أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-6-2022
1499
التاريخ: 29-3-2016
2707
التاريخ: 2024-09-29
344
التاريخ: 30-6-2019
2523
|
أول ما ينبغي إقراره عند الكلام في تاريخ القانون المصري القديم على وجه العموم وتاريخ الإجراءات الجنائية فيه على وجه الخصوص، هو ان ما وصلت اليه يد الكشف منها قاصرة عن ان تنقل إلينا صورة كاملة لتشريع المصريين في هذا العصر، فالأوضاع التي وصل اليها العلم القانوني عن هذه الفترة، هي أوضاع استنتاجية يعوزها الكثير من الماديات القاطعة، ومع هذا فيمكن الجزم بأنه كان سائداًُ في بداية عهد قدماء المصريين نظام الانتقام الشخصي جزاءً على ما يرتكبه الأفراد من جرائم، وبعدّه حقاّ مشروعاً للمجني عليه يلجأ إليه تعويضاً له عما أصابه من ضرر في جسمه أو ماله أو اعتباره، وفي هذه المرحلة يمكن القول ان مبدأ البراءة لم يكن معروفاً لدى المصريين(1). كما ان بعض الأبحاث الأثرية تؤكد بأن الدعوى الجنائية كانت تبدأ بالإخبار، فيتم على أساسه القبض على المتهم بعد التأكد من جدية البلاغ، وإحالته بعد ذلك للمحاكمة، حيث يتم استجوابه امام القضاء لنزع اعترافه ولو بالتعذيب أمام القاضي(2). والذي كان يعد بمثابة الخصم والحكم، أي لا يوجد فصل بين سلطة الاتهام وسلطة القضاء، ولا يسمح للمتهم بالدفاع عنه بوساطة محام، بعدّه مخادعاً يبعد الأذهان عن الحقيقة(3). ومع ذلك فقد كان القانون الفرعوني قانوناً قوامه الأخلاق، له سمة دينية زادت من احترام الناس له، والتزام الحكام بمقتضاه. وقد كانت المساواة من أظهر الوصايا الملكية إلى القضاة. وآية ذلك وصية "تحتمس الثالث" إلى قضاته حين قال ( افعل كل شيء بالمطابقة للقانون والحق، فإنه مما يغضب الآلهة أن تنحاز لأحد الأطراف، زن تصرفاتك تجاه الجميع بميزان المساواة، عامل من تعرفه كمن لا تعرفه، ومن هو قريب منك كمن هو بعيد عنك.....)(4). كما كان من وسائل التحقيق المعروفة في ذلك العهد سماع الشهود والمعاينة والخبرة واستجواب المتهم بعد تحليفه اليمين، والتوقيف الذي قد يمتد إلى حين إصدار الحكم في الدعوى، إلا أن المحاكمة كانت حضورية، إذ لم يكن من المسموح به، إجراء المحاكمة بغير حضور المتهم، فضلاً عن إن جلساتها كانت علنية، ويقوم بتحرير المحاضر كتبة يدخلون في تشكيل المحكمة، حيث تدون البيانات باختصار شديد، إذا كانت المحكمة غير عادية، اما إذا كانت المحكمة عادية، تكتب البيانات بالتفصيل، وتدون الإجراءات جميعها وأقوال الشهود والمتهمين، بل والعبارات التي ترد على ألسنة أعضاء المحكمة(5).إلا أن أبرز ما يعد من مظاهر قرينة البراءة في هذا الشأن، ما يراه البعض من الفقه الجنائي بأن قدماء المصريين، قد عرفوا النظام الاتهامي، إذ كان الاتهام متروكاً للأفراد العاديين – وإن كانوا قد عرفوا أيضا نظام المدعي العام الذي يباشر الاتهام امام القاضي كممثل لولي الامر – فقد ذكر المؤرخون ان قدماء المصريين كانوا يعاقبون من يتهم إنساناً ولا يثبت ما اتهمه به، بالعقاب نفسه الذي كان سيوقع على المتهم فيها لو ثبتت عليه التهمة، إذ كان على المدعى ان يقدم عريضة الاتهام، يوضح فيها الوقائع المسندة إلى المتهم وأدلته، وهذا دليل أكيد على ان الإثبات كان يقع على عاتق المدعي(6). وهو ما يعد من أبرز نتائج تطبيق قرينة البراءة في مجال الإثبات. فضلاً عن ذلك فقد كان يباح للمتهم الحق في الدفاع، من خلال المذكرات المكتوبة دون المرافعة الشفوية، لأنها – حسب اعتقادهم – تظلل العدالة إذا كان المتكلم حسن الصوت وبارع في طريقة إلقائه(7). جدير بالذكر، أن الوثائق التاريخية المصرية أثبتت وجود محكمة عليا للتعقيب على أحكام المحاكم الدنيا التي انتشرت بالقرى والمدن، مما يدل على ان قدماء المصريين عرفوا نظام الطعن بالأحكام، علاوة على ذلك فقد كان يتعين على القضاة تسبيب أحكامهم كي يتسنى للمحكمة العليا مراقبتها وتصحيحها إذا اقتضى الأمر(8).استناداً إلى ما تقدم يمكن القول أن الشرائع المصرية القديمة عرفت قرينة البراءة من خلال بعض نتائجها دون النتائج الأخرى، إذ تبنت النظام ألاتهامي بعدّه نظاماً مسيراً للإجراءات الجنائية، فقد كان عبء الإثبات يقع على عاتق المدعى، وكان حق الدفاع مكفولاً للمتهم.
__________________
1- انظر في ذلك:
- احمد سعيد محمد صوان، "قرينة البراءة وأهم نتائجها في المجال الجنائي دراسة مقارنة"، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة والقانون، جامعة الازهر، 1980، ص99.
2- كانت العدالة في مصر الفرعونية، موكولة لقضاة من الكهنة، وقد كان هؤلاء الكهنة يقومون باستفتاء الإله "آمون" في المسائل الجنائية. فكان يؤتى بالمتهم أمام تمثاله، ويسرد رئيس الكهنة الوقائع أمامه، ويسأله عما إذا كان المتهم مذنباً ام بريئاً، فيهز الإله رأسه بالنفي أو الايجاب أو يحرك يده، ويمسك بأحد كتابين مقدمين له، أولهما يمثل صحة الاتهام، وثانيهما يمثل الدفاع. فإذا أمسك الأول اعتبر المتهم مذنباً وإذا أمسك بالثاني اعتبر بريئاً، إلا أن هذه الإجراءات تعد من قبيل السحر والخداع، فقد كان احد الكهنة يختبيء خلف التمثال، ويأتي بهذه الحركات.
انظر في تفصيل ذلك: هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، م1، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون تاريخ، ص39.
3- انظر في ذلك:
عبدالرحيم صدقي، "القانون الجنائي عند الفراعنة"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986، ص88.
4- انظر: حاتم بكار، المرجع السابق، ص15.
5-انظر في ذلك:
- رؤوف عبيد، "القضاء الجنائي عند الفراعنة"، المجلة الجنائية القومية، ع3، القاهرة، 1958، ص79.
6- انظر في ذلك:
- احمد سعيد صوان، المرجع السابق، ص101.
7- سعد حماد القبائلي، "ضمانات حق المتهم في الدفاع امام القضاء الجنائي"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998، ص46.
8- انظر في ذلك: صوفي حسن ابو طالب، المرجع السابق، ص202.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|