أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-7-2019
2592
التاريخ: 17-4-2017
3383
التاريخ: 30-6-2019
2041
التاريخ: 23-3-2016
29222
|
تعد حيدة القضاء من الضمانات والنتائج الهامة لأعمال قرينة البراءة في الإجراءات الجنائية، باعتبار أن الأصل في القضاء الجنائي هو الفصل بين وظائفه، للحيلولة دون التحيز ضد – أو مع – المتهم، وقد قيل في هذا المعنى انه في المسألة الجنائية، إذا توقف كل شيء على شخص واحد يملك وحده الحق في الاتهام وجمع الأدلة وتقديرها والفصل فيما ينسب إلى المتهم، فإنه من الواضح إن هذا الشخص يملك الإضرار بالمتهم أو الحكم لصالحه متى شاء ذلك، ومن هنا فإن مبدأ الفصل بين وظائف القضاء الجنائي هو ضمان لحياد القضاء الجنائي، حتى اعتبر البعض إن الفصل بين وظائف القضاء الجنائي، أشبه بالفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية(1).ولاشك أن تطبيق قرينة البراءة ونتائجها العملية أثناء التحقيق الجنائي يفرض ضرورة الفصل بين سلطتي التحقيق والاتهام، حيث تبدو أهمية تلك الضرورة من عدة جوانب، نبين أبرزها في التالي:-
أولا / يوجد بين سلطتي الاتهام والتحقيق، اختلاف أساسي، سواء من حيث الدور أو التكييف القانوني، فدور الاتهام، هو تحريك الدعوى الجنائية، ثم تجميع الأدلة التي تساند الاتهام، وتدعيمها لدى القضاء، حيث يمثل الاتهام دور الادعاء في الدعوى الجنائي، ومن ثم فهو بالضرورة طرفاً يواجه المتهم، ويقف منه موقف الخصومة أو على الأقل موقف من يسعى في غير مصلحته. أما التحقيق الابتدائي هو التنقيب عن جميع أدلة الدعوى، سواء ما كان منها ضد مصلحة المتهم أو ما كان في مصلحته، ثم الترجيح بينها – في حيدة تامة، وبغير رأي مسبق فيه انحياز ضد المتهم – واتخاذ قرار بمدى كفاية الأدلة لإحالة المتهم إلى المحاكمة. أي أن سلطة التحقيق لا تقف موقف الخصومة من المتهم. بل تسعى إلى اكتشاف الحقيقة، سواء أكانت ضد المتهم أم لمصلحته، فهي تمثل على هذا النحو "حكماً محايداً" بين الاتهام والمتهم(2).
ثانيا / نظراً لما تتسم به إجراءات التحقيق الابتدائي من صفات القسر والحد من حرية الأفراد، وما يترتب على تلك الإجراءات من نتائج بالغة الأهمية حول ثبوت الاتهام من عدمه، فإن أعمال قرينة البراءة تتطلب أن تتمتع الجهة القائمة بالتحقيق بالحيدة المطلقة. وهذه الصفة بالتحديد هي التي تفرضها بعض تلك الإجراءات(3). بينما الجمع بين السلطتين – التحقيق والاتهام – في يد جهة واحدة، يفضي إلى أن تكون تلك الجهة خصماً ومحققاً في آن واحد. وما كان الخصم محايداً، حيث تصبح – هذه الجهة – ذات مصلحة في إثبات الاتهام المسند للفرد، مما قد يدفع بها إلى عدم مراعاة مبدأ "الأصل في المتهم البراءة "، الأمر الذي قد يسمح بضياع معالم للجريمة كانت تؤدي إلى براءته(4).
ثالثا / إن إسناد مهمة التحقيق في الدعوى إلى قاضي التحقيق، يضفي على التحقيق الابتدائي الصفة القضائية، وهو أمر في حد ذاته ضمانة هامة لأعمال قرينة البراءة في حق المتهم(5). ولاشك انه إسناد في محله، باعتبار أن مهمة التحقيق في ذاتها قضائية، إذ هي في حقيقتها فصل في نزاع بين ادعاء يرجح إدانة المتهم، وبين متهم يتمسك بأصله البرئ(6). بناء على ما تقدم ونتيجة للبراءة التي يتمتع بها المتهم ابتداءا، فقد درجت تشريعات الكثير من الدول إلى الفصل بين سلطة التحقيق الابتدائي وبين سلطة الاتهام، وتخويل الأولى لقاضي التحقيق وقصر الثانية على الادعاء العام. فما هو موقف المشرع العراقي من تلك النتيجة؟.
موقف التشريع العراقي من " حياد التحقيق الابتدائي "
إن كانت بعض التشريعات العربية قد جمعت بين سلطتي الاتهام والتحقيق الابتدائي (كالتشريعين المصري والأردني )(7). فإن المشرع العراقي قد أكد على مبدأ الفصل بين السلطتين، فخص قاضي التحقيق والمحققين الذين يعملون تحت إشرافه، بتولي مهمة التحقيق، واعتبرهم الجهة المختصة أصلاً بهذه المهمة(8). ولا تعني إجازته للادعاء العام التحقيق في حالة غياب قاضي التحقيق من مكان الحادث، أنه جمع بين السلطتين، فتلك حالة استثنائية لا تضر بقيام القاعدة(9). إنما ما نجده متعارضاً مع قرينة براءة المتهم، ما سمح به المشرع العراقي، للمسؤول في مركز الشرطة، من تولي مهمة التحقيق، ومنحه سلطة التحقيق، وذلك في حالتين، الأولى إذا صدر إليه أمر من قاضي التحقيق أو المحقق، والثانية إذا اعتقد المسئول في مركز الشرطة إن إحالة المخبر عن وقوع الجريمة على قاضي التحقيق، تؤخر به إجراءات التحقيق، مما يؤدي إلى ( ضياع معالم الجريمة، أو الإضرار بسير التحقيق أو هرب المتهم(10). إذ لاشك أن المشرع العراقي لم يكن موفقاً في هذا الاتجاه، باعتبار أن المسؤول في مركز الشرطة يعد من رجال السلطة التنفيذية، كما تنقصه ابرز عناصر هذا العمل من مؤهلات وخبرات قانونية أو قضائية، الأمر الذي يشكل خطورة سواء على سلامة التحقيق أم على حريات الأفراد، لاسيما في الحالة الثانية عندما يقرر من تلقاء نفسه القيام بالتحقيق، حيث جعل – المشرع العراقي – تقدير القيام بالتحقيق متروكاً للمسؤول في مركز الشرطة، وهو أمر نعتقد بخطورته البالغة على حقوق وحريات المتهم، وخرقاً لتمتعه بقرينة البراءة. إذ أن سلطات المحقق – وهي التي منحها المشرع للمسؤول في مركز الشرطة وفق المادة (50) – والتي يتخذها من تلقاء نفسه، ليست بالقليلة أو الهينة، من ذلك سلطته بندب خبير(11)، أو إرغام المتهم على التمكين من الكشف على جسمه(12)، الفض أو الاطلاع على الأشياء المضبوطة سواء كانت أوراقاً مختومة أو مغلقة(13)، إصدار الأمر بالتكليف بالحضور للمتهم أو غيره(14). بل إن للمحقق سلطة توقيف المتهم في الجنايات إذا كان في ألاماكن النائية عن مركز دائرة القاضي(15). وأكثر من ذلك له سلطة استجواب المتهم(16). وكل ذلك لاشك لدينا بأن له تبعات خطيرة على المتهم متجسدة في انتهاك نتائج البراءة التي لا تسمح المساس به أو بحرياته – قبل ثبوت الإدانة – إلا بإجراء قانوني صادر عن الجهة المختصة به أصلاً دون غيرها.
__________________
1- احمد فتحي سرور، "الحماية الدستورية للحقوق والحريات"، المرجع السابق، ص657.
2- انظر في هذا المعنى: محمود نجيب حسني، "شرح قانون الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص621.
3- انظر في هذا المعنى/
- مأمون سلامة، "الإجراءات الجنائية في التشريع المصري"، الجزء الأول، دار الفكر العربي، القاهرة، 1988، ص573.
4- انظر في هذا المعنى/ حسن صادق المرصفاوي، "أصول الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص406.
5- إذ ان بعض النظم القانونية، كالقانون الياباني، والقانونين الكويتي والمصري، جمعت بين سلطتي الاتهام والتحقيق في يد الادعاء العام. انظر في ذلك: محمد زكي ابو عامر، "الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص643.
6- المرجع السابق، ص643.
7- انظر م(199) من قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950 المعدل بقانون رقم 353 لسنة 1952, الذي أعاد للنيابة العامة سلطة التحقيق الابتدائي. وأنظر م(2, 53 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الاردني رقم 9 لسنة 1961.
8- انظر م (1، 51 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971.
9- انظر م (3) من قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979.
10- انظر م ( 50/أ ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
11- انظر م ( 69 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
12- انظر م ( 70 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
13- انظر م ( 84/ب ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
14- انظر م ( 87 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
15- انظر م ( 112 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
16- انظر م ( 123 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|