أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
7842
التاريخ: 24-09-2014
8846
التاريخ: 24-09-2014
7866
التاريخ: 24-09-2014
7693
|
قال تعالى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء: 82] تلك مِيزة قرآنيّة : لا يوجد فيه اختلاف ؛ حيث صَنَعه تعالى القويم يفترق عمّا يَصنعه البشر ذا نقصٍ وعيب ، إذ كلّ يعمل على شاكلته ، وقد أخذه الله تعالى دليلاً على الإعجاز الخارق !
وهناك مِن قديمٍ مَن كان يَزعم أنّ في القرآن اختلافاً ، ويَرجع عهدُه إلى الصدر الأَوّل حيث رُوي أنّ سائلاً سأل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن ذلك ، فأجابه الإمام في رحابة صدر وحلّ إشكاله ، واستبصر على يديه .
روى أبو جعفر الصدوق بإسناده المتصل إلى أبي معمر السعداني قال : إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي شَكَكت في كتاب الله المُنزَل قال ( عليه السلام ) : ( وكيف شَكَكت في كتاب الله ؟! ) قال لأنّي وجدتُ الكتاب يُكذّب بعضُه بعضاً فكيف لا أشكّ فيه ؟!
فقال الإمام : ( إنّ كتاب الله لَيُصدّق بعضُه بعضاً ولا يُكذّب بعضُه بعضاً ، ولكنّك لم تُرزق عقلاً تنتفع به ، فهات ما شَكَكت فيه ) ، فجعل الرجل يَسرد آيات زَعَمَهنّ مُتهافِتات
ويُجيب عليهنّ الإمام على ما سنذكر (1) .
وهكذا روى صاحب كتاب الاحتجاج : أنّ بعض الزنادقة جاء إلى الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال له : لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلتُ في دينِكم . فقال له : ( وما هو ) ؟ فجعل يسرد آيات بهذا الشأن ليأخذ جوابَه الوافي ، وشكره أخيراً ودَخل في حظيرة الإسلام (2) .
وروى عبد الرزّاق في تفسيره بإسناده إلى سعيد بن جبير قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : رأيتُ أشياء تختلف عليّ من القرآن ! فقال ابن عباس : ما هو ؟ أشكّ ؟! قال: ليس بشكٍّ ، ولكنّه اختلاف ! قال : هات ما اختلفَ عليك من ذلك ، فجَعل الرجل يَذكر مواردَ الاختلاف حسب زعمه ويُجيبه ابن عباس تِباعاً ، على ما سنورده (3) .
وحتّى أنّهم زَعموا أنّ ابن عباس توقّف عن الإجابة في بعض هذه الموارد . روى أبو عبيدة بإسناده عن أبي مليكة قال : سأل رجل ابن عباس عن قوله تعالى : {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5] وقوله : {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] فقال ابن عباس : هما يَومان ذَكَرَهما الله تعالى في كتابه ! ألله أعلم بهما ! (4) .
لكن ابن عباس قد أجاب عن ذلك إجابةً إجماليّة ، وأنّهما يَومان لا يوم واحد ؛ ليكون قد عبّر عنهما باختلاف المِقدار ، ولعلّه لم يهتدِ إلى تعيين أحدهما عن الآخر وسنذكر تفصيل البيان فيه .
ويظهر من أحاديث صَدرت عن أَئمة السلف أنّ حديث التناقض في آي القرآن كان مُتفشّياً ذلك العهد ؛ ومِن ثَمّ ورد ذمّه والذبّ عن سلامة القرآن على لسان الأئمة ( عليهم السلام ) قال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ذمّ اختلاف العلماء في الفُتيا :
( والله سبحانه يقول {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وفيه تبيان لكلّ شيء ، وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضاً ، وأنّه لا اختلاف فيه ... ) (5) .
وروى الصدوق بإسناده إلى الإمام أبي عبد اللّه الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر( عليهما السلام ) قال : ( ما ضَرَبَ رجلٌ القرآن بعضه ببعضٍ إلاّ كفر ) (6) .
ولأبي علي مُحمّد بن المستنير البصري المشتهر بقطرب ( ت206 ) ـ النحوي اللغوي الأديب البارع تلميذ سيبويه ومِن أصحاب الإمام الصادق والرواة عنه ـ كتاب أفرده بالتصنيف في مُوهم الاختلاف والتناقض في آيات الحكيم .
قال الزركشي : وقد رأيت لقطرب في ذلك تصنيفاً حسناً ، جَمَعه على السوَر (7) ، وكتابه هو المُسمّى بالردّ على المُلحدينَ في تشابه القرآن ، ذكره القفطي (8) .
وهكذا في منتصف القرن الثالث أيّام الإمام أبي مُحمّد الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) ( 260 ) نجد فليسوف العراق ابن إسحاق الكندي (9) قام بتأليف رسالة يَجمع فيها تناقض القرآن ، لولا أنّ الإمام العسكري قام في وجهه وأفحم حجّته فتركها .
روى أبو القاسم الكوفي (10) في كتابه ( التبديل ) أنّ ابن إسحاق الكندي أخذ في تأليف تناقض القرآن وشَغَل نفسه وتفرّد به في منزله ، وأنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري ، فقال له أبو مُحمّد : ( أَما فيكم رجل رشيد يَردع أُستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه مِن تشاغله بالقرآن ؟! فقال التلميذ : نحن من تلامذته ، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره ؟! فقال له أبو مُحمّد : أتؤدّي إليه ما أُلقيه عليك ؟ قال : نعم ، قال : فَصِر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله ، فإذا وقعت الاُنسة في ذلك فقل له : قد حضرتني مسألةٌ أسألك عنها ؟ فإنّه يَستدعي ذلك منك ، فقل له : إن أتاك هذا المُتكلّم بهذا القرآن ، هل يجوز أنْ يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننت أنّك ذهبت إليها ؟ فإنّه سيقول لك : إنّه من الجائز ، لأنّه رجل يفهم إذا سمع ، فإذا أوجب ذلك فقل له : فما يدريك لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فتكون واضعاً لغير معانيه ، فصَار الرجل إلى الكندي وتلطّف إلى أنْ ألقى عليه هذه المسألة ، فقال له الكندي : أعد عليَّ ، فأعاد عليه ، فتفكّر في نفسه ورأى ذلك مُحتملاً في اللغة وسائغاً في النظر ، فقال : أقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك ؟ فقال : إنّه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك ، فقال : كلاّ ، ما مِثلك مَن اهتدى إلى مثل هذا ، ولا ممّن بلغ هذه المنزلة ، فعرّفني من أين لك هذا ؟ فقال : أمرني به أبو مُحمّد ، فقال : الآن جئت به ، وما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت ، ثمُّ إنّه دعا بالنّار وأحرق جميع ما كان ألّفه في ذلك (11) .
ولابن قتيبة ( 213 ـ 276 ) كلامٌ مسهبٌ في الردّ على الطاعنينَ في القرآن على جهة زعم الاختلاف تعرّض له في كتابه الشهير ( تأويل مشكل القرآن ) في شرحٍ وتفصيل .
وللشريف الرضي ( 359 ـ 406 ) بحثٌ لطيفٌ في ذلك عنونه باسم ( حقائق التأويل في متشابه التنزيل ) .
وهكذا القاضي عبد الجبّار المعتزلي ( ت415 ) فصّل الكلام في ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) .
ولقطب الدين الراوندي ( ت573 ) في كتابه ( الخرائج والجرائح ) باب عَقَده للردّ على مطاعن المخالفينَ في القرآن (12) .
ولابن شهر آشوب المازندراني ( ت588 ) كتاب قيّم في ( متشابهات القرآن ومختلفه ) .
ولمُحمّد بن أبي بكر الرازي ( ت 666 ) رسالة شريفة أجابَ عن ألف ومئتي مسألة حول شبهات القرآن .
ولجلال الدين السيوطي ( ت911 ) في كتابه ( الإتقان ) ـ نوع 48 ـ بحثٌ مستوفٍ عن مشكل القرآن ومُوهم الاختلاف والتناقض فيه .
وللمولى مُحمّد باقر المجلسي ( 1037 ـ 1111 ) في موسوعته القيّمة ( بحار الأنوار ، ج89 ، ص141 ، وج90 ، ص98 ـ 142 ) استيعاب شامل لسفاسف أهل الزيغ والباطل حول القرآن الكريم ، والردّ عليها فيما ورد في كلام المعصومين والعلماء الأعلام ، جزاه اللّه عن الإسلام والقرآن خيراً .
وأخيراً ، قام الأُستاذ الشيخ خليل ياسين بتأليف كتاب يحتوى على 1600 سؤال وجواب حول مشكل القرآن ، أَسماه ( أضواء على متشابهات القرآن ) .
وللعلاّمة الأُستاذ الشيخ جعفر السبحاني تأليفٌ لطيفٌ في التفسير الصحيح لمشكل آيات القرآن الحكيم .
تلك مواقف مشهودة في الدفاع عن قُدسية القرآن الكريم قام بها جهابذة الفنّ والعمدة من العلماء الأعلام ، شكر اللّه مساعيهم وأجزل لهم المثوبة وحسن مآب .
____________________________
(2) راجع : الاحتجاج للطبرسي، ج 1 ، ص 358 ـ 359 ؛ وأورده المجلسي في البحار ، ج 90 ، ص 98 ـ 127 .
(3) راجع : الإتقان ، ج 3 ، ص 79 ، النوع 48 .
(4) الإتقان ، ج 3 ، ص 83 .
(5) نهج البلاغة ، الخطبة 18 ، ص61 .
(6) معاني الأخبار ، ص183 ، طبعة النجف الأشرف .
(7) راجع : البرهان ، ج2 ، ص45 ، والإتقان ، ج3 ، ص79 .
(8) انظر : إنباء الرواة ، ج3 ، ص219 .
(9) هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق من وُلد مُحمّد بن الأشعث بن قيس الكندي فيلسوف العرب في وقته ( 183 ـ 260 ) كان رأساً في حِكمة الأوائل ومنطق اليونان والهيئة والنجوم والطبّ وغير ذلك ، وكان له باع أطول في الهندسة والموسيقى ، وكان مُتّهَماً في دينه ، قال له أصحابه : لو عَمِلت لنا مثل القرآن ، فأجابهم على ذلك ، فغاب عنهم أيّاماً ثمّ خرج إليهم وأذعن بالعجز ، قال : واللّه لا يقدر على ذلك أحد ، قال الذهبي : وكان مُتّهماً في دينه ، بخيلاً ، ساقط المروءة ، وله نظم جيّد وبلاغة وتلامذة ، همَّ بأنْ يعمل شيئاً مثل القرآن فبعد أيام أذعن بالعجز .
راجع سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج12 ، ص337 ، ولسان الميزان لابن حجر ، ج6 ، ص305 ، ودائرة المعارف للقرن العشرين لمُحمّد فريد وجدي ، ج10 ، ص944 ـ 953 ، والمُنجد في الأعلام ، ص595 .
(10) هو أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي صاحب كتاب تفسير فرات ، كان من أعلام الغيبة الصغرى ( 260 ـ 329 ) ، وفي النُسخة إسقاط ( ابن ) فصحّحناها بدلائل القرائن (1) المناقب لابن شهر آشوب ، ج4 ، ص424 ، وأورده المجلسي في بحار الأنوار ، ج50 ، ص311 في تأريخ حياة الإمام العسكري ( عليه السلام ) .
(12) الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي ، ج3 ، ص1010 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|