المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

المدرسة اللغوية البنیوية
21-4-2019
الطرق المناعية لقياس مستوى الفايبرينوجين
4-1-2021
تغير حالة الغاز
18-3-2018
lax (adj.)
2023-10-02
إعلان البراءة من المشركين في منى
2-7-2017
أهمية الطاقة الشمسية
17-5-2017


قاعدة « القرعة »  
  
1790   10:40 صباحاً   التاريخ: 18-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج1 ص59-77.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / القرعة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-9-2016 1791
التاريخ: 2024-08-03 388
التاريخ: 23-3-2022 1395
التاريخ: 26-3-2022 2918

ومن جملة القواعد الفقهيّة هي قاعدة « القرعة » ، فلا بدّ وأن نبحث فيها من جهات حتّى يتبيّن الحال.

الجهة الأولى  : في بيان أدلة القرعة من الكتاب والإجماع والسنة‌ :

أمّا الكتاب :

فمنها : قوله تعالى في قضيّة النبي يونس عليه السلام : {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141].

ومنها : قوله تعالى في قصّة مخاصمتهم في تكفّل مريم واقتراعهم لذلك : {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } [آل عمران: 44]. والقصّتان وشرحهما مذكورتان في التفاسير فراجعها.

فالأوّل المراد من المساهمة هو الاقتراع ، أعني أنّ النبي يونس عليه السلام اقترع معهم فكان من المغلوبين.

والثاني في بيان كيفية اقتراعهم ـ في أنّه من هو أحقّ بأن يتكفّل مريم ، وذلك أنّ زكريّا عليه السلام قال لهم : أنا أحقّ بها ، عندي خالتها فقالوا : لا حتّى نقرع عليها ، فانطلقوا إلى نهر الأردن فألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي على أنّ من ارتفع قلمه فوق الماء فهو أحقّ بها. وقيل : إنّ أقلامهم كانت من الحديد ، فألقوا أقلامهم ثلاث مرّات ، وفي كلّ مرة يرتفع قلم زكريّا عليه السلام وترسب أقلامهم.

وأمّا الأخبار الواردة في هذه القاعدة عن الأئمّة الأطهار ‌، فادّعى تواترها ، ولا يبعد أن يكون التواتر المعنوي ثابتة فيها ؛ لكثرة ما ورد فيها من الأخبار العامّة التي لا اختصاص لها بمورد خاصّ ، بل مطلق تشمل جميع الموارد المجهولة أو المشتبهة أو المشكلة على اختلاف ألسنتها ، من الأخبار الخاصّة الواردة في موارد خاصّة.

ونذكر جملة من الطائفتين :

فمن الطائفة الأولى : رواية محمد بن حكيم المروي في الفقيه والتهذيب ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن القرعة في أي شي‌ء؟ فقال لي : « كلّ مجهول ففيه القرعة ». قلت له : إنّ القرعة تخطئ وتصيب ، قال : « كلّ ما حكم الله به فليس بمخطئ » (1).

ومنها : أيضا المرسل في الفقيه : « ما تقارع قوم فوّضوا أمرهم إلى الله إلاّ خرج بهم المحقّق » ، وقال عليه السلام : « أيّ قضيّة أعدل من القرعة ، إذا فوّض الأمر إلى الله أليس الله تعالى يقول ( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) » (2).

منها : ما في دعائم الإسلام ، عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد الله : أنّهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل.

وأيضا في دعائم الإسلام : قال أبو عبد الله عليه السلام : « وأيّ حكم في الملتبس أثبت من القرعة ، أليس هو التفويض إلى الله جلّ ذكره ».

ثمَّ قال في دعائم الإسلام : ذكر أبو عبد الله قصّة يونس النبي عليه السلام في قوله جلّ ذكره (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) وقصّة زكريا عليه السلام وقوله جلّ وعلا ( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ ) وذكر قصّة عبد المطلب لمّا نذر أن يذبح من يولد له ، فولد له عبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه واله فألقى الله عليه محبّته ، وألقى السهام على إبل ينحرها يتقرّب بها مكانه ، فلم تزل السهام تقع عليه وهو يزيد حتّى بلغت مائة ، فوقعت السهام على الإبل فأعاد السهام مرارا وهي تقع على الإبل ، فقال : الآن علمت أنّ ربّي قد رضي إلى آخره (3).

ومنها : ما في الوسائل ، في ذيل خبر محمّد بن الحسن الطوسي ، بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه بعد ما حكم بالقرعة في الفرع المذكور في تلك الرواية ، قال عليه السلام : « القرعة سنة » (4).

ومنها : أيضا ما في الوسائل عنه ، أي محمّد بن الحسن الطوسي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : « بعث رسول الله صلى الله عليه واله عليا عليه السلام إلى اليمن فقال له حين قدم : حدّثني بأعجب ما ورد عليك ، فقال : يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية ، فوطئها جميعهم في طهر واحد فولدت غلاما واحتجّوا كلّهم يدّعيه ، فأسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه واله : ليس من قوم تنازعوا ، ثمَّ فوضّوا أمرهم إلى الله إلاّ خرج سهم الحقّ » (5).

ورواه الصدوق بإسناده عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ‌ نحوه ، إلاّ أنّه قال : « تقارعوا » ، أي في مكان « تنازعوا » (6).

ومنها : أيضا ما في الوسائل عن محاسن البرقي ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن منصور بن حازم قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله عليه السلام عن مسألة ، فقال : « هذه تخرج في القرعة ـ ثمَّ قال : ـ فأيّ قضية أعدل من القرعة إذا فوّضوا أمرهم إلى الله عزّ وجلّ ، أليس الله يقول ( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (7).

وعلى هذا النمط ممّا يمكن أن يستخرج منها كبرى كليّة.

وأمّا الطائفة الثانية : أي حكمهم : بالقرعة في موارد خاصّة فكثيرة جدّا ، نذكر جملة منها :

فمنها ما في الوسائل عن محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن أبي المغراء ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا وقع الحرّ والعبد والمشرك على امرأة في طهر واحد وادعوا الولد أقرع بينهم ، وكان الولد للذي يقرع » (8).

ومنها : أيضا في الوسائل عنه بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام : في رجل قال أوّل مملوك أملكه حرّ فورث ثلاثة قال : « يقرع بينهم ، فمن أصابه القرعة أعتق » (9).

ومنها : أيضا ما في الوسائل عنه أيضا عن حمّاد ، عن المختار قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه السلام فقال له أبو عبد الله : « ما تقول في بيت سقط على قوم ، فبقي منهم صبيّان ، أحدهما حرّ والآخر مملوك لصاحبه ، فلم يعرف الحرّ من العبد؟ » فقال أبو حنيفة : يعتق نصف هذا أو نصف هذا فقال أبو عبد الله عليه السلام : « ليس كذلك ، ولكنّه يقرع‌ بينهما فمن أصابته القرعة فهو الحرّ ويعتق هذا ويجعل مولى لهذا » (10).

ومنها : أيضا ما في الوسائل عنه أيضا ، عن حريز ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام باليمن في قوم انهدمت عليهم دارهم وبقي صبيّان : أحدهما حرّ ، والآخر مملوك ، فأسهم أمير المؤمنين عليه السلام بينهما ، فخرج السهم على أحدهما ، فجعل له المال وأعتق الآخر » (11). إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي جمعها في الوسائل في الباب الثالث عشر من أبواب كيفيّة الحكم بعنوان « باب الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة وجملة من مواقعها وكيفيّتها » وإذا أردت فراجع ذلك الباب.

وأيضا ذكر في الوسائل في باب تحريم لحم البهيمة التي ينكحها الآدمي ولبنها ، فإن اشتبهت استخرجت بالقرعة : محمّد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، عن الرجل عليه السلام أنّه سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة قال : « إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبدا حتّى يقع السهم بها ، فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها » (12).

وقد حكى أيضا في الوسائل عن الشيخ بطريق آخر (13) ، وعن تحف العقول ما هو بهذا المضمون أو قريب منه (14).

وفي المستدرك : أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره ، عن عثمان بن عيسى ، عن‌ بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أنّ بعض أصحابك ينمّ عليك فاحذره ، فقال : يا ربّ لا أعرفه أخبرني حتّى أعرفه ، فقال : يا موسى عبت عليه النميمة وتكلّفني أن أكون نمّاما ، فقال : يا ربّ وكيف أصنع؟ قال الله تعالى : فرّق أصحابك عشرة عشرة ، ثمَّ تقرع بينهم ، فإنّ السهم يقع على العشرة التي هو فيهم ، ثمَّ تفرّقهم وتقرع بينهم ، فإنّ السهم يقع عليه. قال : فلما رأى الرجل أنّ السهام تقرع قام فقال : يا رسول الله أنا صاحبك لا والله لا أعود » (15).

وقد ذكر في البحار روايتين عن أبي جعفر عليه السلام ، حاصل مضمونهما أنّ عليا عليه السلام إذا لم يجد من الكتاب والسنّة رجم ، أي ساهم ، فقال أبو جعفر عليه السلام : « تلك في المعضلات » (16).

والحاصل : أنّ الروايات في اعتبار القرعة في الموارد الخاصّة كثيرة متفرّقة في أبواب الفقه ، وينبغي أن يعدّ دلالة الآيات والأخبار على اعتبارها من القطعيات.

وأمّا الإجماع : فالظاهر أنّه أحد من الإماميّة الاثنى عشريّة ما ادّعى عدم اعتباره بنحو السلب الكلّي ، فهذا الشهيد في كتابه « القواعد » في باب التعادل والتراجيح من مقدّمته في اشتباه القبلة يقول : ذهب السيد رضي الدين بن طاوس هنا إلى الرجوع إلى القرعة ، استضعافا لمستند وجوب الصلاة إلى الأربع ؛ وهو حسن. إلى أن يقول : فيرجع إلى القرعة الواردة لكل أمر مشتبه (17).

وقال ابن إدريس في كتاب القضاء من السرائر : وإذا ولد مولود ليس له ما للرجال ولا ما للنساء أقرع عليه ، فإن خرج سهم الرجال ألحق بهم وورث ميراثهم ، وإن خرج سهم النساء ألحق بهنّ وورث ميراثهنّ ، وكلّ أمر مشكل مجهول يشتبه‌ الحكم فيه فينبغي أن يستعمل فيه القرعة ؛ لما روى عن الأئمّة ، وتواترت به الآثار ، وأجمعت عليه الشيعة الإماميّة ، انتهى (18).

وحكي عن الشيخ أيضا ما ظاهره الإجماع على اعتبارها ولا أظنّ أنّ أحدا من الإماميّة ينكر اعتبارها في الجملة لكن هذا الاتّفاق ليس هو الإجماع المصطلح الأصولي الذي هو حجّة على الحكم الشرعي ؛ لأنّه من المحتمل القريب بل من المقطوع أنّ مستند المتّفقين هو هذه الأخبار والآيات ، وعلى كل حال لا ينبغي الارتياب في اعتبار القرعة وتشريعه.

الجهة الثانية  : في بيان مقدار دلالة هذه الأخبار والآيات‌ :

وهل تدلّ على جريانها في الشبهات الحكميّة والموضوعيّة جميعا سواء كانتا بدويّة أو مقرونة بالعلم الإجمالي ، أو لا تدلّ إلاّ على جريانها في الشبهات الموضوعيّة؟

لا شبهة في عدم جريانها في الشبهات الحكميّة ، وأنّما الكلام في أنّ خروجها من باب التخصيص أو التخصّص ، وإلاّ فالقول بشمولها للشبهات البدويّة الحكميّة ينبغي أن يعد من المضحكات.

أقول : العناوين العامّة الواردة في أدلّة القرعة أربعة : عنوان المجهول ، وعنوان المشتبه ، وعنوان المشكل ، وعنوان الملتبس ، وفي بعض الروايات عنوان المعضلات.

والأوّلان أي عنوان « المجهول » و « المشتبه » ولو كان لهما عموم بحسب المفهوم بحيث أنّ مفهوميهما يشمل الشبهة بصورها الأربع : الحكميّة والموضوعية ، سواء كانتا‌ بدويّة أو مقرونة بالعلم الإجمالي ، ولكن التتبّع في موارد تلك الروايات والتأمّل في العلّة التي ذكرها الامام عليه السلام ـ وهو قوله عليه السلام : « فأيّ قضية أعدل من القرعة إذا فوضّوا أمرهم إلى الله » ـ يوجب الاطمئنان بأنّ المراد من هذه العناوين الأربعة أو الخمسة هو المجهول والمشتبه الذي في الشبهة الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجمالي إذا كان من المشكلات والمعضلات التي لا طريق إلى إثباتها ، وكان الاحتياط إما ليس بممكن ، أو يوجب العسر والحرج ، أو نعلم بأنّ الشارع ما أوجب الاحتياط فيها ، ففي مثل هذا المورد شرّع القرعة ، ولا فرق بين أن يكون المشتبه من حقوق الله أو من حقوق الناس ، ولا بين أن يكون له واقع معيّن في عالم الثبوت وتكون القرعة واسطة ودليلا في عالم الإثبات ، أو لم يكن له واقع معيّن في عالم الثبوت والقرعة واسطة في الثبوت ، كما في قوله : إحدى زوجاتي طالق ، أو أحد عبيدي حرّ بناء على صحّة مثل هذا الطلاق ومثل هذا العتق.

ففي مثل الغنم الموطوء المشتبه في قطيع الغنم وإن كان مقتضى القاعدة الأوّلية هو الاجتناب عن جميع أفراده إن لم تكن الشبهة غير محصورة ، ولكن حيث نعلم بأنّ الشارع لم يوجب الاحتياط لأنّه تضييع المال الكثير الذي لا يتحمّل عادة ، والمفروض أنّه لا يمكن تعيين الموطوء وما هو موضوع الحكم بحرمة لحمه وسائر ما يتفرّع عليه ووجوب إحراقه ، فصار من المشكلات والمعضلات في الشبهة الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجمالي التي هي مورد تشريع القرعة ؛ لأنّ تضمين الواطئ ليس إلاّ في خصوص الموطوء ، لا في سائر أفراد القطيع ، فالاحتياط يكون ضررا عظيما على صاحب القطيع ؛ ولذلك لا مورد للاحتياط ، ولذلك صار مشكلا ومعضلا حلّه بالقرعة.

ثمَّ إنّ غالب موارد القرعة أي الشبهة الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجمالي التي لا يجب ولا يجوز فيها الاحتياط ـ وإن كان ممّا يمكن وقوع النزاع والمخاصمة فيه ، ولذلك ترى أنّ الفقهاء تعرّضوا لذكر القرعة في كتاب القضاء في مسألة تعارض البيّنات مع‌ عدم مرجّح لإحديهما ، وحكموا بالقرعة بعد التساوي وفقد المرجّح ، بل ادّعى جماعة منهم الإجماع على الرجوع إلى القرعة حينئذ ، ولكن هذا لا يدلّ على اختصاص القرعة بمورد وقوع المخاصمة والنزاع ، بل لو لم يكن هناك نزاع وخصومة في البين كما إذا قال : إحدى عبيدي حرّ ، أو إحدى زوجاتي طالق ، أو هو صاحب القطيع من الغنم وطأ إحدى شياته فيريد تعيين وظيفة نفسه بالاقتراع ـ فالأدلّة تشمله مع عدم خصومة في البين.

والحاصل : أنّ الذي يستفاد من مجموع الأدلّة أنّ مورد القرعة هي الشبهة الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجمالي الذي لا يمكن فيه الاحتياط ، أو لا يجوز وإن كان ممكنا ، أو لا يجب وليس هناك أصل أو أمارة موافق للمعلوم بالإجمال كي يكون موجبا لانحلاله ، وبعبارة أخرى : يكون من المعضلات ، ففي مثل هذا المورد شرّعت القرعة لحلّ المعضلة والمشكلة.

وقد أشار إلى ذلك أبو جعفر الباقر عليه السلام فيما روى المحدّث المجلسي عن عبد الرحيم القصير ، عن أبي جعفر عليه السلام في المجلّد الأوّل في كتابه « بحار الأنوار » في باب أنّهم : عندهم مواد العلم ، قال عليه السلام : « كان عليّ عليه السلام إذا ورد أمر ما نزل به كتاب ولا سنة قال : رجم فأصاب ، قال أبو جعفر : وهي المعضلات » (19).

وفي رواية أخرى ، أو طريق لنفس تلك الرواية قال عليه السلام : « وتلك المعضلات » (20).

ومعلوم أنّ المراد هو الموضوع المشتبه الذي ما نزل بالخصوص حكم لا في الكتاب ولا في السنّة ، وإلاّ فالموضوعات الكلّية حكمها في الكتاب والسنّة موجودة ، كما أنّه لا يمكن أن يكون المراد الشبهة البدويّة ؛ لأنّها أيضا حكمها في الكتاب والسنّة موجودة وليست بمعضلة ، لأنّ القواعد المجعولة للشكّ مستوعب لجميع الشكوك البدويّة ، فلا بدّ وأن يكون المراد ما ذكرناه من الضابط لمورد القرعة حتّى تكون من‌ المعضلات.

وأمّا ما ذكره استاذنا المحقق (21) من الوجه لعدم شمول كلّ أمر مجهول للشبهة الحكميّة من أنّ ظاهر كلمة « أمر مجهول » هو أن يكون نفس الشي‌ء وذاته مجهول لا حكمه ، فيختصّ بالشبهات الموضوعيّة ـ فعجيب لأنّ لفظ « الأمر » مثل لفظ « الشي‌ء » مفهوم عامّ يشمل الأحكام والموضوعات ، فالحكم المجهول مثل الموضوع المجهول كلاهما يصدق عليهما أنّه أمر مجهول.

وقد ذكر المحدّث القمّي في سفينة البحار موارد استعمال القرعة في الأخبار المذكورة في كتاب البحار كلّها ، من مصاديق الضابط الذي ذكرنا لمورد استعمال القرعة. (22) فلا نطول المقام وأنت راجع إذا أحببت.

الجهة الثالثة : في أنّها أصل أو امارة؟

والفرق بين الأمارة والأصل ... أنّ الأمارة ما تكون فيها جهة كشف ، والشارع يجعلها حجّة لجهة كشفها ، بمعنى أنّه يعتبرها كشفا تامّا في عالم اعتباره التشريعي.

فالاماريّة لشي‌ء متقوّم بأمرين :

الأوّل : أن يكون فيه جهة كشف.

والثاني : أن يعتبره كشفا تامّا في عالم اعتباره التشريعي.

وجهة الكاشفيّة في شي‌ء إمّا تامّ لا نقص فيه ـ فذلك يسمّى « القطع » ، حيث أنّ كاشفيّته تامّ لا يحتمل الخلاف. وهذا لا يحتاج إلى جعل الحجيّة له ، بل يكون جعل الحجيّة له محال ؛ لأنّه من قبيل تحصيل الحاصل ، بل أسوء منه ؛ لأنّه من قبيل تحصيل‌ ما هو الحاصل بالوجدان بالتعبّد ـ وإمّا ناقص ويحتمل الخلاف ، فحينئذ إن جعله الشارع حجّة بتتميم كشفه في عالم الاعتبار بأنّ يعتبر هذا الكشف الناقص تامّا فهذا يصير امارة فإذا كان في شي‌ء هاتان الجهتان نسمّيه بالأمارة.

وجهة الكشف قد يكون من جهة الملازمة بين الكاشف والمنكشف ـ بأن يكون أحدهما علّة والآخر معلول ، أو يكونان معلولي علّة ثالثة. وهذا القسم من الكشف يكون كشفا تامّا لا يحتمل الخلاف ، وإلاّ يلزم تخلّف العلّة عن المعلول أو المعلول عن العلّة ـ وقد يكون من جهة أخرى ليست موجبة لدوام المطابقة ولكنّها موجبة لكون ذلك الشي‌ء غالب المطابقة. وهذا القسم يكون كشفا ناقصا يحتمل الخلاف ويسمّى بالظنّ ، كما أنّ القسم الأوّل يسمّى بالقطع.

ولا شكّ في أنّه بعد ملاحظة قوله صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام : « ليس من قوم تنازعوا ثمَّ فوّضوا أمرهم إلى الله إلاّ خرج سهم الحق » (23) وبعد ملاحظة قول أبي الحسن الكاظم عليه السلام في ذيل رواية محمّد بن حكيم : « كلّ ما حكم الله به فليس بمخطئ » (24) بعد قول الراوي أي محمّد بن حكيم ـ : « إنّ القرعة تخطي وتصيب » يطمئن الإنسان بأنّها غالب المطابقة ، إن لم نقل بأنّ هذا الكلام وأمثاله ممّا يوجب القطع بدوام المطابقة.

وذلك كما في الاستخارة أقوالهم : « ما خاب من استخار » يوجب الاطمئنان بإصابتها للواقع ، ولذلك نقل لي عن بعض الأعاظم ( قده ) أنّ الاستخارة من أقوى الأمارات وأقوى الحج على إثبات الصانع ؛ لأنّه لو لم يكن صانع كان أيّ ارتباط بين عدد الزوج أو الفرد ، وبين ما فيه المصلحة والمفسدة؟ ولكن الله تعالى شأنه هو الذي يجعل ما فيه المصلحة أو المفسدة زوجا أو فردا بعد تفويض الأمر إليه تعالى ، وكذلك الأمر في القرعة.

فالإنصاف أنّه بعد ملاحظة هذه الروايات إنكار أنّ القرعة لا يوجب الظنّ بإصابة الواقع ليس في محلّه ، كما أنّ الأمر في الاستخارة أيضا كذلك ، بل هي أيضا في الحقيقة نوع من الاقتراع ، خصوصا في استخارة ذات الرقاع التي هي من أعظم الاستخارات.

وأمّا كون حجيّتها من باب تتميم الكشف فيكفي فيه قول أبي الحسن موسى عليه السلام: « كلّ ما حكم الله به فليس بمخطئ » في مقام ردع الراوي حينما يقول « إنّ القرعة تخطي وتصيب ».

وهم ودفع‌ :

أمّا الأوّل : فهو أنّه ربما يتوهّم منافاة قوله تعالى {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } [المائدة: 3] مع مشروعيّة الاستخارة ؛ وذلك من جهة نصوصيّة الآية في أنّ الاستقسام بالأزلام فسق ، مع أنّه عبارة عن الاستخارة التي كانت متعارفة عندهم في الجاهليّة. فقد حكى الطبري في تفسيره (25) ، والزمخشري في الكشاف (26) ، وجمع آخر في تفسير هذه الآية أنّ العرب في الجاهلية كانوا يستقسمون بالأزلام ، أي يطلبون الخير وقسمة الأرزاق بالقداح ، أي السهام ؛ لأنّ أزلام جمع الزلم وهو السهم لا ريش عليه ، فكانوا يتفأّلون بها في أمورهم ، ويطلبون ما هو الخير من فعل أو ترك بتلك السهام والأزلام في جميع أمورهم التي يريدون أن يبتدءوا بها من أسفارهم ، ومساكنهم ومراكبهم ، ومتاجرهم ، ومناكحهم إلى غير ذلك من مهمّاتهم ؛ وذلك بمراجعتهم إلى تلك السهام المعيّنة التي كانت عند شخص كان بمنزلة السادن لتلك السهام المحترمة عندهم ، وكانت تلك السهام مكتوبة على بعضها : « أمرني ربّي » وعلى بعضها الآخر : « نهاني ربّي » وبعضها‌ غفل ، لم يكتب عليه شي‌ء.

فإذا أرادوا سفرا أو أمرا آخر يهتمّون به ، ضربوا على تلك السهام فإن خرج السهم الذي مكتوب عليه « أمرني ربي » يمضي في حاجته ويقدم على ذلك الأمر ، وإن خرج السهم الذي كتب عليه « نهاني ربّي » لم يقدم على ذلك الأمر ، وإن خرج السهم لم يكتب عليه شي‌ء وهو غفل أعادوا العمل حتى يخرج أحد السهمين الّذين كتب على أحدهما الأمر ، وعلى الآخر النهي ، فيعمل على طبقه.

فالمتوهّم يقول : إنّ هذا العمل عين الاستخارة التي عند الإماميّة الاثنى عشريّة ـ زاد الله في عزّهم وشرفهم ـ فتكون المشي على طبق الاستخارة ، ونفس هذا العمل ـ أي الاستخارة ـ حراما وفسقا ؛ لقوله تعالى بعد هذه الجملة ، أي جملة  {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] لأنّه إمّا مخصوص بهذه الجملة أو يشملها في ضمن الجميع.

وأمّا الثاني : أي الدفع ، فجوابه أنّ هذا الاحتمال في تفسير الآية باطل قطعا ؛ لأنّه من الواضح الجلي أنّ الآية الشريفة في مقام بيان كيفيّة أكل اللحوم في الجاهليّة ، وتميّز ما هو حلال منها وما هو حرام أي المذكى وغير المذكّى ؛ لأنّه تبارك وتعالى يقول : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ } [المائدة: 3] .

وكانوا في الجاهلية إذا أجدبت سنة وصارت سنة قحط فالأغنياء من العشيرة يشترون جزورا ويجزونه أجزاء ، وكانت عندهم سهام وهي الأزلام ، أي القداح لا ريش لها وكانت تلك القداح بيد أمين لهم ، وهي عشرة سهام أسماؤها : الفذ ، والتوأم، والرقيب ، والحلس ، والنافس ، والمسبل ، والمعلى ، والوغد ، والسفيح ، والمنيح.

فالفذّ له سهم واحد ، والتوأم له سهمان ، والرقيب له ثلاثة أسهم ، والحلس له أربعة أسهم ، والنافس له خمسة أسهم ، والمسبل له ستّة أسهم ، والمعلى له سبعة أسهم ، أي النصيب الأوفر ، ومجموع السهام ثمانية وعشرون سهما ، والوغد والسفيح والمنيح لم تكن لها سهم ، فهذه الثلاثة كانت مهملة ، أي لا نصيب لها.

فذلك الأمين يجعل السهام في خريطة ويخرج كلّ واحدة من تلك السهام باسم واحد من العشرة المقامرين ، فمن خرج باسمه « الفذّ » يأخذ سهما من الجزور ، و « التوأم » سهمان ، وهكذا إلى « المعلى » الذي له نصيب الأوفر. ومن خرج باسمه أحد الثلاثة المهملة ـ أي الوغد والسفيح والمنيح ـ فعليه ثمن الجزور ولا سهم له من الجزور. ونقلوا أنّ السبعة الذين كانت تخرج لهم السهام كانوا يقسمون سهامهم على الفقراء من عشيرتهم.

فالله تبارك وتعالى نهى عن أكل مثل هذا اللحم ؛ لأنّه مأخوذ بالقمار فيكون أكله حراما.

والشاهد على أنّه قمار أنّهم يسمّون تلك السهام « قداح الميسر » وقد نظّمه بعضهم فقال :

هي فذّ وتوأم ورقيب            ثمَّ حلس ونافس ثمَّ مسبل

والمعلى والوغد ثمَّ سفيح       ومنيح وذي الثلاثة تهمل

ولكلّ ممّا عداها نصيب         مثله أن تعدّ أول أول

ويظهر من هذا النظم أنّ « الرقيب » له ثلاثة أسهم و « مسبل » له ستّة أسهم ، ولكن من تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي (27) وبعض التفاسير عكس هذا ، أي للرقيب ستّة أسهم وللمسبل ثلاثة أسهم.

وعلى كلّ حال ظاهر الجملة المذكورة في الآية الشريفة هو هذا المعنى ، فلا ربط لها بالاستخارة والنهي عنها.

ثمَّ إنّه على تقدير كون معنى الجملة ما ذكروه فالمراد بها ما حكاه الطبري في تفسيره في الجزء السادس عن ابن إسحاق قال : كانت هبل أعظم أصنام قريش بمكّة وكانت على بئر في جوف الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة ، وكانت عند هبل سبعة أقداح ، كلّ قدح فيه كتاب ، قدح فيه « الغفل » إذا اختلفوا في الغفل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة :

قدح فيه « نعم » للأمر إذا أرادوه يضرب به ، فإن خرج قدح « نعم » عملوا به. وقدح فيه « لا » فإذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح ، فإذا خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر. وقدح فيه « منكم » ، وقدح فيه « ملصق » وقدح فيه « من غيركم » ، وقدح فيه « المياه » إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح ، فحيثما خرج عملوا به.

وكانوا إذا أرادوا أن يجتنبوا غلاما ، أو أن ينكحوا منكحا ، أو أن يدفنوا ميّتا ، أو يشكّوا في نسب واحد منهم ذهبوا إلى هبل بمائة درهم وبجزور ، فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها ثمَّ قرّبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ، ثمَّ قالوا : يا إلهنا هذا فلان بن فلان أردنا به كذا وكذا فاخرج الحقّ فيه. ثمَّ يقولون لصاحب القداح : اضرب ، فيضرب فإن خرج عليه « من غيركم » كان حليفا ، وإن خرج « ملصق » كان على منزلته منهم لا نسب له ولا حلف ، وإن خرج شي‌ء سوى هذا ممّا يعملون به « نعم » عملوا به ، وإن خرج « لا » أخّروه عامهم ذلك حتّى يأتوا به مرّة أخرى ينتهون في أمورهم إلى ذلك ممّا خرجت به القداح (28).

فلو فرضنا أنّ هذا هو المراد بالاستقسام بالأزلام في الآية الشريفة ـ وليس‌ كذلك قطعا ـ فالله تبارك وتعالى نهى عن إيكال الأمر إلى هبل وطلب الخير منه ، لأنّ هذا شرك صريح.

وأين هذا من الاستخارة التي هي إيكال الأمر إلى الله وتفويضه إليه. وكيف يمكن أن يقاس المقام ـ أي الاستخارة التي هي اطاعة وعبادة وإيكال إلى الله تعالى وتفويض الأمر إليه تعالى ـ مع عبادة الأوثان وطلب الخير والرزق من هبل الذي هو صخرة لا يضرّ ولا ينفع؟

وهل هذا إلاّ مقايسة الشرك بالتوحيد وعبادة الله والخضوع له وتفويض الأمور إليه بعبادة الأوثان وتفويض الأمر إليها؟

وكيف يمكن إنكار طلب الخير وإخراج الحقّ من الله وهو تبارك وتعالى ينقل في قصّة كفالة مريم ابنة عمران أنّ زكريا عليه السلام مع سائر القوم من عبّاد بني إسرائيل طلبوا إخراج الحقّ من الله تبارك وتعالى بإلقاء أقلامهم في نهر الأردن أيّهم يكفل مريم ، حين يقول عزّ من قائل {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44].

وإنّما طولنا المقام وأطنبنا الكلام لما حكي لنا من وقوع شبهة في أذهان جماعة من الشبان الذين تطرّقت في نفوسهم وساوس الشيطان ، فالله هو الهادي إلى سواء السبيل.

وممّا ذكرنا يظهر لك عدم صحّة ما ذكره المقدس الأردبيلي في آيات أحكامه في تفسير قوله تعالى {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } [المائدة: 3] : وعلى هذا يفهم منه تحريم الاستخارة المشهورة التي قال الأكثر بجوازها بل باستحبابها ، ويدلّ عليه الروايات ، إلى آخر ما قال (29).

أقول : وهذا الكلام من مثله عجيب فسبحان من لا يخطئ ، وكيف يمكن أن يكون طلب الخير من الله جلّ جلاله الذي هو حقيقة الاستخارة من مصاديق الاستقسام بالأزلام؟ فالأوّل عبادة وإيكال أمره وتفويضه إلى الله ، والثاني شرك وطلب الخير من هبل أو من الأزلام.

الجهة الرابعة : في بيان أنّ الاستصحاب مقدّم عليها ، أو هي مقدّم عليه عند تعارضهما‌ :

فنقول : البحث عن هذا فرع وقوع التعارض بينهما. والظاهر عدم وقوع ذلك ؛ لأنّه بناء على ما بيّنّاه من اختصاص القرعة بالشبهات الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجمالي فلا تجري في ثلاثة أقسام من صور الشبهة الحكميّة بكلا قسميها البدويّة والمقرونة بالعلم الإجمالي ، والموضوعية البدويّة. وأمّا الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجمالي ـ التي هي مورد القرعة على الشرط المتقدّم وهو أن لا يجب أو لا يجوز فيها الاحتياط ـ وإن كانت في حدّ نفسها ممّا يمكن جريان الاستصحاب فيها ، لكنّها غالبا يسقط فيها الاستصحاب بالمعارضة ولو كان بين شخصين أو أشخاص ، مثلا في باب تعارض البيّنات الذي هي العمدة في كون الحقّ بين شخصين أو أشخاص الاستصحابات متعارضة.

 

ثمَّ إنّه لو فرضنا وجود مورد يكون مجرى لكليهما بدون سقوط أحدهما فيكون الاستصحاب حاكما على القرعة ، وذلك من جهة أنّ القرعة إنّما شرّعت في مورد لا حيلة ولا علاج لحلّ المشكل والملتبس ؛ ولذلك قال عليه السلام ـ كما تقدّم ـ : « وتلك المعضلات » (30). ولذلك قيّدنا موضوعها بأنّها لا يكون مجرى للاحتياط الواجب ، وإلاّ‌ فيقدّم عليها مع أنّه من أضعف الأصول ، فضلا من الاستصحاب الذي هو من أقوى الأصول.

فلا تتعجّب أنّه كيف يقدّم الأصل ـ أي الاستصحاب ـ على الأمارة ، أي القرعة؟ مع أنّه تقدّم مرارا حكومة الامارات جميعا على الأصول ؛ وذلك من جهة أنّ ما ذكر إنّما كان فيما إذا تحقّق موضوع الأمارة وكانت المعارضة في مؤدّاها ، وأمّا لو كان الأصل رافعا لموضوع الأمارة تعبّدا كما في المقام فلا ؛ حيث أنّ الاستصحاب على تقدير عدم سقوطه بالمعارضة رافع لموضوع القرعة ، أي كونه مشكلا ومعضلا.

_________________

(1) « الفقيه » ج 3 ، ص 92 ، باب الحكم بالقرعة ، ح 3389 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 240 ، ح 593 ، باب البينتين يتقابلان أو. ح 24 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 189 ، أبواب كيفية الحكم الدعاوي ، باب 13 ، ح 11.

(2) « الفقيه » ج 3 ، ص 92 ، باب الحكم بالقرعة ، ح 3391 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 190 ، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي ، باب 13 ، ح 13.

(3) « دعائم الإسلام » ج 2 ، ص 522 ، ح 184.

(4) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 239 ، باب البيّنتين يتقابلان أو. ح 20 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 187 ، أبواب كيفيّة الحكم واحكام الدعوى ، باب 13 ، ح 2.

(5) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 238 ، ح 585 ، باب البينتين يتقابلان أو. ح 16 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 188 ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، باب 13 ، ح 5.

(6) « الفقيه » ج 3 ، ص 94 ، باب الحكم بالقرعة ، ح 3399 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 188 ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، باب 13 ، ح 6.

(7) « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 191 ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، باب 13 ، ح 17 ؛ « المحاسن » ص 603 ، ح 30.

(8) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 240 ، ح 595 ، باب البينتين يتقابلان أو. ح 26 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 187 ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، باب 13 ، ح 1.

(9) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 239 ، ح 589 ، باب البينتين يتقابلان أو. ح 20 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 187 ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، باب 13 ، ح 2.

(10) « الكافي » ج 7 ، ص 138 ، باب ميراث الغرقى وأصحاب الهدم ، ح 7 ؛ « الفقيه » ج 4 ، ص 308 ، باب ميراث الغرقى والذين. ، ح 5660 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 361 ، ح 1290 ، باب ميراث الغرقى ، ح 10 ؛ « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 592 ، أبواب ميراث الغرقى و. ، باب 4 ، ح 1 ، مع تفاوت يسير في المتن.

(11) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 239 ، ح 587 ، باب البينتين يتقابلان أو. ، ح 18 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 189 ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، باب 13 ، ح 8.

(12) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 43 ، ح 182 ، باب الصيد والذكاة ، ح 182 ؛ « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 358 ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب 30 ، ح 1.

(13) « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 359 ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب 30 ، ح 4.

(14) « تحف العقول » ص 359.

(15) « مستدرك الوسائل » ج 17 ، ص 375 ، أبواب كيفيّة الحكم ، باب 11 ، ح 5.

(16) « بحار الأنوار » ج 2 ، ص 177 ، باب أنّهم : عندهم موادّ العلم و. ح 20 و 21.

(17) « السرائر » ج 2 ، ص 173.

(18) « تمهيد القواعد » الشهيد الثاني ، ص 238 ، المقصد السادس في التعادل والتراجيح.

(19) « بحار الأنوار » ج 2 ، ص 176 ، باب إنّهم : عندهم موادّ العلم و. ، ح 19.

(20) المصدر ، ح 20.

(21) « نهاية الأفكار » ج 4 ، ص 105.

(22) « سفينة البحار » ج 7 ، ص 288.

(23) تقدّم تخريجه في ص 61 ، رقم (3).

(24) تقدّم تخريجه في ص 60 ، رقم (1).

(25) « جامع البيان في تفسير القرآن » ج 6 ، ص 49.

(26) « الكشّاف » ج 1 ، ص 604.

(27) « تفسير القمّي » ج 1 ، ص 161.

(28) « جامع البيان في تفسير القرآن » ج 6 ، ص 50.

(29) « زبدة البيان في أحكام القرآن » ص 625.

(30) سبق ذكره في ص 67 ، رقم (2).

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.