يستدل بدليل يعتقد صحته، ويحتج به غدا يوم القيامة؟ وهو يوجب الكفر، والالحاد؟.
وأي عذر لهم عن ذلك؟ وعن الكفر والالحاد؟ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟، هذه حجتهم تنطق بصريح الكفر على ما ترى. وتلك الأقاويل التي لهم قد عرفت أنه يلزم منها نسبة الله سبحانه إلى كل خسيسة ورذيلة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وليحذر المقلدون، وينظروا كيف هؤلاء القوم الذين يقلدونهم، فإن استحسنوا لأنفسهم بعد البيان والايضاح اتباعهم كفاهم بذلك ضلالا، وإن راجعوا عقولهم، وتركوا اتباع الأهواء، عرفوا الحق بعين الإنصاف، وفقهم الله لإصابة الثواب .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|