أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
1090
التاريخ: 10-10-2019
1382
التاريخ: 18-8-2016
985
التاريخ: 18-8-2016
1209
|
من طرق الاستنباط ـ كما عرفت (1) ـ الشبه.
وهو لغة : الشباهة (2).
وعرفا كما يطلق على كلّ قياس ألحِقَ الفرع فيه بالأصل بجامع يشبهه ، كذلك يطلق على نفس هذا الجامع الذي هو الوصف الشبهي.
وحقيقته إجمالا : أنّ الوصف كما يكون مناسبا فيظنّ بذلك كونه علّة ، فكذلك قد يكون شبيها فيفيد ظنّا ما بالعلّيّة ، فكما أنّ كلّ قياس يكون الجامع فيه وصفا مناسبا يكون استنباط علّيّة الوصف للحكم فيه بالمناسبة ، فكذلك كلّ قياس يكون الجامع فيه وصفا شبهيّا يكون استنباط علّيّته له فيه بالشبه.
وقد اختلف في تفسير الوصف الشبهي حتّى قيل : لا يتحرّر في الشبه عبارة مستمرّة في صناعة الحدود (3).
فقيل : ما يوهم المناسبة من حيث التفات الشرع إليه في بعض المحالّ وليس بمناسب (4) ، والوصف الطردي ما لا يوهمها أيضا فيشبه الشبهيّ الطرديّ من حيث عدم المناسبة ، ويتميّز عنه بأنّ الطردي وجوده كالعدم ، ويشبه المناسب من حيث التفات الشرع ، ويتميّز عنه بأنّ للمناسب مناسبة عقليّة وإن لم يرد الشرع بها ، كالإسكار للتحريم ، فإنّ كونه مزيلا للعقل وكونه مناسبا للمنع منه يحكم به العقل ولا يحتاج إلى ورود الشرع به. وقد أشرنا إلى هذا التفسير ومثاله (5).
وقيل : ما ناسب الحكم بالتبع كالطهارة لاشتراط النيّة ، والطرد ما لم يناسبه أصلا كبناء القنطرة (6) ، وبعبارة اخرى كان مستلزما لمناسب ، كالرائحة الفائحة المستلزمة للإسكار الذي هو المناسب بذاته للتحريم.
ولا يخفى أنّ القياس حينئذ نوع من قياس الدلالة ، وهو الجمع بين الأصل والفرع بما لا يناسب الحكم لكن يستلزم المناسب. والطردي حينئذ ما ليس بمناسب ، ولا بمستلزم له.
وقيل : ما لا يناسب الحكم لكن عرف بالنصّ تأثير جنسه القريب في الجنس القريب لذلك الحكم، فمن حيث إنّه لا يناسب يظنّ عدم اعتباره في ذلك الحكم ، ومن حيث علم تأثير جنسه القريب ـ مع أنّ سائر الأوصاف ليس كذلك ـ يظنّ استناد الحكم إليه (7).
وقيل : ما لا يثبت مناسبته إلاّ بدليل منفصل (8).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الشبه لا يدلّ على العلّيّة ، وليس بحجّة على كلّ واحد من التفسيرات.
أمّا على الأوّل والثاني ، فلأنّ المناسبة نفسها لا تفيد العلّيّة ، وليست بحجّة فضلا عمّا يوهمها أو يستلزمها.
وأمّا على الثالث ، فلما تقدّم (9).
وأمّا على الرابع ، فلأنّ المناسب بالذات إذا لم يكن حجّة ، فالمناسب بالواسطة أولى بذلك.
ثمّ لمّا أمكن أن يثبت علّيّة الشبه بجميع الطرق من النصّ والإجماع والسير وغيرها سوى المناسبة ، فإن ثبت علّيّته بإحدى الطرق المقبولة أفاد العلّيّة ، إلاّ أنّ ثبوت العلّيّة حينئذ بهذا الطريق لا بالشبه ، فهو ليس طريقا مستقلاّ دالاّ على العلّيّة ، ولا يثبت علّيّته بمجرّد المناسبة ، أي تخريج المناط ؛ إذ يخرجه حينئذ إلى المناسبة مع أنّه غيرها ، ولذا عرّف بما عرّف.
ثمّ إن ترتّب حكم على الشبه في محلّ أوّلا ، فهو العمل بنفس الشبه. وإن اثبت هذا الحكم في محلّ آخر إذا وجد فيه ، فهو العمل بالقياس عليه. وحقيقة الحال في المحلّين لا تخفى عليك بعد ما ذكر.
وقد عرّف بتعريفات أخر (10) لا يعدّ بواحد منها من مسالك العلّة.
منها : أنّه الوصف المجامع لآخر إذا تردّد به الفرع بين أصلين ، أحدهما يشبهه في الصورة ، والآخر يشبهه في المعنى أو الحكم (11).
واعتبر الشافعي المشابهة المعنوية (12) ، وابن عليّة الصوريّة (13). وعلى أيّ تقدير فالأشبه منهما هو الشبه ، كالنفسيّة والماليّة في العبد المقتول خطأ إذا زادت قيمته على دية الحرّ ، فإنّه قد اجتمع فيه الوصفان. وبالأوّل يشابه الحرّ ومقتضاه عدم الزيادة على الدية.
وبالثاني الدابّة ومقتضاه الزيادة ، إلاّ أنّه بالحرّ أشبه ؛ إذ مشاركته له في الأوصاف والأحكام أكثر. وحاصله تعارض مناسبين رجّح أحدهما.
وهذا ليس من الشبه المقصود في شيء ؛ لأنّ كلاّ من الوصفين مناسب ، وكثرة المشابهة إن كانت مؤثّرة فهي من باب الترجيح ، ولا تخرجه عن المناسبة ، ولذا قيل : هذا حجّة ؛ لتردّده بين قياسين متناسبين ، ويسمّى قياس علّيّة الأشباه (14).
وممّا يتفرّع عليه إلحاق السلت (15) بالحنطة حتّى يكمل به نصابها ؛ إذ يشبهها صورة ؛ لأنّه على لونها ونعومتها ، أو بالشعير ؛ إذ يشبهه في برودة الطبع ، هذا هو المعروف عند الفقهاء (16) وأهل اللغة (17) ، وعكسه بعضهم (18). وقيل : جنس مستقلّ لتعارض المعنيين (19).
ومنها : أنّه ما يعرف فيه المناط قطعا إلاّ أنّه يفتقر في آحاد الصور إلى الحقيقة ، كما في طلب المثل في جزاء الصيد بعد العلم بوجوب المثل بالنصّ.
وهو أيضا ليس من الشبه المقصود ؛ لأنّه العلّة الشبهيّة ، والنظر فيما ذكر إنّما هو في تحقيق الأشبه ؛ لأنّه وجب المثل ، والصيد لا يماثله شيء من النعم ، فكان محمولا على الأشبه ، لا في تحقيق المناط الذي هو العلّة ؛ لكونه معلوما من النصّ (20).
ومنها : أنّه ما اجتمع فيه مناطان مختلفان لحكمين لا على سبيل الكمال لكن أحدهما أغلب ، فالحكم به حكم بالأشبه ، كالحكم في اللعان بأنّه يمين لا شهادة وإن وجدا فيه لا على سبيل الكمال ؛ لأنّ الملاعن مدّع ، فلا يقبل شهادته لنفسه ، ولا يمينه (21).
وهذا أيضا ليس من الشبه المقصود وهو ظاهر. وكيفيّة التفريع قد ظهرت لك.
تذنيب
يشترط في تفسير الطرد أن يضاف على ما ذكر قولنا : إذا ثبت معه الحكم فيما عدا المتنازع فيه؛ لأنّ هذا هو معنى الاطّراد ، وحاصله الاستلزام في الوجود لا في العدم. وبهذا يمتاز عن الدوران ؛ لأنّه الاستلزام في الوجود والعدم.
مثاله ما يقال في عدم إزالة النجاسة بالخلّ : مائع لا يبنى القنطرة على جنسه ، فلا يجوز إزالة النجاسة به كالدهن (22).
والحقّ أنّه لا يفيد العلّيّة وليس بحجّة ؛ لأنّ الدوران كذلك ، كما يأتي (23) ، فهو أولى بذلك ، ولأنّ الاطّراد كون الوصف بحيث لا يوجد إلاّ وقد وجد معه الحكم ، وهذا لا يثبت إلاّ إذا ثبت أنّ الحكم حاصل بنفسه في الفرع ، فلو توقّف معرفة ثبوت الحكم في الفرع على كون الوصف علّة ، واستند علّيّته إلى كونه مطّردا ، لزم الدور.
احتجّ الخصم ـ وهم جماعة من العامّة ـ بأنّ عادة الشرع إلحاق الفرد النادر بالأعمّ الأغلب ولا دور ؛ لأنّا لا نحتجّ بالمقارنة في جميع الصور على العلّيّة ، بل فيما عدا الفرع (24).
وفيه : أنّ المقارنة لو دلّت على العلّيّة لدلّت في صورة المقارنة ، والفرع لم يثبت فيه المقارنة ، فإلحاقه بما ثبت فيه المقارنة يحتاج إلى دليل. غاية ما في الباب حصول ظنّ بإلحاق الفرد بالأغلب ، ومثله لا يصلح لتأسيس الحكم الشرعي ، سيّما على قواعدنا (25) ؛ لما عرفت (26) من قطعيّة بطلان القياس.
والعجب أنّ بعضهم بالغ وقال : يكفي مقارنته في صورة واحدة لإفادة العلّيّة (27).
ولا يخفى أنّ تجويزه يفتح باب الهذيان. فظهر أنّ قياس الطرد البسيط باطل مطلقا.
ثمّ إثبات الحكم في صورة المقارنة ـ كإثبات عدم إزالة النجاسة بالدهن ـ عمل بنفس الطرد ، وإثبات الحكم في صورة عدم المقارنة ـ كإثباته بالخلّ ـ عمل بقياس الطرد البسيط.
ولمّا ظهر عليك كيفيّة التفريع مرارا ، فلا نطيل الكلام بإعادتها.
____________
(1) تقدّم في ص 444.
(2) المصباح المنير : 303 ، « ش ب ه ».
(3) لعلّ القائل هو إمام الحرمين الجويني كما يستظهر من إرشاد الفحول 2 : 137.
(4) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 3 : 327 ، والأسنوي في نهاية السؤل 4 : 106.
(5) تقدّم في ص 444.
( 6 ـ 8 ) حكاها الفخر الرازي في المحصول 5 : 201 ـ 205 ، والمطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل 4 : 107 ـ 112 ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 3 : 327، والأسنوي في نهاية السؤل 4 : 106 ـ 112.
(9) تقدّم آنفا.
(10) راجع : المستصفى : 316 و 317 ، وتهذيب الوصول : 257 ، ونهاية السؤل 4 : 105 ـ 107.
(11) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 3 : 325.
(12) الرسالة للإمام الشافعي : 479 ، الرقم 1334 ، وحكاه عنه الفخر الرازي في المحصول 5 : 202.
(13) حكاه عنه الفخر الرازي في المحصول 5 : 203.
(14) قاله الغزالي في المستصفى : 317 ، والأسنوي في التمهيد : 479.
(15) السلت : الشعير أو ضرب منه لا قشر له.
(16) راجع : الخلاف 2 : 65 ، المسألة 77 ، وبداية المجتهد 1 : 266 ، والشرح الكبير ـ ضمن المغني ـ 9 : 525.
(17) المصباح المنير : 284 ، ومجمع البحرين 2 : 205 ، والنهاية في غريب الحديث والأثر 2 : 388 ، « س ل ت ».
(18) المعجم الوسيط : 441 ، « س ل ت » ، و 202 ، « ح ن ط ».
(19) قاله الأسنوي في التمهيد : 479 و 480.
(20 و 21) حكاهما الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 3 : 326 ، والغزالي في المستصفى : 322.
(22) راجع : الخلاف 1 : 18 ، المسألة 8 ، والمبسوط للسرخسي 1 : 96 ، وبداية المجتهد 1 : 83 و 84 ، والمجموع 1 : 92 و 95 ، والمحصول 5 : 225.
(23) يأتي في ص 487 ، الفصل 14.
(24) قاله الغزالي في المستصفى : 323 ، والفخر الرازي في المحصول 5 : 221 ، والأسنوي في نهاية السؤل 4 : 135 و 137.
(25) راجع مبادئ الوصول : 226 و 227.
(26) تقدّم في ص 461.
(27) حكاه الفخر الرازي في المحصول 5 : 221 ، والأسنوي في نهاية السؤل 4 : 137.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|