أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2016
305
التاريخ: 9-8-2016
517
التاريخ: 1-9-2016
972
التاريخ: 1-9-2016
731
|
نشأ علم الاصول في أحضان علم الفقه، كما نشأ علم الفقه في أحضان علم الحديث تبع للمراحل التي مر بها علم الشريعة.
ونريد بعلم الشريعة العلم الذي يحاول التعرف على الاحكام التي جاء الإسلام بها من عند الله تعالى.
فقد بدأ هذا العلم في صدر الإسلام متمثلا في الحملة التي قام بها عدد كبير من الرواة لحفظ الاحاديث الواردة في الاحكام وجمعها، ولهذا كان علم الشريعة في مرحلته الاولى قائما على مستوى علم الحديث، وكان العمل الاساسي فيه يكاد أن يكون مقتصرا على جمع الروايات وحفظ النصوص.
وأما طريقة فهم الحكم الشرعي من تلك النصوص والروايات فلم تكن ذات شأن في تلك المرحلة، لأنها لم تكن تعدو الطريقة الساذجة التي يفهم بها الناس بعضهم كلام بعض في المحاورات الاعتيادية.
وتعمقت بالتدريج طريقة فهم الحكم الشرعي من النصوص حتى أصبح استخراج الحكم من مصادره الشرعية عملا لا يخلو عن دقة ويتطلب شيئا من العمق والخبرة، فانصبت الجهود وتوافرت لاكتساب تلك الدقة التي أصبح فهم الحكم الشرعي من النص واستنباطه من مصادره بحاجة إليها، وبذلك نشأت بذور التفكير العلمي الفقهي وولد علم الفقه، وارتفع علم الشريعة من مستوى علم الحديث إلى مستوى الاستنباط والاستدلال العلمي الدقيق.
ومن خلال نمو علم الفقه والتفكير وإقبال علماء الشريعة على ممارسة عملية الاستنباط، وفهم الحكم الشرعي من النصوص بالدرجة التي أصبح الموقف يتطلبها من الدقة والعمق.
أقول: من خلال ذلك أخذت الخيوط المشتركة (العناصر المشتركة) في عملية الاستنباط تبدو وتتكشف، وأخذ الممارسون للعمل الفقهي يلاحظون اشتراك عمليات الاستنباط في عناصر عامة لا يمكن استخراج الحكم الشرعي بدونها، وكان ذلك إيذانا بمولد التفكير الاصولي وعلم الاصول واتجاه الذهنية الفقهية اتجاه أصوليا.
وهكذا ولد علم الاصول في أحضان علم الفقه، فبينما كان الممارسون للعمل الفقهي قبل ذلك يستخدمون العناصر المشتركة في عملية الاستنباط دون وعي كامل بطبيعتها وحدودها وأهمية دورها في العملية، أصبحوا بعد تغلغل الاتجاه الاصولي في التفكير الفقهي يعون تلك العناصر المشتركة ويدرسون حدودها.
ولا نشك في أن بذرة التفكير الاصولي وجدت لدى الفقهاء أصحاب الائمة (عليهم السلام) منذ أيام الصادقين عليهما السلام على مستوى تفكيرهم الفقهي، ومن الشواهد التأريخية على ذلك ما ترويه كتب الاحاديث من أسئلة ترتبط بجملة من العناصر المشتركة في عملية الاستنباط وجهه عدد من الرواة إلى الامام الصادق (عليه السلام) وغيره من الائمة (عليهم السلام) وتلقوا جوابها منهم (1).
فإن تلك الاسئلة تكشف عن وجود بذرة التفكير الاصولي عندهم واتجاههم إلى وضع القواعد العامة وتحديد العناصر المشتركة.
ويعزز ذلك أن بعض أصحاب الائمة (عليهم السلام) ألّفوا رسائل في بعض المسائل الاصولية، كهشام بن الحكم من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) الذي ألف رسالة في الالفاظ.
وبالرغم من ذلك فإن فكرة العناصر المشتركة وأهمية دورها في عمليات الاستنباط لم تكن بالوضوح والعمق الكافيين في أول الامر، وإنما اتضحت معالمها وتعمقت بالتدريج خلال توسع العمل الفقهي ونمو عمليات الاستنباط ولم تنفصل دراسة العناصر المشتركة بوصفه دراسة عملية مستقلة عن البحوث الفقهية وتصبح قائمة بنفسها إلا بعد مضي زمن منذ ولادة البذور الاولى للتفكير الاصولي، فقد عاش البحث الاصولي ردحا من الزمن ممتزج بالبحث الفقهي غير مستقل عنه في التصنيف والتدريس، وكان الفكر الاصولي خلال ذلك يثري ويزداد دوره وضوحا وتحديدا، حتى بلغ في ثرائه ووضوحه إلى الدرجة التي أتاحت له الانفصال عن علم الفقه.
ويبدو أن بحوث الاصول حتى حين وصلت إلى مستوى يؤهله للاستقلال، بقيت تتذبذب بين علم الفقه وعلم أصول الدين، حتى أنها كانت أحيانا تخلط ببحوث في أصول الدين والكلام، كما يشير إلى ذلك السيد المرتضى في كتابه الاصولي الذريعة إذ يقول:
قد وجدت بعض من أفرد لأصول الفقه كتابا وإن كان قد أصاب في سرد معانيه وأوضاعه ومبانيه ولكنه قد شرد عن أصول الفقه وأسلوبها وتعداها كثير وتخطاها، فتكلم على حد العلم والنظر وكيف يولد النظر والعلم ووجوب المسبب عن السبب.. إلى غير ذلك من الكلام الذي هو محض صرف خالص الكلام في أصول الدين دون أصول الفقه.
وهكذا نجد أن استقلال علم أصول الفقه بوصفه علما للعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي وانفصاله عن سائر العلوم الدينية من فقه وكلام، لم ينجز إلا بعد أن أتضحت أكثر فأكثر فكرة العناصر المشتركة لعملية الاستنباط وضرورة وضع نظام عام لها، الامر الذي ساعد على التمييز بين طبيعة البحث الاصولي وبطبيعة البحوث الفقيهة والكلامية، وأدى بالتالي إلى قيام علم مستقل باسم علم أصول الفقه .
وبالرغم من تمكن علم الاصول من الحصول على الاستقلال الكامل عن علم أصول الدين ، فقد بقيت فيه رواسب فكرية يرجع تاريخها إلى عهد الخلط بينه وبين علم الكلام، وظلت تلك الرواسب مصدرا للتشويش، فمن تلك الرواسب على سبيل المثال - الفكرة القائلة بأن أخبار الآحاد وهي الروايات الظنية التي لا يعلم صدقه لا يمكن الاستدلال بها في الاصول، لان الدليل في الاصول يجب أن يكون قطعيا. فإن مصدر هذه الفكرة هو علم الكلام، ففي هذا العلم قرر العلماء أن أصول الدين تحتاج إلى دليل قطعي، فلا يمكن أن نثبت صفات الله والمعاد مثلا بأخبار الآحاد، وقد أدى الخلط بين علم أصول الدين وعلم أصول الفقه واشتراكهم في كلمة الاصول إلى تعميم تلك الفكرة إلى أصول الفقه، ولهذا نرى الكتب الاصولية ظلت إلى زمان المحقق في القرن السابع تعترض على إثبات العناصر المشتركة في عملية الاستنباط بخبر الواحد انطلاقا من تلك الفكرة.
ونحن نجد في كتاب الذريعة لدى مناقشة الخلط بين أصول الفقه وأصول الدين تصورات دقيقة نسبيا ومحددة عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط، فقد كتب يقول:
اعلم أن الكلام في أصول الفقه إنما هو على حقيقة الكلام في أدلة الفقه.. ولا يلزم على ما ذكرناه أن تكون الادلة والطرق إلى أحكام وفروع الفقه الموجودة في كتب الفقهاء أصولا، لان الكلام في أصول الفقه إنما هو كلام في كيفية دلالة ما يدل من هذه الاصول على الاحكام على طريق الجملة دون التفصيل، وأدلة الفقهاء إنما هي على نفس المسائل، والكلام في الجملة غير الكلام في التفصيل.
وهذا النص في مصدر من أقدم المصادر الاصولية في التراث الشيعي، يحمل بوضوح فكرة العناصر المشتركة في عملية الاستنباط ويسميها أدلة الفقه على الاجمال، ويميز بين البحث الاصولي والفقهي على أساس التمييز بين الادلة الاجمالية والادلة التفصيلية أي بين العناصر المشتركة والعناصر الخاصة في تعبيرنا وهذا يعني أن فكرة العناصر المشتركة كانت مختمرة وقتئذ إلى درجة كبيرة، والفكرة ذاتها نجده بعد ذلك عند الشيخ الطوسي وابن زهرة والمحقق الحلي وغيرهم، فإنهم جميعا عرفوا علم الاصول بأنه علم أدلة الفقه على وجه الاجمال وحاولوا التعبير بذلك عن فكرة العناصر المشتركة.
ففي كتاب العدة قال الشيخ الطوسي : أصول الفقه هي أدلة الفقه فإذا تكلمنا في هذه الادلة فقد نتكلم فيما يقتضيه من إيجاب وندب وإباحة وغير ذلك من الاقسام على طريق الجملة، ولا يلزمنا عليها أن تكون الادلة الموصلة إلى فروع الفقه، لان هذه الادلة أدلة على تعيين المسائل، والكلام في الجملة غير الكلام في التفصيل .
ومصطلح الاجمالية والتفصيلية يعبر هنا عن العناصر المشتركة والعناصر الخاصة. ونستخلص مما تقدم أن ظهور علم الاصول والانتباه العلمي إلى العناصر المشتركة في عملية الاستنباط كان يتوقف على وصول عملية الاستنباط إلى درجة من الدقة والاتساع وتفتح الفكر الفقهي وتعمقه، ولهذا لم يكن من المصادفة أن يتأخر ظهور علم الاصول تاريخيا عن ظهور علم الفقه والحديث، وأن ينشأ في أحضان هذا العلم بعد أن نما التفكير الفقهي وترعرع بالدرجة التي سمحت بملاحظة العناصر المشتركة ودرسها بأساليب البحث العلمي، ولأجل ذلك كان من الطبيعي أيضا أن تختمر فكرة العناصر المشتركة تدريجا وتدق على مر الزمن حتى تكتسب صيغتها الصارمة وحدودها الصحيحة وتتميز عن بحوث الفقه وبحوث أصول الدين.
____________
(1) فمن ذلك الروايات الواردة في علاج النصوص المعارضة، وفي حجية خبر الثقة، وفي أصالة البراءة، وفي إعمال الرأي والاجتهاد.. وما إلى ذلك من قضاي.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|