أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-6-2020
1764
التاريخ: 8-8-2016
1423
التاريخ: 29-6-2020
1668
التاريخ: 9-8-2016
1585
|
في كل لغة تقوم علاقات بين مجموعة من الالفاظ ومجموعة من المعاني، ويرتبط كل لفظ بمعنى خاص ارتباطا يجعلنا كلما تصورنا اللفظ إنتقل ذهننا فورا إلى تصور المعنى وهذا الاقتران بين تصور اللفظ وتصور المعنى وانتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر هو ما نطلق عليه إسم " الدلالة " فحين نقول: " كلمة الماء تدل على السائل الخاص " نريد بذلك أن تصور كلمة الماء يؤدي إلى تصور ذلك السائل الخاص، ويسمى اللفظ " دالا " والمعنى " مدلولا " وعلى هذا الاساس نعرف أن العلاقة بين تصور اللفظ وتصور المعنى تشابه إلى درجة ما العلاقة التي نشاهدها في حياتنا الاعتيادية بين النار والحرارة أو بين طلوع الشمس والضوء، فكما أن النار تؤدي إلى الحرارة وطلوع الشمس يؤدي إلى الضوء، كذلك تصور اللفظ يؤدي إلى تصور المعنى ولأجل هذا يمكن القول بأن تصور اللفظ سبب لتصور المعنى كما تكون النار سببا للحرارة وطلوع الشمس سببا للضوء، غير أن علاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور والسؤال الاساسي بشأن هذه العلاقة التي توجد في اللغة بين اللفظ والمعنى هو السؤال عن مصدر هذه العلاقة وكيفية تكونها، فكيف تكونت علاقة السببية بين اللفظ والمعنى؟ وكيف أصبح تصور اللفظ سببا لتصور المعنى مع أن اللفظ والمعنى شيئان مختلفان كل الاختلاف؟ ويذكر في علم الاصول عادة إتجاهان في الجواب على هذ السؤال الاساسي، يقوم الاتجاه الاول على أساس الاعتقاد بأن علاقة اللفظ بالمعنى نابعة من طبيعة اللفظ ذاته كما نبعت علاقة النار بالحراة من طبيعة النار ذاتها، فلفظ " الماء " مثلا له بحكم طبيعته علاقة بالمعنى الخاص الذي نفهمه منه، ولأجل هذا يؤكد هذا الاتجاه أن دلالة اللفظ على المعنى ذاتية وليست مكتسبة من أي سبب خارجي.
ويعجز هذا الاتجاه عن تفسير الموقف تفسيرا شاملا، لان دلالة اللفظ على المعنى وعلقاته به إذا كانت ذاتية وغير نابعة من أي سبب خارجي وكان اللفظ بطبيعته يدفع الذهن البشري إلى تصور معناه فلماذا يعجز غير العربي عن الانتقال إلى تصور معنى كلمة " الماء " عند تصوره للكلمة؟ ولماذا يحتاج إلى تعلم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه إلى المعنى عند سماع الكلمة العربية وتصورها؟ إن هذا دليل على أن العلاقة التي تقوم في ذهننا بين تصور اللفظ وتصور المعنى ليست نابعة من طبيعة اللفظ بل من سبب آخر يتطلب الحصول عليه إلى تعلم اللغة، فالدلالة إذن ليست ذاتية.
وأما الاتجاه الآخر فينكر بحق الدلالة الذاتية، ويفترض أن العلاقات اللغوية بين اللفظ والمعنى نشأت في كل لغة على يد الشخص الاول أو الاشخاص الاوائل الذين استحدثوا تلك اللغة وتكلموا بها، فإن هؤلاء خصصوا ألفاظا معينة لمعان خاصة، فإكتسبت الالفاظ نتيجة لذلك التخصيص علاقة بتلك المعاني وأصبح كل لفظ يدل على معناه الخاص، وذلك التخصيص الذي مارسه أولئك الاوائل ونتجت عنه الدلالة يسمى ب (الوضع)، ويسمى الممارس له (واضعا)، واللفظ (موضوعا)، والمعنى (موضوعا له).
والحقيقة أن هذا الاتجاه وإن كان على حق في إنكاره للدلالة الذاتية ولكنه لم يتقدم إلا خطوة قصيرة في حل المشكلة الاساسية التي لاتزال قائمة حتى بعد الفرضية التي يفترضها أصحاب هذا الاتجاه فنحن إذا إفترضنا معهم أن علاقة السببية نشأت نتيجة لعمل قام به مؤسسو اللغة إذ خصصوا كل لفظ لمعنى خاص فلنا أن نتسأل منا هو نوع هذا العمل الذي قام به هؤلاء المؤسسون؟ وسوف نجد أن المشكة لا تزال قائمة لان اللفظ والمعنى ما دام لا يوجد بينهما علاقة ذاتية ولا أي إرتباط مسبق فكيف إستطاع مؤسس اللغة أن يوجد علاقة السببية بين شيئين لا علاقة بينهما؟ وهل يكفي مجرد تخصيص المؤسس للفظ وتعيينه له سببا لتصور المعنى لكي يصبح سببا لتصور المعنى حقيقة؟ وكلنا نعلم أن المؤسس وأي شخص آخر يعجز أن يعجل من حمرة الحبر الذي يكتب به سببا لحرارة الماء، ولو كرر المحاولة مائة مرة قائلا خصصت حمرة الحبر الذي أكتب به لكي تكون سببا لحرارة الماء، فكيف استطاع أن ينجح في جعل اللفظ سببا لتصور المعنى بمجرد تخصيصه لذلك دون أي علاقة سابقة بين اللفظ والمعنى؟.
وهكذا نواجه المشكلة كما كنا نواجهها، فليس يكفي لحلها أن نفسر علاقة اللفظ بالمعنى على أساس عملية يقوم بها مؤسس اللغة، بل يجب أن نفهم محتوى هذه العملية لكي نعرف كيف قامت علاقة السببية بين شيئين لم تكن بينهما علاقة.
والصحيح في حل المشكلة أن علاقة السببية التي تقوم في اللغة بين اللفظ والمعنى توجد وفقا لقانون عام من قوانين الذهن البشري.
والقانون العام هو أن كل شيئين إذا إقترن تصور أحدهما مع تصور الآخر في ذهن الانسان مرارا عديدة ولو على سبيل الصدفة قامت بينهما علاقة وأصبح أحد التصورين سببا لانتقال الذهن إلى تصور الآخر.
ومثال ذلك في حياتنا الاعتيادية أن نعيش مع صديقين لا يفترقان في مختلف شؤون حياتهما نجدهما دائما معا، فإذا رأينا بعد ذلك أحد هذين الصديقين منفردا أو سمعنا بإسمه أسرع ذهننا إلى تصور الصديق الآخر، لان رؤيتهما معا مرارا كثيرا أوجد علاقة في تصورنا وهذه العلاقة تجعل تصورنا لاحدهما سببا لتصور الآخر.
وقد يكفي أن تقترن فكرة أحد الشيئين بفكرة الآخر مرة واحدة لكي تقوم بينهما علاقة، وذلك إذا إقترنت الفكرتان في ظرف مؤثر، ومثاله إذا سافر شخص إلى بلد ومني هناك بالملاريا الشديدة ثم شفي منها ورجع فقد ينتج ذلك الاقتران بين الملاريا والسفر إلى ذلك البلد علاقة بينهما، فمتى تصور ذلك البلد إنتقل ذهنه إلى تصور الملاريا.
وإذا درسنا على هذا الاساس علاقة السببية بين اللفظ والمعنى زالت المشكلة، إذا نستطيع أن نفسر هذه العلاقة بوصفها نتيجة لاقتران تصور المعنى بتصور اللفظ بصورة متكررة أو في ظرف مؤثر، الامر الذي أدى إلى قيام علاقة بينهما كما وقع في الحالات المشار إليها.
ويبقى علينا بعد هذا أن نتسأل: كيف إقترن تصور اللفظ بمعنى خاص مرارا كثيرة أو في ظرف مؤثر فأنتج قيام العلاقة اللغوية بينهما؟.
والجواب على هذا السؤال: أن بعض الالفاظ اقترنت بمعان معينة مرارا عديدة بصورة تلقائية فنشأت بينهما العلاقة اللغوية. وقد يكون من هذا القبيل كلمة (آه) إذا كانت تخرج من فم الانسان بطبيعته كلما أحس بالألم، فإرتبطت كلمة (آه) في ذهنه بفكرة الالم، فأصبح كلما سمع كلمة (آه) إنتقل ذهنه إلى فكرة الالم.
ومن المحتمل أن الانسان قبل أن توجد لديه أي لغة قد استرعى انتباهه هذه العلاقات التي قامت بين الالفاظ من قبيل (آه) ومعانيها نتيجة لاقتران تلقائي بينهما، وأخذ ينشئ على منوالها علاقات جديدة بين الالفاظ والمعاني.
وبعض الالفاظ قرنت بالمعنى في عملية واعية مقصودة لكي تقوم بينهما علاقة سببية. وأحسن نموذج لذلك الاعلام الشخصية فأنت حين تريد أن تسمي إبنك عليا تقرن إسم علي بالوليد الجديد لكي تنشئ بينها علاقة لغوية ويصبح إسم علي دالا على وليدك. ويسمى عملك هذا " وضعا " فالوضع هو عملية تقرن بها لفظا بمعنى نتيجتها أن يقفز الذهن إلى المعنى عند تصور اللفظ دائما. ونستطيع أن نشبه الوضع على هذا الاساس بما تصنعه حين تسأل عن طبيب العيون فيقال لك: هو (جابر) فتريد أن تركز إسمه في ذاكرتك وتجعل نفسك تستحضره متى أردت فتحاول أن تقرن بينه وبين شيء قريب من ذهنك فتقول مثلا: أنا بالأمس قرأت كتابا أخذ من نفسي مأخذا كبيرا إسم مؤلفه جابر فلا تذكر دائما أن إسم طبيب العيون هو إسم صاحب ذلك الكتاب.
وهكذا توجد عن هذا الطريق إرتباطا خاصا بين صاحب الكتاب والطبيب جابر، وبعد ذلك تصبح قادرا على إستذكار إسم الطبيب متى تصورت ذلك الكتاب.
وهذه الطريقة في إيجاد الارتباط لا تختلف جوهريا عن إتخاذ الوضع كوسيلة لإيجاد العلاقة اللغوية. وعلى هذا الاساس نعرف أن من نتائج الوضع إنسباق المعنى الموضوع له وتبادره إلى الذهن بمجرد سماع اللفظ بسبب تلك العلاقة التي يحققها الوضع ومن هنا يمكن الاستدلال على الوضع بالتبادر وجعله علامة على أن المعنى المتبادر هو المعنى الموضوع له لان المعلول يكشف عن العلة كشفا انيا ولهذا عد التبادر من علامات الحقيقة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|