أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-4-2022
1846
التاريخ: 12-4-2016
3775
التاريخ: 7-2-2019
2580
التاريخ: 10-4-2016
3414
|
يحتم الاسلام على خليفة المسلمين وولي أمرهم أن يجهد نفسه في اختيار ذوي القابليات والمواهب ممن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة من العدالة والتقوى والنزاهة والنصح للرعية والسهر على صالحها ورعاية شؤونها بأمانة واخلاص ليجعلهم ولاة على الامصار والاقاليم ولا يجوز ان يولي أي احد مهما كان قريبا له محاباة او اثرة فان ذلك خيانة لله ولرسوله وللمسلمين لأن الولاة يتحملون مسؤولية الحكم والقضاء بين الناس وادارة شؤونهم والاصلاح فيما بينهم والائتمان على أموالهم ودمائهم فلا بد ان يكونوا من خيرة الرجال ومن اكثرهم دينا ووقوفا في الشبهات وأبعدهم عن الطمع والحرص واصبرهم على تكشف الامور هذا هو رأي الاسلام وهذه خطته التي حفل بها نظامه الخالد وقد ابتعد عثمان عن ذلك فعمد الى توظيف اسرته وذوى قرباه الذين حاربوا الله ورسوله وسعوا في الارض فسادا فحملهم على رقاب المسلمين وأسند إليهم اهم الوظائف فجعلهم أمراء على الامصار والاقاليم , فكان على الكوفة واليا سعد بن أبي وقاص الزهري فعزله عثمان عنها وولى عليها الوليد بن عقبة بن ابي معيط ولم يعهد الى اهل الكفاية والقدرة من المهاجرين والانصار الذين احسنوا البلاء فى الاسلام ليتولوا شئون هذا المصر الذي هو من اعظم امصار المسلمين أهمية وأكثرها ثغورا ؛ وعلى أي حال فهل ان الوليد كان خليقا لأن يعهد إليه بهذا المنصب الخطير الذي يوكل إليه القضاء بين الناس وإتمامهم به في الصلاة والائتمان على بيت المال وغير ذلك من الشؤون التي تتوقف على العدالة والتقوى والحريجة فى الدين ونقدم عرضا موجزا لبعض شؤونه ليتضح حاله وهي :
نشأ فى مجتمع جاهلي وتربى تربية جاهلية ولم يدخل بصيص من نور الاسلام فى قلبه كان ابوه من ألد اعداء رسول الله (صلى الله عليه واله) روت عائشة عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال : كنت بين شرّ جارين بين أبي لهب وبين عقبة بن ابي معيط إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي حتى أنهم ليأتون ببعض ما يطرحونه من الاذى فيطرحونه على بابي وقد بصق هذا اللعين فى وجه رسول الله (صلى الله عليه واله) وشتمه فقال له النبي : إن وجدتك خارجا من جبال مكة اضرب عنقك صبرا فلما كان يوم بدر وخرج اصحابه امتنع من الخروج فقال له اصحابه اخرج معنا قال وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة ان يضرب عنقي صبرا فقالوا له : لك جمل احمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه فخرج معهم فلما هزم الله المشركين حمل به جمله في جدود من الارض فأخذه رسول الله (صلى الله عيه واله) أسيرا في سبعين من قريش فقدم إليه فقال عقبة أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال نعم بما بزقت في وجهي ثم أمر عليا فضرب عنقه وقد اترعت نفس الوليد بالحقد والكراهية من النبيّ (صلى الله عليه واله) لأنه قد وتره بأبيه ولما لم يجد بدا من الدخول فى الاسلام اسلم ولكن قلبه كان مطمئنا بالكفر والنفاق.
ونطق القرآن الكريم بفسقه وعدم ايمانه مرتين الاولى : انه جرت بينه وبين امير المؤمنين مشادة فقال الوليد له : اسكت فانك صبي وأنا شيخ والله اني ابسط منك لسانا وأحد منك سنانا واشجع منك جنانا وأملأ منك حشوا في الكثيبة فقال له علي : اسكت فانك فاسق فانزل الله تعالى فيهما قوله : {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} [السجدة: 18] وقد نظم ذلك حسان بن ثابت بقوله :
أنزل الله والكتاب عزيز في علي وفى الوليد قرانا
فتبوا الوليد من ذاك فسقا وعلي مبوأ إيمانا
ليس من كان مؤمنا عرف الله كمن كان فاسقا خوانا
الثانية : أنه غش النبيّ وكذب عليه وذلك حينما ارسله في بنى المصطلق فعاد الى النبيّ يزعم انهم منعوه الصدقة فخرج النبي إليهم غازيا فتبين له كذب الوليد ونزلت عليه الآية بفسقه قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] ومع اعلان القرآن بفسقه وأثمه كيف يجوز أن يجعل حاكما على المسلمين واماما لهم ومؤتمنا على أموالهم ودمائهم .
استعمله عثمان واليا على الكوفة بعد عزله لسعد فسار فيها سيرة عبث ومجون وتهتك ولم يرع للدين حرمة ووقارا وأخذ يعيث فسادا في الارض حتى ضجت الكوفة من مجونه واستهتاره وتذمر الاخيار والصلحاء من سوء سيرته , واقترف الوليد افحش جريمة وافظع ذنب فقد ثمل وصلى بالناس صلاة الصبح أربع ركعات وصار يقول : في ركوعه وسجوده : اشرب واسقنى. ثم قاء فى المحراب وسلم وقال هل ازيدكم؟ فقال له ابن مسعود : لا زادك الله خيرا ولا من بعثك إلينا وأخذ فردة نعله وضرب به وجه الوليد وحصبه الناس فدخل القصر والحصباء تأخذه وهو مترنح وفي فعله يقول الحطيئة جرول بن أوس العبسي :
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه إن الوليد أحق بالعذر
نادى وقد تمت صلاتهم أأزيدكم؟ ثملا ولا يدرى
وهذه البادرة قد دلت على تهتكه وتماديه فى الاثم والفسوق فلم يرع حرمة للصلاة التي هي من اهم الشعائر الدينية واعظمها حرمة عند الله ؛ ويعتقد طه حسين ان صلاة الوليد بالمسلمين وهو ثمل وزيادته فيها قصة مخترعة لا نصيب لها من الصحة قد وضعها خصوم الوليد والصقوها به ويستدل على ذلك أنه لو زاد فيها لما تبعته جماعة المسلمين من اهل الكوفة وفيهم نفر من اصحاب النبي وفيهم القراء والصالحون ولما رضى المسلمون من عثمان بما اقام عليه من حد الخمر فان الزيادة في الصلاة والعبث بها اعظم خطرا عند الله وعند المسلمين من شرب الخمر كما يذهب الى ان الشعر الذي هجي به الوليد لم يقله الحطيئة وانما قال الحطيئة شعرا يمدح به الوليد مدح حب حريص على رضاه وذكر أبياتا قالها في مدحه والثناء عليه والذي ذكره الدكتور لا يمكن المساعدة عليه بوجه وذلك :
أولا : ان النصوص قد تضافرت بذلك ودونها الكثير ممن ترجم الوليد أو تعرض لأحداث عثمان فقد قال ابو عمر في الاستيعاب : ان صلاته اي الوليد بهم وهو سكران وقوله ازيدكم؟ بعد ان صلى الصبح اربعا مشهورة من رواية الثقات من أهل الحديث وأهل الاخبار ؛ وقال ابن حجر في الاصابة : قصة صلاته بالناس الصبح وهو سكران مشهورة مخرجة , وحكى أبو الفرج في الاغاني عن ابى عبيد والكلبي والاصمعي ان الوليد بن عقبة كان زانيا شريب خمر فشرب الخمر بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح فى المسجد الجامع فصلى بهم اربع ركعات ثم التفت إليهم وقال لهم ازيدكم؟ وتقيأ في المحراب وقرأ بهم في الصلاة :
علق القلب الربابا بعد ما شابت وشابا
إن التشكيك في هذا الحادث والاعتقاد بأنه من الموضوعات انكار للضروريات وتشكيك في البديهيات .
ثانيا : إن الله تعالى هو العالم بسرائر عباده ونياتهم وقد اعلن في كتابه الكريم فسق الوليد وفجوره في آيتين فلا يستبعد منه بعد ذلك أن تصدر منه افحش الموبقات واعظم الجرائم.
ثالثا : ان صلحاء المسلمين وخيارهم قد انكروا عليه ونقموا منه وثاروا في وجهه فقد ضربه عبد الله بن مسعود بنعله وحصبه الناس وخرج رهط من الكوفة فاستجاروا باعلام الصحابة لينقذوهم من امارة الوليد واستهتاره وما زعمه الدكتور طه حسين ان جماعة من المسلمين من أهل الكوفة قد تبعته وفيهم من أصحاب النبيّ والصالحين قد غالط بذلك الحقائق التأريخية التي نصت على ما ذكرناه .
رابعا : ان الحطيئة وان كان قد مدح الوليد واخلص له فانه لا ينافي أنه نقم منه وهجاه على ارتكابه هذه الجريمة النكراء التي سود بها وجه التأريخ الإسلامي والعربي.
إن الحطيئة عرف بالهجاء والمدح فهو قد يمدح شخصا يأمل منه البر والخير فاذا لم يعطه هجاه وذمه فقد قصد بنى ذهل يسترفدهم ويستميحهم العطاء ويقول في مدحهم :
إن اليمامة خير ساكنها أهل القرية من بني ذهل
قوم اذا انتسبوا ففرعهم فرعي وأثبت أصلهم اصلي
فلم يعطوه شيئا فقال يهجوهم :
ان اليمامة شر ساكنها أهل القرية من بني ذهل
وكان اذا غضب على بنى عبس يهجوهم ويقول انا من بنى ذهل وإذا غضب على بنى ذهل يهجوهم ويقول لهم : أنا من بنى عبس وقد غضب على أمه فهجاها بقوله :
تنحي فاجلسى منى بعيدا أراح الله منك العالمينا
أغربالا اذا استودعت سرا وكانونا على المحدثينا
هذا هو الحطيئة فهل خفى حاله على الدكتور حتى يستبعد منه ان يمدح الوليد ويهجوه؟
وعلى أي حال فان طه حسين قد حاول تبرير الوليد وتنزيهه عن الموبقات والآثام وإلحاقه بالأمراء الصالحين الذين لم يجوروا عن القصد فى حكمهم وقد قال فيه ما نصه : إن الوليد قد سار في اثناء ولايته على الكوفة سيرة فيها كثير جدا من الغناء وحسن البلاء , فهو لم يقصر في سد الثغور والامعان فى الفتح وإنما بلغ من ذلك غاية عرفت له وتحدث بها الناس في حياته وبعد موته وهو قد ساس الكوفة سياسة حزم وعزم ومضاء فاقر الامن وضرب على ايدي المفسدين من الاحداث والذين لا يرعون للنظام حرمة ولا يرجون للدين وقارا , وهل يستطيع الدكتور ان يثبت ذلك ويدلنا على معالم تلك السياسة الرشيدة التي سار عليها الوليد وتحدث الناس بها في حياته وبعد وفاته ولو كان الامر كما ذكره لما قام سعيد بن العاص الذي عينه عثمان واليا على الكوفة بعد عزله للوليد بغسل المنبر تحرجا من موبقات الوليد وآثامه .
نعم لقد تحدث الناس ولا زالوا يتحدثون عن مهازل الحكم الاموي الذي بنى على الاثرة والاستغلال والتحكم فى رقاب المسلمين وخيانة الامة وقهرها واذلالها باستعمال الوليد وأمثاله من الماجنين والمستهترين حكاما وولاة عليها وإنا لنأسف من الدكتور ان يدافع عن هؤلاء الخونة الذين هم صفحة عار وخزي على الامة العربية والاسلامية.
واسرع قوم من الكوفيين ممن يهمهم الاصلاح الى يثرب ليعرضوا على عثمان جريمة الوليد وانتهاكه لحرمة الاسلام وقد صحبوا معهم خاتمه الذي انتزعوه منه وهو في حالة السكر ولما انتهوا الى يثرب قابلوا عثمان وشهدوا عنده ان الوليد قد شرب الخمر فزجرهم عثمان وقال لهم : وما يدريكما أنه شرب خمرا؟. هى الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية .
وأخرجوا له خاتمه الذي انتزعوه منه فثار عثمان وقام فدفع في صدورهم وقابلهم بأمر القول فانطلقوا الى امير المؤمنين وأخبروه بالامر فأقبل الامام الى عثمان وقال له : دفعت الشهود وأبطلت الحدود؟ , قال : ما ترى؟.
فأجابه الامام (عليه السلام): أرى ان تبعث الى صاحبك فان اقاما الشهادة في وجهه ولم يدل بحجة أقمت عليه الحد ؛ ولم يجد عثمان بدا من الاذعان والاستجابة لقول الامام فكتب الى الوليد يأمره بالشخوص إليه ولما وصلت رسالته إليه نزح عن الكوفة فانتهى الى يثرب ودعا عثمان الشهود فأقاموا عليه الشهادة ولم يدل الوليد بأي حجة يدافع بها عن نفسه وامتنع حضار المجلس من القيام بحده نظرا لقربه من عثمان فانبرى امير المؤمنين فأخذ السوط ودنا منه فسبه الوليد وقال : يا صاحب مكس فاندفع عقيل بن أبي طالب فرد على الوليد قائلا : إنك لتتكلم يا بن ابي معيط كأنك لا تدري من أنت وأنت علج من أهل صفورية وهى قرية بين عكة واللجون من اعمال الاردن من بلاد طبرية كان ذكوان اباه يهوديا منها , وجعل الوليد يروغ من الامام فاجتذبه وضرب به الارض وعلاه بالسوط فثار عثمان وقد علاه الغضب فقال للامام : ليس لك ان تفعل به هذا ؛ فقال : بلى وشر من هذا اذا فسق ومنع حق الله ان يؤخذ منه , واقام الامام عليه الحد وكان اللازم بعد هذا الحادث أن يبعده عثمان ولا يقربه إليه حتى يرتدع هو وغيره من ارتكاب المنكر والفساد ولكنه لم يلبث ان رق عليه وولاه صدقات كلب وبلقين وكيف يؤتمن هذا الخليع الفاسق على صدقات المسلمين وأموالهم؟
إن الامصار الاسلامية التي استجد تأسيس بعضها والتي لم يستجد تأسيسها كان يقيم فيها العربي وغيره من النازحين عن أوطانهم لطلب الرزق والعيش والاسرى الذين كانوا يقيمون مع الفاتحين وكل اولئك كانوا جديد عهد بالاسلام فكانوا ينتظرون من خليفة المسلمين وولي أمرهم ان يستعمل عليهم رجالا اترعت نفوسهم بالتقوى والصلاح وتوفرت فيهم النزعات الخيرة ليكونوا قدوة لهم وهداة قبل ان يكونوا حكاما وامراء ولكن عثمان آثر في الحكم بنى أميّة وآل أبي معيط وهم لا يمثلون إلا الترف والدعارة والبطالة والفراغ والتهالك على اللذة والمجون.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|