x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
المسائل الفقهية
التقليد
الطهارة
احكام الاموات
الاحتضار
التحنيط
التشييع
التكفين
الجريدتان
الدفن
الصلاة على الميت
الغسل
مسائل تتعلق باحكام الاموات
أحكام الخلوة
أقسام المياه وأحكامها
الاستحاضة
الاغسال
الانية واحكامها
التيمم (مسائل فقهية)
احكام التيمم
شروط التيمم ومسوغاته
كيفية التيمم
مايتيمم به
الجنابة
سبب الجنابة
مايحرم ويكره للجُنب
مسائل متفرقة في غسل الجنابة
مستحبات غسل الجنابة
واجبات غسل الجنابة
الحيض
الطهارة من الخبث
احكام النجاسة
الاعيان النجسة
النجاسات التي يعفى عنها في الصلاة
كيفية سراية النجاسة الى الملاقي
المطهرات
النفاس
الوضوء
الخلل
سنن الوضوء
شرائط الوضوء
كيفية الوضوء واحكامه
مسائل متفرقة تتعلق بالوضوء
مستمر الحدث
نواقض الوضوء والاحداث الموجبة للوضوء
وضوء الجبيرة واحكامها
مسائل في احكام الطهارة
الصلاة
مقدمات الصلاة(مسائل فقهية)
الستر والساتر (مسائل فقهية)
القبلة (مسائل فقهية)
اوقات الصلاة (مسائل فقهية)
مكان المصلي (مسائل فقهية)
افعال الصلاة (مسائل فقهية)
الاذان والاقامة (مسائل فقهية)
الترتيب (مسائل فقهية)
التسبيحات الاربعة (مسائل فقهية)
التسليم (مسائل فقهية)
التشهد(مسائل فقهية)
التعقيب (مسائل فقهية)
الركوع (مسائل فقهية)
السجود(مسائل فقهية)
القراءة (مسائل فقهية)
القنوت (مسائل فقهية)
القيام (مسائل فقهية)
الموالاة(مسائل فقهية)
النية (مسائل فقهية)
تكبيرة الاحرام (مسائل فقهية)
منافيات وتروك الصلاة (مسائل فقهية)
الخلل في الصلاة (مسائل فقهية)
الصلوات الواجبة والمستحبة (مسائل فقهية)
الصلاة لقضاء الحاجة (مسائل فقهية)
صلاة الاستسقاء(مسائل فقهية)
صلاة الايات (مسائل فقهية)
صلاة الجمعة (مسائل فقهية)
صلاة الخوف والمطاردة(مسائل فقهية)
صلاة العيدين (مسائل فقهية)
صلاة الغفيلة (مسائل فقهية)
صلاة اول يوم من كل شهر (مسائل فقهية)
صلاة ليلة الدفن (مسائل فقهية)
صلوات اخرى(مسائل فقهية)
نافلة شهر رمضان (مسائل فقهية)
المساجد واحكامها(مسائل فقهية)
اداب الصلاة ومسنوناتها وفضيلتها (مسائل فقهية)
اعداد الفرائض ونوافلها (مسائل فقهية)
صلاة الجماعة (مسائل فقهية)
صلاة القضاء(مسائل فقهية)
صلاة المسافر(مسائل فقهية)
صلاة الاستئجار (مسائل فقهية)
مسائل متفرقة في الصلاة(مسائل فقهية)
الصوم
احكام متفرقة في الصوم
المفطرات
النية في الصوم
ترخيص الافطار
ثبوت شهر رمضان
شروط الصوم
قضاء شهر رمضان
كفارة الصوم
الاعتكاف
الاعتكاف وشرائطه
تروك الاعتكاف
مسائل في الاعتكاف
الحج والعمرة
شرائط الحج
انواع الحج واحكامه
الوقوف بعرفة والمزدلفة
النيابة والاستئجار
المواقيت
العمرة واحكامها
الطواف والسعي والتقصير
الصيد وقطع الشجر وما يتعلق بالجزاء والكفارة
الاحرام والمحرم والحرم
اعمال منى ومناسكها
احكام عامة
الصد والحصر*
الجهاد
احكام الاسارى
الارض المفتوحة عنوة وصلحا والتي اسلم اهلها عليها
الامان
الجهاد في الاشهر الحرم
الطوائف الذين يجب قتالهم
الغنائم
المرابطة
المهادنة
اهل الذمة
وجوب الجهاد و شرائطه
مسائل في احكام الجهاد
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
حكم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وشرائط وجوبهما
اهمية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
احكام عامة حول الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الخمس
مايجب فيه الخمس
مسائل في احكام الخمس
مستحق الخمس ومصرفه
الزكاة
اصناف المستحقين
اوصاف المستحقين
زكاة الفطرة
مسائل في زكاة الفطرة
مصرف زكاة الفطرة
وقت اخراج زكاة الفطرة
شرائط وجوب الزكاة
ماتكون فيه الزكاة
الانعام الثلاثة
الغلات الاربع
النقدين
مال التجارة
مسائل في احكام الزكاة
احكام عامة
علم اصول الفقه
تاريخ علم اصول الفقه
تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية
المباحث اللفظية
المباحث العقلية
الاصول العملية
الاحتياط
الاستصحاب
البراءة
التخيير
مباحث الحجة
تعارض الادلة
المصطلحات الاصولية
حرف الالف
حرف التاء
حرف الحاء
حرف الخاء
حرف الدال
حرف الذال
حرف الراء
حرف الزاي
حرف السين
حرف الشين
حرف الصاد
حرف الضاد
حرف الطاء
حرف الظاء
حرف العين
حرف الغين
حرف الفاء
حرف القاف
حرف الكاف
حرف اللام
حرف الميم
حرف النون
حرف الهاء
حرف الواو
حرف الياء
القواعد الفقهية
مقالات حول القواعد الفقهية
اخذ الاجرة على الواجبات
اقرار العقلاء
الإتلاف - من اتلف مال الغير فهو له ضامن
الإحسان
الاشتراك - الاشتراك في التكاليف
الاعانة على الاثم و العدوان
الاعراض - الاعراض عن الملك
الامكان - ان كل ما يمكن ان يكون حيضا فهو حيض
الائتمان - عدم ضمان الامين - ليس على الامين الا اليمين
البناء على الاكثر
البينة واليمين - البينة على المدعي واليمين على من انكر
التقية
التلف في زمن الخيار - التلف في زمن الخيار في ممن لا خيار له
الجب - الاسلام يجب عما قبله
الحيازة - من حاز ملك
الزعيم غارم
السبق - من سبق الى ما لم يسبقه اليه احد فهو احق به - الحق لمن سبق
السلطنة - التسلط - الناس مسلطون على اموالهم
الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد ام لا؟ - الشرط الفاسد ليس بمفسد
الصحة - اصالة الصحة
الطهارة - كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر
العقود تابعة للقصود
الغرور - المغرور يرجع الى من غره
الفراغ و التجاوز
القرعة
المؤمنون عند شروطهم
الميسور لايسقط بالمعسور - الميسور
الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها
الولد للفراش
أمارية اليد - اليد
انحلال العقد الواحد المتعلق بالمركب الى عقود متعددة - انحلال العقودالى عقود متعددة
بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه
تلف المبيع قبل قبضه - اذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه
حجية البينة
حجية الضن في الصلاة
حجية سوق المسلمين - السوق - أمارية السوق على كون اللحوم الموجودة فيه مذكاة
حجية قول ذي اليد
حرمة ابطال الاعمال العبادية الا ما خرج بالدليل
عدم شرطية البلوغ في الاحكام الوضعية
على اليد ما اخذت حتى تؤدي - ضمان اليد
قاعدة الالزام - الزام المخالفين بما الزموا به انفسهم
قاعدة التسامح في ادلة السنن
قاعدة اللزوم - اصالة اللزوم في العقود - الاصل في المعاملات اللزوم
لا تعاد
لا حرج - نفي العسر و الحرج
لا ربا في ما يكال او يوزن
لا شك في النافلة
لا شك لكثير الشك
لا شك للإمام و المأموم مع حفظ الآخر
لا ضرر ولا ضرار
ما يضمن و ما لا يضمن - كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده
مشروعية عبادات الصبي وعدمها
من ملك شيئا ملك الاقرار به
نجاسة الكافر وعدمها - كل كافر نجس
نفي السبيل للكافر على المسلمين
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
قواعد فقهية متفرقة
المصطلحات الفقهية
حرف الألف
حرف الباء
حرف التاء
حرف الثاء
حرف الجيم
حرف الحاء
حرفق الخاء
حرف الدال
حرف الذال
حرف الراء
حرف الزاي
حرف السين
حرف الشين
حرف الصاد
حرف الضاد
حرف الطاء
حرف الظاء
حرف العين
حرف الغين
حرف الفاء
حرف القاف
حرف الكاف
حرف اللام
حرف الميم
حرف النون
حرف الهاء
حرف الواو
حرف الياء
الفقه المقارن
كتاب الطهارة
احكام الاموات
الاحتضار
الجريدتان
الدفن
الصلاة على الاموات
الغسل
الكفن
التشييع
احكام التخلي
استقبال القبلة و استدبارها
مستحبات و ومكروهات التخلي
الاستنجاء
الاعيان النجسة
البول والغائط
الخمر
الدم
الكافر
الكلب والخنزير
المني
الميتة
احكام المياه
الوضوء
احكام الوضوء
النية
سنن الوضوء
غسل الوجه
غسل اليدين
مسح الرأس
مسح القدمين
نواقض الوضوء
المطهرات
الشمس
الماء
الجبيرة
التيمم
احكام عامة في الطهارة
احكام النجاسة
الحيض و الاستحاظة و النفاس
احكام الحيض
احكام النفاس
احكام الاستحاضة
الاغسال المستحبة
غسل الجنابة واحكامها
كتاب الصلاة
احكام السهو والخلل في الصلاة
احكام الصلاة
احكام المساجد
افعال الصلاة
الاذان والاقامة
التسليم
التشهد
الركوع
السجود
القراءة
القنوت
القيام
النية
تكبيرة الاحرام
سجدة السهو
الستر والساتر
الصلوات الواجبة والمندوبة
صلاة الاحتياط
صلاة الاستسقاء
صلاة الايات
صلاة الجماعة
صلاة الجمعة
صلاة الخوف
صلاة العيدين
صلاة القضاء
صلاة الليل
صلاة المسافر
صلاة النافلة
صلاة النذر
القبلة
اوقات الفرائض
مستحبات الصلاة
مكان المصلي
منافيات الصلاة
كتاب الزكاة
احكام الزكاة
ماتجب فيه الزكاة
زكاة النقدين
زكاة مال التجارة
زكاة الغلات الاربعة
زكاة الانعام الثلاثة
شروط الزكاة
زكاة الفطرة
احكام زكاة الفطرة
مصرف زكاة الفطرة
وقت وجوب زكاة الفطرة
اصناف واوصاف المستحقين وأحكامهم
كتاب الصوم
احكام الصوم
احكام الكفارة
اقسام الصوم
الصوم المندوب
شرائط صحة الصوم
قضاء الصوم
كيفية ثبوت الهلال
نية الصوم
مستحبات ومكروهات الصوم
كتاب الحج والعمرة
احرام الصبي والعبد
احكام الحج
دخول مكة واعمالها
احكام الطواف والسعي والتقصير
التلبية
المواقيت
الصد والحصر
اعمال منى ومناسكها
احكام الرمي
احكام الهدي والاضحية
الحلق والتقصير
مسائل متفرقة
النيابة والاستئجار
الوقوف بعرفة والمزدلفة
انواع الحج واحكامه
احكام الصيد وقطع الشجر وما يتعلق بالجزاء والكفارة
احكام تخص الاحرام والمحرم والحرم
العمرة واحكامها
شرائط وجوب الحج
كتاب الاعتكاف
كتاب الخمس
العقل أحد مصادر التشريع
المؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
المصدر: الوسيط في أُصول الفقه
الجزء والصفحة: ج 2 ص 12-30.
5-9-2016
4247
انّ العقل أحد الحجج الأربع الذّي اتّفق أصحابنا إلاّ قليلاً منهم على حجّيته في مجال استنباط الحكم الشرعي، ثمّ إنّ البحث عن حجّية حكم العقل يقع في مقامين:
الأوّل: حجّية حكم العقل بما انّه من مصاديق القطع.
الثاني: كشفه عن حكم الشارع.
أمّا الأوّل فالبحث فيه من فروع البحث عن حجّية القطع مطلقاً(1) وانّ حجّيته ذاتية. وهذا هو الذي بسط الأُصوليون الكلام فيه في رسالة القطع وبحثوا عن حجّيته بحثاً مُسْهباً.
وأمّا الثاني فيرجع فيه البحث إلى وجود الملازمة بين حكمي العقل والشرع وعدمه وهذا هو الذي اختصروا الكلام فيه غالباً(2). دون أن يعقدوا له فصلاً مستقلاً، ولأجل مزيد ايضاح، نفرد لكل بحثاً مستقلاً في ضمن مقامين:
المقام الأوّل : في أحكام القطع وأقسامه:
وفيه أُمور:
الأمّر الاوّل : في حجّية القطع:
لا شكّ في وجوب متابعة القطع و العمل على وفقه مادام موجوداً، لأنّه بنفسه طريق إلى الواقع، و هو حجّة عقلية، و ليس حجّة منطقية أو أُصولية، ولإيضاح الحال نذكر أقسام الحجّة، فنقول: إنّ الحجّة على أقسام:
1. الحجّة العقلية.
2. الحجّة المنطقية.
3. الحجّة الأُصولية.
أمّا الأُولى، فهي عبارة عمّا يحتج به المولى على العبد و بالعكس، و بعبارة أُخرى ما يكون قاطعاً للعذر إذا أصاب و معذِّراً إذا أخطأ، و القطع بهذا المعنى حجّة ، حيث يستقل به العقل و يبعث القاطعَ إلى العمل وفْقَه و يُحذّره عن المخالفة، و ما هذا شأنه، فهو حجّة بالذات، غنيّ عن جعل الحجّية له.
وبهذا يمتاز القطع عن الظن، فإنّ العقل لا يستقلُّ بالعمل على وفق الظن ولا يحذِّر عن المخالفة لعدم انكشاف الواقع لدى الظن، فلا يكون حجّة إلاّ إذا أُفيضت له الحجّية من قِبَلِ المولى، بخلاف القطع فانّ العقل مستقل بالعمل على وفقه والتحذير عن مخالفته لانكشاف الواقع، و إلى هذا يرجع قول القائل بأنّ حجّية القطع ذاتية دون الظن فإنّها عرضية.
وبذلك يتبيّن أنّ للقطع ثلاث خصائص:
1. كاشفيته عن الواقع و لو عند القاطع.
2. منجّزيته عند الإصابة للحكم الواقعي بحيث لو أطاع يُثاب ولو عصي يعاقَب.
3. معذِّريته عند عدم الإصابة، فيُعذَّر القاطع إذا أخطأ في قطعه و بان خلافه.
وأمّا الثانية، فهي عبارة عن كون الحدّ الوسط في القياس المنطقي علّة لثبوت الأكبر للأصغر أو معلولاً لثبوته له، فيوصف بالحجّة المنطقية، كالتغيّر الذي هو علّة لثبوت الحدوث للعالم.
يقال : العالم متغيّر، و كلّ متغيّر حادث، فالعالم حادث.
والقطع بهذا المعنى ليس حجّة، لأنّه ليس علّة لثبوت الحكم للموضوع ولا معلولاً له، لأنّ الحكم تابع لموضوعه، فإن كان الموضوع موجوداً يثبت له الحكم سواء أكان هنا قطع أم لا، وإن لم يكن موجوداً فلا يثبت له، فليس للقطع دور في ثبوت الحكم و لذلك يُعدُّ تنظيم القياس بتوسيط القطع باطلاً، مثل قولك: هذا مقطوع الخمرية، و كلّ مقطوع الخمرية حرام فهذا حرام، و ذلك لكذب الكبرى، فليس الحرام الأنفس الخمر لا خصوص مقطوع الخمرية.
وأمّا الثالثة، فهي عبارة عمّا لا يستقل العقل بالاحتجاج به غير أنّ الشارع أو الموالي العرفيّة يعتبرونه حجّة في باب الأحكام و الموضوعات لمصالح، فتكون حجّيته عرضيّة مجعولة كخبر الثقة، و من المعلوم أنّ القطع غنيّ عن إفاضة الحجّية عليه، و ذلك لاستقلال العقل بكونه حجّة في مقام الاحتجاج و معه لا حاجة إلى جعل الحجّية له.
أضف إليه انّ جعل الحجّية للقطع يتم إمّا بدليل قطعي، أو بدليل ظنّي.
وعلى الأوّل يُنقل الكلام إلى ذلك الدليل القطعي، و يقال: ما هو الدليل على حجّيته؟ و هكذا فيتسلسل.
وعلى الثاني يلزم أن يكون القطع أسوأ حالاً من الظن، و لذلك يجب أن ينتهي الأمر في باب الحجج إلى ما هو حجّة بالذات، أعني: القطع، و قد تبيّن في محله «أنّ كلّ ما هو بالعرض لابد وأن ينتهي إلى ما بالذات».
وبذلك يعلم أنّه ليس للشارع الأمرُ المولويّ بالعمل بالقطع لسبق العقل بذلك، كما ليس له المنع عن العمل بالقطع، فلو قطع إنسان بكون مائع خمراً لا يصحّ النهي عن العمل به، لاستلزامه كون الناهي مناقضاً في كلامه في نظر القاطع، و في الواقع إذا أصاب قطعه للواقع.
الأمر الثاني : تقسيم القطع إلى طريقي و موضوعي:
إذا كان الحكم مترتباً على الواقع بلا مدخلية للعلم و القطع فيه، كترتّب الحرمة على ذات الخمر والقمار فيكون القطع بهما طريقيّاً ، ولا دور للقطع حينئذ سوى تنجيز الواقع، و إلاّ ـ فمع قطع النظر عن التنجيز ـ فالخمر و القمار حرام سواء أكان هناك قطع أم لا، غاية الأمر يكون الجهل عذراً للمرتكب كما يكون العلم منجزاً للواقع.
وأمّا إذا أُخذ القطع في موضوع الحكم الشرعي بحيث يكون الواقع بقيد القطع موضوعاً للحكم، فيعبّر عنه بالقطع الموضوعي، وهذا كما إذا افترضنا أنّ الشارع حرّم الخمر بقيد القطع بالخمريّة بحيث لولاه لما كان الخمر محكوماً بالحرمة، وهذا التقسيم جار في الظنّ أيضاً، و لقد وردت في الشريعة المقدسة موارد أخذ القطع وحده أو الظن كذلك موضوعاً للحكم، نظير:
1. الحكم بالصحّة، فإنّه مترتّب على الإحراز القطعي للركعتين في الثنائية وللركعات في الثلاثية من الصلوات و للأُوليين في الرباعية، بحيث لولاه لما كانت محكومة بها.
2. الحكم بوجوب التمام لمن يسلك طريقاً مخطوراً محرزاً بالقطع أو الظن.
3. الحكم بوجوب التيمّم لمن أحرز بالقطع أو الظن كون استعمال الماء مضرّاً.
4. الحكم بوجوب التعجيل بالصلاة لمن أحرز ضيق الوقت بكلا الطريقين.
فلو انكشف الخلاف، و أنّ الطريق لم يكن مخطوراً، ولا الماء مضرَّاً، ولا الوقت ضيّقاً لما ضرَّ بالعمل، لأنّ كشف الخلاف إنّما هو بالنسبة إلى متعلّق القطع لا بالنسبة إلى الموضوع المترتب عليه الحكم.
ثمّ إنّه ليس للشارع أيّ تصرف في القطع الطريقي فهو حجّة مطلقاً من أيّ سبب حصل، لانّ الحكم مترتب على الموضوع بما هوهو وليس للقطع دور سوى كونه كاشفاً عن الواقع، فإذا قطع به، انكشف له الواقع وثبت وجود الموضوع، فيترتب عليه حينئذ حكمه، ويحكم العقل بلزوم العمل به من غير فرق بين حصوله بالأسباب العادية أو غيرها فليس للشارع تجويز العمل بالقطع الحاصل من سبب والنهي عن القطع الحاصل من سبب آخر.
وأمّا القطع المأخوذ في الموضوع فبما أنّ لكلّ مقنّن، التصرفَ في موضوع حكمه بالسعة والضيق، فللشارع أيضاً حقُّ التصرف فيه، فتارة تقتضي المصلحة اتخاذ مطلق القطع في الموضوع سواء أحصلت من الأسباب العادية أم من غيرها، و أُخرى تقتضي جعل قسم منه في الموضوع كالحاصل من الأسباب العادية، و عدم الاعتداد بالقطع الحاصل من غيرها .
الأمر الثالث : تقسيم القطع الموضوعي إلى طريقي ووصفي:
ثمّ إنّ القطع الموضوعي ينقسم إلى قسمين:
1. موضوعي طريقي.
2. موضوعي وصفي.
توضيح ذلك: انّ القطع من الصفات النفسية ذات الإضافة، فله إضافة إلى القاطع (النفس المدرِكة) وإضافة إلى المقطوع به(المعلوم بالذات والصورة المعلومة في الذهن)، فتارة يؤخذ في الموضوع بما أنّ له وصف الطريقية والمرآتية فيطلق عليه القطع الموضوعي الطريقي، أي أُخذ في الموضوع بما انّ له وصف الحكاية، و أُخرى يؤخذ في الموضوع بما أنّه وصف نفساني كسائر الصفات مثل الحسد والبخل والإرادة والكراهة، فيطلق عليه القطع الموضوعي الوصفي، أي المأخوذ في الموضوع لا بما أنّه حاك عن شيء وراءه بل بما أنّه وصف للنفس المدركة.
لنفترض انّك تريد شراء مرآة من السوق، فتارة تلاحظها بما أنّها حاكية عن الصور التي تعكسها، وأُخرى تلاحظها بما أنّها صُنعت بشكل جميل مثير للإعجاب مع قطع النظر عن محاكاتها للصور.
فالقطع الموضوعي الطريقي أشبه بملاحظة المرآة بما أنّها حاكية، كما أنّ القطع الموضوعي الوصفي أشبه بملاحظة المرآة بما لها من شكل جميل ككونها مربعة أو مستطيلة وغيرهما من الأوصاف.
وأمّا ما هو الأثر الشرعي لهذا التقسيم فموكول إلى دراسات عليا.
الأمر الرابع : الموافقة الالتزامية:
لا شكّ أنّ المطلوب في الأُصول الدينيّة و الأُمور الاعتقادية هو التسليم القلبي و الاعتقاد بها جزماً، إنّما الكلام في الأحكام الشرعية التي ثبتت و تنجّزت بالقطع أو بالحجّة الشرعية، فهل هناك تكليفان؟
أحدهما الالتزام بأنّه حكم اللّه قلباً وجناناً .
ثانيهما الامتثال عملاً وخارجاً.
فهل لكلّ، امتثال و عصيان، فلو التزم قلباً و خالف عملاً فقد عصى عملاً; كما أنّه لو وافق عملاً وخالف جناناً والتزاماً فقد ترك الفريضة القلبية، فيؤاخذ عليه؟
أو أنّ هناك تكليفاً واحداً، و هو لزوم امتثال الأحكام الفرعية في مقام العمل وإن لم يلتزم بها قلباً و جناناً، و هذا كمواراة الميّت فتكفي وإن لم يلتزم قلباً بأنّها حكم اللّه الشرعي؟
فليعلم أنّ البحث في غير الأحكام التعبدية، فإنّ الامتثال فيها رهن الإتيان بها للّه سبحانه أو لامتثال أمره أو غير ذلك ممّا لا ينفك الامتثال عن الالتزام والتسليم بأنّه حكمه سبحانه، فينحصر البحث عن وجوب الموافقة الالتزامية وعدمه في الأحكام التوصلية.
ذهب المحقّق الخراساني إلى القول الثاني، باعتبار أنّ الوجدان الحاكم في باب الإطاعة والعصيان خير شاهد على عدم صحّة عقوبة العبد الممتثل لأمر المولى و إن لم يلتزم بحكمه.
وربّما يقال: إنّ الالتزام ـ مع العلم بأنّ الحكم للّه ـ أمر قهري، فكيف يمكن أن يواري المسلمُ الميّتَ مع العلم بأنّه سبحانه أمر به و لا يلتزم بأنّها حكم اللّه، فعدم عقد القلب على وجوبه أو على ضدّه أمر ممتنع و بذلك يُصبح النزاع غير مفيد.
وعلى هذا، فالعلم بالحكم يلازم التسليم بأنّه حكم اللّه.(3)
ولكن الظاهر عدم الملازمة بين العلم والتسليم، فربّ عالم بالحق، غير مسلِّم قلباً، فإنّ الإنسان كثيراً ما يعلم بأهلية المنصوب من قبل من له النصب، لكنّه لا ينقاد له قلبه ولا يسلّمه باطناً، وإن كان في مقام العمل يتحرّك بحركته خوفاً من سوطه وسطوته، وهكذا كان حال كثير من الكفّار بالنسبة إلى نبيّنا، حيث إنّهم كانوا عالمين بنبوّته كما نطق به القرآن، ومع ذلك لم يكونوا منقادين له قلباً ولا مقرّين باطناً، ولو كان ملاك الإيمان الحقيقي نفس العلم التصديقي لزم أن يكونوا له مؤمنين حقيقة.(4)
والذي يدلّ على أنّ بين العلم والتسليم مرحلة أو مراحل قوله سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]
قيل: نزلت في الزبير ورجل من الأنصار خاصمه إلى النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في شراج(5) من الحرّة كانا يسقيان بها النخل كلاهما، فقال النبي للزبير: «اسق ثمّ أرسل إلى
جارك»، فغضب الأنصاري وقال: يا رسول اللّه لئن كان ابن عمتك....(6)
فإنّ خطاب الأنصاري للنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كشف عن عدم تسليمه لقضائه وإن لم يخالف عملاً، وبذلك يعلم أنّ المراد من الجحد في قوله سبحانه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } [النمل: 14] هو الجحد القلبي وعدم التسليم لمقتضى البرهان، لا الجحد اللفظي; فالفراعنة أمام البيّنات التي أتى بها موسى كانوا:
1. عالمين بنبوة موسى وهارون عليمها السَّلام (اسْتَيْقَنَتْها أَنْفسُهُمْ ).
2. لكن غير مسلِّمين قلباً، مستكبرين جناناً(وَجَحَدُوا بِها).
ثمرة البحث:
تظهر الثمرة في موارد العلم الإجمالي، فلو علم بنجاسة أحد الإناءين، فهل يجري الأصل العملي، كأصل الطهارة في كلّ منهما باعتبار كون كل واحد منهما مشكوك الطهارة والنجاسة أو لا؟
فثمة موانع عن جريان الأُصول في أطراف العلم الإجمالي.
منها: وجوب الموافقة الالتزامية، فلو قلنا به، لمنع عن جريان الأُصول، فإنّ الالتزام بوجود نجس بين الإناءين، لا يجتمع مع الحكم بطهارة كالواحد منهما، فمن قال بوجوب الموافقة الالتزامية لا يصح له القول بجواز جريان الأصل في أطراف المعلوم إجمالاً، و أمّا من نفاه فهو في فسحة عن خصوص هذا المانع، و أمّا الموانع الأُخر فنبحث عنها في مبحث الاحتياط والاشتغال إن شاء اللّه.
المقام الثاني : كشف العقل عن حكم الشرع:
إنّ العقل ـ كما مرّ ـ أحد الحجج الأربع الّذي اتّفق أصحابنا إلاّ قليلاً منهم على حجّيته في مجال استنباط الحكم الشرعي، غير انّ اللازم هو تحرير محلّ النزاع و تبيين إطار البحث، فإنّ عدم تحريره أوقع الكثير لا سيما الأخباريّين في الخلط والاشتباه، فنقول:
إنّ عدّ العقل من مصادر التشريع وأحد الأدلّة الأربعة يتصوّر على أنحاء ثلاثة:
الأوّل: إذا استقلّ العقل بحسن فعل بما هو فعل صادر عن الفاعل المختار أو قبحه، وتجرّد في قضائه عن كلّ شيء إلاّ النظر إلى نفس الفعل فهل يكون حكم العقل كاشفاً عن حكم الشرع، وهذا نظير استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان، وحسنه معه، فهل يستكشف منه انّ حكم الشرع كذلك؟
وهكذا إذا أمر المولى بشيء و استقل العقل بوجود الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته أو وجوب الشيء وحرمة ضدّه، أو امتناع اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد بعنوانين، أو جوازه إلى غير ذلك من أنواع الملازمات، فهل يكشف حكم العقل عن حكم الشرع؟
وبذلك يظهر انّ الموضوع للحسن والقبح هو نفس الفعل بما انّه صادر عن فاعل مختار، سواء أكان الفاعل واجباً أم ممكناً، وسواء أترتب عليه المصالح أو المفاسد أو لا، وسواء أكان مؤمِّناً للأغراض العقلائية وعدمها، فالموضوع للحكم بالحسن أو القبح أو الملازمة أو ما أشبه ذلك هو ذات الفعل دون سائر الأُمور الجانبية.
الثاني: إذا أدرك الفقيه مصالح ومفاسد في الفعل، فهل يمكن أن يتخذ وقوفَه على أحدهما ذريعة إلى استكشاف الحكم الشرعي في الوجوب أو الحرمة بحيث يكون علم الفقيه بالمصالح والمفاسد من مصادر التشريع الإسلامي؟
وبعبارة أُخرى: إذا كان الموضوع ممّا لا نصّ فيه ولكن أدرك الفقيه بعقله، وجودَ مصلحة فيه و لم يَرد من الشارع أمر بالأخذ ولا بالرفض، فهل يصحّ تشريع الحكم على وفقها؟ وهذا هو الذي يسمّى بالمصالح المرسلة أو الاستصلاح في فقه أهل السنّة لا سيما المالكية، فكلّ مصلحة لم يرد فيها نصّ يدعو إلى اعتبارها أو عدم اعتبارها ولكن في اعتبارها نفع أو دفع ضرر فهل يتخذ دليلاً على الحكم الشرعي أو لا؟
الثالث: تنقيح مناطات الأحكام وملاكاتها بالسبر والتقسيم بأن يُحصر الأوصاف التي توجد في واقعة الحكم وتصلح لأن تكون العلّة، واحدة منها ويختبرها وصفاً وصفاً على ضوء الشروط الواجب توفّرها في العلة، وبواسطة هذا الاختبار تُستبعد الأوصاف التي لا يصحّ أن تكون علة، ويستبقى ما يصحّ أن يكون علّة ، وبهذا الاستبعاد وهذا الاستبقاء يتوصل إلى الحكم بأنّ هذا الوصف هو العلّة ثمّ يتبعه التشريع، وهذا ما يسمّى في الفقه الشيعي الإمامي بتنقيح المناط و استنباط العلّة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ محطّ النزاع بين الأُصوليّين والأخباريّين من أصحابنا هو المعنى الأوّل. وسنرجع إليه بعد استيفاء البحث في الأخيرين فنقول:
أمّا المعنى الثاني والثالث فلم يقل به أحد من أصحابنا إلاّ الشاذّ النادر منهم، وذلك لأنّ كون الفعل ذا مصلحة أو مفسدة عند الفقيه لا يكشف عن الحكم الشرعي لقصور العقل عن الإحاطة بالمصالح والمفاسد الواقعية، فربما يُدرك المصلحة والمفسدة ويَغفل عن موانعهما، فإدراك العقل المصالح والمفاسد لا يكون دليلاً على أنّها ملاكات تامة لتشريع الحكم على وفقها.
وهكذا المعنى الثالث، فإنّ الخوض في تنقيح مناطات الأحكام عن طريق السبر والتقسيم من الخطر بمكان، إذ انّى نعلم أنّ ما أدركه مناطاً للحكم هو المناط له، فانّ العقل قاصر عن إدراك المناطات القطعية.
ثمّ لو افترضنا انّه أصاب في كشف المناط، فمن أين علم أنّه تمام المناط ولعلها جزء العلّة وهناك جزء آخر منضم إليه في الواقع ولم يصل الفقيه إليه؟
ولأجل ذلك رفض أصحابنا قاعدة الاستصلاح والمصالح المرسلة وهكذا استنباط العلّة عن طريق القياس، بمعنى السبر والتقسيم.
نعم يستثنى من المعنى الثاني، المصالح والمفاسد العامة التي أطبق العقلاء عامة على صلاحها أو فسادها على نحو صار من الضروريات، وهذا كتعاطي المخدّرات التي أطبق العقلاء على ضررها; ومثله التلقيح الوقائي عند ظهور الأمراض السارية كالجُدري، والحصبة وغيرهما ،فقد أصبح من الأُمور التي لا يتردّد في صلاحيتها ذوو الاختصاص.
ولشيخنا المظفر قدَّس سرَّه كلام يشير إلى خروج المعنيين عن محط النزاع، بنصّ واحد لا بأس بنقله:
«لا سبيل للعقل بما هو عقل إلى إدراك جميع ملاكات الأحكام الشرعية، فإذا أدرك العقل المصلحة في شيء أو المفسدة في آخر، ولم يكن إدراكه مستنداً إلى المصلحة أو المفسدة العامّتين اللّتين يتساوى في إدراكهما جميع العقلاء، فانّه ـ أعني: العقل ـ لا سبيل له إلى الحكم بأنّ هذا المدرَك، يجب أن يحكم به الشارع على طبق حكم العقل، إذ يحتمل انّ ما هو مناط الحكم عند الشارع، غير ما أدركه العقل مناطاً، أو أنّ هناك مانعاً يمنع من حكم الشارع على طبق ما أدركه العقل، وإن كان ما أدرك مقتضياً لحكم الشارع».(7)
فخرجنا بالنتائج التالية:
أوّلاً: انّ حكم العقل بشيء يكشف عن كون الحكم عند الشرع كذلك شريطة أن يكون العقل قاطعاً ويكون المدرَك حكماً عاماً. وذلك لما عرفت من انّ المدرك حكم عام لا يختصّ بفرد دون فرد، والشرع وغير الشرع فيه سيان، كما هو الحال في الأمثلة المتقدمة.
ثانياً: إذا أدرك العقل وجود المصلحة أو المفسدة في الأفعال إدراكاً نوعياً يستوي فيه جميع العقلاء، كوجود المفسدة في استعمال المخدرات، ففي مثله يكون حكم العقل ذريعة لاستكشاف الحكم الشرعي. دونما لا يكون كذلك كادراك فرد أو فردين وجود المصلحة الملزِمة.
ثالثاً: استكشاف ملاكات الأحكام و استنباطها بالسبر و التقسيم، ثمّ استكشاف حكم الشرع على وفقه أمر محظور، لعدم إحاطة العقل بمصالح الأحكام و مفاسدها، وسوف يوافيك عند البحث عن سائر مصادر الفقه عدم العبرة بالاستصلاح الذي عكف عليه مذهب المالكية.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ الكلام يقع في المعنى الأوّل في موردين:
الأوّل: إمكان استقلال العقل بدرك حسن الشيء أو قبحه أو دركه الملازمة بين الوجوبين.
الثاني: إذا استقلّ العقل بما ذكر فهل يكشف عن كونه كذلك عند الشرع.
أمّا الأوّل، فالعدلية متّفقة على إمكانه ، وهو من الأحكام البديهية للعقل ضرورة انّ كلّ إنسان يجد في نفسه حسن العدل وقبح الظلم، وإذا عرض الأمرين على وجدانه يجد في نفسه نزوعاً إلى العدل وتنفّراً عن الظلم وهكذا سائر الأفعال التي تعد من مشتقات الأمرين.
يقول العلاّمة الحلّي: «إنّا نعلم بالضرورة حسن بعض الأشياء وقبح بعضها من دون نظر إلى شرع، فإنّ كلّ عاقل يجزم بحسن الإحسان ويمدح عليه وبقبح الإساءة والظلم ويذم عليه، وهذا حكم ضروري لا يقبل الشكّ وليس مستفاداً من الشرع لحكم البراهمة والملاحدة به من غير اعتراف منهم بالشرائع».(8)
إنّ حكم الإنسان بحسن العدل وقبح الظلم ليس بأدون من الجزم بحاجة الممكن إلى العلّة، أو انّ الأشياء المساوية لشيء متساوية، فإذا أمكن الجزم بالأمرين الأخيرين فليكن الأمر الأوّل كذلك.
هذا كلّه حول الأمر الأوّل.
وأمّا الأمر الثاني ـ أعني: الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ـ فهو ثابت أيضاً، لأنّ الموضوع للحسن والقبح هو نفس الفعل بغضِّ النظر عن فاعل خاص، بل مع غض النظر عمّا يترتّب عليه من المصالح والمفاسد، فإذا كان هذا هو الموضوع فما وقف عليها العقل بفطرته ووجدانه يعمّ فعل الواجب والممكن.
وبعبارة أُخرى: انّ ما يدركه العقل في الحكمة العملية مثل ما يدركه في الحكمة النظرية، فكما انّ ما يدركه لا يختص بالمدرِك بل يعمه وغيره، فهكذا الحال في الحكمة العملية، مثلاً: إذا أدرك العقل بفضل البرهان الهندسي بانّ زوايا
المثلث تساوي قائمتين فقد أدرك أمراً واقعياً لا يختص بالمدرك لانّ التساوي من آثار طبيعة المثلث، فهكذا إذا أدرك حسن شيء أو قبحه والفرق بين الحكمتين انّ المعلوم في النظرية من شأنه أن يعلم كما انّ المعلوم في العملية من شأنه أن يعمل به.
فإن قلت: كيف يمكن الاعتماد على حكم العقل وجعله دليلاً على الحكم الشرعي مع أنّه قامت الأدلّة على لزوم العمل بحكم تتوسط الحجّة في تبليغه وبيانه ولا عبرة بالحكم الواصل من غير تبليغ الحجّة؟ وتدلّ على ذلك الأحاديث التالية:
1. صحيح زرارة «فلو انّ رجلاً صام نهاره، وقام ليله، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه ثواب ولا كان من أهل الإيمان».(9)
2. قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «من دان بغير سماع ألزمه اللّه التيه يوم القيامة».(10)
3.وقال أبو جعفر ـ عليه السَّلام ـ : «كلّما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل».(11) إلى غير ذلك من الروايات.(12)
قلت أوّلاً: انّ الروايات ناظرة إلى المُعْرضين عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ والمستهدين بغيرهم على وجه كان جميع أعمالهم بدلالة سواهم، وأمّا من أناخ مطيّته على عتبة أبوابهم في كلّ أمر كبير وصغير، ومع ذلك اعتمد على العقل في مجالات خاصة فالروايات منصرفة عنه جداً.
وبعبارة أُخرى: كما للآيات أسباب وشأن نزول، فهكذا الروايات لها أسباب صدور فهي تعبِّـر عن سيرة قضاة العامة وفقهائهم كأبي حنيفة وابن شبرمة وأضرابهم الذين أعرضوا عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ ولم ينيخوا مطاياهم على أبواب أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ فيخاطبهم الإمام بما في هذه الروايات.
وأمّا فقهاء الشيعة الذين رجعوا في كلّ واقعة إلى الكتاب والسنّة وتمسّكوا بالثقلين فلا تعمّهم، والمورد (صدورها في مورد فقهاء العامة) وإن لم يكن مخصصاً لكن يمكن إلغاء الخصوصية بالنسبة إلى المماثل والمشابه لا المباين، وتمسّك أصحابنا بالعقل في مجالات خاصة لا يعدُّ إعراضاً عنهم بخلاف غيرهم.
وثانياً: إذا كان العقل أحد الحجج ـ كما في صحيح هشام ـ فيكون الحكم المستكشف ممّا وصل إلى المكلّف بتبليغ الحجّة أيضاً.
روى هشام عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : «يا هشام إنّ للّه على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة، وحجّة باطنة; فالظاهرة الرسل والأنبياء والأئمّة، وأمّا الباطنة فالعقول».(13)
وهناك كلام للمحقّق القمي نتبرّك بذكره ختاماً للبحث، قال:
«إنّ انحصار الطاعة والمخالفة في موافقة الخطاب اللفظي ومخالفته، دعوى بلا دليل، بل هما موافقة طلب الشارع ومخالفته وإن كان الطلب بلسان العقل، ونظير ذلك أنّ اللّه تعالى إذا كلّف نبيّه بواسطة إلهام من دون نزول وحي من جبرئيل ـ عليه السَّلام ـ وإتيان كلام، وامتثله النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فيقال إنّه أطاع اللّه جزماً، والعقل فينا نظير الإلهام فيه.
ثمّ يقول: إنّ من يدّعي حكم العقل بوجوب ردّ الوديعة وحرمة الظلم يدّعي القطع بأنّ اللّه تعالى خاطبه بذلك بلسان العقل، فكيف يجوز العمل بالظن بخطاب اللّه تعالى وتكليفه، ولا يجوز العمل مع اليقين به؟ فإن كان ولا بدّ من المناقشة، فليكتف في منع حصول هذا القطع من جهة العقل وانّه لا يمكن ذلك».(14)
ثمرات البحث:
إذا قلنا بالحسن والقبح العقليّين والملازمة بين الحكمين تترتب عليه ثمرات أُصولية نذكر منها ما يلي:
1. البراءة من التكليف لقبح العقاب بلا بيان.
2. لزوم تحصيلا لبراءة اليقينيّة عند العلم الإجمالي وتردّد المكلّف به بين أمرين لأجل حكم العقل بأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
3. الإتيان بالمأمور به مجز عن الإعادة والقضاء لقبح بقاء الأمر بعد الامتثال.
4. وجوب تقديم الأهم على المهم إذا دار الأمر بينهما لقبح العكس.
وأمّا الثمرات الفقهية المترتّبة على القول بالملازمة العقلية فيستنتج منها الأحكام التالية:
1. وجوب المقدّمة على القول بحكم العقل بالملازمة بين الوجوبين.
2. حرمة ضد الواجب على القول بحكم العقل بالملازمة بين الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه.
3. بطلان العبادة على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي وتقديم النهي عن الأمر.
4. صحّة العبادة على القول بالامتناع وتقديم جانب الأمر.
5. صحّة العبادة على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي.
6. فساد العبادة إذا تعلّق النهي بنفس العبادة سواء كان المنهي نفسها أو جزئها أو شرطها أو أوصافها.
7. فساد المعاملة إذا تعلّق النهي بالثمن أو المثمن للملازمة بين النهي وفسادها.
8. انتفاء الحكم (الجزاء) مع انتفاء الشرط إذا كان علة منحصرة.
___________
1. سواء أكان مصدره العقل أو غيره .
2. إلاّ المحقّق القمي في قوانينه وصاحب الفصول في فصوله .
3. لاحظ تهذيب الأُصول: 2/46 .
4. نهاية الدراية:2/26.
5. مسيل الماء من الحرّة إلى السهل، و«الحرّة»: الأرض ذات الحجارة.
6. مجمع البيان:2/69.
7. أُصول الفقه:1/239ـ 240.
8. كشف المراد مع تعليقتنا: 59 نشرالمؤسسة الإمام الصادق ـ عليه السَّلام ـ .
9. الوسائل: الجزء 18، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 13.
10. الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب صفات القاضي، الحديث 14و18.
11. الوسائل: 18، الباب 10 من أبواب صفات القاضي، الحديث 14و18.
12. الكافي:1/13ـ16، باب العقل والجهل.
13. لاحظ الكافي:1/60، باب الرد إلى الكتاب والسنة، الحديث 6; وأيضاً ص 56 باب البدع والرأي والمقاييس، الحديث7.
14. القوانين: 2/2ـ3.