أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1405
التاريخ: 30-04-2015
1483
التاريخ: 10-10-2014
3435
التاريخ: 2023-12-03
1238
|
القراءة ـ وتعني وجهاً من محتملات النصّ القرآني ـ : مصطلح قديم يرجع عهدها إلى عهد الصحابة الأوَّلين ، حيث عمَد جماعة من كبار صحابة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بعد وفاته إلى جمْع القرآن في مصاحف : كعبد الله بن مسعود ، وأُبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، والمقداد بن الأسود وأضرابهم ، وربَّما اختلفوا في ثبْت النصّ أو في كيفية قراءته ، ومن ثمَّ اختلفت مصاحف الصحابة الأُولى ، وكان كلُّ قُطرٍ من أقطار البلاد الإسلامية تقرأ حسب المصحف الذي جمعَه الصحابيّ النازل عندهم .
كان أهل الكوفة يقرأون على قراءة ابن مسعود ، وأهل البصرة على قراءة أبي موسى الأشعري ، وأهل الشام على قراءة أبي موسى الأشعري ، وأهل الشام على قراءة أُبَي بن كعب ، وهكذا حسبما تقدَّم تفصيله .
واستمرَّ الحال إلى عهد عثمان ، حيث تفاقم أمر الاختلاف ، ففزع لذلك لفيف من نبهاء الأمّة أمثال : حذيفة بن اليمان ، فأشاروا على عثمان أن يقوم بتوحيد المصاحف قبل أن يذهب كتاب الله عُرْضة الاختلاف والتمزيق .
فالذي كان من عثمان : أن أمرَ جماعة بنَسْخ مصاحف موحَّدة وإرسالها إلى الأمصار ، وإلجاء المسلمين على قراءتها ونبْذ ما سواها من مصاحف وقراءات أخرى .
لكنَّ الجماعة الذين انتدبهم عثمان كانت تعوزهم كفاءة هذا الأمر الخطير ، ومن ثمَّ وقعت في نفس تلك المصاحف أخطاء إملائية ومناقضات وبعض الاختلاف ، الأمر الَّذي أعاد على المسلمين اختلافهم في قراءة القرآن .
كان عثمان قد بعث مع كلِّ مصحف مَن يُقرئ الناس على الثبْت الموحَّد في تلك المصاحف ـ على حساب أنَّها موحَّدة ـ فبعث مع المصحف المكّي عبد الله بن السائب ، ومع الشامي المغيرة بن شهاب ، ومع الكوفي أبا عبد الرحمن السلمي ، ومع البصري عامر بن قيس ، وهكذا (1) .
وكان هؤلاء المبعوثون يقرأون الناس في كلِّ قُطر على حسب المصحف المرسَل إليهم ، ومن ثمَّ عاد محذور الاختلاف ؛ نظراً لوجود اختلاف في ثبْت تلكم المصاحف (2) ، مضافاً إلى عوامل أخرى ساعدت على هذا الاختلاف ، فكان أهل كلِّ قطر يلتزمون بما في مصحفهم من ثبْت ، ومن هنا نشأ اختلاف قراءة الأمصار ، بدلاً من اختلاف القرّاء الَّذي كان قبل ذاك . كانت القراءة قبل هذا الحادث تُنسب إلى جامعي المصاحف ، أمّا الآن فتنسب إلى المِصر الَّذي بُعث إليه المصحف العثماني ـ غير الموحَّد تماماً ـ فكانوا يقولون : قراءة مكَّة ، قراءة الشام ، قراءة المدينة ، قراءة الكوفة ، قراءة البصرة ، وهكذا .
ومن ثمَّ فإنَّ الغاية الَّتي بُذلت من أجلها جهود ـ وثارت في سبيل تحقّقها ضجَّة جماعات كأصحاب عبد الله بن مسعود وغيره ـ لم تنجح تماماً ، وبقيت عوامل التفرقة والاختلاف تتفشى مع طول الزمان ، كلّ ذلك مغبَّة تساهل الخليفة في أمر توحيد المصاحف ، ولم يأخذ بساف الجدِّ في هكذا أمرٍ خطير يمسُّ ركيزة حياة المسلمين في طول تاريخهم الخالد .
وقد لمَس الخليفة نفسه هذا الخلل في المصحف الَّذي رُفع إليه (3) ، لكنَّه لم يكترث به وأبدى تساهله بشأن الإصلاح ، الأمر الَّذي يؤخذ عليه شديداً ، هذا فضلاً عن دلالة الأمر على عدم كفاءة الأشخاص الَّذين انتدبهم عثمان لهذا الأمر الجلل ، وعدم جدارتهم للقيام بهكذا عمل خطير ، ومع ذلك فإنَّ الخليفة لم يُعِد النظر في أمْر القرآن ، ولعلَّه كان تسرّعاً في الأمر بلا مبرِّر معقول .
يحدِّثنا ابن أبي داود : أنَّهم بعدما أكملوا نَسْخ المصاحف رفعوا إلى عثمان مصحفاً ، فنظر فيه فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى فيه شيئاً من لحْن ستقيمه العرب بألسنتها ، ثمَّ قال : أمّا لو كان المُملي من هُذيل ، والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا (4) ، ما ندري لِمَ هذا التَساهل بشأن كتاب الله العزيز الحميد ! .
ولعلَّ معترضاً يقول : هبْ أنَّ الخليفة عثمان تساهل بشأن الخلل الَّذي لمِسَه في مرسوم خطِّ المصحف ، فلماذا تساهل الخلفاء من بعده بهذا الشأن ، ولاسيَّما مثل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الَّذي كان أعلم الصحابة بالقرآن ، وأحرصهم على حفْظه وجمْعه ؟ .
قلنا : سبق منّا الإجابة على ذلك ، وأنَّه لم يكن من مصلحة الأمّة مساس القرآن ـ بعد ذلك ـ بيد إصلاح قطّ ، وإلاّ لاتَّخذها أهل الأهواء والبِدَع ذريعة إلى تحريف القرآن والتلاعب بنصِّه الكريم ، بحجَّة إصلاح أخطائه ، فكان يقع القرآن الكريم عُرْضة الأطماع والسياسات المتبدّلة حسب تطوّر الزمان .
وأوَّل مَن أحسَّ بهذا الخطر الرهيب هو : الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقام في وجه هذا الباب وأغلقه غلقاً مع الأبد .
ذكروا أنّ رجُلاً قرأ بمسمع الإمام ( عليه السلام ) : {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ } [الواقعة : 29] فجعل الإمام يترنَّم لدى نفسه : ما شأن الطلح ؟ إنَّما هو طلْع ، كما جاء في قوله تعالى : {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ } [ق : 10] ، ولم يكن ذلك من الإمام اعتراضاً على القارئ ، ولا دعوة إلى تغيير الكلمة ، بل كان مجرَّد حديث نفس ترنَّم ( عليه السلام ) به ، لكنَّ أُناساً سمعوا كلامه ، فهبّوا يسألونه : ألا تغيِّره ؟ فانبرى الإمام مستغرباً هذا الاقتراح الخطير ، وقال كلمته الخالدة : ( لا يُهاج القرآن بعد اليوم ولا يحوَّل ) (5) .
وأصبح موقف الإمام ( عليه السلام ) هذا مرسوماً إسلاميّاً مع الأبَد ، لا يحقّ لمسلم أن يمدّ يدَ إصلاحٍ إلى أخطاء القرآن ، مهما كانت نيَّته صادقة أمْ كاذبة ؛ وبذلك حلّ القرآن الكريم وسط إطار من التحفُّظ الكامل على نصِّه الأصيل ، وسلِمَ من التحريف والتبديل أبديّاً .
ملحوظة : لأبي بكر ابن الأنباري هنا تعليقة ، أظنُّها قد فَرَطت منه لا شعوريّاً ، قال ـ بعد أن نقل الحديث عن الإمام ( عليه السلام ) ـ ومعنى هذا أنَّه رجع إلى ما في المصحف ، وعلِم أنَّه الصواب ، وأبطل الذي كان فَرُط من قوله (6) .
ولا شكَّ أنَّ مثل هذا الاحتمال بالنسبة إلى مثل الإمام ( عليه السلام ) فضول ينمّ عن جهْلِ قائله بموضع الإمام من القرآن ، الَّذي كان أعلم الصحابة بمواقع آيِ القرآن متى نزلت ، وأين نزلت ، وفيم نزلت (7) ، وكان يرى نور الوحي ويشمّ ريح النبوَّة ، وقال له الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) : ( إنَّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أنَّك لست بنبيّ ) (8) ، فكان باب مدينة عِلمه الَّذي منه يؤتى (9) ، ومن ثمَّ كان الصحابة يرجعون إليه فيما
أُشكل عليهم ولا يرجع إلى أحدٍ منهم (10) ، ينحدر عنه السَيل ولا يرقى إليه الطير (11) .
أفي شأن مثل هذه الشخصية اللامعة في أُفُق العِلم والإسلام يُحتمل هكذا احتمالات ساقطة ؟! اللهمّ إلاّ أن يكون في قلوبهم مرض {فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد : 23] ، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج : 46].
_______________________
(1) راجع تهذيب الأسماء للنووي : ق1 ، ص257 . شرح مورد الظمآن للمارغني : ص16 .
(2) تقدَّم تفصيل ذلك في ص218 .
(3) راجع ص212 .
(4) المصاحف لابن أبي داود : ص32 ـ 33 .
(5) تفسير الطبري : ج27 ، ص104 . مجمع البيان : ج9 ، ص218 .
(6) تفسير القرطبي : ج17 ، ص209 نقلاً عن كتابه ( المصاحف ) الَّذي وضعه للردّ على مَن خالف مصحف عثمان . ( انظر الإتقان : ج1 ، ص7 ) .
(7) انظر تفسير البرهان للبحراني ، ج1 ، ص16 ، حديث 13 .
(8) نهج البلاغة : الخطبة القاصعة ، ج1 ، ص392 ـ 393 .
(9) مستدرك الحاكم : ج3 ، ص126 ، قال : حديث صحيح الإسناد .
(10) انظر فضائل الخمسة للفيروزآبادي : ج2 ، ص271 ـ 308 .
(11) نهج البلاغة : الخطبة الشقشقية : ج1 ، ص31 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|