أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
1056
التاريخ: 18-8-2016
910
التاريخ: 5-9-2016
1191
التاريخ: 17-7-2020
1620
|
استدلّ لعدم حجّية خبر الواحد بالأدلّة الأربعة: الكتاب والسنّة والإجماع والعقل.
الدليل الأول: الكتاب:
أمّا الكتاب فاستدلّ منه بالآيات الناهيّة عن العمل بالظنّ، وهي قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] وقوله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] وقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]
واُجيب عنه بوجوه عديدة:
الوجه الأوّل: أنّ مدلول هذه الآيات عام، وما من عام إلاّ وقد خصّ، فتخصّص بأدلّة حجّية خبر الواحد.
ولكن هذا الجواب غير تامّ لأنّ لسان الآيات آبية عن التخصيص فإنّ قوله تعالى: (إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً) مثلا بمنزلة قولك: «إنّ زيداً ممّن لا اعتبار له ولا يمكن الوثوق به أصلا» الذي لا يناسب تخصيصك إيّاه بقولك مثلا: «إلاّ بالنسبة إلى هذه المسألة وهذه المسألة، فيمكن الاعتماد عليه فيها» كما لا يخفى.
الوجه الثاني: أنّ مورد هذه الآيات هو اُصول الدين ولا ربط لها بالفروع.
وفيه: أنّه تامّ بالإضافة إلى بعضها كقوله تعالى: (وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً) فإنّه لا إشكال في أنّه بقرينة الآية السابقة وردت في مسألة الشرك وهي من الاُصول، لكن بالنسبة إلى بعضها الآخر ليس بتامّ كقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] فلا ريب في أنّه مطلق يشمل الفروع أيضاً لأنّ السمع والبصر مربوطتان بفروع الدين كما يستفاد هذا من استشهاد المعصوم (عليه السلام) بهذه الآية في جواب من سأل عن حكم الغناء الذي يسمعه من دار جاره.
الوجه الثالث: ما أجاب به المحقّق النائيني (رحمه الله) عن هذه الآيات وفقاً لمبناه في باب الأمارات فإنّه قال: «نسبة تلك الأدلّة إلى الآيات ليست نسبة التخصيص بل نسبة الحكومة فإنّ تلك الأدلّة تقتضي إلغاء احتمال الخلاف وجعل الخبر محرزاً للواقع فيكون حاله حال العلم في عالم التشريع»(1).
أقول: قد مرّ عدم تماميّة هذا مبنى وبناءً، أمّا المبنى فلأنّ صفة العلم من الصفات التكوينيّة التي ليست قابلة للجعل فلا يمكن أن يقال: جعلت هذا حجراً أو شجراً، وأمّا البناء فلأنّه لو سلّمنا إمكان ذلك فإنّه لا يتمّ بالنسبة إلى أدلّة حجّية خبر الواحد، لأنّ لسانها ليس لسان جعل صفة العلم كما لا يخفى على من تأمّل فيها.
الوجه الرابع: ما نقله الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان عن الجصّاص وحاصله: أنّ لسان أدلّة حجّية خبر الواحد لسان الدليل الوارد فيرفع بها موضوع النهي الوارد في الآيات الناهيّة (وهو الظنّ) حقيقة.
والجواب عن هذا الوجه واضح، لأنّ قطعيّة أدلّة حجّية الخبر شيء وقطعيّة نفس الخبر شيء آخر، والثابت هو الأوّل لا الثاني، فكأنّه وقع الخلط بين الأمرين.
فظهر إلى هنا أنّه لا تحلّ المشكلة بهذه الوجوه الأربعة.
والإنصاف في حلّها أن نلاحظ الآيات السابقة على هذه الآيات واللاحقة لها فإنّها تدلّ على أنّ الظنّ المستعمل في هذه الآيات ليس بمعناه المصطلح عند الفقهاء والاُصوليين، وهو الاعتقاد الراجح بل المراد منه معناه اللغوي الذي يعمّ الوهم والاحتمال الضعيف أيضاً.
ففي مقاييس اللغة: «الظنّ يدلّ على معنيين مختلفين: يقين وشكّ» واستشهد لمعنى اليقين بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] حيث إن معنى «يظنّون» فيه «يوقنون» وقال بالنسبة إلى معنى الشكّ ما إليك نصّه: «والأصل الآخر: الشكّ، يقال ظننت الشيء إذا لم تتيقّنه».
وفي مفردات اللغة: «الظنّ اسم لما يحصل عن أمارة ومتى قويت أدّت إلى العلم ومتى ضعفت جدّاً لم يتجاوز حدّ التوهّم».
وبالجملة أنّ الظنّ الوارد في هذه الآيات إنّما هو بمعنى الوهم الذي لا أساس له ولا اعتبار به عند العقلاء.
أمّا الآية الاُولى: فلأنّ الوارد قبلها هو: «إنّ الذين لا يؤمنون بالآخرة يسمّون الملائكة تسمية الاُنثى» فالتعبير بـ «تسمية الاُنثى» إشارة إلى ما جاء في بعض الآيات السابقة: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } [النجم: 23] من أنّ هذه الأسماء أسماء لا مسمّى لها، ولا تتعدّى عن حدّ التسمية ولا واقعة لها وهي ممّا لا يتفوّه بها من له علم وعقل بل هو أمر ناش عن الوهم والخرافة وما تهوى الأنفس.
فالمراد بالظنّ في الآية هو هذا المعنى الذي ليس له مبنى ولا أساس كسائر الخرافات الموجودة بين الجهّال، وحينئذ تكون أجنبيّة عمّا نحن فيه وهو الظنّ الذي يكون أمراً معقولا وموجّهاً ومطابقاً للواقع غالباً والذي يكون مبنى حركة العقلاء في أعمالهم اليوميّة كباب شهادة الشهود في باب القضاء وباب أهل الخبرة وباب ظواهر الألفاظ ونحوها ممّا يوجب إسقاط العمل به من حياة الإنسان ولزوم العمل باليقين القطعي فقط اختلال النظام والهرج والمرج.
وأمّا الآية الثانية: فالآيات السابقة عليها: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ....} [يونس: 35] تشهد بأنّ الظنّ الوارد فيها إشارة إلى الذين يعدّونهم بأوهامهم شركاء لله تعالى كما يشهد بهذا قوله تعالى في نفس السورة: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } [يونس: 66] فقد جعل الظنّ في هذه الآية في عداد الخرص في أمر الشركاء، فالممنوع الظنّ الذي يعادل ما تهوى الأنفس والخرص.
هذا كلّه بالإضافة إلى ما استعمل فيه كلمة الظنّ.
أمّا قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء: 36] الذي نهى فيه عن اتّباع غير العلم، فإنّه وإن لم يأت فيه ما بيّناه بالنسبة إلى الآيتين السابقتين لكن يأتي فيه ما ذكر في الجواب الأوّل، وهو القول بالتخصيص، لأنّ لسان هذه الآية ليس آبياً عن التخصيص كما لا يخفى على المتأمّل فيها.
الدليل الثاني: السنّة:
وأمّا السنّة فلا بدّ من تواترها في المقام وألاّ يكون الاستدلال دوريّاً كما لا يخفى، ولابدّ أيضاً من كون موردها في غير باب التعارض لأنّ البحث ليس في الخبرين المتعارضين.
والأخبار الواردة في هذا المجال عمدتها نقلت في الباب 9 من أبواب صفات القاضي من الوسائل، ونذكر هنا أحد عشر رواية منها، وهي بنفسها على طوائف خمسة لكلّ واحدة منها لسان يختلف عن لسان غيرها:
الطائفة الاُولى: ما يدلّ على حجّية ما علم أنّه قولهم (عليهم السلام) وهي ما رواه نضر الخثعمي قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)يقول: «من عرف إنّا لا نقول إلاّ حقّاً فليكتف بما يعلم منّا، فإن سمع منّا خلاف ما يعلم فليعلم إنّ ذلك دفاع منّا عنه»(2).
الطائفة الثانية: ما تدلّ على حجّية ما وافق الكتاب وهي عديدة:
منها: ما رواه عبدالله بن أبي يعفور قال: وحدّثني الحسين بن أبي العلا أنّه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث يرويه من نثقّ به، ومنهم من لا نثقّ به، قال: «إذا أورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به»( المصدر السابق: ح 11.)، فإنّها وإن وقع السؤال فيها عن اختلاف الخبرين إلاّ أنّ الجواب عام.
ومنها: ما رواه عبدالله بن بكير عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: «إذا جاءكم عنّا حديث فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلاّ فقفوا عنده ثمّ ردّوه إلينا حتّى يستبين لكم»( المصدر السابق: ح18.).
ومنها: ما رواه العياشي في تفسيره عن سدير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) وأبو عبدالله (عليه السلام): «لا تصدّق علينا إلاّ ما وافق كتاب الله وسنّة نبيّنا (صلى الله عليه وآله)» (المصدر السابق: ح 47.).
الطائفة الثالثة: ما تدلّ على عدم حجّية ما لا يوافق كتاب الله وهي ما رواه أيّوب بن راشد عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف»(3).
وما رواه أيّوب بن الحرّ قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف»(4).
ويمكن إدغام هذه الطائفة في الطائفة الثانية لأنها بمفهومها موافقة لها.
الطائفة الرابعة: ما تدلّ على عدم حجّية ما خالف كتاب الله، وهي ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «من خالف كتاب الله وسنّة محمّد (صلى الله عليه وآله)فقد كفر»(5).
الطائفة الخامسة: ما جمع فيها بين لسانين: طرح ما خالف الكتاب وأخذ ما وافقه، وهي ما رواه السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه»(4).
وما رواه هشام بن الحكم وغيره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: خطب النبي (صلى الله عليه وآله)بمنى فقال: «أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله»(6).
واُجيب عن هذه الرّوايات بوجوه عديدة:
الوجه الأول: أنّه لابدّ في دلالتها على المدّعى من كونها متواترة، لأنّها لو كانت أخبار آحاد يكون الاستدلال بها دوريّاً (كما مرّ) وحينئذ لا يكون متواترة(7) لفظاً ولا معنى بل إنّها
6. وينبغي هنا توضيح كلّ واحد من أقسام التواتر فنقول: أمّا التواتر اللفظي فهو عبارة عن إخبار جماعة بلفظ واحد عن واقعة واحدة يوجب حصول العلم سواء كان ذلك اللفظ تمام الخبر مثل قوله (عليه السلام) «إنّما الأعمال بالنيّات» كما ادّعى تواتره، أو بعضه كلفظ «من كنت مولاه فعلي مولاه» وحديث الثقلين. وأمّا التواتر المعنوي فهو إخبار جماعة بألفاظ مختلفة مع اشتمال كلّ منها على معنى مشترك بينها سواء كان ذلك المعنى المشترك مدلولا مطابقيّاً أو تضمينياً أو التزامياً، كالأخبار الواردة في غزوات مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وحروبه فإنّ كلّ واحدة من تلك الحكايات خبر واحد لكن اللازم المترتّب على مجموعها وهي شجاعته (عليه السلام) متواترة. أمّ التواتر الإجمالي: فهو أن يكون هناك جملة من الأخبار مع اختلافها بحسب اللفظ والمعنى والعلم إجمالا بصدور بعضها بحيث يستحيل عادةً أن يكون كلّها كاذبة كالعلم بصدور طائفة من الرّوايات الموجودة في الكافي إجمالا مع ورودها في أبواب مختلفة.
متواترة إجمالا يقتضي حصول العلم الإجمالي بصدور واحد من الأخبار على الأقلّ، فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن منها، وهو أخصّها مضموناً، ومن المعلوم أنّ أخصّها مضموناً هو المخالف للكتاب والسنّة (سنّة محمّد(صلى الله عليه وآله)) معاً فيختصّ عدم الحجّية بذلك بنحو قضيّة السالبة الجزئيّة، وهذا لا يضرّ بمدّعى المثبتين، أي اعتبار خبر الواحد في الجملة لأنّ السالبة الجزئيّة لا تنافي الموجبة الجزئيّة.
ثمّ إنّ المراد من المخالفة هل هي المخالفة على نحو التباين، أو العموم من وجه؟
الصحيح هو الأوّل، لأنّه لا إشكال في صدور مخصّصات خصّصت بها عمومات الكتاب ويستلزم من طرحها رفع اليد عن كثير من الأحكام الشرعيّة، نظير ما ورد في قبال عموم قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ويدلّ على شرطيّة عدم الجهل في المبيع وغير ذلك من الشرائط الشرعيّة المجعولة في العقود، وهي كثيرة جدّاً، ونظير ما ورد في قبال إطلاق قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } [التوبة: 103] ممّا يدلّ على النصاب والمقدار والحول وغيرها.
إن قلت: المخالفة على نحو التباين الكلّي لا يوجد لها مصداق في جوامع الحديث التي بأيدينا اليوم، وهذا لا يناسب كثرة الرّوايات الدالّة على طرح الخبر المخالف للكتاب وشدّة إهتمام الأئمّة (عليهم السلام) به.
قلنا: الأخبار الموجودة في كتب الحديث في يومنا هذا قد خرجت من مصاف عديدة تحت أيدي مؤلّفي هذه الكتب كالشيخ الطوسي (رحمه الله) والشيخ الصدوق والكليني (رحمه الله) فمن المسلّم صدور روايات متباينة مع الكتاب والسنّة قبل تأليف هذه الجوامع.
هذا مضافاً إلى وجود روايات متباينة بين الرّوايات الموجودة حاليّاً أيضاً مثل ما نسب إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)أنّه قال: أنّي خالق السموات والأرض ... الخ»، لأنّ هذا مخالف لصريح آيات الكتاب ممّا ينسب الخلق إلى الله تعالى فقط، ومثل رواية تدلّ على «أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله»(8)، وهو مخالف لصريح قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] إلاّ أن يقال: إنّ المراد هو العذاب التكويني الحاصل من بكاء الأهل لروح الميّت لا التشريعي الحاصل بفعل الله تعالى.
الوجه الثاني: حملها على أنّها ناظرة إلى زمان الحضور، ولا إشكال في عدم حجّية خبر الواحد في ذلك الزمان كما يشهد عليه قول الإمام (عليه السلام) في بعضها: «وما لم تعلموا فردّوه إلينا» وقوله (عليه السلام) «وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا».
لكن الإنصاف أنّه غير تامّ ومخالف للسان أكثر الرّوايات مثل ما ورد في بعضها: «أنّ على كلّ حقّ حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً» وما ورد في بعضها الاُخرى: «ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبيّنا (صلى الله عليه وآله)» فإن هذا اللحن وهذا النحو من السياق عامّ يشمل زمن الحضور والغيبة كما لا يخفى. هذا أوّلا.
وثانياً: أنّ الصحيح هو حجّية خبر الواحد في زمن الحضور أيضاً كما يدلّ عليه ما سيأتي من الرّوايات المتواترة التي ورد أكثرها في مورد عصر الحضور.
الوجه الثالث: حملها على الخبرين المتعارضين بقرينة سائر الرّوايات التي تجعل الموافقة مع الكتاب من المرجّحات.
والإنصاف أنّ هذا الجواب أيضاً لا يناسب لحن كثير من الرّوايات مثل ما ورد فيها: «وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف»، وما رواه أيّوب بن راشد عن أبي عبدالله (عليه السلام): قال: «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف»، وكذلك ما ورد فيها: «أنّ على كلّ حقّ حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً» فإنّ هذا القبيل من الرّوايات وردت في مقام تمييز الحجّة عن اللاّحجّة، لا ترجيح إحدى الحجّتين على الاُخرى، نعم إنّ هذا الجواب تامّ بالنسبة إلى بعض الرّوايات.
الوجه الرابع: أنّه لو فرض شمول هذه الرّوايات لخبر الواحد فإنّها معارضة لما هو أكثر وأظهر وسيأتي ذكرها عند ذكر أدلّة المثبتين.
فظهر أنّ الجواب الأوّل والرابع تامّ لا إشكال فيه.
هذا كلّه هو الاستدلال بالسنّة على عدم حجّية خبر الواحد.
الدليل الثالث: الإجماع:
وأمّا الإجماع فقال الشيخ الأعظم (رحمه الله) في الرسائل: ادّعاه السيّد المرتضى (رحمه الله)وهو ظاهر المحكي عن الطبرسي في مجمع البيان، والسيّد المرتضى جعل بطلان حجّية خبر الواحد بمنزلة القياس في كون ترك العمل به معروفاً من مذهب الشيعة.
واُجيب عن هذا بأنّ حجّية خبر الواحد هو قول أكثر الأصحاب وعليها سيرة أصحاب الأئمّة كما يشهد عليها ما سيأتي من الرّوايات الحاكية عن أحوالهم خصوصاً ما ورد فيها التعليل بأنّه ثقة، الذي يدلّ على أنّ الملاك في الحجّية هو كون الراوي ثقة.
نعم لابدّ هنا من توجيه وتأويل لكلام السيّد المرتضى(رحمه الله) (لأنّه ربّما يستشكل في السيرة بأنّها لو كانت فكيف لم يلتفت إليها السيّد المرتضى (رحمه الله) مع قرب عهده إلى زمن المعصومين) كما أوّله شيخ الطائفة(رحمه الله) بأنّ معقد هذا الإجماع ليس هو الأخبار التي محفوفة بقرائن تشهد على صدقها وإن لم تصل إلى حدّ حصول العلم بالصدور، كما إذا نقلت في الكتب المعتبرة والاُصول المتلقّاة من كلمات المعصومين (عليهم السلام) بل المراد من معقد الإجماع الأخبار التي يرويها المخالفون.
الدليل الرابع: العقل:
وأمّا العقل فهو ـ كما أشار إليه المحقّق النائيني (رحمه الله) ـ ما ذكره ابن قبّة من أنّ العمل بخبر الواحد موجب لتحليل الحرام وتحريم الحلال، والعقل يستقلّ بقبحه.
وقد مرّ الجواب عن هذا في أوّل مباحث الظنّ في مقام الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري مستوفاً فراجع.
هذا كلّه في أدلّة القائلين بعدم حجّية خبر الواحد.
____________
1. فوائد الاُصول: ج 3، ص 161.|
2. وسائل الشيعة: الباب 9، من أبواب صفات القاضي، ح 3.
3. وسائل الشيعة: ح 12، الباب 9، من أبواب صفات القاضي.
4. المصدر السابق: ح 14.
5. المصدر السابق: ح 16.
6. المصدر السابق: ح 10.
7. المصدر السابق: ح 15.
8. يمكن أن يقال: إنّ هذه الرّواية ليست مخالفة لتلك الآية، لأنّ وزر الأهل ليس وزراً اُخرى للإنسان بل يعدّ وزراً لنفس الإنسان ووزر عمله بالنسبة إلى أهله.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|