أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-6-2022
1456
التاريخ: 2024-09-30
224
التاريخ: 24-3-2016
2630
التاريخ: 17-4-2017
3519
|
الأصل ان الجاني لا يعتبر فاعلاً للجريمة إلا إذا كان قد ساهم بعمل مادي في ارتكابها(1)، ولكن قد يكون الجاني فاعلاً للجريمة وان لم يباشر هو نفسه أعمالها المادية وهذا ما يسمى بالفاعل المعنوي والذي يسمى لدى بعض الفقهاء (الفاعل بالواسطة أو الفاعل غير المباشر)(2)، فالفاعل المعنوي هو المحرك الأساسي للجريمة أما مرتكبها فهو مجرد وسيلة في يد الفاعل المعنوي(3). وقد عـَّرف الفقه الجنائي الفاعل المعنوي (هو كل من سخر شخصاً غير مسؤول جنائياً على تنفيذ الجريمة بحيث يكون في يده بمثابة أداة يستعين بها في تحقيق هذا الغرض)(4). ولقد نصت الفقرة (3) من المادة (47) من قانون العقوبات العراقي على انه (من دفع بأية وسيلة شخصاً على تنفيذ الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الشخص غير مسؤول جزائياً لأي سبب). ومن التشريعات العربية التي أخذت بفكرة الفاعل المعنوي :قانون العقوبات الإماراتي والجزائري والبحريني(5)، ومن التشريعات الأجنبية فقد نص على ذلك قانون الجزاء الألماني(6)، في حين بعض التشريعات الجنائية لا تتضمن فكرة الفاعل المعنوي أو الفاعل غير المباشر جارياً على خطته في إقرار المساواة بين المساهمين في الجريمة وعدم التمييز بين فئاتهم، ولكنه أشار مع ذلك الى حالة الفاعل المعنوي فاعتبر وضعه سبباً لتشديد عقوبته بالقياس الى سائر المساهمين في الجريمة فالمادة (111) من التشريع العقابي الإيطالي نصت على ان (من حمل على ارتكاب الجريمة شخصاً غير مسؤول أو غير معاقب وذلك بسبب وضعه أو صفته الشخصية يسأل عن الجريمة المرتكبة وتشدد عقوبته)(7)، وبعض القوانين لا تتضمن نصوصاً للفاعل المعنوي وابرز هذه القوانين الفرنسي والمصري والليبي والسوري واللبناني(8). ومن خلال التعريف المتقدم للفاعل المعنوي يمكن بيان أوجه الاختلاف ما بين الشريك المساعد وبينه من حيث:
أولاً- تجزئة العناصر الإجرامية:
الفاعل المعنوي يقتضي ان يتوافر فاعلان احدهما فاعل مادي قام بتنفيذ ماديات الجريمة دون ان تتوفر لديه المسؤولية الجنائية وآخر معنوي وهو من يسخر الأول (الفاعل المادي) ويدفعه الى ارتكابها باعتباره أداة لبلوغ هذا الهدف في تنفيذ مشروعه الإجرامي(9). أما الشريك المساعد فيوجد فاعل مادي واحد وهو من ينفذ الجريمة بناءً على مساعدة يقدمها الشريك في تنفيذ فعله الإجرامي، فالمنفذ المادي إذا هو من يكون مرتكب الفعل الذي حركه الفاعل المعنوي حسن النية أو شخصاً غير مسؤول جنائياً(10)، ولكن الإرادة الجنائية تتوافر لدى الفاعل المعنوي فقط و إلا فلن يكون فاعلاً معنوياً وإنما شريكاً بالتحريض(11). فمن يغري مجنوناً بقتل عدوه فتقع الجريمة بناءً على هذا الإغراء، ومن يحرش طفلاً غير مميز على إشعال النار في منزل فيضرم الطفل النار في المنزل بناءً على التحرش فالمنفذان الماديان في هذين المثالين فاقدين الإدراك أو الاختيار أما من أغرى المجنون ومن حرش الصغير فرغم انه لم يأت بأي عمل من الأعمال التنفيذية للجريمة إلا انه يعتبر فاعلاً وليس مجرد شريك فيها ويقال له الفاعل المعنوي. وقد يكون الفاعل المعنوي حسن النية كموثق العقود الذي يرتكب في أوراقه بيانات مزورة يمليها عليه احد طرفي العقد، والخادم الذي يطلب منه احد الأشخاص ان يسلمه معطفاً مملوكاً للغير موهماً انه معطفه فيأتي به إليه ففي هذين المثالين كان الفاعل المادي موثق العقود والخادم مجرد أداة بشرية مسخرة من قبل الفاعل المعنوي لتحقيق غرضه(12).
ثانياً: من حيث توافر الإرادة المعنوية
يستلزم بالاشتراك توافر الوحدة المعنوية بين الجناة وهذه الوحدة تقضي تماثل صور الركن المعنوي لدى كل من المساهمين في الجريمة بينما هذا التماثل في الركن المعنوي لا وجود له في الفاعل المعنوي(13). ففي الاشتراك تكون الإرادة الإجرامية متوافرة لكل منها في حين الفاعل المعنوي تكون الإرادة الإجرامية متوافرة لديه فقط دون المنفذ المادي للجريمة فالفاعل المعنوي أكثر خطورة إجرامية من الشريك المساعد كونه يدفع شخصاً غير مسؤول جزائياً متجرداً من الإرادة الإجرامية(14).
ثالثاً- من حيث السيطرة على المشروع الإجرامي
الفاعل المعنوي ينظر الى الجريمة باعتبارها مشروعه الإجرامي الخاص به ويرى المنفذ المادي مجرد وسيلة تحت سيطرته فلا تتوفر لديه الشخصية المستقلة ولا يكون صاحب مشروع إجرامي بل يقوم بنشاط إجرامي لحساب الفاعل المعنوي(15). ولكن يشترط في الفاعل المعنوي ان يكون عالماً بعدم مسؤولية المنفذ المادي أما لانتفاء الأهلية أو لانتفاء القصد(16). وانتفاء القصد في الجرائم العمدية يجعل المنفذ غير مسؤول عن الجريمة لتخلف ركنها المعنوي لديه(17). أما الشريك المساعد لا تتوفر لديه إرادة السيطرة على المشروع الإجرامي ويعمل لحساب غيره وليس لحسابه الخاص فالجريمة تقع مادياً من شخص أهلا ً لتحمل المسؤولية الجنائية باعتباره فاعلاً(18).
رابعاً - من حيث النشاط الإجرامي
ان هذا النشاط يتحقق لدى الفاعل عندما يدفعه شخص آخر على ارتكاب الجريمة فإذا انتفى هذا النشاط لا يسأل الفاعل المعنوي عن الجريمة حتى ولو توافر لديه سوء القصد إذ لا يسأل شخص عن نيته مهما بلغت من الخطورة الإجرامية طالما لم يصدر عنه من الأفعال المادية ما يعبر عنها. وتطبيقاً لذلك إذا أهان احد الناس شخصاً آخر على مرأى من ابنه الصغير فأراد الذي وجهت إليه الإهانة الانتقام من الذي أهانه بحرق منزله ولكنه لم يعبر عن هذه الإرادة وفي الوقت نفسه ثارت لدى طفله الذي لم يبلغ 7 سنوات الرغبة في الانتقام لكرامة أبيه فتسلل الى شقة الرجل وأشعل النار فيها فلا يسأل والد الطفل جنائياً عما صدر من ابنه. أما نشاط الشريك فيتحقق بتقديم العون الى الفاعل الأصلي(19).
أما موقف الفقه... فنجد ان كثيراً من الفقهاء العراقيين قد اخذوا بنظرية الفاعل المعنوي(20)، على خلاف الفقهاء المصريين فهم لا يقرون نظرية الفاعل المعنوي متعللين في ذلك بسببين:
أولاً- ان المادة (39) عقوبات تستلزم قيام الفاعل بعمل مادي في سبيل تنفيذ الجريمة وعمل الفاعل المعنوي يجعله شريكاً بالتحريض وفق المادة (40/أولاً)(21).
ثانياً- ان المادة (42) صريحة في ان صفة الشريك لا تتغير إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لأحوال خاصة به(22). كما ان المشرع المصري لم يتكلم صراحة عن الفاعل المعنوي لكن مشروع قانون العقوبات المصري أضاف صورة ثالثة للفاعل الأصلي وهو صورة الفاعل المعنوي فقال (ويعد فاعلاً بالواسطة من يحمل على ارتكاب الجريمة منفذاً غير مسؤولٍ)(23). ومع ذلك فالفقه الراجح متفق على هذه المسألة (الأخذ بفكرة الفاعل المعنوي) ونجد أساسها القانوني في اعتبارات العدالة من ناحية ومباديء القانون الجنائي نفسه من ناحية أخرى(24). وقد اقر القضاء المصري نظرية الفاعل المعنوي فاعتبر من يضع السم في حلوى ويوصلها الى المجني عليه بواسطة شخص آخر سليم النية فاعلاً للقتل بالسم(25). وعرفت محكمة النقض السورية الفاعل المعنوي بأنه (الشخص الذي يرتكب الجريمة بواسطة شخص آخر غير أهل للمسؤولية الجزائية فيكون هذا أو ذاك في يده آلة مسخرة تدفعه الى اقتراف الفعل المكون للجريمة دون علم بماهية وطبيعة الآثار التي يمكن ان تترتب عليها)(26).
______________________
[1]- د.ماهر عبد شويش، مصدر سابق، ص45.
2- د.حسني الجندي، مصدر سابق، ص728. و د.احمد فتحي سرور، مصدر سابق، ص425.
3- د.هدى حامد قشقوش، مصدر سابق، ص45.
4- د.حسن محمد ربيع، مصدر سابق، ص347.
5- المادة (44/ثالثاً) من قانون العقوبات الإماراتي بقولها (يكون الشريك مباشراً في الجريمة إذا سخر غيره بأية وسيلة لتنفيذ الفعل المكون للجريمة وكان هذا الشخص غير مسؤول عنها جنائياً لأي سبب). والمادة (45) عقوبات جزائري بقولها (من يحمل شخصاً لا يخضع لعقوبة بسب وضعه أو صفته الشخصية جريمة معاقب بالعقوبة المقررة لها) والمادة (43) بحريني (يعد فاعلاً بالواسطة من يحمل على ارتكاب الجريمة منفذاً غير مسؤول).
6- ونصت المادة (25/1) عقوبات الألماني (يعاقب كفاعل من ارتكب الفعل الجرمي بنفسه أو عن طريق شخص آخر)، انظر في ذلك د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص155و156.
7- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص156.
8- انظر نص المادة (126/6) عقوبات فرنسي، 39 مصري، 99 ليبي، 211 سوري، 212 لبناني. ود.سامي النصراوي، مصدر سابق، ص262 وما بعدها. و د.علاء الدين راشد، مصدر سابق، ص103.
9- د.ضاري خليل محمود، البسيط في شرح قانون العقوبات- القسم العام- الطبعة الأولى، 2002، ص95. ود.احمد شوقي أبو خطوة، مصدر سابق، ص390. و د.محمود محمود مصطفى، مصدر سابق، ص74. ود.محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات (القسم العام)، دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية، 1986، ص395 وما بعدها. ود. مصطفى كامل ياسين، شرح قانون العقوبات(القسم العام)، مطبعة الأهالي ببغداد، 1939-1940، ص238. د.محمد زكي أبو عامر و عبد القادر القهوجي، مصدر سابق، ص273.
10- د.احمد شوقي عمر أبو خطوة، مصدر سابق، ص391. و محمد عيد غريب ، مصدر سابق، ص784.
11- د.سليمان عبد المنعم، النظرية العامة لقانون العقوبات، دار الجامعية الجديدة، الإسكندرية، 2000، ص645.
12- د.علي حسين الخلف ود.سلطان الشاوي، مصدر سابق، ص196. وفتوح الشاذلي، مصدر سابق، ص518. و د.احمد شوقي أبو خطوة، مصدر سابق، ص391. و محمد عيد غريب، مصدر سابق، ص785. و د.حسين بني عيسى وخلدون قندح و م.علي طوالبه، مصدر سابق، ص24.
13- محمد عيد غريب، مصدر سابق، ص784. و د.فوزية عبد الستار، مصدر سابق، ص342-351.
14- د.ماهر عبد شويش، مصدر سابق، ص 250 وما بعدها. و د.محمد صبحي نجم، قانون العقوبات (القسم العام)، مكتل دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 1996، ص327 وما بعدها.
15- د.حسني الجندي، مصدر سابق، ص731.
16- د.محمد زكي أبو عامر وعلي عبد القادر القهوجي، مصدر سابق، ص274. و د.جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص32 وما بعدها. و د.علي حسين الخلف، مصدر سابق، ص785.
17- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص156و د.محمود محمود مصطفى، مصدر سابق، ص74. ود.سليمان عبد المنعم، مصدر سابق، ص630.
18- د.حسن محمد ربيع، مصدر سابق، ص347.
19- د.حسني الجندي، مصدر سابق، ص733.
20- د.سامي النصراوي، مصدر سابق، ص264. ود.ضاري خليل محمود، مصدر سابق، ص95.
21- د.فتوح الشاذلي، مصدر سابق، ص518- 519.
22- د.جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص33.
23- د.احمد شوقي عمر أبو خطوة، مصدر سابق، ص391. و د.محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، مصدر سابق، ص378-379.
(24) د.جلال ثروت، نظم القسم العام في قانون العقوبات، مصدر سابق، ص336. ود.سليمان عبد المنعم، مصدر سابق، ص635. ود.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، المصدر السابق، ص404.
25- د.ماهر عبد شويش، مصدر سابق، ص251 وما بعدها. د.حسن محمد ربيع، مصدر سابق، ص348. و د.محمود نجيب حسني، المساهمة الجنائية في التشريعات العربية، مصدر سابق، الطبعة الثانية، سنة 1992، ص157.
26- د.عبود السراج، مصدر سابق، ص275.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|