البَدَلُ هو التّابعُ المقصودُ بالحُكمِ بلا واسطةٍ بينهُ وبينَ متبوعهِ نحو "واضعُ النحوِ الإمامُ عليٌّ".
(فعليٌّ تابع للامام في إعرابه. وهو المقصود بحكم نسبة وضع النحو اليه. والإمام انما ذكر توطئة وتمهيداً له، ليستفاد بمجموعهما فضلُ توكيد وبيان، لا يكون في ذرك أحدهما دون الآخر. فالإمام غير مقصود بالذات، لأنك لو حذفته لاستقلّ "عليٌّ" بالذكر منفرداً، فلو قلت "واضع النحو عليٌّ"، كان كلاماً مستقلاً. ولا واسطة بين التابع والمتبوع.
أما ان كان التابع مقصوداً بالحكم، بواسطة حرف من أحرف العطف، فلا يكون بدلاً بل هو معطوف، نحو "جاء علي وخالد" وقد خرج عن هذا التعريف النعت والتوكيد أيضاً، لأنهما غير مقصودين بالذات وانما المقصود هو المنعوت والمؤكد).
وفي البدل مبحثان:
أَقْسامُ الْبَدَل
البَدلُ أربعةُ أقسامٍ البدلُ المطابِقُ (ويُسمّى أيضاً بَدَلَ الكُل من الكل)، وبَدلُ البعضِ من الكلِّ، وبدلُ الاشتمالِ، والبدلُ المُبايِنُ.
فالبدلُ المُطابقُ (أو بَدَلُ الكل من الكُلِّ) هو بَدَلُ الشيءِ مِمّا كان طَبقَ معناهُ، كقولهِ تعالى {إهدنِا الصراطَ المستقيمَ، صِراطَ الذينَ أنعمت عليهم}. فالصراطُ المُستقيم وصِراطُ المُنعَمِ عليهم مُتطابقانِ معنًى، لأنهما، كلَيهما، بدلانِ على معنًى واحدٍ.
وبدلُ البعضِ من الكُل هو بدل الجزء من كُلِّهِ، قليلاً كان ذلكَ الزءُ، أو مُساوياً للنّصفِ، أو أكثرَ منهُ، نحو " جاءتِ القبيلةُ رُبعُها. أو نصفُها، أو ثُلُثاها"، ونحو "الكلمةُ ثلاثة أقسامٍ اسمٌ وفعلٌ وحرف"، ونحو "جاءَ التلاميذُ عشرونَ منهم".
ص546
وبدلُ الاشتمالِ: هو بدلُ الشيءِ مِمّا يشتملُ عليه، على شرط أن لا يكونَ جزءاً منه، نحو "نفعني المُعلِّمُ عِلمُهُ. أحببتُ خالداً شجاعتَهُ. أُعجِبتُ بعليٍّ خُلقهِ الكريمِ". فالمعلِّمُ يشتملُ على العلم، وخالدٌ يشتملُ على الشجاعة، وعليٌّ يشتملُ على الخُلُق. وكلٌّ من العلم والشجاعة والخُلق، ليس جزءاً مِمّن يشتملُ عليه.
ولا بُدَّ لبدلِ البعضِ وبدلِ الاشتمالِ من ضميرٍ يربطُهما بالبدل، مذكوراً، كان، كقوله تعالى {ثمَّ عَمُوا وصَمُّوا، كثيرٌ منهم}، وقولهِ {يَسألونكَ عن الشّهرِ الحرامِ. قِتالٍ فيه}، أو مُقدَّراً، كقوله سبحانهُ {وللهِ على النّاس حِجُّ البيت من استطاعَ إليه سبيلاً}، وقولهِ {قُتِلَ أصحابُ الأخدودِ، النّارِ ذاتِ الوَقود}.
والبَدَلُ المباينُ: هو بدلُ الشيءِ مِمّا يُباينُهُ، بحيثُ لا يكون مطابقاً لهُ، ولا بعضاً منه، ولا يكونُ المُبدَلُ منه مُشتملاً عليه. وهو ثلاثةُ أنواعٍ بدَلُ الغَلَطِ، وبَدلُ النسيان، وبدلُ الاضراب.
فبَدَلُ الغلطِ ما ذكرَ ليكونَ بدلاً من اللفظ الذي سبقَ إليه اللسانُ، فذكرَ غلطاً، نحو "جاءَ المعلِّمُ، التلميذُ"، أردتَ أن تذكرَ التلميذ، فسبقَ لسانُكَ، فذكرتَ المعلمَ غلطاً، فتَذكَّرتَ غَلَطَكَ، فأبدلتَ منه التلميذَ.
وبدلُ النسيان: ما ذُكرَ ليكونَ بدلاً من لفظٍ تَبيَّنَ لكَ بعدَ ذكرهِ فسادُ قصدهِ، نحو "سافرَ عليٌّ إلى دِمَشقَ، بَعلبكَّ"، توهمتَ أنه سافرَ إلى دمشقَ، فأدرككَ فسادُ رأيك، فأبدلتَ بعلبكَّ من دمشقَ.
فبدلُ الغلطِ يتعلَّقُ باللسانِ، وبدلُ النسيانِ يَتعلَّق بالجَنان.
وبَدلُ الاضراب: ما كان في جملةٍ، قصدُ كلٍّ من البلد والمُبدَل منه فيها صحيحٌ، غيرَ أنَّ
ص547
المتكلم عدلَ عن قصد المُبدَلِ منه إلى قصدِ البدل، نحو "خُذِ القلمَ، الوَرَقةَ"، أمرتَهُ بأخذ القلم، ثم أضربتَ عن الأمر بأخذهِ إلى أمرهِ بأخذ الورقة، وجعلتَ الأوَّل في حكم المترُوك.
والبَدَلُ المُباينُ بأقسامهِ لا يقعُ في كلامِ البُلغَاءِ. والبليغُ إن وقع في شيءٍ منها، أتى بين البدل والمبدَل منه بكلمةِ "بَلْ"، دلالةً على غلطهِ أو نسيانهِ أو إِضرابه.
أَحكامٌ تَتَعَلَّقُ بالْبَدَل
1- ليسَ بمشروطٍ أن يتطابَقَ البدلُ والمُبدَل منه تعريفاً وتنكيراً. بل لكَ أن تُبدِلَ أيَّ النوعينِ شئتَ من الآخر، قال تعالى {إلى صراط مُستقيم، صراطِ الله}، فأبدلَ "صراط الله"، وهو معرفةٌ، من "صراطٍ مُستقيم"، وهو نكرة، وقالَ "لنفسعاً بالناصيةِ، ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ"، فأبدلَ "ناصية"، وهي نكرةٌ، منَ "الناصية"، وهي معرفةٌ. غيرَ أنه لا يَحسُنُ إِبدالُ النكرة من المعرفة إلا إذا كانت موصوفةً كما رأيتَ في الآية الثانية.
2- يُبدَلُ الظاهرُ من الظاهرِ، كما تقدَّمَ. ولا يُبدَلُ المُضمَر من المُضمَر. وأما مثلُ "قُمتَ أنتَ. ومررتُ بكَ أنت"، فهو توكيد كما تقدَّم.
ولا يُبدلُ المضمرُ من الظاهر على الصحيح. قال ابنُ هشام وأمّا قولهم "رأيتُ زيداً أياهُ"، فمِنْ وضعِ النحويينَ، وليس بمسموع.
ويجوز إبدالُ الظاهر من ضميرِ الغائبِ كقولهِ تعالى {وأسَرُّوا النّجوى، الذينَ ظلموا} فأبدلَ "الذينَ" من "الواو"، التي هي ضميرُ الفاعلِ. ومن ضمير المخاطبِ والمتكّلم، على شرط أن يكونَ بدلَ بعضٍ من كلٍّ، أو بدلَ اشتمالٍ، فالأول كقوله تعالى {لَقد كانَ لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ، لِمَنْ كان يَرجو اللهَ واليومَ الآخرَ} فأبدلَ الجارَّ والمجرورَ، وهما "لِمن" من الجارّ والمجرورِ المُضمر وهما "لكم" وهو بدلُ بعضٍ من كلٍّ، لأنَّ الأسوةَ الحسنةَ في رسولِ اللهِ ليست لكلِّ المخاطبين، بل هيَ لمن كان يرجو اللهَ واليومَ الآخرَ منهم. والثاني كقولك "أعجبتني، علمُكَ"، فعلمُك بدلٌ من "التاءِ"، التي هي ضميرُ الفاعل، وهو بدلُ اشتمال، ومنه قول الشاعر
*بَلَغْنا السَّماءَ مَجْدُنا وسَناوُّنا * وإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذلِكَ مَظْهرا*
فأبدلَ "مجدنا" من "نا"، التي هي ضمير الفاعلِ، وهو بدلُ اشتمال أيضاً.
3- يُبدَلُ كلٌّ من الاسمِ والفعلِ والجملة من مثله.
فإبدالُ الاسمِ من الاسمِ قد تقدَّم.
وإبدالُ الفعل من الفعل كقوله تعالى {ومَنْ يفعلْ ذلكَ يَلق أثاماً، يُضاعفْ له العذابُ}،
ص548
أبدل "يُضاعف" من "يلقَ".
وإبدالُ الجملة من الجملة كقوله تعالى {أمَدَّكم بما تَعلمونَ، أمدَّكم بأنعامٍ وبنينَ}، فأبدل جملة "أمدَّكم بأنعامٍ وبَنينَ" من جملة "أمدَّكم بما تَعلمون".
وقد تُبدَلُ الجملةُ من المُفرَدِ، كقول الشاعر
*إِلى اللهِ أَشْكُو بِالْمَدينَةِ حاجةً * وبالشَّامِ أُخْرى، كَيْفَ يَلْتَقِيانِ؟!*
أبدلَ "كيفَ يَلتقيانِ" من حاجةٍ وأخرى، والتقديرُ الإعرابيُّ "أشكون هاتينِ الحاجتينِ، تَعذُّرَ التقائهما". والتقديرُ المعنويُّ "أشكو إلى الله تَعَذُّرَ التقاءِ هاتينِ الحاجتينِ".
4- إذا أُبدِلَ اسمٌ من اسم استفهام، أو اسم شرط، وجب ذكرُ همزةِ الاستفهام، أو "إن" الشرطيّةِ معَ البدلِ، فالأولُ نحو "كم مالُكَ؟ أعشرونَ أم ثلاثون؟. من جاءَك؟ أعليٌّ أم خالد؟. ما صنعتَ؟ أخيراً أم شرًّا؟". والثاني نحو "مَنْ يَجتهدْ، إنْ عليٌّ، وإن خالدٌ، فأكرمهُ. ما تَصنعْ، إنْ خيراً، وإنْ شرًّا، تُجزَ بهِ. حيثما تنتظرني، إنْ في المدرسة، وإن في الدَّار أُوافِك".
ص549