المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

تفاعل المرآة الفضية The Silver Mirror Redution:
5-2-2017
مفهوم جباية دين الضريبة
2024-05-24
الإسلام وآداب الطعام‏
22-04-2015
Introduction to Roots
14-11-2016
ابن معتوق الواعظ الواسطي
26-1-2016
إتمام الحجّة من فلسفة بعثة الانبياء
10-12-2015


مقدمة في امور لها علاقة بوضع الألفاظ واستعمالها ودلالتها  
  
3794   08:09 صباحاً   التاريخ: 1-9-2016
المؤلف : الشيخ محمد رضا المظفر
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج1 ص 10-41.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016 3114
التاريخ: 25-6-2020 1388
التاريخ: 9-6-2020 1590
التاريخ: 31-8-2016 1888

تبحث[المقدمة] عن أمور لها علاقة بوضع الألفاظ واستعمالها ودلالتها وفيها أربعة عشر مبحثا:

1 - حقيقة الوضع لاشك إن دلالة الألفاظ على معانيها في أية لغة كانت ليست ذاتية، كذاتية دلالة الدخان - مثلا - على وجود النار، وإن توهم ذلك بعضهم، لأن لازم هذا الزعم إن يشترك جميع البشر في هذه الدلالة، مع إن الفارسي مثلا لا يفهم الألفاظ العربية ولا غيرها من دون تعلم وكذلك العكس في جميع اللغات. وهذا واضح وعليه، فليست دلالة الألفاظ على معانيها الا بالجعل والتخصيص من واضع تلك الألفاظ لمعانيها. ولذ تدخل الدلالة اللفظية هذه في الدلالة الوضعية.

2 - من الواضع؟ ولكن من ذلك الواضع الأول في كل لغة من اللغات؟ قيل: إن الواضع لا بد إن يكون شخصا واحدا يتبعه جماعة من البشر في التفاهم بتلك اللغة. وقيل – وهو الأقرب إلى الصواب - إن الطبيعة البشرية حسب القوة المودعة من الله تعالى فيها تقتضي إفادة مقاصد الإنسان بالألفاظ، فيخترع من عند نفسه لفظا مخصوصا عند إرادة معنى مخصوص - كما هو المشاهد من الصبيان عند أول أمرهم - فيتفاهم مع الآخرين الذين يتصلون به، والآخرون كذلك يخترعون من أنفسهم ألفاظا لمقاصدهم وتتألف على مرور الزمن من مجموع ذلك طائفة صغيرة من الألفاظ، حتى تكون لغة خاصة، لها قواعدها يتفاهم بها قوم من البشر. وهذه اللغة قد تتشعب بين أقوام متباعدة وتتطور عند كل قوم بما يحدث فيها من التغيير والزيادة، حتى قد تنبثق منها لغات أخرى فيصبح لكل جماعة لغتهم الخاصة. وعليه، تكون حقيقة الوضع هو جعل اللفظ بإزاء المعنى وتخصيصه به. ومما يدل على اختيار القول الثاني في الواضع إنه لو كان الواضع شخصا واحدا لنقل ذلك في تاريخ اللغات ولعرف عند كل لغة واضعها.

 3 - الوضع تعييني وتعيني ثم إن دلالة الألفاظ على معانيها الأصل فيها إن تكون ناشئة من الجعل والتخصيص ويسمى الوضع حينئذ (تعيينيا). وقد تنشأ الدلالة من اختصاص ويسمى بالمعنى الحاصل هذا الاختصاص من الكثرة في الاستعمال على درجة من الكثرة إنه تألفه الأذهان بشكل إذا سمع اللفظ ينتقل السامع منه إلى المعنى. ويسمى الوضع حينئذ (تعينيا).

 4 - أقسام الوضع لا بد في الوضع من تصور اللفظ والمعنى؟ لأن الوضع حكم على المعنى وعلى اللفظ، ولا يصح الحكم على الشيء الا بعد تصوره ومعرفته بوجه من الوجوه ولو على نحو الإجمال، لأن تصور الشيء قد يكون بنفسه وقد يكون بوجهه أي بتصور عنوان عام ينطبق عليه ويشار به إليه إذ يكون ذلك العنوان العام مرآة وكاشفا عنه كم إذا حكمت على شبح من بعيد إنه ابيض مثلا وأنت لا تعرفه بنفسه إنه أي شيء هو، وأكثر ما تعرف عنه - مثلا إنه شيء من الأشياء أو حيوان من الحيوانات. فقد صح حكمك عليه بأنه ابيض مع إنك لم تعرفه ولم تتصوره بنفسه وإنما تصورته بعنوان إنه شيء أو حيوان لا أكثر وأشرت به إليه. وهذا ما يسمى في عرفهم (تصور الشيء بوجهه) وهو كاف لصحة الحكم على الشيء. وهذا بخلاف المجهول محضا فإنه لا يمكن الحكم عليه أبدا. وعلى هذا، فإنه يكفينا في صحة الوضع للمعنى إن نتصوره بوجهه، كما لو كنا تصورناه بنفسه. ولما عرفن إن المعنى لا بد من تصوره وإن تصوره على نحوين - فإنه بهذا الاعتبار وباعتبار ثان هو إن المعنى قد يكون خاصا أي جزئيا وقد يكون عاما أي كليا، نقول إن الوضع ينقسم إلى أربعة أقسام عقلية:

 1 . إن يكون المعنى المتصور جزئيا والموضوع له نفس الجزئي، أي إن الموضوع له معنى متصور بنفسه لا بوجهه. ويسمى هذا القسم (الوضع خاص والموضوع له خاص).

 2 . إن يكون المتصور كليا والموضوع له نفس ذلك الكلي أي إن الموضوع له كلي متصور بنفسه لا بوجهه. ويسمى هذا القسم (الوضع عام والموضوع له عام).

 3 . إن يكون المتصور كليا والموضوع له أفراد الكلي لا نفسه، أي إن الموضوع له جزئي غير متصور بنفسه بل بوجهه، ويسمى هذا القسم (الوضع عام والموضوع له خاص).

4 . إن يكون المتصور جزئيا والموضوع له كليا لذلك الجزئي، ويسمى هذا القسم (الوضع خاص والموضوع له عام). إذا عرفت هذه الأقسام المتصورة العقلية، فنقول. لا نزاع في أمكان الأقسام الثلاثة الأولى، كما لا نزاع في وقوع القسمين الأولين. ومثال الأول الأعلام الشخصية كمحمد وعلي وجعفر، ومثال الثاني أسماء الأجناس كماء وسماء ونجم وإنسان وحيوان. وإنما النزاع وقع في أمرين:

الأول في أمكان القسم الرابع، والثاني في وقوع القسم الثالث بعد التسليم بإمكانه. والصحيح عندنا استحالة الرابع ووقوع الثالث ومثاله الحروف وأسماء الإشارة والضمائر والاستفهام ونحوها على ما سيأتي.

 5 - استحالة القسم الرابع أما استحالة الرابع وهو الوضع الخاص والموضوع له العام فنقول في بيانه: إن النزاع في أمكان ذلك ناشئ من النزاع في أمكان إن يكون الخاص وجه وعنوانا للعام، وذلك لما تقدم إن المعنى الموضوع له لا بد من تصوره بنفسه أو بوجهه لاستحالة الحكم على المجهول، والمفروض في هذا القسم إن المعنى الموضوع له لم يكن متصورا وإنما تصور الخاص فقط، وإلا لو كان متصورا بنفسه ولو بسبب تصور الخاص كان من القسم الثاني وهو الوضع العام والموضوع له العام. ولا كلأم في إمكانه بل في وقوعه كما تقدم. فلا بد حينئذ للقول بإمكان القسم الرابع من إن نفرض إن الخاص يصح إن يكون وجها من وجوه العام وجهة من جهاته حتى يكون تصوره كافيا عن تصور العام بنفسه ومغني عنه، لأجل إن يكون تصورا للعام بوجه. ولكن الصحيح الواضح لكل مفكر إن الخاص ليس من وجوه العام بل الأمر بالعكس من ذلك، فإن العام هو وجه من وجوه الخاص وجهة من جهاته. ولذا قلنا بإمكان القسم الثالث وهو (الوضع العام والموضوع له الخاص) لأنا إذ تصورنا العام فقد تصورنا في ضمنه جميع أفراده بوجه، فيمكن الوضع لنفس ذلك العام من جهة تصوره بنفسه فيكون من القسم الثاني، ويمكن الوضع لأفراده من جهة تصورها بوجهه فيكون من الثالث. بخلاف الأمر في تصور الخاص فلا يمكن الوضع معه الا لنفس ذلك الخاص ولا يمكن الوضع للعام لأنا لم نتصوره أصلا لا بنفسه بحسب الفرض ولا بوجهه إذ ليس الخاص وجها له. ويستحيل الحكم على المجهول المطلق.

6 - وقوع الوضع العام والموضوع له الخاص وتحقيق المعنى الحرفي أما وقوع القسم الثالث، فقد قلنا: إن مثاله وضع الحروف وما يلحق بها من أسماء الإشارة والضمائر والموصولات والاستفهام ونحوها. وقبل إثبات ذلك لا بد من (تحقيق معنى الحرف وما يمتاز به عن الاسم) فنقول: الأقوال في وضع الحروف وما يلحق بها من الأسماء ثلاثة:

1 - إن الموضوع له في الحروف هو بعينه الموضوع له في الأسماء المسانخة لها في المعنى، فمعنى (من) الابتدائية هو عين معنى كلمة الابتداء بلا فرق. وكذا معنى (على) معنى كلمة الاستعلاء، ومعنى (في) معنى كلمة الظرفية.. وهكذا. وإنما الفرق في جهة أخرى، وهي إن الحرف وضع لأجل إن يستعمل في معناه إذا لوحظ ذلك المعنى حالة وآلة لغيره، أي إذا لوحظ المعنى غير مستقل في نفسه، والاسم وضع لأجل إن يستعمل في معناه إذا لوحظ مستقلا في نفسه. مثلا - مفهوم (الابتداء) معنى واحد وضع له لفظان أحدهما لفظ (الابتداء) والثاني كلمة (من) لكن الأول وضع له لأجل إن يستعمل فيه عندما يلاحظ المستعمل مستقلا في نفسه، كما إذا قيل (ابتداء السير كان سريع).

 والثاني وضع له لأجل إن يستعمل فيه عندما يلاحظه المستعمل غير مستقل في نفسه، كم إذا قيل (سرت من النجف). فتحصل إن الفرق بين معنى الحرف ومعنى الاسم إن الأول يلاحظه المستعمل حين الاستعمال آلة لغيره وغير مستقل في نفسه، والثاني يلاحظه حين الاستعمال مستقلا، مع إن المعنى في كليهما واحد. والفرق بين وضعيهما إنما هو الغاية فقط. ولازم هذا القول إن الوضع والموضوع له في الحروف عامان. وهذا القول منسوب إلى الشيخ الرضي نجم الأئمة واختاره المحقق صاحب الكفاية.

2 - إن الحروف لم توضع لمعان أصلا، بل حالها حال علامات الإعراب في إفادة كيفية خاصة في لفظ آخر، فكما إن علامة الرفع في قولهم (حدثنا زرارة) تدل على إن زرارة فاعل الحديث كذلك (من) في المثال المتقدم تدل على إن النجف مبتدأ منها والسير مبتدأ به.

3 - إن الحروف موضوعة لمعان متباينة في حقيقتها وسنخها للمعاني الاسمية، فإن المعاني الاسمية في حد ذاتها معان مستقلة في أنفسها، ومعاني الحروف لا استقلال له بل هي متقومة بغيرها. والصحيح هذا القول الثالث. ويحتاج إلى توضيح وبيان: إن المعاني الموجودة في الخارج على نحوين: الأول - ما يكون موجودا في نفسه، (كزيد) الذي هو من جنس الجوهر و (قيامه) مثلا الذي هو من جنس العرض، فإن كلا منهما موجود في نفسه. والفرق إن الجوهر موجود في نفسه لنفسه، والعرض موجود في نفسه لغيره. الثاني - ما يكون موجودا لا في نفسه، كنسبة القيام إلى زيد. والدليل على كون هذ المعنى لا في نفسه: إنه لو كان للنسب والروابط وجودات استقلالية، للزم وجود الرابط بينها وبين موضوعاتها، فننقل الكلام إلى ذلك الرابط، والمفروض إنه موجود مستقل، فل بد له من رابط أيضا.. وهكذا ننقل الكلام إلى هذا الرابط فيلزم التسلسل، والتسلسل باطل، فيعلم من ذلك إن وجود الروابط والنسب في حد ذاته متعلق بالغير ولا حقيقة له الا التعلق بالطرفين. ثم إن الإنسان في مقام إفادة مقاصده كما يحتاج إلى التعبير عن المعاني المستقلة كذلك يحتاج إلى التعبير عن المعاني غير المستقلة في ذاتها، فحكمة الوضع تقتضي إن توضع بإزاء كل القسمين ألفاظ خاصة، والموضوع بإزاء المعاني المستقلة هي الأسماء، والموضوع بإزاء المعاني غير المستقلة هي الحروف وما يلحق بها. وهذه المعاني غير المستقلة لما كانت على أقسام شتى فقد وضع بإزاء كل قسم لفظ يدل عليه، أو هيئة لفظية تدل عليه. مثلا - إذا قيل (نزحت البئر في دارنا بالدلو) ففيه عدة نسب مختلفة ومعان غير مستقلة: احدها نسبة النزح إلى فاعله والدال عليها هيئة الفعل للمعلوم، وثانيتها نسبته إلى ما وقع عليه أي مفعوله وهو البئر والدال عليها هيئة النصب في الكلمة، وثالثتها إلى المكان والدال عليها كلمة (في)، ورابعتها نسبته إلى الآلة والدال عليها لفظ الباقي في كلمة (بالدلو). ومن هنا يعلم إن الدال على المعاني غير المستقلة ربما يكون لفظا مستقلا كلفظة من، والى، وفي. وربما يكون هيئة في اللفظ كهيئات المشتقات والأفعال وهيئات الإعراب.

(النتيجة): فقد تحقق مما بيناه إن الحروف لها معان تدل عليها كالأسماء، والفرق إن المعاني الاسمية مستقلة في أنفسها وقابلة لتصورها في ذاتها، وإن كانت في الوجود الخارجي محتاجة إلى غيرها كالأعراض، وأم المعاني الحرفية فهي معان غير مستقلة وغير قابلة للتصور الا في ضمن مفهوم آخر. ومن هنا يشبه كل أمر مستقل بالمعنى الحرفي. (بطلان القولين الأولين) وعلى هذا، يظهر بطلان القول الثاني القائل إن الحروف لا معاني لها وكذلك القول الأول القائل إن المعنى الحرفي والاسمي متحدان بالذات مختلفان باللحاظ. ويرد هذا القول أيضا إنه لو صح اتحاد المعنيين لجاز استعمال كل من الحرف والاسم في موضع الآخر، مع إنه لا يصح بالبداهة حتى على نحو المجاز، فلا يصح بدل قولنا: زيد في الدار - مثلا - إن يقال زيد الظرفية الدار. وقد أجيب عن هذا الإيراد بأنه إنما لا يصح أحدهما في موضع الآخر لأن الواضع اشترط ألا يستعمل لفظ الظرفية الا عند لحاظ معناه مستقلا، ولا يستعمل لفظ (في) الا عند لحاظ معناه غير مستقل وآلة لغيره. ولكنه جواب غير صحيح لأنه ل دليل على وجوب أتباع ما يشترطه الواضع إذا لم يكن اشتراطه يوجب اعتبار خصوصية في اللفظ والمعنى. وعلى تقدير إن يكون الواضع ممن تجب طاعته فمخالفته توجب العصيان لا غلط الكلام.

(زيادة إيضاح) إذ قد عرفت إن الموجودات (1) منها ما يكون مستقلا في الوجود، ومنه ما يكون رابطا بين موجودين - فاعلم إن كل كلأم مركب من كلمتين أو أكثر إذا ألقيت كلماته بغير ارتباط بينهما فإن كل واحد منها كلمة مستقلة في نفسها لا ارتباط له بالأخرى، وإنما الذي يربط بين المفردات ويؤلفها كلاما واحدا هو الحرف أو إحدى الهيئات الخاصة. فأنت إذا قلت مثلا: إنا. كتب. قلم - لا يكون بين هذه الكلمات ربط وإنما هي مفردات صرفة منثورة. أما إذا قلت: كتبت بالقلم - كان كلاما واحدا مرتبط بعضه مع بعض مفهما للمعنى المقصود منه. وما حصل هذا الارتباط والوحدة الكلامية ال بفضل الهيئة المخصوصة لكتبت وحرف الباء وأل.

وعليه يصح إن يقال إن الحروف هي روابط المفردات المستقلة والمؤلفة للكلام الواحد والموحدة للمفردات المختلفة، شأنها شأن النسبة بين المعاني المختلفة والرابطة بين المفاهيم غير المربوطة. فكما إن النسبة رابطة بين المعاني ومؤلفة بينها فكذلك الحرف الدال عليها رابط بين الألفاظ ومؤلف بينها. والى هذا أشار سيد الأولياء أمير المؤمنين عليه السلام بقوله المعروف في تقسيم الكلمات: (الاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أوجد معنى في غيره). فأشار إلى إن المعاني الاسمية معان استقلالية، ومعاني الحروف غير مستقلة في نفسها وإنما هي تحدث الربط بين المفردات. ولم نجد في تعاريف القوم للحرف تعريفا جامعا صحيحا مثل هذا التعريف الوضع في الحروف عام والموضوع له خاص.

إذا اتضح جميع ما تقدم يظهر إن كل نسبة حقيقتها متقومة بطرفيها على وجه لو قطع النظر عن الطرفين لبطلت وانعدمت، فكل نسبة في وجودها الرابط مباينة لأية نسبة أخرى ولا تصديق عليها، وهي في حد ذاتها مفهوم جزئي حقيقي. وعليه لا يمكن فرض النسبة مفهوما كليا ينطبق على كثيرين وهي متقومة بالطرفين وإلا لبطلت وانسلخت عن حقيقة كونها نسبة. ثم إن النسب غير محصورة فلا يمكن تصور جميعها للواضع، فلا بد في مقام الوضع لها من تصور معنى اسمي يكون عنوانا للنسب غير المحصورة حاكيا عنها وليس العنوان في نفسه نسبة، كمفهوم لفظ (النسبة الابتدائية) المشار به إلى أفراد النسب الابتدائية الكلامية. ثم يضع لنفس الأفراد غير المحصورة التي لا يمكن التعبير عنها الا بعنوانها. وبعبارة أخرى إن الموضوع له هو النسبة الابتدائية بالحمل الأولي فليست بنسبة حقيقة بل تكون طرفا للنسبة كما لو قلت: الابتداء كان من هذا المكان. ومن هذا يعلم حال أسماء الإشارة والضمائر والموصولات ونحوها. فالوضع في الجميع عام والموضوع له خاص.

 7 - الاستعمال حقيقي ومجازي استعمال اللفظ في معناه الموضوع له (حقيقة)، واستعماله في غيره المناسب له (مجاز)، وفي غير المناسب (غلط). وهذا أمر محل وفاق. ولكنه وقع الخلاف في الاستعمال المجازي في إن صحته هل هي متوقفة على ترخيص الواضع وملاحظة العلاقات المذكورة في علم البيان، أو إن صحته طبعية تابعة لاستحسان الذوق السليم، فكلما كان المعنى غير الموضوع له مناسبا للمعنى الموضوع له واستحسنه الطبع صح استعمال اللفظ فيه، وإل فلا؟

وإلا رجع القول الثاني، لأنا نجد صحة استعمال الأسد في الرجل الشجاع مجازا، وإن منع منه الواضع، وعدم صحة استعماله مجازا في كريه رائحة الفم - كما يمثلون - وإن رخص الواضع. ومؤيد ذلك اتفاق اللغات المختلفة غالبا في المعاني المجازية فترى في كل لغة يعبر عن الرجل الشجاع باللفظ الموضوع للأسد. وهكذا في كثير من المجازات الشائعة عند البشر.

8 - الدلالة تابعة للإرادة قسموا الدلالة إلى قسمين: التصورية والتصديقية:

1 - (التصورية) وهي إن ينتقل ذهن الإنسان إلى معنى اللفظ بمجرد صدوره من لافظ، ولو علم إن اللافظ لم يقصده، كانتقال الذهن إلى المعنى الحقيقي عند استعمال اللفظ في معنى مجازي، مع إن المعنى الحقيقي ليس مقصودا للمتكلم، كانتقال الذهن إلى المعنى من اللفظ الصادر من الساهي أو النائم أو الغالط.

 2 - (التصديقية) وهي دلالة اللفظ على إن المعنى مراد للمتكلم في اللفظ وقاصد لاستعماله فيه. وهذه الدلالة متوقفة على عدة أشياء (أولا) على إحراز كون المتكلم في مقام البيان والإفادة، و (ثانيا) على إحراز إنه جاد غير هازل، و (ثالثا) على إحراز إنه قاصد لمعنى كلأمه شاعر به، و(رابع) على عدم نصب قرينة على إرادة خلاف الموضوع له وإلا كانت الدلالة التصديقية على طبق القرينة المنصوبة. والمعروف إن الدلالة الأولى (التصورية) معلولة للوضع، أي إن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصورية. وهذا هو مراد من يقول:

(إن الدلالة غير تابعة للإرادة بل تابعة لعلم السامع بالوضع). والحق إن الدلالة تابعة للإرادة، وأول من تنبه لذلك فيما نعلم الشيخ نصير الدين الطوسي أعلى الله مقامه، لأن الدلالة في الحقيقة منحصرة في الدلالة التصديقية، والدلالة التصورية التي يسمونها دلالة ليست بدلالة، وإن سميت كذلك فإنه من باب التشبيه والتجوز، لأن التصورية في الحقيقة هي من باب تداعي المعاني الذي يحصل بأدنى مناسبة فتقسيم الدلالة إلى تصديقية وتصورية تقسيم الشيء إلى نفسه والى غيره. والسر في ذلك إن الدلالة حقيقة - كما فسرناها في كتاب المنطق الجزء الأول بحث الدلالة - هي إن يكشف الدال عن وجود المدلول، فيحصل من العلم به العلم بالمدلول، سواء كان الدال لفظا أو غير لفظ. مثلا - إن طرقة الباب يقال إنها دالة على وجود شخص على الباب طالب لأهل الدار، باعتبار إن المطرقة موضوعة لهذه الغاية. وتحليل هذا المعنى إن سماع الطرقة يكشف عن وجود طالب قاصد للطلب فيحصل من العلم بالطرقة، العلم بالطارق وقصده، ولذلك يتحرك السامع إلى إجابته. لا إنه ينتقل ذهن السامع من تصور الطرقة إلى تصور شخص ما، فإن هذا الإنتقال قد يحصل فمجرد تصور معنى الباب أو الطرقة من دون إن يسمع طرقة ولا يسمى ذلك دلالة. ولذا إن الطرقة - لو كانت على نحو مخصوص يحصل من حركة الهواء مثلا - لا تكون دالة على ما وضعت له المطرقة وإن خطر في ذهن السامع معنى ذلك. وهكذا نقول في دلالة الألفاظ على معانيه بدون فرق، فإن اللفظ إذا صدر من المتكلم على نحو يجرز معه إنه جاد فيه غير هازل وإنه عن شعور وقصد وإن غرضه البيان والإفهام، ومعنى إحراز ذلك إن السامع علم بذلك، فإن كلأمه يكون حينئذ دالا على وجود المعنى أي وجوده في نفس المتكلم بوجود قصدي، فيكون علم السامع بصدور الكلام منه يستلزم علمه بأن المتكلم قاصد لمعناه لأجل إن يفهمه السامع. وبهذا يكون الكلام دالا كما تكون الطرقة دالة. وينعقد بهذا للكلام ظهور في معناه الموضوع له أو المعنى الذي أقيمت على أرادته قرينة. ولذا نحن عرفنا الدلالة اللفظية في المنطق (1 / 26) بأنها (هي كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلم العلم بالمعنى المقصود به). ومن هنا سمي المعنى معنى، أي المقصود، من عناه إذا قصده. ولأجل إن يتضح هذا الأمر جيدا اعتبر باللافتات التي توضع في هذا العصر للدلالة على إن الطريق مغلوق - مثلا - أو إن الاتجاه في الطريق إلى اليمين أو اليسار، ونحو ذلك. فإن اللافتة إذا كانت موضوعة في موضعها اللائق على وجه منظم بنحو يظهر منه إن وضعها لهداية المستطرقين كان مقصودا لواضعها، فإن وجودها هكذا يدل حينئذ على ما يقصد منها من غلق الطريق أو الاتجاه. أما لو شاهدتها مطروحة في الطريق مهملة أو عند الكاتب يرسمها فإن المعنى المكتوب يخطر في ذهن القارئ ولكن لا تكون دالة عنده على إن الطريق مغلوقة أو إن الاتجاه كذا، بل أكثر ما يفهم من ذلك إنه ستوضع لتدل على هذا بعد ذلك لا إن لها الدلالة فعلا.

9 - الوضع شخصي ونوعي قد عرفت في المبحث الرابع إنه لا بد في الوضع من تصور اللفظ والمعنى وعرفت هناك إن المعنى تارة يتصوره الواضع بنفسه وأخرى بوجهه وعنوانه. فاعرف هنا إن اللفظ أيضا كذلك ربما يتصوره الواضع بنفسه ويضعه للمعنى كما هو الغالب في الألفاظ، فيسمى الوضع حينئذ (شخصيا). وربما يتصوره بوجهه وعنوانه، فيسمى الوضع (نوعيا). ومثال الوضع النوعي الهيئات، فإن الهيئة غير قابلة للتصور بنفسها، بل إنما يصح تصورها في مادة من مواد اللفظ كهيئة كلمة ضرب مثلا - وهي هيئة الفعل الماضي - فإن تصورها لا بد إن يكون في ضمن الضاد والراء والباء أو ضمن الفاء والعين واللأم في فعل. ولما كانت المواد غير محصورة ولا يمكن تصور جميعها فلا بد من الإشارة إلى أفرادها بعنوان عام فيضع كل هيئة تكون على زنة فعل مثلا أو زنة فاعل أو غيرهما، ويتوصل إلى تصور ذلك العام بوجود الهيئة في إحدى المواد كمادة فعل التي جرت الاصطلاحات عليها عند علماء العربية.

 10 - وضع المركبات ثم إن الهيئة الموضوعة؟؟ لمعنى تارة تكون في المفردات كهيئات المشتقات التي تقدمت الإشارة إليها، وأخرى في المركبات كالهيئة التركيبية بين المبتدأ والخبر لإفادة حمل شيء على شيء، وكهيئة تقديم ماحقه التأخير لإفادة الاختصاص. ومن هنا تعرف إنه لا حاجة إلى وضع الجمل والمركبات في إفادة معانيها زائدا على وضع المفردات بالوضع الشخصي والهيئات بالوضع النوعي - كما قيل - بل هو لغو محض. ولعل من ذهب إلى وضعها أراد به وضع الهيئات التركيبية لا الجملة بأسرها بموادها وهيئاتها زيادة على وضع أجزائها. فيعود النزاع حينئذ لفظيا.

11 - علامات الحقيقة والمجاز قد يعلم الإنسان - أما من طريق نص أهل اللغة أو لكونه نفسه من أهل اللغة - إن لفظ كذا موضوع لمعنى كذا ولا كلأم لأحد في ذلك، فإنه من الواضح إن استعمال اللفظ في ذلك المعنى حقيقة وفي غيره مجاز. وقد يشك في وضع لفظ مخصوص لمعنى مخصوص، فلا يعلم إن استعماله فيه هل كان على سبيل الحقيقة فلا يحتاج إلى نصب قرينة عليه، أو على سبيل المجاز فيحتاج إلى نصب القرينة. وقد ذكر الأصوليون لتعيين الحقيقة من المجاز - أي لتعيين إنه موضوع لذلك المعنى أو غير موضوع - طرقا وعلامات كثيرة نذكر هنا أهمها: (الأولى - التبادر) دلالة كل لفظ على أي معنى لا بد لها من سبب. والسبب لا يخلو فرضه عن أحد أمور ثلاثة:

المناسبة الذاتية. وقد عرفت بطلانها، أو العلقة الوضعية، أو القرينة الحالية أو المقالية. فإذا علم إن الدلالة مستندة إلى نفس اللفظ من غير اعتماد على قرينة فإنه يثبت إنها من جهة العلقة الوضعية. وهذا هو المراد بقولهم (التبادر علامة الحقيقة).

والمقصود من كلمة التبادر هو إنسباق المعنى من نفس اللفظ مجردا عن كل قرينة.

 وقد يعترض على ذلك بأن التبادر لا بد له من سبب، وليس هو إلا العلم بالوضع، لأن من الواضح إن الإنسباق لا يحصل من اللفظ إلى معناه في أية لغة لغير العالم بتلك اللغة، فيتوقف التبادر على العلم بالوضع. فلو أردنا إثبات الحقيقة وتحصيل العلم بالوضع بسبب التبادر - لزم الدور المحال. فلا يعقل - على هذ - إن يكون التبادر علامة للحقيقة يستفاد منه العلم بالوضع والمفروض إنه مستفاد من العلم بالوضع. و(الجواب): إن كل فرد من أية أمة يعيش معها لا بد إن يستعمل الألفاظ المتداولة عندها تبعا لها، ولا بد إن يرتكز في ذهنه معنى اللفظ ارتكازا يستوجب إنسباق ذهنه إلى المعنى عند سماع اللفظ، وقد يكون ذلك الارتكاز من دون التفات تفصيلي إليه وإلى خصوصيات المعنى. فإذا أراد الإنسان معرفة المعنى وتلك الخصوصيات وتوجهت نفسه إليه - فإنه يفتش عما هو مرتكز في نفسه من المعنى، فينظر إليه مستقل عن القرينة، فيرى إن المتبادر من اللفظ الخاص ما هو من معناه الإرتكازي. فيعرف إنه حقيقة فيه. فالعلم بالوضع لمعنى خاص بخصوصياته التفصيلية أي الالتفات التفصيلي إلى الوضع والتوجه إليه يتوقف على التبادر، والتبادر إنما هو موقوف على العلم الإرتكازي بوضع اللفظ لمعناه غير الملتفت إليه. والحاصل إن هناك علمين: أحدهما يتوقف على التبادر وهو العلم التفصيلي والآخر يتوقف التبادر عليه وهو العلم الإجمالي الإرتكازي. هذا الجواب بالقياس إلى العالم بالوضع، وأما بالقياس إلى غير العالم به فلا يعقل حصول التبادر عنده لفرض جهله باللغة. نعم يكون التبادر أمارة على الحقيقة عنده إذا شاهد التبادر عند أهل اللغة، يعني إن الأمارة عنده تبادر غيره من أهل اللغة. مثلا إذا شاهد الأعجمي من أصحاب اللغة العربية إنسباق أذهانهم من لفظ الماء المجرد عن القرينة إلى الجسم السائل البارد بالطبع، فلا بد إن يحصل له العلم بأن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى عندهم. وعليه فلا دور هنا لأن علمه يتوقف على التبادر يتوقف على علم غيره. (العلامة الثانية - عدم صحة السلب وصحته، الحمل وعدمه) ذكرو: إن عدم صحة سلب اللفظ عن المعنى الذي يشك في وضعه له

علامة إنه حقيقة فيه وإن صحة السلب علامة على إنه مجاز فيه. وذكروا أيضا: إن صحة حمل اللفظ على ما يشك في وضعه له علامة الحقيقة وعدم صحة الحمل علامة على المجاز. وهذا ما يحتاج إلى تفصيل وبيان، فلتحقيق الحمل وعدمه والسلب وعدمه نسلك الطرق الآتية:

1 - نجعل المعنى الذي يشك في وضع اللفظ له (موضوعا) ونعبر عنه بأي لفظ كان يدل عليه. ثم نجعل اللفظ المشكوك في وضعه لذلك المعنى (محمولا) بما له من المعنى الإرتكازي. ثم نجرب إن نحمل بالحمل الأولي اللفظ بما له من المعنى المرتكز في الذهن على ذلك اللفظ الدال على المعنى المشكوك وضع اللفظ له. والحمل الأولي ملاكه الاتحاد في المفهوم والتغاير بالاعتبار (2). وحينئذ إذا أجرينا هذه التجربة فإن وجدنا عند أنفسنا صحة الحمل وعدم صحة السلب علمنا تفصيلا بأن اللفظ موضوع لذلك المعنى. وإن وجدنا عدم صحة الحمل وصحة السلب علمنا إنه ليس موضوعا لذلك المعنى بل يكون استعماله فيه مجازا.

2 - إذا لم يصح عندنا الحمل الأولي نجرب إن نحمله هذه المرة بالحمل الشايع الصناعي الذي ملاكه الاتحاد وجودا والتغاير مفهوما. وحينئذ، فإن صح الحمل علمنا إن المعنيين متحدان وجودا سواء كانت النسبة التساوي أو العموم من وجه (3) أو مطلقا، ولا يتعين واحد منها بمجرد صحة الحمل. وإن لم يصح الحمل وصح السلب علمن أنهما متباينان.

3 - نجعل موضوع القضية أحد مصاديق المعنى المشكوك وضع اللفظ له لا نفس المعنى المذكور. ثم نجرب الحمل - وينحصر الحمل في هذه التجربة بالحمل الشايع - فإن صح الحمل علم منه حال المصداق من جهة كونه أحد المصاديق الحقيقة لمعنى اللفظ الموضوع له سواء كان ذلك المعنى نفس المعنى المذكور أو غيره المتحد معه وجودا. كما يستعلم منه حال الموضوع له في الجملة من جهة شموله لذلك المصداق. بل قد يستعلم منه تعيين الموضوع له، مثلما إذا كان الشك في وضعه لمعنى عام أو خاص. كلفظ (الصعيد) المردد بين إن يكون موضوعا لمطلق وجه الأرض أو لخصوص التراب الخالص، فإذا وجدنا صحة الحمل وعدم صحة السلب بالقياس إلى غير التراب الخالص من مصاديق الأرض يعلم قهرا تعيين وضعه لعموم الأرض. وإن لم يصح الحمل وصح السلب علم إنه ليس من أفراد الموضوع له ومصاديقه الحقيقية، وإذا كان قد استعمل فيه اللفظ فالاستعمال يكون مجازا أما فيه رأسا أو في معنى يشمله ويعمه. تنبيه: إن الدور الذي ذكر في التبادر يتوجه إشكاله هنا أيضا. والجواب عنه نفس الجواب هناك، لأن صحة الحمل وصحة السلب إنما هما باعتبار ما للفظ من المعنى المرتكز إجمالا، فلا تتوقف العلامة الا على العلم الإرتكازي وما يتوقف على العلامة هو العلم التفصيلي. هذا كله بالنسبة إلى العارف باللغة. وأم الجاهل بها فيرجع إلى أهلها في صحة الحمل والسلب وعدمهما كالتبادر. (العلامة الثالثة - الاطراد) وذكروا من جملة علامات الحقيقة والمجاز الاطراد وعدمه، فالاطراد علامة الحقيقة وعلامة المجاز. ومعنى الاطراد: إن اللفظ لا تختص صحة استعماله بالمعنى المشكوك بمقام دون مقام ولا بصورة دون صورة، كما لا يختص بمصداق دون مصداق.

والصحيح إن الاطراد ليس علامة للحقيقة، لأن صحة استعمال اللفظ في معنى بما له من الخصوصيات مرة واحدة تستلزم صحته دائما سواء كان حقيقة أم مجازا. فالاطراد لا يختص بالحقيقة حتى يكون علامة لها.

12 - الأصول اللفظية تمهيد: اعلم إن الشك في اللفظ على نحوين:

1 - الشك في وضعه لمعنى من المعاني.

2 - الشك في المراد منه بعد فرض العلم بالوضع، كان يشك في إن المتكلم أراد بقوله (رأيت أسدا) معناه الحقيقي أو معناه المجازي، مع العلم بوضع لفظ الأسد للحيوان المفترس وبأنه غير موضوع للرجل الشجاع.

 أما (النحو الأول) فقد كان البحث السابق معقودا لأجله، لغرض بيان العلامات المثبتة للحقيقة أو المجاز، أي المثبتة للوضع أو عدمه. وهنا نقول: إن الرجوع إلى تلك العلامات وأشباهها كنص أهل اللغة أمر لا بد منه في إثبات أوضاع اللغة أية لغة كانت، ولا يكفي في إثباتها إن نجد في كلأم أهل تلك اللغة استعمال اللفظ في المعنى الذي شك في وضعه له، لأن الاستعمال كما يصح في المعنى الحقيقي يصح في المعني المجازي، وما يدرينا لعل المستعمل اعتمد على قرينة حالية أو مقالية في تفهيم المعنى المقصود له فاستعمله فيه على سبيل المجاز. ولذا اشتهر في لسان المحققين حتى جعلوه كقاعدة قولهم: إن الاستعمال اعم من الحقيقة والمجاز . ومن هنا نعلم بطلان طريقة العلماء السابقين لإثبات وضع اللفظ بمجرد وجدان استعماله في لسان العرب، كما وقع ذلك لعلم الهدى السيد المرتضى قدس سره فإنه كان يجري أصالة الحقيقة في الاستعمال، بينما إن أصالة الحقيقة إنما تجري عند الشك في المراد لا في الوضع، كما سيأتي. وأما (النحو الثاني) فالمرجع فيه لإثبات مراد المتكلم الأصول اللفظية وهذا البحث معقود لأجلها. فينبغي الكلام فيها من جهتين:

أولا- في ذكرها وفي ذكر موارده.

 ثانيا - في حجيتها ومدرك حجيتها.

 أما من (الجهة الأولى) فنقول: أهم الأصول اللفظية ما يأتي:

1 - أصالة الحقيقة: وموردها ما إذا شك في إرادة المعنى الحقيقي أو المجازي من اللفظ بأن لم يعلم وجود القرينة على إرادة المجاز مع احتمال وجودها، فيقال حينئذ (الأصل الحقيقة)، أي الأصل إن نحمل الكلام على معناه الحقيقي، فيكون حجة فيه للمتكلم على السامع وحجة فيه للسامع على المتكلم، فلا يصح من السامع الاعتذار في مخالفة الحقيقة، بأن يقول للمتكلم: لعلك أردت المعنى المجازي، ولا يصح الاعتذار من المتكلم بأن يقول للسامع: إني أردت المعنى المجازي.

 2 - أصالة العموم: وموردها م إذا ورد لفظ عام وشك في إرادة العموم منه أو الخصوص أي شك في تخصيصه، فيقال حينئذ (الأصل العموم) فيكون حجة في العموم على المتكلم أو السامع. 3 - أصالة الإطلاق: وموردها ما إذا ورد لفظ مطلق له حالات وقيود يمكن إرادة بعضها منه وشك في إرادة هذ البعض لاحتمال وجود القيد، فيقال: (الأصل الإطلاق) فيكون حجة على السامع والمتكلم كقوله تعالى : أحل الله البيع فلو شك - مثلا - في البيع إنه هل يشترط في صحته إن ينشأ بألفاظ عربية، فإننا نتمسك بأصالة إطلاق البيع في الآية لنفي اعتبار هذا الشرط والتقييد به فنحكم حينئذ بجواز البيع بالألفاظ غير العربية.

 4 - أصالة عدم التقدير: وموردها ما إذا احتمل التقدير في الكلام وليس هناك دلالة على التقدير، فالأصل عدمه. ويلحق بأصالة عدم التقدير أصالة عدم النقل وأصالة عدم الاشتراك. وموردهما ما إذا احتمل معنى ثان موضوع له اللفظ، فإن كان هذا الاحتمال مع فرض هجر المعنى الأول وهو المسمى بالمنقول فالأصل (عدم النقل)، وإن كان مع عدم هذا الفرض وهو المسمى بالمشترك فإن الأصل (عدم الاشتراك)، فيحمل اللفظ في كل منهما على إرادة المعنى الأول ما لم يثبت النقل والاشتراك. أما إذا ثبت النقل فإنه يحمل على المعنى الثاني، وإذا ثبت الاشتراك فإن اللفظ يبقى مجملا لا يتعين في أحد المعنيين ال بقرينة على القاعدة المعروفة في كل مشترك.

 5 - أصالة الظهور: وموردها ما إذا كان اللفظ ظاهرا في معنى خاص لا على وجه النص فيه الذي لا يحتمل معه الخلاف، بل كان يحتمل إرادة خلاف الظاهر، فإن الأصل حينئذ إن يحمل الكلام على الظاهر فيه. وفي الحقيقة إن جميع الأصول المتقدمة راجعة إلى هذا الأصل، لأن اللفظ مع احتمال المجاز - مثلا - ظاهر في الحقيقة، ومع احتمال التخصيص ظاهر في العموم، ومع احتمال التقييد ظاهر في الإطلاق، ومع احتمال التقدير ظاهر في عدمه. فمؤدى أصالة الحقيقة نفس مؤدى أصالة الظهور في مورد احتمال التخصيص.. وهكذا في باقي الأصول المذكورة. فلو عبرن بدلا عن كل من هذه الأصول بأصالة الظهور كان التعبير صحيحا مؤديا للغرض، بل كله يرجع اعتبارها إلى اعتبار أصالة الظهور، فليس عندنا في الحقيقة الا أصل واحد هو أصالة الظهور، ولذا لو كان الكلام ظاهرا في المجاز واحتمل إرادة الحقيقة انعكس الأمر، وكان الأصل من اللفظ المجاز، بمعنى إن الأصل الظهور، ومقتضاه الحمل على المعنى المجازي ولا تجري أصالة الحقيقة حينئذ. وهكذا لو كان الكلام ظاهرا في التخصيص أو التقييد. حجية الأصول اللفظية: وهي الجهة الثانية من البحث عن الأصول اللفظية، والبحث عنها يأتي في بابه وهو باب مباحث الحجة. ولكن ينبغي الآن إن نتعجل في البحث عنها لكثرة الحاجة إليها، مكتفين بالإشارة فنقول: إن المدرك والدليل في جميع الأصول اللفظية واحد وهو تبني العقلاء في الخطابات الجارية بينهم على الأخذ بظهور الكلام وعدم الاعتناء باحتمال إرادة خلاف الظاهر، كما لا يعتنون باحتمال الغفلة أو الخطأ أو الهزل أو إرادة الأهمال والإجمال، فإذا احتمل الكلام المجاز أو التخصيص أو التقييد أو التقدير لا يوقفهم ذلك عن الأخذ بظاهره، كما يلغون أيضا احتمال الاشتراك والنقل ونحوهما. ولابد: إن الشارع قد أمضى هذا البناء وجرى في خطاباته على طريقتهم هذه، وإلا لزجرنا ونهانا عن هذا البناء في خصوص خطاباته، أو لبين لنا طريقته لو كان له غير طريقتهم طريقة خاصة يجب أتباعها ولا يجوز التعدي عنها إلى غيرها. فيعلم من ذلك على سبيل الجزم إن الظاهر حجة عنده كما هو عند العقلاء بلا فرق.

 13- الترادف والاشتراك لا ينبغي الإشكال في أمكان الترادف والاشتراك، بل في وقوعهما في اللغة العربية، فلا يصغى إلى مقالة من انكرهما. وهذه بين أيدينا اللغة العربية ووقوعهم فيها واضح لا يحتاج إلى بيان. ولكن ينبغي إن نتكلم في نشأتهما، فإنه يجوز إن يكون من وضع واضع واحد، بأن يضع شخص واحد لفظين لمعنى واحد أو لفضا لمعنيين، ويجوز إن يكونا من وضع واضعين متعددين، فتضع قبيلة - مثلا - لفظا لمعنى وقبيلة أخرى لفظا آخر لذلك المعنى، أو تضع قبيلة لفظا لمعنى وقبيلة. أخرى ذلك اللفظ لمعنى آخر. وعند الجمع بين هذه اللغات باعتبار إن كل لغة منها لغة عربية صحيحة يجب أتباعها يحصل الترادف والاشتراك. والظاهر إن الاحتمال الثاني أقرب إلى واقع اللغة العربية كم صرح به بعض المؤرخين للغة، وعلى الأقل فهو الأغلب في نشأة الترادف والاشتراك ولذ نسمع علماء العربية يقولون: لغة الحجاز كذا ولغة حمير كذا ولغة تميم كذا... وهكذا. فهذا دليل على تعدد الوضع بتعدد القبائل والأقوام والأقطار في الجملة. ولا تهمنا الإطالة في ذلك. استعمال اللفظ في أكثر من معنى: ولا شك في جواز استعمال اللفظ المشترك في أحد معانيه بمعونة القرينة المعينة، وعلى تقدير عدم القرينة يكون اللفظ مجملا لا دلالة له على أحد معانيه.

كما لا شبهة في جواز استعماله في مجموع معانيه بما هو مجموع المعاني غاية الأمر يكون هذا الاستعمال مجازا يحتاج إلى القرينة، لأنه استعمال للفظ في غير ما وضع له. وإنما وقع البحث والخلاف في جواز إرادة أكثر من معنى واحد من المشترك في استعمال واحد، على إن يكون كل من المعاني مرادا من اللفظ على حدة، وكان اللفظ قد جعل للدلالة عليه وحده. وللعلماء في ذلك أقوال وتفصيلات كثيرة لا يهمنا الآن التعرض لها. وإنما الحق عندنا عدم جواز مثل هذا الاستعمال.

(الدليل): إن استعمال أي لفظ في معنى إنما هو بمعنى أيجاد ذلك المعنى باللفظ، لكن لا بوجوده الحقيقي، بل بوجوده الجعلي التنزيلي، لأن وجود اللفظ وجود للمعنى تنزيلا. فهو وجود واحد ينسب إلى اللفظ حقيقة، أولا وبالذات، والى المعنى تنزيلا، ثانيا وبالعرض (4) فإذا أوجد المتكلم اللفظ لأجل استعماله في المعنى فكأنما أوجد المعنى وألقاه بنفسه إلى المخاطب. فلذلك يكون اللفظ ملحوظ للمتكلم بل للسامع آلة وطريقا للمعنى وفانيا فيه وتبعا للحاظه، والملحوظ بالأصالة والاستقلال هو المعنى نفسه. وهذا نظير الصورة في المرآة، فإن الصورة موجودة بوجود المرآة، والوجود الحقيقي للمرآة، وهذا الوجود نفسه ينسب إلى الصورة ثانيا، وبالعرض. فإذا نظر الناظر إلى الصورة في المرآة فإنما ينظر إليها بطريق المرآة بنظرة واحدة هي للصورة بالاستقلال والأصالة وللمرآة بالآلية والتبع فتكون المرآة كاللفظ ملحوظة تبعا للحاظ الصورة وفانية فيها فناء العنوان في المعنون (5). وعلى هذا، لا يمكن استعمال لفظ واحد الا في معنى واحد، فإن استعماله في معنيين مستقلا بأن يكون كل منهما مرادا من اللفظ كما إذا لم يكن الا نفسه، يستلزم لحاظ كل منهما بالأصالة، فل بد من لحاظ اللفظ في إن واحد مرتين بالتبع، ومعنى ذلك اجتماع لحاظين في إن واحد على ملحوظ واحد أعني به اللفظ الفاني في كل من المعنيين. وهو محال بالضرورة فإن الشيء الواحد لا يقبل الا وجودا واحدا في النفس في إن واحد. الا ترى إنه لا يمكن إن يقع لك إن تنظر في مرآة واحدة إلى صورة تسع المرآة كلها وتنظر - في نفس الوقت - إلى صورة أخرى تسعها أيضا. إن هذا لمحال. وكذلك النظر في اللفظ إلى معنيين، على إن يكون كل منهما قد استعمل فيه اللفظ مستقلا ولم يحك الا عنه. نعم يجوز لحاظ اللفظ فإني في معنى في استعمال، ثم لحاظه فانيا في معنى آخر في استعمال ثان، مثل ما تنظر في المرآة إلى صورة تسعها، ثم تنظر في وقت آخر إلى صورة أخرى تسعها. وكذا يجوز لحاظ اللفظ في مجموع معنيين في استعمال واحد ولو مجازا مثلما تنظر في المرآة في إن واحد إلى صورتين لشيئين مجتمعين. وفي الحقيقة إنما استعملت اللفظ في معنى واحد هو مجموع المعنيين، ونظرت في المرآة إلى صورة واحدة لمجموع الشيئين.

 تنبيهان:

(الأول) - إنه لا فرق في جواز الاستعمال في المعنيين بين إن يكونا حقيقيين أو مجازيين أو مختلفين، فإن المانع وهو تعلق لحاظين بملحوظ واحد في إن واحد موجود في الجميع، فلا يختص بالمشترك كما اشتهر.

(الثاني) - ذكر بعضهم إن الاستعمال في أكثر من معنى إن لم يجز في المفرد يجوز في التثنية والجمع، بأن يراد من كلمة عينين - مثلا - فرد من العين الباصرة وفرد من العين النابعة، فلفظ عين - وهو مشترك - قد استعمل حال التثنية في معنيين: في الباصرة والنابعة.

وهذا شأنه في الإمكان والصحة شأن ما لو أريد معنى واحد من كلمة عينين بأن يراد بها فردان من العين الباصرة مثلا، فإذا صح هذا فليصح ذاك بلا فرق. واستدل على ذلك بما ملخصه: إن التثنية والجمع في قوة تكرار الواحد بالعطف، فإذا قيل: عينان فكأنما قيل: عين وعين. وإذ يجوز في قولك (عين وعين) إن تستعمل أحدهما في الباصرة والثانية في النابعة فكذلك ينبغي إن يجوز فيما هو بقوتهما أعني (عينين). وكذا الحال في الجمع. والصحيح عندنا عدم الجواز في التثنية والجمع كالمفرد.

و(الدليل) إن التثنية والجمع وإن كانا موضوعين لإفادة التعدد، الا إن ذلك من جهة وضع الهيئة في قبال وضع المادة، وهي - أي المادة - نفس لفظ المفرد الذي طرأت عليه التثنية والجمع. فإذا قيل (عينان) مثلا، فإن أريد من المادة خصوص الباصرة فالتعدد يكون فيها أي فردان منهما، وإن أريد منها خصوص النابعة مثلا فالتعدد يكون بالقياس إليها، فلو أريد الباصرة والنابعة فل بد إن يراد التعدد من كل منهما أي فرد من الباصرة وفرد من النابعة، لكنه مستلزم لاستعمال المادة في أكثر من معنى، وقد عرفت استحالته. وأما إن التثنية والجمع في قوة تكرار الواحد فمعناه إنها تدل على تكرار أفراد المعنى المراد من المادة ل تكرار نفس المعنى المراد منها. فلو أريد من استعمال التثنية أو الجمع فردان أو فرد من طبيعتين أو طبائع متعددة لا يمكن ذلك أبدا الا إن يراد من المادة (المسمى بهذا اللفظ) على نحو المجاز، فتستعمل المادة في معنى واحد وهو معنى (مسمى هذا اللفظ) وإن كان مجازا، نظير الأعلام الشخصية غير القابلة لعروض التعداد على مفاهيمها الجزئية الا بتأويل المسمى. فإذا قيل (محمدان) فمعناه فردان فمعناه فردان من المسمى بلفظ (محمد)، فاستعملت المادة وهي لفظ محمد في مفهوم المسمى مجازا.

 14 - الحقيقة الشرعية لا شك في إنا - نحن المسلمين - نفهم من بعض الألفاظ المخصوصة كالصلاة والصوم ونحوهم معاني خاصة شرعية، ونجزم بأن هذه المعاني حادثة لم يكن يعرفها أهل اللغة العربية قبل الإسلام، وإنما نقلت تلك الألفاظ من معانيها اللغوية إلى هذه المعاني الشرعية. هذا لا شك فيه، ولكن الشك وقع عند الباحثين في إن هذا النقل وقع في عصر الشارع المقدس على نحو الوضع التعييني أو التعيني فتثبت الحقيقة الشرعية، أو إنه وقع في عصر بعده على لسان أتباعه المتشرعة فلا تثبت الحقيقة الشرعية، بل الحقيقة المتشرعية. والفائدة من هذا النزاع تظهر في الألفاظ الواردة في كلأم الشارع مجردة عن القرينة سواء كانت في القران الكريم أم السنة. فعلى القول الأول يجب حملها على المعاني الشرعية، وعلى الثاني تحمل على المعاني اللغوية أو يتوقف فيها فلا تحمل على المعاني الشرعية ولا على اللغوية، بناء على رأي من يذهب إلى التوقف فيما إذا دار الأمر بين المعنى الحقيقي وبين المجاز المشهور، إذ من المعلوم إنه إذا لم تثبت الحقيقة الشرعية فهذه المعاني المستحدثة تكون - على الأقل - مجازا مشهورا في لسان (صلى الله عليه وآله). والتحقيق في المسألة إن يقال: إن نقل تلك الألفاظ إلى المعاني المستحدثة أما بالوضع التعييني أو التعيني:

أما (الأول) فهو مقطوع العدم لأنه لو كان لنقل إلينا بالتواتر أو بالآحاد على الأقل، لعدم الداعي إلى الإخفاء، بل الدواعي متظافرة على نقله، مع إنه لم ينقل ذلك أبدا.

 وأما (الثاني) فهو مما لا ريب فيه بالنسبة إلى زمان أمامنا أمير المؤمنين عليه السلام، لأن اللفظ إذا استعمل في معنى خاص في لسان جماعة كثيرة زمانا معتدا به - لا سيما إذا كان المعنى جديد - يصبح حقيقة فيه بكثرة الاستعمال، فكيف إذا كان ذلك عند المسلمين قاطبة في سنين متمادية. فلا بد - أذن - من حمل تلك الألفاظ على المعاني المستحدثة فيما إذا تجردت عن القرائن في روايات الأئمة عليهم السلام. نعم كونها حقيقة فيها في خصوص زمان النبي صلى الله عليه وآله غير معلوم وإن كان غير بعيد، بل من المظنون ذلك، ولكن الظن في هذا الباب لا يغني عن الحق شيء. غير إنه لا أثر لهذا الجهل، نظرا إلى إن السنة النبوية غير مبتلى بها الا ما نقل لنا من طريق آل البيت عليهم السلام على لسانهم، وقد عرفت الحال في كلماتهم إنه ل بد من حملها على المعاني المستحدثة. وأما القران المجيد فأغلب ما ورد فيه من هذه الألفاظ أو كله محفوف بالقرائن المعينة لإرادة المعنى الشرعي، فلا فائدة مهمة في هذا النزاع بالنسبة إليه. على إن الألفاظ الشرعية ليست على نسق واحد، فإن بعضه كثير التداول كالصلاة والصوم والزكاة والحج، لا سيما الصلاة التي يؤدونها كل يوم خمس مرات، فمن البعيد جدا ألا تصبح حقائق في معانيها المستحدثة بأقرب وقت في لسان (صلى الله عليه وآله). الصحيح والأعم من ملحقات المسألة السابقة مسألة (الصحيح والأعم). فقد وقع النزاع في إن ألفاظ العبادات أو المعاملات أهي أسأم موضوعة للمعاني الصحيحة أو للأعم منها ومن الفاسدة.

وقبل بيان المختار لا بد من تقديم مقدمات:

(الأولى) إن هذا النزاع لا يتوقف على ثبوت الحقيقة الشرعية، لأنه قد عرفت إن هذه الألفاظ مستعملة في لسان المتشرعة بنحو الحقيقة ولو على نحو الوضع التعيني عندهم. ولا ريب إن استعمالهم كان يتبع الاستعمال في لسان الشارع، سواء كان استعماله على نحو الحقيقة أو المجاز. فإذا عرفنا - مثلا - إن هذه الألفاظ في عرف المتشرعة كانت حقيقة في خصوص الصحيح، يستكشف منه إن المستعمل فيه في لسان الشارع هو الصحيح أيضا، مهما كان استعماله عنده أحقيقة كان أم مجازا. كما لو علم إنها كانت حقيقة في الأعم في عرفهم كان ذلك أمارة على كون المستعمل فيه في لسانه هو الأعم أيضا، وإن كان استعماله على نحو المجاز.

 (الثانية) - إن المراد من الصحيحة من العبادة أو المعاملة: هي التي تمت أجزاؤها وكملت شروطها، والصحيح أذن معناه: تام الإجزاء والشرائط، فالنزاع يرجع هنا إلى إن الموضوع له خصوص تام الإجزاء والشرائط من العبادة أو المعاملة، أو الأعم منه ومن الناقص.

(الثالثة) - إن ثمرة النزاع هي: صحة رجوع القائل بالوضع للأعم - المسمى (بالأعمي) - إلى أصالة الإطلاق، دون القائل بالوضع للصحيح - المسمى (بالصحيحي) فإنه لا يصح له الرجوع إلى أصالة إطلاق اللفظ.

توضيح ذلك: إن المولى إذا أمرنا بإيجاد شيء وشككنا في حصول امتثاله بالإتيان بمصداق خارجي فله صورتان يختلف الحكم فيهما:

 1 - إن يعلم صدق عنوان المأمور به على ذلك المصداق، ولكن يحتمل دخل قيد زائد في غرض المولى غير متوفر في ذلك المصداق، كما إذ أمر المولى يعتق رقبة، فإنه يعلم بصدق عنوان المأمور به على الرقبة الكافرة، ولكن يشك في دخل وصف الإيمان في غرض المولى فيحتمل إن يكون قيدا للمأمور به.

فالقاعدة في مثل هذا: الرجوع إلى أصالة الإطلاق في نفي اعتبار القيد المحتمل اعتباره فلا يجب تحصيله، بل يجوز الاكتفاء في الامتثال بالمصداق المشكوك، فيمتثل في المثال لو اعتق رقبة كافرة.

 2 - إن يشك في صدق نفس عنوان المأمور به على ذلك المصداق الخارجي، كم إذا أمر المولى بالتيمم بالصعيد، ولا ندري إن ما عدا التراب هل يسمى صعيدا أول فيكون شكنا في صدق الصعيد على غير التراب. وفي مثله لا يصح الرجوع إلى أصالة الإطلاق لإدخال المصداق المشكوك في عنوان المأمور به ليكتفي به في مقام الامتثال، بل لا بد من الرجوع إلى الأصول العملية، مثل قاعدة الاحتياط أو البراءة.

 ومن هذا البيان تظهر ثمرة النزاع في المقام الذي نحن فيه، فإنه في فرض الأمر بالصلاة والشك في إن السورة - مثلا - جزء للصلاة أم لا إن قلنا إن الصلاة اسم للأعم، كانت المسألة من باب الصورة الأولى، لأنه بناء على هذا القول يعلم بصدق عنوان الصلاة على المصداق الفاقد للسورة وإنما الشك في اعتبار قيد زائد على المسمى، فيتمسك حينئذ بإطلاق كلأم المولى في نفي اعتبار القيد الزائد وهو كون السورة جزءا من الصلاة ويجوز الاكتفاء في الامتثال بفاقدها. وإن قلنا إن الصلاة اسم للصحيح كانت المسألة من باب الصورة الثانية لأنه عند الشك في اعتبار السورة يشك في صدق عنوان المأمور به (اعني الصلاة) على المصداق الفاقد للسورة، إذ عنوان المأمور به هو الصحيح، والصحيح هو عنوان المأمور به، فم ليس بصحيح ليس بصلاة. فالفاقد للجزء المشكوك كما يشك في صحته يشك في صدق عنوان المأمور به عليه. فلا يصح الرجوع إلى أصالة الإطلاق لنفي اعتبار جزئية السورة حتى يكتفى بفاقدها في مقام الامتثال، بل لا بد من الرجوع إلى أصالة الاحتياط أو أصالة الاحتياط أو أصالة البراءة على خلاف بين العلماء في مثله سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.

المختار في المسألة:

إذا عرفت ما ذكرنا من المقدمات فالمختار عندنا هو الوضع للأعم. والدليل التبادر وعدم صحة السلب عن الفاسد، وهما أمارتا الحقيقة - كما تقدم -. وهم ودفع:

(الوهم) - قد يتعرض على المختار فيقال: إنه لا يمكن الوضع بإزاء الأعم، لأن الوضع له يستدعي إن نتصور معنى كليا جامعا بين أفراده ومصاديقه هو الموضوع له، كما في أسماء الأجناس. وكذلك الوضع للصحيح يستدعي تصور كلي جامع بين مراتبه وأفراده.

ولاشك إن مراتب الصلاة - مثلا - الفاسدة والصحيحة كثيرة متفاوتة، وليس بينها قدر جامع يصح وضع اللفظ بإزائه. توضيح ذلك: إن أي جزء من إجزاء الصلاة حتى الأركان إذ فرض عدمه يصح اسم الصلاة على الباقي، بناء على القول بالأعم، كما يصح صدقه مع وجوده وفقدان غيره من الإجزاء. وعليه يكون كل جزء مقوما للصلاة عند وجوده غير مقوم عند عدمه، فيلزم التبدل في حقيقة الماهية، بل يلزم الترديد فيها عند وجود تمام الأجزاء لأن أي جزء منها لو فرض عدمه يبقى صدق الاسم على حاله. وكل منهما - أي التبدل والترديد في الحقيقة الواحدة - غير معقول إذ إن كل ماهية تفرض لا بد إن تكون متعينة في حد ذاتها وإن كانت مبهمة من جهة تشخصاتها الفردية، والتبدل أو الترديد في ذات الماهية معناه إبهامها في حد ذاتها وهو مستحيل.

(الدفع): إن هذا التبادل في الإجزاء وتكثر مراتب الفاسدة لا يمنع من فرض قدر مشترك جامع بين الأفراد، ولا يلزم التبدل والترديد في ذات الحقيقة الجامعة بين الأفراد. وهذا نظير لفظ (الكلمة) الموضوع لم تركب من حرفين فصاعدا، ويكون الجامع بين الأفراد هو ما تركب من حرفين فصاعدا، مع إن الحروف كثيرة، فربما تتركب الكلمة من الألف والباء كأب ويصدق عليها إنها كلمة، وربما تتركب من حرفين آخرين مثل يد ويصدق عليها إنها كلمة.. وهكذا. فكل حرف يجوز إن يكون داخلا وخارجا في مختلف الكلمات، مع صدق اسم الكلمة. وكيفية تصحيح الوضع في ذلك: إن الواضع يتصور - أولا - جميع الحروف الهجائية، ثم يضع لفظ (الكلمة) بإزاء طبيعة المركب من اثنين فصاعدا إلى حد سبعة حروف مثلا. والغرض من التقييد بقولنا (فصاعدا) بيان الكلمة تصدق على الأكثر من حرفين كصدقها على المركب من حرفين. ول يلزم الترديد في الماهية، فإن الماهية الموضوع لها هي طبيعة اللفظ الكلي المتركب من حرفين فصاعدا، والتبدل والترديد إنما يكون في إجزاء أفرادها. وقد يسمى ذلك الكلى في المعين أو الكلى المحصور في إجزاء معينة. وفي المثال أجزاؤه المعينة هي الحروف الهجائية كلها. وعلى هذا ينبغي إن يقاس لفظ الصلاة مثلا، فإنه يمكن تصور جميع إجزاء الصلاة في مراتبها كلها وهي - أي هذا الإجزاء - معينة معروفة كالحروف الهجائية، فيضع اللفظ بإزاء طبيعة العمل المركب من خمسة إجزاء منها - مثلا - فصاعدا، فعند وجود تمام الإجزاء يصدق على المركب إنه صلاة، وعند وجود بعضها - ولو خمسة على أقل تقدير على الفرض - يصدق اسم الصلاة أيضا. بل الحق إن الذي لا يمكن تصور الجامع فيه هو خصوص المراتب الصحيحة وهذا المختصر لا يسع تفصيل ذلك.

 تنبيهان:

 1 - لا يجري النزاع في المعاملات بمعنى المسببات إن ألفاظ المعاملات - كالبيع والنكاح - والإيقاعات كالطلاق والعتق يمكن تصوير وضعها على أحد نحوين:

 1 - إن تكون موضوعة للأسباب التي تسبب مثل الملكية والزوجية والفراق والحرية ونحوه. ونعني بالسبب إنشاء العقد والإيقاع، كالإيجاب والقبول معا في العقود، والإيجاب فقط في الإيقاعات. وإذا كانت كذلك فالنزاع المتقدم يصح إن نفرضه في ألفاظ المعاملات من كونها أسامي لخصوص الصحيحة أعني تامة الإجزاء والشرائط في المسبب، أو للأعم من الصحيحة والفاسدة. ونعني بالفاسدة مالا يؤثر في المسبب أما لفقدان جزء أو شرط.

 2 - إن تكون موضوعة للمسببات، ونعني بالمسبب نفس الملكية والزوجية والفراق والحرية ونحوها. وعلى هذا فالنزاع المتقدم لا يصح فرضه في المعاملات، لأنها لا تتصف بالصحة والفساد، لكونها بسيطة غير مركبة من إجزاء وشرائط، بل إنما تتصف بالوجود تارة وبالعدم أخرى. فهذا عقد البيع - مثلا - أما إن يكون واجدا لجميع ما هو معتبر في صحة العقد أولا، فإن كان الأول اتصف بالصحة وإن كان الثاني اتصف بالفساد. ولكن الملكية المسببة للعقد يدور أمرها بين الوجود والعدم لأنها توجد عند صحة العقد، وعند فساده لا توجد أصلا لا إنها توجد فاسدة. فإذا أريد من البيع نفس المسبب وهو الملكية المنتقلة إلى المشتري فلا تتصف بالصحة والفساد حتى يمكن تصوير النزاع فيها.

 2 - لا ثمرة للنزاع في المعاملات ال في الجملة قد عرفت إنه على القول بوضع ألفاظ (العبادات) للصحيحة لا يصح التمسك بالإطلاق عند الشك في اعتبار شيء فيها، جزءا كان أو شرطا، لعدم إحراز صدق الاسم على الفاقد له. وإحراز صدق الاسم على الفاقد شرط في صحة التمسك بالإطلاق. الا إن هذ الكلام لا يجري في ألفاظ (المعاملات)، لأن معانيها غير مستحدثة، والشارع بالنسبة إليها كواحد من أهل العرف، فإذا استعمل أحد ألفاظها فيحمل لفظه على معناه الظاهر فيه عندهم الا إذا نصب قرينة على خلافه. فإذا شككنا في اعتبار شيء - عند الشارع - في صحة البيع مثلا، ولم ينصب قرينة على ذلك في كلأمه، فإنه يصح التمسك بإطلاقه لدفع هذا الاحتمال، حتى لو قلنا بأن ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح، لأن المراد من الصحيح هو الصحيح عند العرف العام، لا عند الشارع. فإذا اعتبر الشارع قيدا زائد على ما يعتبره العرف كان ذلك قيدا زائدا على أصل معنى اللفظ، فلا يكون دخيلا في صدق عنوان المعاملة الموضوعة - حسب الفرض - للصحيح، على المصداق المجرد عن القيد. وحالها في ذلك حال ألفاظ العبادات لو كانت موضوعة للأعم. نعم إذا احتمل إن هذ القيد دخيل في صحة المعاملة عند أهل العرف أنفسهم أيضا، فلا يصح التمسك بالإطلاق لدفع هذا الاحتمال، بناء على القول بالصحيح (كما هو شأن ألفاظ العبادات)، لأن الشك يرجع إلى الشك في صدق عنوان المعاملة. وأما على القول بالأعم، فيصح التمسك بالإطلاق لدفع الاحتمال. فتظهر ثمرة النزاع - على هذا- في ألفاظ المعاملات أيضا، ولكنها ثمرة نادرة.

________________
(1) ينبغي إن يقال للتوضيح إن الموجودات على أربعة إنحاء: موجود في نفسه لنفسه بنفسه وهو واجب الوجود، وموجود في نفسه لنفسه وهو الجوهر كالجسم والنفس، وموجود في نفسه لغيره بغيره وهو العرض، وموجود في غيره وهو أضعفها وهو المعنى الحرفي المعبر عنه بالرابط. فالأقسام الثلاثة الأولى الموجودات المستقلة، والرابع، عداها الذي هو المعنى الحرفي؟؟ الذي لا وجود له الا وجود طرفيه.

(2) وقد شرحنا الحمل وأقسامه في الجزء الأول من المنطق ص 76. من الطبعة الثانية.

(3) إنما يفرض العموم من وجه إذا كانت القضية مهملة.

(4) راجع عن توضيح الوجود اللفظي للمعنى الجزء الأول من المنطق ص 22 الطبعة الثانية للمؤلف.

(5) راجع عن توضيح فناء العنوان في المعنون الجزء الأول من المنطق ص 55 من الطبعة الثانية. 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.