أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-7-2019
1512
التاريخ: 1-7-2019
3073
التاريخ: 2-7-2019
1656
التاريخ: 15-3-2018
2859
|
استنادا إلى قرينة براءة المتهم، يتعين على الادعاء العام إثبات الركن المادي المكون للجريمة، وان يثبت جميع عناصره، سواء كانت هذه العناصر عامة أو خاصة. عليه نتناول "اثر البراءة في إثبات الركن المادي في فرعين:
الأول / إثبات الركن المادي في عناصره العامة
الثاني / إثبات الركن المادي في عناصره الخاصة.
الفرع الأول / إثبات الركن المادي في عناصره العامة
الركن المادي للجريمة هو مظهرها الخارجي المعبر عن الإرادة الآثمة، وهو يقوم في صورته الغالبة على الفعل الذي تنفذ به الجريمة، والنتيجة التي تمثل إعتداء على الحق الذي يحميه القانون، وعلاقة السببية بينهما(1). وللركن المادي أهمية كبيرة، إذ لا وجود للجريمة دون وجوده، لأنه لن يكون ثمة اعتداء على الحقوق أو المصالح التي يحميها القانون، وهو ضروري لحماية أمن الافراد وحرياتهم، إذ يكفل ألا تحاكمهم السلطات العامة إلا على ما يصدر عنهم من سلوك مادي محدد. أي ألا يحاكم الإنسان على ما يختلج صدره من أفكار أو نوايا، وإنما يلزم ان تتجسد هذه الأفكار في سلوك مادي له مظهر خارجي يعبر عنها، إذ لا يتصور معاقبة الإنسان على مجرد النوايا الكامنة في نفسه، ولم تخرج إلى حيز الوجود فتؤذي حقاً أو تسبب ضرراً للمصالح التي يحميها القانون(2). ولكن هل يجب القيام بهذا الإثبات، حتى ولو كان النشاط الإجرامي محل الإثبات سلبياً؟ إذ من المعروف ان السلوك الإجرامي كما قد يكون ايجابياً فإنه قد يكون سلبياً أيضا. فعلى سلطة الاتهام والمدعى المدني، إثبات هذا الركن أياً ما كانت طبيعة الجريمة، إذ يتعين على الادعاء العام إثبات الركن المادي للجريمة بعناصره جميعها، فعليه ان يثبت الفعل – أو الامتناع – والنتيجة الجرمية التي حدثت، كما عليه ان يثبت الارتباط السببي بين الفعل والنتيجة. والمدعى المدني عليه فوق ذلك اثبات وجود الضرر. ويبدو ان القانون الجنائي يختلف في هذا الصدد عن القانون المدني، حيث ان عبء الإثبات في المواد الجنائية يكون اكثر دقة، لأنه لا يكفي مجرد اثبات ارتكاب فعل ضار، بل يجب اثبات كل العناصر التي تدخل في التعريف القانوني للجريمة التي ارتكبت (3). فالنشاط الايجابي هو حركة عضوية ارادية، تصدر عن الفاعل، لذلك على الادعاء العام اثبات قيامه بهذه الحركة، فعليه مثلاً اثبات بأن المتهم هو من قام بالضغط على زناد المسدس لاطلاق الرصاصة على المجني عليه، أو هو من قام بدس السم في طعام المجنى عليه في جريمة القتل، وفي جريمة السرقة يجب اثبات ان المتهم قام بالاستيلاء على الشيء المسروق استيلاء تاماً، يخرجه من حيازة صاحبه، ويجعله في قبضة السارق وتحت تصرفه(4). وفي ذلك قررت محكمة التمييز العراقية انه يكفي للاثبات ان تتأيد إفادة المشتكي بشاهدين، أحدهما شاهد المتهم يهرب من محل الحادث وبيده مسدس، والآخر سمع من المجني عليه وهو في محل الحادث ان المتهم المذكور اطلق الرصاص عليه(5).وفي قرار آخر أكدت ان مجرد طبعة أصابع المتهم على زجاج الشباك المكسور لا يكفي لاثبات السرقة، مادام شهود الدفاع أيدوا بأنه لمس الزجاج مندهشاً ومتسائلاً عن كيفية إمكان الدخول منه(6). كذلك الإثبات واجب على الادعاء العام وان كان النشاط الإجرامي محل الإثبات سلبياً. فمثلاً على الاتهام اثبات إهمال المتهم في جريمة قتل خطأ أو أذى غير عمدي(7). أو اثبات الامتناع بغير عذر عن إغاثة ملهوف في كارثة أو مجني عليه في جريمة، أو امتناع المكلف قانوناً أو اتفاقاً برعاية شخص عاجز، عن رعايته(8). إلا أن بعض الفقهاء يرى ان الادعاء لا يمكنه اثبات الوقائع السلبية البحتة، بسبب صعوبة هذا الإثبات، بل يعده البعض من الفقه الجنائي بانه ضرب من المستحيل، ومن ثم – يجب على المتهم – في رأيهم – أن يثبت وجود وقائع ايجابية تنفي هذا النشاط السلبي محل الاتهام(9). فمثلاً يجب على المتهم في جريمة التسول – لنفي الجريمة عنه – اثبات عدم وجود مورد مشروع يتعيش منه، وبأنه لا يستطيع العمل للحصول على هذا المورد(10) . بيد ان هذا الرأي لا يمكن إقراره ومنتقد من غالبية الفقهاء، لأنه مناف لقرينة البراءة، إذ على الاتهام إثبات أي عنصر يتوقف على تخلفه عدم قيام الجريمة، كما ان اثبات الواقعة السلبية ليس مستحيلاً، لأنه يتوقف على اثبات الواقعة الايجابية المضادة، كإثبات حالة البطالة مع القدرة على العمل في مثال التسول(11). ويؤيد ذلك الفقيه ( جارو ) بقوله ان مسألة الإيجاب والسلب في النشاط الإجرامي هي مسألة تتعلق بالشكل، أكثر من تعلقها بالموضوع، وانه يكفي في حالة الجرائم السلبية اثبات الوقائع الايجابية المضادة للوقائع السلبية، وان تكليف الاتهام بعبء الإثبات لا يحد من تطبيقه سلبية النشاط الإجرامي، بل هو ينطبق على الجرائم الايجابية والسلبية على السواء(12). ومن جهة أخرى ومما يتنافى مع اعتبارات العدالة ان تكون صعوبة اثبات الواقعة السلبية، مدعاة لنقل عبء الإثبات من على عاتق الاتهام إلى كاهل المتهم، في حين ان الأولى تملك وسائل بحث فعالة ومتنوعة، والطرف الآخر لا يملك من تلك الوسائل شيئاً فإذا كان الاتهام يعجز عن الإثبات في مثل تلك الوقائع، فهل يكون ذلك للمتهم؟ ومن ثم تكون النتيجة المترتبة على ذلك ان الحقيقة لم تعد هي هدف الدعوى الجنائية، وانما تسهيل مهمة الاتهام والقضاء بغض النظر عما يترتب على ذلك من تعسف في استعمال الحق، وإجحاف لحق المتهم في قرينة البراءة. فضلاً عن ذلك، فإن التزام الادعاء العام في الإثبات لا يعود إلى اعتبارات الملائمة وإلا لكان مقبولاً، وانما قد تبين الآن أن هذا الالتزام يعود في الأساس إلى البراءة الأصلية التي يتمتع بها المتهم بعدّه انساناً. ومن ثم فهو التزام قانوني يجب الوفاء به في الحالات جميعها، دون النظر إلى كون السلوك أو التصرف الإجرامي المراد اثباته له طبيعة ايجابية ام سلبية(13). لكل ما سبق نؤيد ما ذهب اليه بعض الفقه من ضرورة اثبات سلطة الادعاء للسلوك الإجرامي للمتهم، بغض النظر عن طبيعته سواء كان سلبياً ام ايجابياً، ما دام أنه يدخل في البيان القانوني للجريمة، ما لم يكن ثمة نص قانوني يقضي بخلاف ذلك، فلا يجوز في أي حال من الأحوال، الخروج على قاعدة حمل الاتهام عبء الإثبات – تطبيقاً لقرينة البراءة – بغير نص قانوني يقرر ذلك صراحة، ولا يوجد مثل ذلك النص الذي يعفي الادعاء العام من عبء الإثبات، كلما كانت الواقعة المطلوب اثباتها ذات طبيعة سلبية(14). كما يلتزم الادعاء العام باثبات الفعل أو التصرف الإجرامي للمتهم، فإنه يتعين عليه، اثبات النتيجة الجرمية التي تحققت نتيجة لهذا السلوك على النحو الوارد بنص التجريم، "والنتيجة الجرمية هي كل تغيير يحدث في العالم الخارجي كأثر للسلوك الإجرامي، فيحقق عدواناً ينال مصلحة أو حقاً قدر المشرع جدارته بالحماية الجنائية. ولهذه النتيجة مدلولين أحدهما مادي، يتمثل بالتغيير الناتج عن السلوك الإجرامي في العالم الخارجي، والآخر قانوني يتمثل في العدوان الذي ينال مصلحة أو حقاً يحميه القانون"(15). ففي جريمة القتل تكون النتيجة الضارة ( الإجرامية ) هي الوفاة، واساس التجريم هو الاعتداء على حق الإنسان في الحياة، وفي جريمة السرقة تكون النتيجة الإجرامية انتقال المال إلى حيازة الجاني، واساس التجريم هو الاعتداء على حق الإنسان في الحيازة الكاملة ( التملك ). ومن ثم على الادعاء العام اثبات تلك النتيجة الإجرامية، ففي جريمة القتل، يجب عليه اثبات وفاة المجني عليه، وهو في الغالب أمراً ليس بالعسير، إنما تدق المسألة في حالة ما إذا أتهم شخص بارتكابه جريمة قتل، ولكن جثة القتيل لم يعثر عليها – كأن يكون الجاني قد دفنها أو أحرقها أو أغرقها في النهر – ففي هذه الحالة عدم وجود الجثة يشير إلى عدم قيام النتيجة في جريمة القتل، الا ان ذلك لا يمنع من محاسبة الفاعل إذا كانت الدلائل المتوفرة تشير صراحة إلى ان المتهم قد ارتكب الجريمة. اما إذا استندت المحكمة في ذلك إلى تهديد المتهم للمجني عليه قبل اختفاء القتيل أو اجتماعه معه آخر مرة أو تشاجره معه، فتكون قد أخطأت إذا حكمت بالإدانة، لأنها قرائن لا ترتفع إلى عدها أدلة كافية لنسب التهمة إلى المتهم، كما ان المتهم غير ملزم – تمسكاً بافتراض براءته – بإثبات ان المجني عليه على قيد الحياة، أو ان اختفاءه لسبب غير القتل، فهذه مهمة الادعاء العام(16). وهكذا الشأن في باقي الجرائم، حيث يجب على سلطة الاتهام إثبات النتيجة الجرمية التي طرأت على العالم الخارجي، أثراً للسلوك الإجرامي الذي اقترفه الفاعل، هذا عن الإثبات في الجرائم المادية. إذ من المعلوم ان الجرائم تقسم من حيث نتائجها إلى جرائم ذات ضرر مادي، ويطلق عليها الجرائم المادية – حيث يكون للفعل الإجرامي ضرر مادي له مظهر خارجي ملموس – وجرائم ذات ضرر معنوي وجرائم ذات خطر ويطلق عليهما اصطلاحاً، الجرائم الشكلية – حيث يكون للفعل الإجرامي ضرر معنوي، أو احتمال لوقوع ضرر، ليس له مظهر مادي ملموس-(17). ومثل تلك الجرائم يتحقق الركن المادي لها بمجرد وقوع السلوك الإجرامي، إذ ان النتيجة تعد متحققة تلقائياً مع تحقق الفعل الإجرامي، وعلى ذلك لا يقع على الادعاء العام في الجرائم الشكلية سوى اثبات وقوع الفعل الجرمي للقول بثبوت الركن المادي لها. إلا أن اثبات الركن المادي للجريمة لا يتحقق باثبات السلوك الذي أتاه المتهم، والنتيجة الإجرامية التي حصلت، بل على الادعاء العام اثبات ارتباط هذا السلوك بتلك النتيجة ارتباطاً يدل على قيام العلاقة السببية بينهما. أي على الادعاء العام اثبات ان النتيجة الإجرامية التي تحققت هي الأثر المترتب على سلوك الجاني، ومعيار علاقة السببية ان يثبت انه لولا الفعل ما حدثت النتيجة(18). ففي الأمثلة السابقة يجب على الادعاء العام ان يثبت ان سلوك الجاني هو الذي أدى إلى الوفاة في جريمة القتل. أو ان سلوكه هو الذي أدى إلى إصابة المجني عليه في جريمة الإيذاء، فإذا لم يثبت ارتكاب المتهم أي فعل أدى إلى إصابة المشتكي بالإصابة التي حدثت له، يجب القضاء ببراءة المتهم لعدم ثبوت علاقة السببية بين فعله والنتيجة التي حصلت(19). وفي ذلك أشارت محكمة التمييز العراقية، بأنه إذا كانت التقارير الطبية قد أثبتت حصول الإصابة، فإنها لا تدل على ان المتهم هو الفاعل، مما لا يشير إلى قيام علاقة السببية بين فعله والنتيجة(20). نخلص مما سبق إلى انه، يتعين على سلطة الاتهام إثبات الركن المادي بعناصره الثلاثة من فعل أو امتناع، ونتيجة ضارة، وعلاقة السببية بينهما، غير ان الركن المادي للجريمة قد يتخذ صوراً خاصة، بأن تتحقق بعض عناصره دون البعض الآخر، أو قد يرتكب السلوك الإجرامي عدة أشخاص لا شخص واحد.
الفرع الثاني / إثبات الركن المادي في عناصره الخاصة
ان الصورة البسيطة للركن المادي تتمثل في اكتمال عناصره الثلاثة – من فعل ونتيجة وعلاقة السببية – بيد ان الجريمة يمكن ان تقوم على الرغم من تخلف احد هذه العناصر – وهو ما يمثل الشروع في الجريمة – أو ارتكاب السلوك غير المشروع من قبل عدة اشخاص – وهو ما يمثل حالة المساهمة الجنائية، كما قد يشترط القانون عنصراً مفترضاً لقيام الجريمة يعرف "بالشرط المفترض" كما قد تلحق الجريمة ظرفاً مادياً يشدد من عقوبتها، فمن يتحمل إثبات تلك العناصر المادية في الجريمة. ذلك ما نبحثه في الآتي:
أولا / إثبات الشروع في الجريمة
الشروع في الجريمة هو البدء بتنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة، إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها(21). فالشروع جريمة ناقصة وموضع النقص فيها، تخلف النتيجة الجرمية لفعل الجاني(22). ومع ذلك الشروع في الجريمة وان كان أصله القانوني جريمة ناقصة، إلا انه في مآله وفي ذاته جريمة تامة في اركانها وعناصرها وعقوبتها، يطلق عليها "جريمة الشروع"(23). فإذا كان الاتهام بجريمة مشروع فيها، فإنه يجب على سلطة الاتهام، إثبات البدء في التنفيذ، والذي يتميز به الشروع عن المراحل السابقة للاعداد للجريمة، كما عليها اثبات بقية أركان الشروع، وهي عدم إتمام الجريمة لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، والقصد الجنائي(24). الا ان إثبات البدء في تنفيذ جريمة ما، يختلف باختلاف زاوية النظر اليه، بين معيار موضوعي، ومعيار شخصي، وفي ذلك شرح لا يلزم البحث، انما يتجه القضاء في كل من مصر والعراق إلى اتخاذ المعيار الشخصي لإثبات البدء في التنفيذ(25). ففي جريمة السرقة مثلاً، يجب على الادعاء العام أن يثبت ان المتهم قد القي القبض عليه داخل الدار وان كان لم يقدم على السرقة، فهذا يعد بدءاً في تنفيذها(26). كما يعد بدءً في تنفيذ جريمة السرقة إذا قبض المشتكي على المتهم داخل الدار، فحال بينه وبين إتمام الجريمة(27). كما يتعين على الادعاء العام ان يثبت بأن المتهم قد تخطى سور المنزل للقول بأن فعله يعتبر بدءاً في تنفيذ جريمة السرقة التي قصدها(28). كما على الادعاء العام إثبات ان عدم إتمام الجريمة، كان لأسباب لا دخل لإرادة المتهم فيها، لذلك لا يعد المتهم شارعاً في الجريمة إذا عدل عنها من تلقاء نفسه، دون ان يحول بينها وبينه حائل(29). كما لو صوب شخص مسدسه نحو آخر لإطلاق الرصاص عليه بقصد قتله، ثم يشفق عليه فيمتنع عن الضغط على الزناد. بل ان قيام المتهم بشهر السلاح أو إطلاق كلمات التهديد على من كان في حانوت المشتكي مهدداً بالقتل، مما حدا بابن عم المشتكي ان يمسك يد المتهم، فانطلقت اطلاقة أصابته بخدش بسيط في يده، لا يعد شروعاً بالقتل(30).
ثانيا / إثبات المساهمة في الجريمة
تعني المساهمة في الجريمة أو المساهمة الجنائية، تعدد الجناة في جريمة واحدة، فهي تتكون من عنصرين هما: تعدد الجناة، ووحدة الجريمة(31)، والمساهمة صورة من صور ارتكاب السلوك الإجرامي تحصل عندما يتعاون اكثر من شخص في ارتكاب جريمة واحدة، بحيث يمكن ان تنسب الجريمة لارادتهم جميعاً، دون ان يكون هذا التعدد مما يستلزمه نموذج الجريمة(32). ويتحدد نوع المساهمة في ضوء اهمية الدور الذي يقوم به المساهم في المشروع الإجرامي، فإذا كان العمل الذي قام به داخلاً في نطاق الأعمال التنفيذية للجريمة عدَّ "فاعلاً للجريمة"، ويطلق على حالة تعدد الفاعلين المساهمة الأصلية، اما إذا كان العمل الذي قام به المساهم خارجاً عن نطاق الاعمال التنفيذية للجريمة، عدَّ شريكاً فيها إذ يتخذ فعله احدى صور ثلاث حصر فيها المشرع حالات الاشتراك في الجريمة، وهي ( التحريض، الاتفاق، والمساعدة )(33). ويطلق على حالة الاشتراك في الجريمة المساهمة التبعية(34).إذ على سلطة الاتهام ان تثبت الواقعة الرئيسة المكونة للجريمة، والقصد الجنائي، وأحد أفعال الاشتراك المنصوص عليها بواسطة القانون(35). فإذا كانت المساهمة اصلية، فإنه يجب على الادعاء العام ان يثبت ان السلوك الإجرامي قد اقترفه عدة اشخاص فاعلين للجريمة. وفي حالة المساهمة التبعية يجب ان يثبت الادعاء الواقعة الأساسية للركن المادي للجريمة، وصورة أو صور الاشتراك فيها، أي ان ينطبق على سلوك المساهمين مع الفاعل صورة الاتفاق أو المساعدة أو التحريض(36). بعبارة أخرى في صدد المساهمة في الجريمة يجب على الادعاء العام للقول بوجود المساهمة في الجريمة بين المتهمين ان تثبت اولاً وحدة الجريمة بشقيها المادي والمعنوي، وان تثبت ثانياً قيام حالة تعدد الجناة في ارتكاب هذه الجريمة، ولا يكون ذلك الإثبات صحيحاً إلا بإثبات وحدة النتيجة الإجرامية، وارتباطها برابطة السببية بكل فعل من أفعال المساهمين - وهو ما يمثل الوحدة المادية للجريمة – وكذلك باثبات الاتفاق المسبق بين المساهمين – وهو ما يمثل الوحدة المعنوية – ثم اثبات حالة التعدد. لذلك قضي بأنه إذا وقع الحادث بصورة آنية فلا يستدل بمواد الاشتراك الواردة في قانون العقوبات، إذ يكون كل فاعل مسؤولاً عن الجريمة أو الجرائم التي ارتكبها(37). أي تنتفي المساهمة الجنائية بين المتهمين لانتفاء الوحدة المعنوية. كما لو قدم شخص لآخر سلاحاً، ليستعمله في قتل المجني عليه، ولكن الجاني لم يستعمله وانما قتله بالسم، ففي هذه الحالة تنتفي الرابطة السببية بين فعل المساعدة وبين الوفاة، فلا يسأل غير من وضع السم، وتنتفي المساهمة الجنائية بينهما لانتفاء الوحدة المادية(38). يتضح مما سبق ان مؤدى قاعدة حمل الاتهام عبء الإثبات – نتيجة تمتع المتهم بقرينة البراءة – هو قيام الادعاء العام باثبات توافر الركن المادي للجريمة بعناصره جميعاً، وكذلك اثبات صوره الخاصة سواء ما يتعلق منها باثبات الشروع في الجريمة واركانها، أو باثبات المساهمة في الجريمة بأركانها.
ثالثا / إثبات الشروط المفترضة
تتحمل سلطة الاتهام أيضا، إثبات الشروط المفترضة، إذ بجانب إثبات الاركان العامة والخاصة المكونة للجريمة والتي لا تقوم الجريمة بدونها، فإن القانون قد يشترط في بعض الجرائم إثبات توافر عنصر إضافي. يعرف "بالشرط المفترض ويعرفه البعض بأنه العنصر الذي يفترض قيامه وقت مباشرة الفاعل لنشاطه وبدونه لا يكون الفعل معاقباً عليه(39). إذ يختلف الشرط المفترض عن الركن كونه يسبق وقوع الجريمة، وبأنه أمر مشروع، فضلاً عن إن الركن يثبت بكل طرق الإثبات، بينما الشرط يثبت بوسائل الإثبات المقررة في القانون الذي ينتمي اليه الشرط(40). وقد يكون هذا الشرط علاقة قانونية، ففي جريمة خيانة الأمانة، يعدُّ عقد الأمانة "شرطاً مفترضاً"، ويتم إثبات وجود هذا العقد على وفق قواعد الإثبات المدنية(41). وفي جريمتي "الزنى" و "تعدد الزواج(42). يعد عقد الزواج شرطاً مفترضاً، ويتم إثبات وجود هذا العقد على وفق قانون الأحوال الشخصية(43). كما قد يكون هذا الشرط صفة معينة، ففي جريمتي القتل العمد أو القتل الخطأ تعد صفة كون المجني عليه حياً وقت الجريمة شرطاً مفترضاً، ويتم إثبات ذلك من خلال الطب الشرعي، وفي جريمتي الرشوة والاختلاس تعد صفة الموظف العام بالنسبة للفاعل شرطاً مفترضاً، ويكون إثبات ذلك على وفق القانون الإداري(44).
رابعا / إثبات الظروف المادية المشددة
علاوة على الاركان العامة والخاصة والشرط المفترض، قد تلحق بعض الجرائم أحياناً عناصر يترتب عليها تغيير الوصف القانوني لها أو تغيير في العقوبة المقررة لها سواء بالتشديد أو التخفيف، تعرف بظروف الجريمة(45)، وتتنوع هذه الظروف تبعاً لمعيار التمييز بينها(46)، فمن يتحمل عبء إثباتها؟. ليس ثمة شك في أن سلطة الاتهام هي التي تتحمل هذا العبء، فيما يتعلق بالظروف المادية المشددة – وهي الظروف التي تلحق بعناصر الركن المادي للجريمة والتي تتصل بالفعل أو بوسيلة ارتكابه أو بزمانه أو مكانه – تبعاً لما تقضي به قرينة البراءة(47). إذ يقع على الادعاء العام عبء إثبات توافر هذه الظروف في صورتها التي نص عليها القانون في الحالات التي ترتكب فيها الجريمة مقترنة بأحد هذه الظروف. ففي جريمة القتل باستعمال مادة سامة – مثلاً – ينبغي على الادعاء العام فضلاً عن إثبات فعل القتل إثبات بأنه كان نتيجة استخدام مادة سامة(48). وفي جريمة السرقة المقترنة بظرف الليل أو بحمل السلاح، على الاتهام إثبات أن فعل الاختلاس وقع في الفترة ما بين غروب الشمس وشروقها، أو كان مقترناً بحمل السلاح(49).
_________________
1- فوزية عبدالستار، "شرح قانون العقوبات – القسم العام "، دار النهضة العربية، القاهرة، 1987، ص242.
2- انظر في هذا المعنى: محمود نجيب حسني، "شرح قانون العقوبات – القسم العام"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989، ص271.
3- هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، م2، المرجع السابق، ص749.
4- انظر في ذلك: اكرم نشأت ابراهيم، "القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن"، المرجع السابق، ص169.
5- قرار محكمة التمييز رقم 3030/ جنايات/ 72 في 29/5/73، النشرة القضائية، ع2، س4، ص363.
6- قرار محكمة التمييز رقم 3088/ جنايات/ 73 في 23/3/74، النشرة القضائية، ع1، س5، ص362.
7- انظر:
Celia Hampton, Criminal Procedure and Evidence, Sweet and Maxwell, London, 1973, P.433.
وانظر المواد 411، 416 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
8- انظر المواد 370، 371 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
9- انظر رأي الفقيه ( جارسون ): ابراهيم عطوف كبة، "عبء الإثبات في المواد الجنائية"، مجلة الحقوق، س1، ع1، كلية الحقوق، جامعة بغداد، 1941، ص47، 48.
10- انظر المادة (390) من قانون العقوبات العراقي.
11- انظر : محمد محي الدين عوض، "الإثبات بين الازدواج والوحدة"، المرجع السابق، ص39.
12- انظر : ابراهيم عطوف كبة، "عبء الإثبات في المواد الجنائية"، المرجع السابق، ص48.
13- انظر في هذا المعنى:
Essaid, op. cit., No.169, P. 116.
المشار اليه لدى: السيد محمد حسن شريف، المرجع السابق، ص536-537.
14- انظر في هذا المعنى:
- ابو العلا علي ابو العلا التمر، "الجديد في الإثبات الجنائي"، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001، ص249.
- محمد زكي ابو عامر، "الإثبات في المواد الجنائية"، الفنية للطباعة والنشر، القاهرة، 1985، ص69.
15- علي حسين الخلف، سلطان الشاوي، "المبادئ العامة في قانون العقوبات"، المرجع السابق، ص140.
16- انظر : سليم حربة، "القتل العمد وأوصافه المختلفة"، ط1، مطبعة بابل، بغداد، 1988، ص33-34.
17- أنظر في ذلك:
- أكرم نشأت ابراهيم، "القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن"، المرجع السابق، ص171.
- محمود نجيب حسني، "جرائم الامتناع والمسئولية الجنائية عن الامتناع"، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة، 1984، ص60.
مشار اليه لدى:
- محمد معروف عبدالله، " جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة الضرورية"، المجلة العربية للفقه والقضاء، ع12، اكتوبر، 1992، تصدرها الامانة العامة لجامعة الدول العربية، القاهرة، ص110.
18- محمود نجيب حسني، "شرح قانون العقوبات"، المرجع السابق، ص286.
علي حسين الخلف، سلطان الشاوي، المرجع السابق، ص141.
19- قرار محكمة استئناف بغداد بصفتها التميزية رقم 783/ جزاء/ 2002 في 8/9/2002، غير منشور.
20- قرار رقم 2022/جنايات/ 73 في 4/2/1974، النشرة القضائية، ع1، س5، ص364.
كما قضى بأنه ( إذا ثبت ان الطلقة التي اصابت المجني عليه، لم ترم من قبل المتهم، فيجب الحكم ببراءته ).
قرار محكمة التمييز/ رقم 2011/ جنايات/ 1971، في 7/10/1971، النشرة القضائية، ع4، س2، ص192.
كما قضت بأنه لا توجد رابطة سببية بين نوم حارس المدرسة ليلاًُ، وبين الحريق الذي شب في المدرسة اثناء ذلك.
قرار محكمة التمييز رقم 2114/ جزاء اولى، تمييزية/ 81 في 3/12/1981، مجموعة الاحكام العدلية، ع4، س12، ص118.
21- انظر م ( 30 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
22- محمود نجيب حسني، "شرح قانون العقوبات"، المرجع السابق، ص345.
23- انظر في تفصيل ذلك: ضاري خليل محمود، "الشروع في الجريمة في ضوء قرارات محكمة التمييز – دراسة مقارنة"، محاضرات مطبوعة غير منشورة، القيت لطلبة الدكتوراه في كلية القانون/ جامعة بغداد، للعام الدراسي 1999-2000، ص8.
24- انظر في هذا المعنى: محمد عيد الغريب، " حرية القاضي الجنائي في الاقتناع اليقيني واثره في تسبيب الاحكام الجنائية"، النسر الذهبي للطباعة، القاهرة، 1997، ص26.
25- انظر في تفصيل ذلك:
- ضاري خليل محمود، "الشروع في الجريمة"، المرجع السابق، ص18 وما بعدها.
- فوزية عبدالستار، "شرح قانون العقوبات"، المرجع السابق، ص290 وما بعدها.
26- انظر قرا محكمة التمييز العراقية/ رقم 8238/ جنايات/ 1971 في 16/12/1971، النشرة القضائية، ع4، س2، ص445.
27- انظر قرار محكمة التمييز العراقية/ رقم 3696/ جنايات/ 73 في 14/4/75، مجموعة الاحكام العدلية، ع2، س2، ص263.
28- محكمة النقض المصرية في 4/10/1966، س17، رقم168، ص911.
29- قرار محكمة التمييز العراقية/ رقم 527/ تمييزية/ 77 في 24/12/1977، مجموعة الاحكام العدلية، ع3-4، س8، ص254.
30- قرار محكمة التمييز العراقية/ رقم 1885/ جنايات/ 84 في 28/5/ 1985. مشار اليه لدى:
- ابراهيم المشاهدي، "المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز – القسم الجنائي"، مطبعة الجاحظ، بغداد، 1990، ص193.
31- اكرم نشأت ابراهيم، " القواعد العامة في قانون العقوبات"، المرجع السابق، ص199.
32- رمسيس بهنام، "النظرية العامة في القانون الجنائي"، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1965، ص640.
33- انظر مواد المساهمة في الجريمة في قانون العقوبات العراقي، رقم 47، 48، 49.
34- انظر في هذا المعنى:
- فوزية عبدالستار، "شرح قانون العقوبات – القسم العام"، المرجع السابق، ص328.
35- هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، م2، المرجع السابق، ص754.
36- السيد محمد حسن شريف، المرجع السابق، ص544 – 545.
37- قرار محكمة التمييز العراقية/ رقم 1729/ جزاء اولى – تمييزية/ 1981 في 22/ 9/ 1981، مجموعة الاحكام العدلية، ع3، س12، ص80.
- وكذلك القرار رقم 120/ هيئة عامة ثانية/ 72 في 23/9/1972، النشرة القضائية، ع3، س3، ص224.
38- فوزية عبدالستار، "شرح قانون العقوبات – القسم العام"، المرجع السابق، ص338.
39- انظر في هذا المعنى: محمود محمود مصطفى، "قانون العقوبات – القسم العام"، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة، 1983، ص39.
40- محمود محمود مصطفى، "الإثبات في المواد الجنائية"، ج1، المرجع السابق، ص74.
41- ينبغي على الادعاء العام – لإثبات الركن المادي لجريمة "خيانة الأمانة" م ( 453) ق. ع- إثبات الاستعمال أو التصرف في المال المنقول المملوك للغير وبأن تسليم هذا المال للمتهم قد تم بناء على عقد من عقود الأمانة وهي على وفق القانون المدني العراقي: ( عارية الاستعمال م (847)، الوكالة م (927)، الرهن الحيازي م (1321)، الاجارة م (722)، الوديعة م (951).
42- انظر نص م (377) ق.ع.ع، والمادة 3/6 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959.
43- وقد قضت في ذلك محكمة النقض المصرية بأن مسائل الأحوال الشخصية ومن أخصها مسائل الزواج والطلاق، تظل متروكة للهيئات الدينية، فالحكم الصادر من المحكمة الدينية لطائفة الروم الارثوذكس ببطلان زواج المتهمة بالزنى من زوجها يكون صحيحاً، ويكون الحكم المطعون فيه سليماً فيما انتهى اليه من عدم تحقيق الشرط المفترض لقبول دعوى الزنى، وعدم تحقق أركان الجريمة لانعدام الزواج وقت وقوع الفعل. طعن رقم 1007 سنة 6 في 3/2/1953، مشار اليه لدى: محمد شتا ابو سعد، "البراءة في الاحكام الجنائية"، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1997، ص111.
44- انظر نصوص المواد ( 405 إلى 411 )، ( 307 ، 315 ) من ق. ع. ع.
انظر في هذا المعنى: عبدالحكم فودة، "البراءة وعدم العقاب في الدعوى الجنائية"، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000، ص199-200.
45- فوزية عبدالستار، "شرح قانون العقوبات – القسم العام"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1987، ص26.
جدير بالذكر أن القانون العراقي يعرف الظرف القانوني المخفف بتعبير "عذر مخفف". أنظر نص المادة (128) ق.ع، وسوف نتناولها في مبحث إثبات طرق الدفاع، انسجاماً مع خطة البحث.
46- ظروف الجريمة تنقسم من حيث نطاق تطبيقها إلى ظروف عامة تسري على جميع الجرائم أو معظمها (كالعود) وظروف خاصة، لا تسري إلا على فئة معينة منها ( كأستعمال السم في القتل ). وتنقسم من حيث تأثيرها في العقوبة إلى ظروف مشددة (كسبق الاصرار) وظروف مخففة أو أعذار (كصغر السن). وتنقسم من حيث طبيعتها إلى ظروف مادية أو موضوعية وظروف معنوية أو شخصية. وتنقسم من حيث مصدرها إلى ظروف قانونية يحددها المشرع وظروف قضائية يستخلصها القاضي. أنظر في تفصيل ذلك:
- سيد البغال، "الظروف المشددة والمخففة في قانون العقوبات"، دار الفكر العربي، القاهرة، 1982، ص10-12
- أكرم نشأت ابراهيم، "القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن"، المرجع السابق، ص345-375.
- ضاري خليل محمود، "الوجيز في شرح قانون العقوبات – القسم العام"، دار القادسية، بغداد، 1982، ص109-113.
- فوزية عبدالستار، المرجع السابق، ص26-29.
47- محمد زكي ابو عامر، "الإثبات في المواد الجنائية"، المرجع السابق، ص70.
48- انظر في هذا المعنى: سليم حربة، "القتل العمد وأوصافه المختلفة"، المرجع السابق، ص223.
49- انظر نص المادة (440) من قانون العقوبات العراقي.
انظر في هذا المعنى:
- قرار محكمة التمييز رقم 17/جنايات/ 76 في 28/1/1976 – مجموعة الاحكام العدلية، ع1، س7، ص296.
- وقرار محكمة التمييز رقم1084/جنايات ثانية/76 في 18/6/1976، مجموعة الاحكام العدلية،ع3، س7، ص382
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|