أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-6-2020
1638
التاريخ: 8-8-2016
1172
التاريخ: 29-8-2016
9140
التاريخ: 13-7-2020
1979
|
...إن دلالة اللفظ على المعنى هي أن يؤدي تصور اللفظ إلى تصور المعنى، ويسمى اللفظ "دالا" والمعنى الذي نتصوره عند سماع اللفظ " مدلولا ". وهذه الدلالة لغوية ، ونقصد بذلك أنها تنشأ عن طريق وضع اللفظ للمعنى، لان الوضع يوجد علاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور المعنى، وعلى أساس هذه العلاقة تنشأ تلك الدلالة اللغوية ومدلولها هو المعنى اللغوي للفظ.
ولا تنفك هذه الدلالة عن اللفظ مهما سمعناه ومن أي مصدر كان، فجملة " الحق منتصر " اذا سمعناها انتقل ذهننا فورا إلى مدلولها اللغوي سواء سمعناها من متحدث واع أو من نائم في حالة عدم وعيه، وحتى لو سمعناها نتيجة لاحتكاك حجرين، فنتصور معنى كلمة " الحق " ونتصور معنى كلمة " منتصر "، ونتصور النسبة التامة التي وضعت هيئة الجملة لها، وتسمى هذه الدلالة لأجل ذلك " دلالة تصورية ".
ولكنا اذا قارنا بين تلك الحالات وجدنا أن الجملة حين تصدر من النائم أو تتولد نتيجة لاحتكاك بين حجرين لا يوجد لها إلا مدلولها اللغوي ذاك، ويقتصر مفعولها على إيجاد تصورات للحق والانتصار والنسبة التامة في ذهننا، وأما حين نسمع الجملة من متحدث واع فلا تقف الدلالة عند مستوى التصور بل تتعداه إلى مستوى التصديق، إذ تكشف الجملة عندئذ عن أشياء نفسية في نفس المتكلم فنحن نستدل عن طريق صدور الجملة منه على وجود إرادة استعمالية في نفسه، أي إنه يريد أن يخطر المعنى اللغوي لكلمة " الحق " وكلمة " المنتصر " وهيئة الجملة في أذهاننا وأن نتصور هذه المعاني، كما نعرف أيضا أن المتكلم إنما يريد منا أن نتصور تلك المعاني لا لكي يخلق تصورات مجردة في ذهننا فحسب بل لغرض في نفسه، وهذا الغرض الاساسي هو في المثال المتقدم - أي في جملة " الحق منتصر " - الاخبار عن ثبوت الخبر للمبتدأ ، فإن المتكلم إنما يريد منا أن نتصور معاني الجملة لأجل أن يخبرنا عن ثبوتها في الواقع، ويطلق على الغرض الأساسي في نفس المتكلم اسم " الارادة الجدية " وتسمى الدلالة على هذين الامرين - الارادة الاستعمالية والارادة الجدية - " دلالة تصديقية "، لأنها دلالة تكشف عن إرادة المتكلم وتدعو إلى تصديقنا بها لا إلى مجرد التصور الساذج.
وهكذا نعرف أن الجملة التامة لها إضافة إلى مدلولها التصوري اللغوي مدلولان تصديقيان: أحدهما: الارادة الاستعمالية، إذ نعرف عن طريق صدور الجملة من المتكلم أنه يريد منا أن نتصور معاني كلماتها.
والآخر الارادة الجدية، وهي الغرض الاساسي الذي من أجله أراد المتكلم أن نتصور تلك المعاني. وأحيانا تتجرد الجملة عن المدلول التصديقي الثاني، وذلك اذا صدرت من المتكلم في حالة الهزل لا في حالة الجد، واذا لم يكن يستهدف منها إلا مجرد إيجاد تصورات في ذهن السامع لمعاني كلماتها. فلا توجد في هذه الحالة إرادة جدية بل إرادة استعمالية فقط.
والدلالة التصديقية ليست لغوية، أي انها لا تعبر عن علاقة ناشئة عن الوضع بين اللفظ والمدلول التصديقي، لان الوضع انما يوجد علاقة بين تصور اللفظ وتصور المعنى لا بين اللفظ والمدلول التصديقي، وانما تنشأ الدلالة التصديقية من حال المتكلم، فان الانسان اذا كان في حالة وعي وانتباه وجدية وقال: " الحق منتصر " يدل حاله على أنه لم يقل هذه الجملة ساهيا ولا هازلا وانما قالها بإرادة معينة واعية.
وهكذا نعرف أنا حين نسمع جملة كجملة " الحق منتصر " نتصور المعاني اللغوية للمبتدأ والخبر بسبب الوضع الذي أوجد علاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور المعنى، ونكشف الارادة الواعية للمتكلم بسبب حال المتكلم، وتصورنا ذلك يمثل الدلالة التصورية واكتشافنا هذا يمثل الدلالة التصديقية والمعنى الذي نتصوره هو المدلول التصوري واللغوي للفظ والارادة التي نكتشفها في نفس المتكلم هي المدلول التصديقي والنفسي الذي يدل عليه حال المتكلم.
وعلى هذا الاساس نكتشف مصدرين للدلالة: أحدهما اللغة بما تشتمل عليها من أوضاع، وهي مصدر الدلالة التصورية. والآخر حال المتكلم، وهو مصدر الدلالة التصديقية، أي دلالة اللفظ على مدلوله النفسي التصديقي، فإن اللفظ إنما يكشف عن إرادة المتكلم اذا صدر في حال يقظة وانتباه وجدية، فهذه الحالة هي مصدر الدلالة التصديقية ولهذا نجد أن اللفظ اذا صدر من المتكلم في حالة نوم أو ذهول لا توجد له دلالة تصديقية ومدلول نفسي.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|