أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-31
1038
التاريخ: 11-3-2019
2877
التاريخ: 2023-02-14
1075
التاريخ: 13-3-2022
2546
|
لم يألُ الإسلام جهدا من أجل تأمين المتطلّبات الأساسية للمحتاجين في حدود الإمكانات المتاحة ، وهي :
أولاً ـ الماء :
وهو مادة حياتية لا يستطيع الإنسان الاستغناء عنه بحال ، لذلك حثّ الإسلام على التكافل بين المسلمين من أجل تأمينه للمحتاجين. وكانت مشكلة ندرة المياه تثير الصراعات والحروب بين القبائل العربية في الجاهلية ، ومما يعقد المشكلة طغيان نزعة الأنانية والاستئثار في نفوس الناس في العصر الجاهلي ، لا سيما وأنهم يعيشون في بيئة صحراوية تقل فيها مصادر المياه ، فكان من الطبيعي والحال هذه أن يسعى البعض جاهدا للسيطرة على منابع المياه وحرمان الآخرين منها ، وهنا تستعر حالة التقاتل بين القبائل على مصادر الكلأ والماء. فلما جاء الإسلام عمل على تهذيب النفوس وحارب حالة الاستئثار ، وفعّل قيم الإيثار والخير في نفوس معتقديه ، فخفت حدّة هذه المشكلة العويصة. وها هي اليوم تطل برأسها نذر الشؤم ، فالخبراء من سياسيين وعسكريين يصرحون بأن الحروب القادمة بين الدول هي حروب على مصادر المياه ! يأتي ذلك في غياب أو تغييب مبادئ وقيم الإسلام ، التي لو شاعت وترسّخت في نفوس الناس لعمّ السلام والخير ، واختفى شبح الحروب عن هذا الكوكب.
وكان الإسلام يعتمد على الوازع الديني في حمل الناس على التكافل في هذا الشأن ، فهو يدفعهم ـ طوعاً ـ نحو الصدقة ، ويعتبر صدقة الماء من أفضل أشكال الصدقات ، عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ـ وقد سأله رجل : ما عمل إن عملت به دخلت الجنّة ؟ قال : (اشتر سقاءً جديداً ثمّ اسق فيها حتّى تخرقها ، فإنّك لا تخرقها حتى تبلغ بها عمل الجنّة) (1).
وكان أهل البيت عليهم السلام: يحثون المسلمين على تحقيق أعلى درجة من التعاون في هذا الشأن ، ويركزون على صدقة الماء ويكشفون عن فضيلتها ، قال الإمام الصادق عليه السلام : (أفضل الصدقة إبراد كبد حرى) (2) ، ويقول الإمام الباقر عليه السلام : (من سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظله الله يوم لا ظل إلاّ ظله) (3) ، وعن الإمام الصادق عليه السلام : (إن أوّل ما يبدأ به يوم القيامة صدقة الماء) (4).
وفي الرواية التالية تتجلّى أمَامَنا واضحةً نفسية أمير المؤمنين (عليه السلام) المُحِبَّة للخير والساعية للثواب وخاصة سقي الماء ، عن أبي جعفر عليه السلام : (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في جيش فأدركته القائلة وهو ما يلي (ينبع) فاشتدّ عليه حر النهار ، فانتهوا إلى (سمرة) فعلقوا أسلحتهم عليها ، وفتح الله عليهم ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وآله موضع السمرة لعلي عليه السلام في نصيبه... فأمر مملوكيه أن يفجروا لها عيناً ، ففجرت فخرج لها مثل عنق الجزور ـ كناية عن كثرة الماء ـ فجاء البشير يسعى إلى علي عليه السلام يخبره بالذي كان ، فجعلها عليّ صدقة ، فكتبها : هذا صدقة لله تعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ليصرف الله وجهي عن النار صدقة بتلة بتلة في سبيل الله تعالى للقريب والبعيد في السلم والحرب واليتامى والمساكين وفي الرقاب) (5).
وجاء ـ تأكيد ذلك ـ في كتاب الغارات ، قال المؤلف : (أخرج عليه السلام ماء عين بينبع وجعلها
للحجيج ، وهو باق إلى يومنا هذا) (6).
ونود الإشارة إلى موقف يكشف المُثل العالية التي يجسدها أهل البيت عليهم السلام: في أحلك الظروف ، أنه لما أرسل عبيد الله بن زياد لعنة الله عليه قوة قتالية بقيادة الحر الرياحي لمضايقة الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه ومحاصرتهم وحملهم على الاستسلام ، وصلت هذه القوة المعادية بالقرب من قوات الإمام الحسين عليه السلام في حالة يرثى لها من العطش ، وهنا تسجل عدسة التاريخ موقفاً نبيلاً للإمام الحسين عليه السلام لابد من الإشارة إليه والإشادة به.
قال الإمام الحسين عليه السلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ، ورشِّفوا الخيل ترشيفاً ، ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عب فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر ، حتى سقوها كلها. فقال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش ، قال : أنِخ الراوية والراوية عندي السقاء ، ثم قال : يا ابن أخي أنخ الجمل ، فأنخته فقال : اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين عليه السلام اخنث السقاء) أي اعطفه ، فلم أدر كيف أفعل ، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي (7).
وفي صورة مقابلة نجد الموقف الشائن وغير الشريف الذي جسده عبيد الله بن زياد الكذّاب وابن الكذّاب واللعين ابن اللعين وجنده لعنهم الله حينما منعوا الإمام الحسين عليه السلام وعياله وأصحابه من الماء ، يقول الرّواة أنه لما اشتد العطش بالإمام الحسين عليه السلام ركب المسناة يريد الفرات والعباس عليه السلام أخوه بين يديه ، فاعترضته خيل ابن سعد لعنه الله ، فرمى رجل من بني دارم قبّحه الله الإمام الحسين عليه السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع عليه السلام السهم وبسط يديه تحت حنكه الشريف ، حتى امتلأت راحتاه من الدم ثم رمى به وقال : (اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك) (8).
بالمقارنة بين الموقفين تتكشف لنا عظمة مدرسة أهل البيت عليهم السلام: وأخلاقها ومثاليّتها مقابل المدرسة الأموية البغيضة التي أُسِّست على جرف هار فانهار بها وبقادتها لعنهم الله في نار جهنّم ، وبئس المصير.
ثانياً ـ الطعام :
وهو حاجة أساسية لابدّ منها لعيش الإنسان وبقائه على قيد الحياة. والإسلام لا يريد أن يُترك الإنسان فريسة الجوع. وعليه لابدّ من تفعيل مبدأ التكافل من أجل إطعام الجياع وسد رمقهم. فمن الضرورة بمكان أن يبدأ الإنسان بسد جوع من يقرب له نسباً أو مكاناً ، وفي هذا الصدد يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : (والذي نفس محمّد بيده لا يؤمن بي عبد يبيت شبعان وأخوه ـ أو قال : جاره ـ المسلم جائع) (9).
وفي هذا الحديث إشارة تستحق التأمل ، وهي أن الاتجاه التكافلي جزء لا يتجزأ من الإيمان القلبي. فالإسلام ـ كما هو معلوم ـ إيمان وعمل ، والتكافل هنا يقع ضمن دائرة الإيمان العملي ، وبدون ذلك لا يمكن إطلاق صفة الإيمان الكامل على من لا يمارس التكافل.
ويبدو أن لإطعام الطعام تقدم رتبي على بعض أعمال الإحسان ، يظهر ذلك من قول الإمام الصادق عليه السلام : (لأن أطعم مؤمناً محتاجاً أحبّ إليَّ من أن أزوره ، ولأن أزوره أحبّ إليَّ من أن أعتق عشر رقاب) (10).
وليس خافياً بأن هناك أولوية وتقدم رتبي في الإسلام لبعض أعمال التكافل على بعض ، وإنّ لكلّ عمل خيري ثوابه الخاص به ، وحسب أهميته ، وما يدخله من نفع أو خدمة على المؤمنين.
ضمن هذا السياق للإطعام في الإسلام غاية سامية هي سد رمق الجياع ، وإبعاد شبح المجاعة عنهم ، وليس الغاية منه التفاخر ، أو تحقيق أغراض مصلحية ببذله للأغنياء وحجبه عن الفقراء. ومن الشواهد على ذلك : أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب إلى ابن حنيف عامله على البصرة يعنّفه بشدّة : (يابن حنيف ! فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة ، فأسرعت إليها تُستطاب لك الألوان ، وتنقل إليك الجفان ، وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ وغنيّهم مدعوّ) (11).
وكان الأولى بهؤلاء أن يدعوا الفقراء إلى طعامهم ، ولكن يبدو أن الغايات المصلحية أو المجاملات كانت لها الأرجحية ، فالإطعام إذن يراد منه وظيفة اجتماعية تكافلية بعيداً عن الإسراف والتبذير والتشريفات الفارغة أو الأغراض المصلحية.
ومن روائع القرآن تصويره البديع لحال الكافرين إذ يقولون في اليوم الآخر بعد أن يسألهم المؤمنين :{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر:42 - 44].
ومن أدب الإسلام في الإطعام أن يبلغ الغاية في إشباع الجائع ، ويصيب الهدف المراد به إسعاف المحتاج إلى الطعام بما يُلبي حاجته الفعلية منه ، فمن وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) القيّمة : (إذا أطعمت فأشبع) (12). والإطعام المؤدي إلى الكفاية يستوجب الثواب ، عن الإمام الصادق عليه السلام: (من أطعم مسلماً حتّى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ماله من الأجر في الآخرة ، لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلاّ الله ربّ العالمين ، ثمّ قال عليه السلام : من موجبات الجنّة والمغفرة إطعام الطعام السغبان)... ثم تلا قول الله تعالى:{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14].
وهناك روايات تؤكد على أن إطعام الطعام يعود بفوائد تظهر آثارها ولو كان المطعم من أهل النار ، فهو على الأقل يسهم في تخفيف العذاب ، ومن الشواهد على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله) : (إن أهون أهل النار عبدالله بن جدعان ، فقيل له : ولِم يا رسول الله ؟ قال : إنّه كان يطعم الطعام) (13).
وعموما فإن إطعام الطعام هو أحد المنجيات ، قال الصادق عليه السلام : (المنجيات إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، والصّلاة باللَّيل والناس نيام) (14).
ثم إن الإطعام له معطيات حميدة على المطعم ، إذ يسهم في زيادة الرّزق ، فعن الرسول صلى الله عليه وآله: (الرّزق أسرع إلى من يُطعم الطعام من السكين في السنام) (15). وبالمقابل هناك عواقب غير حميدة سوف يواجه تبعاتها كل من يطمس رأسه في رمال اللامبالاة تجاه إخوانه المؤمنين ، وخاصة أولئك الذين يصابون بالتخمة بينما المحيطون بهم يبيتون وبطونهم خاوية ، وفي هذا الخصوص قال الإمام زين العابدين عليه السلام محذرا : (من بات شبعاناً وبحضرته مؤمن طاوٍ ، قال الله تعالى : ملائكتي ! اُشهدكم على هذا العبد أنّي أمرته فعصاني وأطاع غيري فوكلته إلى عمله ، وعزّتي وجلالي لا غفرت له أبدا) (16).
وكان هذا الإمام العظيم يخرج في اللّيلة الظلماء ويحمل الطعام أو الحطب على ظهره حتّى يأتي باباً باباً فيقرع ثمّ يناول من يخرج إليه ، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه ، فلمّا توفي فقدوا ذلك ، فعلّموا أنّه كان علّي بن الحسين عليهما السلام (17).
عن سفيان بن عيينة قال : رأى الزّهري علي بن الحسين عليهما السلام في ليلة باردة مطيرة وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي ، فقال له : يابن رسول الله ، ما هذا ؟ قال : (أريد سفراً اعدّ له زاداً أحمله إلى موضع حريز ، فقال الزّهري : فهذا غلامي يحمله عنك ، فأبى قال : أنا أحمله عنك ، فإني أرفعك عن حمله ، فقال عليّ بن الحسين : لكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري ويحسن وردي على ما أرد عليه ، أسألك بحقّ الله لمّا مضيت لحاجتك وتركتني ، فانصرف عنه ، فلمّا كان بعد أيّام قال له : يابن رسول الله ، لست أرى لذلك السّفر الذي ذكرته أثراً ، قال : بلى يا زهريّ ، ليس ما ظننت ، ولكنه الموت ، وله كنت أستعد ، إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل الندا والخير) (18).
وعن أبي حمزة الثّمالي رضي الله عنه أنّه سمع علي بن الحسين عليهما السلام يقول لمولى له : لا يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه ، فإن اليوم يوم الجمعة ، قال : فقلت له : ليس كل من يسأل مستحقاً ، فقال : يا ثابت ، أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقاً فلا نطعمه ونردّه ، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله ، أطعموهم ، إن يعقوب كان يذبح كل يوم كبشاً ، فيتصد منه ويأكل هو وعياله منه ، وإن سائلاً مؤمناً صواماً محقاً له عند الله منزلة وكان مجتازاً غريباً مر على باب يعقوب عشية جمعة عند أوان إفطاره يهتف على بابه ، اطعموا السائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم ، يهتف بذلك على بابه مراراً وهم يسمعونه ، وقد جهلوا حقه ولم يصدّقوا قوله ، فلما يئس أن يطعموه ، وغشيه الليل استرجع واستعبر وشكا جوعه إلى الله عزّ وجل ، وبات طاوياً وأصبح صائماً جائعاً صابراً حامداً لله ، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعاً بطاناً ، وأصبحوا وعندهم فضلة من طعام ، قال : فأوحى الله عزّ وجل إلى يعقوب : في صبيحة تلك الليلة : لقد أذللت يا يعقوب عبدي ذلة استجررت بها غضبي ، واستوجبت بها أدبي ، ونزول عقوبتي ، وبلواي عليك وعلى ولدك) (19).
وعن بعض أصحابنا قال : لما وضع علي بن الحسين عليهما السلام على السّرير ليُغسل نظر إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين(20).
وكان أئمة أهل البيت عليهم السلام: يحرصون على أداء صدقة السرّ ، فيحملون الأطعمة في الليالي المظلمة للناس ، ضاربين بذلك أروع أمثلة التكافل ، وكان الناس سرعان ما يكتشفون أن الرجال الذين يوزعون عليهم الأطعمة والمعونات في الخفاء هم أهل البيت :.. هيهات تكتم في الظلام مشاعل.
فعلى سبيل الاستشهاد كان الإمام السجاد عليه السلام يعول مائة بيت من فقراء المدينة ، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضرّاء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم ، وكان يناولهم بيده ، ومن كان له منهم عيال حمله إلى عياله من طعامه ، وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله (21).
وهناك شهود عدول يروون لنا بأمانة مشاهداتهم عن سلوك أهل البيت : التكافلي ، ومن هؤلاء الشهود المعلّى بن خنيس يقول : (إن الإمام الصادق عليه السلام خرج ومعه جراب من خبز ، فأتينا ظلّة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام ، فجعل يدسّ الرغيف والرغيفين حتّى أتى على آخرهم ثمّ انصرفنا ، فقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء الحقّ ؟ فقال : لو عرفوه لواسيناهم بالدُّقة ! والدقّة هي الملح) (22).
فالإمام هنا يتكفل الناس بالخبز كطعام أساسي ، ولا يفرق بين من يعرف حق آل محمّد صلى الله عليه وآله ومن لا يعرفه في منهجه التكافلي ، وخاصة في الأطعمة التي لابد منها. نعم ورد عنه عليه السلام قوله: (ولا تطعم من نصب لشيء من الحق ، أو دعا إلى شيء من الباطل)(23).
وهناك شهادة قيمة عن المنحى التكافلي للإمام الثامن علي بن موسى الرِّضا عليه السلام
يرويها عنه أحد أصحابه ، وهو معمر بن خلاّد ، قال : كان أبو الحسن الرِّضا عليه السلام إذا أكل أتي بصحفة فتوضع بقرب مائدته ، فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به ، فيأخذ من كلّ شيء شيئاً ، فيضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها إلى المساكين. ثمّ يتلو هذه الآية : {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}[البلد: 11] ، ثم يقول عليه السلام : (علم الله عزّ وجلّ أنّه ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة ، فجعل لهم السبيل إلى الجنة بإطعام الطعام) (24).
وكان والده الإمام الكاظم عليه السلام أوصل الناس لأهله ورحمه ، وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل ، فيحمل إليهم فيه العين والورق والدقيق والتمور ، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أي جهة هو (25).
لقد اقتدى أهل البيت : برسول الله صلى الله عليه وآله فكان لهم به صلى الله عليه وآله أسوة حسنة ، ومما عُرف عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه : (ما شبع ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا ، ولو شاء لشبع ، ولكنه كان يؤثر على نفسه) (26).
ثالثا ـ الكساء :
وهو أمر لابدّ منه لستر عورة الإنسان وصون كرامته وإنسانيته ، لذلك أسهبت مدرسة أهل البيت : في تبيان الثواب الأخروي الذي ينتظر من يسهم في سد حاجة المعوزين من الكساء ليقيهم قوارص زمهرير الشتاء ، أو ليظلهم من لوافح هجير الصيف اللاهب. وفي هذا يقول الإمام الصادق عليه السلام : (من كسا أخاه كسوة شتاءٍ أو صيف ، كان حقا على الله أن يكسوه من ثياب الجنّة ، وأن يهوّن عليه سكرات الموت ، وأن يوسِّع عليه في قبره ، وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبُشرى) (27).
وعنه عليه السلام: (من كسا آخاه المؤمن من عري كساه الله من سندس الجنّة واستبرقها وحريرها ، ولم يزل يخوض في رضوان الله ما دام على المكسوّ منه سلك) (28).
وعنّه (عليه السلام) في حديث آخر : (من كسا مؤمناً ثوباً من عري كساه الله من إستبرق الجنّة، ومن كسا مؤمناً ثوباً من غنى لم يزل في سترٍ من الله ما بقي من الثوب خرقة) (29).
فهذه الأحاديث المختلفة الألفاظ والمتفقة في المضمون ، تكشف عن أن مسألة توفير الكساء هي بمثابة القطب من الرحى في توجهات أهل البيت الاجتماعية.
وحول هذه الفقرة بالذات كانت لأمير المؤمنين عليه السلام مواقف من الإيثار رائعة ، فهو يرقع مدرعته حتى يستحيي من راقعها ، وكان بإمكانه أن يلبس أفخر الملابس ، ولكنه لم يفعل حرصاً على التكافل مع فقراء المسلمين والتأسي بهم.
عن الإمام الصادق عليه السلام : (خطب علي عليه السلام الناس وعليه إزار كرباس غليظ مرقوع بصوف ، فقيل له في ذلك ، فقال : يخشع القلب ، ويقتدي به المؤمن) (30).
وكان عليه السلام يقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان يأكل على الأرض ، ويجلس جلسة العبد ، ويخصف بيده نعله ، ويرقع بيده ثوبه (31).
وكان (عليه السلام) يؤثر غيره على نفسه في اللباس ، ففي خبر طويل عن الأصبغ ابن نباتة أنه اشترى ثوبان ؛ ثوب بأربعة دراهم ، وثوب بثلاثة دراهم ، وقال لغلامه قنبر: اختر فاختار الذي بأربعة ، ولبس هو الذي بثلاثة (32).
كلّ ذلك لأنّه يؤثر على نفسه ، ويفضل مصلحة غيره على مصلحته ، وكان حفيده الإمام علي بن الحسين عليهما السلام إذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته في الشتاء. وإذا انقضى الصيف تصدق بكسوته في الصيف. وكان يلبس من خير الثياب. فقيل له : تعطيها من لا يعرف قيمتها ولا يليق به لباسها ، فلو بعتها وتصدقت بثمنها ؟ فقال عليه السلام : (إني أكره أن أبيع ثوباً صليت فيه) (33).
والأئمة عليهم السلام: عموماً كانوا يحثّون شيعتهم على تحقيق أعلى درجة من التعاون والإيثار في هذا الشأن ، قال الإمام الباقر عليه السلام لأحد أصحابه : (يا إسماعيل ، أرأيت فيما قِبَلكم إذا كان الرجل ليس له رداء وعند بعض إخوانه فضل رداء يطرحه عليه حتى يصيب رداءً ؟ فقلت: لا ، قال : فإذا كان له إزار يرسل إلى بعض إخوانه بإزاره حتى يصيب إزارا ، فقلت : لا، فضرب بيده على فخذه ثم قال : ما هؤلاء بإخوة) (34).
وهكذا نجد مسألة توفير الكساء تتصدر سلّم الأولوية أيضاً كحاجة أساسية ينبغي تأمينها للمحتاجين.
رابعاً ـ السكن :
يريد الإسلام من المسلم أن ينطلق في جميع الآفاق التكافلية ، فلا يقتصر على تأمين الماء والطعام والكساء للفقراء ، بل عليه أن يوسع أفق التكافل ليشمل المأوى أو المسكن ، وهو حاجة ماسة تزداد أهميتها مع تعقد الحياة ونشوء المدن الكبرى. وقد استشرف الإسلام أفق الغيب ، وأدرك أن الإنسان قد يواجه أزمة السكن في يوم ما. وهو ما حصل بالفعل ، فحالياً تعاني المدن الإسلامية الكبرى من أزمة خانقة في السكن ، فمن الضرورة بمكان أن نشيع روح التعاون للتقليل من مضاعفات هذه الأزمة.
وقد وردت في الروايات تحذيرات لكل من يقصّر في هذا المجال ، عن الإمام الصادق عليه السلام (من كان له دار واحتاج مؤمن إلى سكناها فمنعه إيّاها قال الله عزّ وجلّ : ملائكتي ، عبدي بخل على عبدي بسكنى الدنيا ، وعزّتي لا يسكن جناني أبداً) (35).
ومما يؤسف له أن هناك قصوراً أو تقصيراً في مسألة توفير المأوى أو المسكن للمحتاجين ، سيّما مَن يريد الدخول في عش الزَّوجية ، ليصون نفسه ويقيها من الوقوع في مهاوي الفساد وليستن بسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله الداعية إلى النكاح والزواج وتأسيس الأسرة.
وتزداد الحاجة أيضاً لبناء أماكن إيواء واستراحة للمسافرين ، والبعض قد يجهل ثواب التكافل في هذا المجال ، أو يرى فيه جهدا ضائعاً من قبيل الحرث في البحر ، ولكن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يرشدنا إلى الثواب الكبير لمن يقوم بهذا الأمر ، قائلاً : (من بنى على ظهر الطريق ما يأوى عابر سبيل ، بعثه الله يوم القيامة على نجيب من درّ) (36).
فمن الضروري أن يهتم المرشدون والواعظون بثقافة التكافل في مجال السكن وتوفير المأوى لمن يلتحفون السماء بدون سقف يقيهم المطر والبرد والحر ، فالثواب لا يقتصر على بناء المساجد ، أو المدارس ، بل يشمل أيضاً بناء المساكن لذوي الخصاصة وتوفير المأوى لعابري السبيل.
إن دعوة الإسلام للتكافل مع الفقراء والمساكين وتوفير الماء والطعام واللباس والسكن المناسب لهم ، تنهض دليلاً على سبقه بمئات السنين لوثيقة حقوق الإنسان العالمية التي وافقت عليها هيأة الأمم المتحدة عام 1948 م ، وجاء في المادة (25) من هذه الوثيقة : (إن لكل فرد الحق في أن يعيش في مستوى يكفل له ولأسرته الصحة والرفاهية ، وبصفة خاصة يضمن له الغذاء والكساء والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية ، وله الحق في الضمان في حال مرضه ، وعجزه ، وترمله ، وشيخوخته ، وفي الحالات الأخرى التي يفقد فيها وسائل معيشته لأسباب خارجة عن أرادته) (37).
خامساً ـ المال :
وهو من الحاجات الأساسية التي بدونها لا يستطيع الإنسان أن ينفق على نفسه وعياله. وعلى ذوي المكنة والغنى وظيفة اجتماعية تتمثل بمساعدة السائلين والمحرومين. وقد أطلق القرآن الكريم على هذا الإنفاق صفة الحقّ ، كما في قوله تعالى :{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: 24، 25].
ويظهر من الرواية التالية أن هذا الحق له وظيفة تكافلية ، فليس هو من الزكاة والصدقات المفروضة ، بل هو أمر تبرعي يقدم عليه المحسن طوعاً لأجل إشاعة مبدأ التعاون ومواساة المعوزين.
عن القاسم بن عبدالرّحمن الأنصاري قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ( إنّ رجلاً جاء إلى أبي علي بن الحسين عليهما السلام فقال له : أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: 24، 25] ،ما هذا الحقّ المعلوم ؟ فقال له علي بن الحسين عليهما السلام : الحقّ المعلوم الشيء يخرجه من ماله ليس من الزّكاة ولا من الصّدقة المفروضتين. قال : فإذا لم يكن من الزّكاة ولا من الصّدقة ، فما هو ؟ فقال : هو الشيء يخرجه الرّجل من ماله إن شاء أكثر ، وإن شاء أقلّ ، على قدر ما يملك ، فقال له الرّجل : فما يصنع به ؟ فقال : يصل به رحما ، ويقوي به ضعيفاً ، ويحمل به كلاًّ ، أو يصل به أخاً له في الله ، أو لنائبة تنوبه ، فقال الرّجل : الله أعلم حيث يجعل رسالته) (38).
وعن سماعة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (الحقّ المعلوم ليس من الزّكاة ، هو الشيء تخرجه من مالك إن شئت كلّ جمعة ، وإن شئت كلّ شهر ، ولكلّ ذي فضل فضله ، وقول الله عزّ وجلَّ : {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة: 271] فليس هو من الزكاة ، والماعون ليس من الزكاة ، هو المعروف تصنعه ، والقرض تقرضه ومتاع البيت تعيره ، وصلة قرابتك ليس من الزكاة ، وقال الله عزّ وجلّ :{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] فالحق المعلوم غير الزّكاة ، وهو شيء يفرضه الرّجل على نفسه ، يجب أن يفرضه على قدر طاقته ووسعه) (39).
والإسلام يحثّ على أن يكون إنفاق المال لغاية سامية أطلق عليها القرآن (سبيل الله) ، فمثل هذا الإنفاق يباركه الله تعالى لكونه يخدم مبدأ التكافل ، من خلال تقديم العون والمساعدة للآخرين بنية خالصة ، وبشرط أن لا يصاحب مثل هذا الإنفاق المنّ أو الأذى ، قال عزّ من قائل: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: 261، 262]. وعليه فالله تعالى يعتبر المال أمانة في يد حامله ، وعليه أن يحسن التصرف بها ، وأن ينفقها في سبيله ، وليس من أجل الرِّياء أو السمعة الفارغة ، لذلك يعتبر الذي ينفق أمواله من أجل الرِّياء من قرناء الشيطان ، قال تعالى :{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا}[النساء: 38].
ولم يأل أئمة أهل البيت : جهداً من أجل توعية شيعتهم على إدراك وظيفة المال الاجتماعية ، ورسالته التكافلية ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : (فمن آتاهُ الله مالاً فليصل به القرابة ، وليُحسن مِنهُ الضيافة ، وليفُكَّ به الأسير والعاني ، وليُعط مِنهُ الفقير والغارِمَ) (40) ، وعنه عليه السلام : (أفضل المال ما قضيت به الحقوق) (41).
ولم تكن وصايا أمير المؤمنين عليه السلام مجرّد كلمات تطلق في الفضاء كحال المنظرين ، بل كانت تترجم إلى سلوك سويّ ، شهد عليها التاريخ وسجلها الثقات ، قال أبو صالح السمّان : (رأيت عليا دخل بيت المال فرأى فيه مالاً ، فقال : هذا ها هنا والناس يحتاجون ! فأمر به فقسّم بين الناس وأمر بالبيت فكنس فنضح وصلّى فيه) (42).
وعن هارون بن مسلم البجلي عن أبيه قال : (أعطى علي عليه السلام الناس في عام واحد ثلاث اُعطيات ثم قدم عليه خراج أصفهان فقال : أيها الناس ، اغدوا فخذوا ما أنا لكم بخازن ، ثم أمر ببيت المال فكنس ونضح ، فصلى فيه ركعتين ثم قال : يا دنيا غري غيري ...) (43).
كان سلام الله عليه يعتبر المال أمانة بيده ، فيحرص أشد الحرص على إيصاله إلى مستحقيه ، وتقسيمه بالسّوية فيما بينهم ، ولما بويع بالخلافة ، صعد المنبر في اليوم الثاني من البيعة ، وهو يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة ، فقال: (فأنتم عباد الله ، والمال مال الله ، يقسَّم بينكم بالسوّية ، لا فضل فيه لأحد على أحد ، وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء وأفضل الثواب)(44).ومن كتاب له عليه السلام إلى قثم بن العبّاس ، وهو عامله على مكّة : (وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قِبَلَكَ من ذوي العيال والمجاعة ، مصيبا به مواضع الفاقة والخلاّت ، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا) (45).وكان عليه السلام يقول لمن أراد منه العودة إلى سنّة عمر في التمييز بين الناس في العطاء !! : (لو كان المال لي لسوّيت بينهم ، فكيف وإنما المال مال الله) (46).
وقام عليه السلام خطيباً بالمدينة حين رجعت إليه خلافته، بعد أن حمد الله وأثنى عليه : (إنّي والله لا أرزؤكم من فيئكم درهما ما قام لي عذق بيثرب، فليصدقكم أنفسكم ، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم ؟! فقام إليه عقيل كرّم الله وجهه فقال له: والله لتجعلني وأسود بالمدينة سواءً ؟! فقال له: أجلس ، أما كان ها هنا أحد يتكلّم غيرك ؟ وما فضلك عليه إلاّ بسابقة أو بتقوى !!) (47).
وعن ابن دأب قال : ولّى أمير المؤمنين عليه السلام بيت مال المدينة عمّار بن ياسر وأبا الهيثم بن التيّهان ، فكتب : (العربي والقرشي والأنصاري والعجمي وكل من كان في الإسلام من قبائل العرب وأجناس العجم سواء فأتاه سهل بن حنيف بمولى له أسود فقال: كم تعطي هذا ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : كم أخذت أنت ؟ قال : ثلاثة دنانير وكذلك أخذ الناس ، قال : فأعطوا مولاه مثل ما أخذ ثلاثة دنانير) (48).
وروى أبو إسحاق الهمداني أنّ امرأتين أتتا عليّاً عليه السلام ، إحداهما من العرب ، والأخرى من الموالي ، فسألتاه فدفع إليهما دراهم وطعاماً بالسواء ، فقالت إحداهما : إنّي امرأة من العرب وهذه من العجم ، فقال عليّ عليه السلام : (والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق) (49).
وعموما فقد كان أئمة أهل البيت عليهم السلام: يحثّون أتباعهم على بذل الأموال سواءً المفروض منها أو المستحب، ويكشفون لهم الحكمة من وراء ذلك، والفائدة المرجوّة ، قال الإمام الصادق عليه السلام لعمّار الساباطي: (يا عمّار أنت ربّ مال كثير ، قال: نعم جعلت فداك، قال: فتؤدي ما افترض الله عليك من الزّكاة، فقال: نعم ، قال: فتصل قرابتك ؟ قال: نعم ، قال: فتصل إخوانك ؟ قال: نعم ، قال عليه السلام : يا عمّار ، إن المال يفنى ، والبدن يبلى ، والعمل يبقى ، والدّيان حيّ لا يموت. يا عمّار ، أما أنّه ما قدمت فلن يسبقك ، وما أخرّت فلن يلحقك) (50).
ولما كان البخل والشح يكبحان طريق الإنفاق ، عَمَلَ أهل البيت: على التسامي بنفوس أتباع مدرستهم وحثهم على قلع جذور البخل من خلال التكافل ، لكي ينجحوا في الابتلاء ويجتازوا
الامتحان.
عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : (ما بلى الله العباد بشيء أشدّ عليهم من إخراج الدّراهم) (51).
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يشنع أشد التشنيع بالشحيح ، ويعتبر الشحّ أقبح من الظلم ، يروى أنه عليه السلام سمع رجلاً يقول: إنّ الشحيح أعذر من الظالم ، فقال له: (كذبت ، إنّ الظالم قد يتوب ويستغفر ويردّ الظلامة إلى أهلها، والشّحيح إذا شحّ منع الزّكاة والصّدقة وصلة الرّحم وقري الضّيف والنفقة في سبيل الله ، وأبواب الخير ، وحرام على الجنّة أن يدخلها شحيح)(52).
____________
1ـ عدّة الداعي / ابن فهد الحلي : 92.
2- الكافي 4 : 57 / 2 ، باب سقي الماء من كتاب الزكاة.
3- الكافي 4 : 58 / 6 باب سقي الماء من كتاب الزكاة.
4- ثواب الأعمال : 139.
5- مناقب أمير المؤمنين / محمّد سليمان الكوفي 2 : 80 ، مجمع احياء الثقافة الإسلامية.
6- الغارات / إبراهيم الثقفي الكوفي 2 : 701.
7- الارشاد / الشيخ المفيد 2 : 78 ، دار المفيد ، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لتحقيق التراث.
8- اللهوف في قتلى الطفوف / السيد ابن طاووس : 70 ، ط 1 ـ 1417 ه ، مطبعة مهر.
9- الأمالي / الشيخ الطوسي : 598 / 1241 ، المجلس (26).
10- اُصول الكافي 2 : 203 / 18 ، باب إطعام المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.
11- نهج البلاغة ، الكتاب 45.
12- عيون الحكم والمواعظ : 134.
13- المحاسن / البرقي 2 : 389 / 17. والآية من سورة البلد : 90 / 14.
14- المحاسن 2 : 389 / 21.
15- الكافي 4 : 51 / 5 باب فضل إطعام الطعام من كتاب الزكاة.
16- الكافي 4 : 51 / 10 من نفس الباب.
17- المحاسن 1 : 98 / 26.
18- الخصال / الشيخ الصدوق : 517 / 4.
19- علل الشرائع 1 : 231 باب 165.
20- علل الشرائع 1 : 46 / 1 باب 41.
21- علل الشرائع 1 : 231 / 6 باب 165.
22- الخصال / الصدوق : 518 / 4 أبواب العشرين وما فوقه.
23- الكافي 4 : 8 ـ 9 / 3 ، باب صدقة الليل من كتاب الزكاة.
24- الكافي 4 : 13 / 1 ، باب الصدقة على من لا تعرفه من كتاب الزكاة.
25- المحاسن / البرقي 2 : 389 / 20 ، باب الإطعام.
26- الإرشاد 2 : 231.
27- مجموعة ورّام 1 : 172 ، باب الإيثار.
28- اصول الكافي 2 : 204 / 1 باب من كسا مؤمنا من كتاب الإيمان والكفر.
29- ثواب الأعمال : 146.
30- اصول الكافي 2 : 205 / 5 ، باب من كسا مؤمنا من كتاب الإيمان والكفر.
31- مكارم الأخلاق / الطبرسي : 113.
32- انظر : نهج البلاغة / صبحي الصالح : 228 ، الخطبة 160.
33- روضة الواعظين / ابن الفتال : 107 مجلس في ذكر الإمامة وامامة علي بن أبي طالب (عليه السلام).
34- مناقب آل أبي طالب 3 : 294.
35- ثواب الأعمال : 241 ، المحاسن 1 : 101 / 36.
36- كتاب المؤمن / الحسين بن سعيد : 45 ، نشر مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام).
37-عوالي اللآلي / ابن أبي جمهور الإحسائي 1 : 365 ، ط 1 ـ 1403 ه.
38- حقوق الإنسان / د. محمود شريف بسيوني : 21 ، المجلد الأول ـ الوثائق العالمية والإقليمية ، دار العلم للملايين ، ط 1 ـ 1988 م.
39- الكافي 3 : 500 / 11.
40- من لا يحضره الفقيه 2 : 48 / 1666.
41- تصنيف نهج البلاغة / لبيب بيضون : 648.
42- عيون الحكم والمواعظ : 122.
43- انساب الأشراف / البلاذري : 133 ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، والدعوات / الراوندي : 60 ، مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) ، ط 1 ـ 1407 ه ق.
44- شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 7 : 37.
45- نهج البلاغة ، كتاب 67.
46- نهج البلاغة / الخطبة 126.
47- روضة الكافي 8 : 182 / 204.
48- الاختصاص / الشيخ المفيد : 152 ، طبع جماعة المدرسين في الحوزة العلمية.
49- شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 2 : 200 ، دار إحياء الكتب العربية.
50- الكافي 3 : 501 / 15 باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ، من كتاب الزكاة.
51- الخصال / الشيخ الصدوق : 80.
52- الكافي 4 : 44 / 1 باب البخل والشحّ ، من كتاب الزكاة.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|