أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-29
485
التاريخ: 9/12/2022
970
التاريخ: 2023-04-03
2034
التاريخ: 10-4-2021
4652
|
1- الأسباب العنصرية
إن المنادين بحق الدم ذهبوا إلى اعتمادهم على حجة عنصرية كمبرر لاعتماد الدول جنسية الدم في تحديد ابناء شعبه إلّا أنّهم اختلفوا في نظرتهم لهذه الحجة فبعضهم يرى أن وحدة الجنس والدم هي أساس الأخذ بفكرة جنسية النسب لوجود رابطة وراثة الجنس بسبب الانتقال بينما يرى اتجاه آخر أساس حق الدم تكمن في تبعية لابن لأبيه في دينه وفق للقاعدة الأصولية الشرعية (1) وسنرد عليهم تباعا:
أ- اعتبار وراثة الجنس هي أساس اعتماد الدول جنسية الدم
من المعلوم تاريخيا أنّ الجنس لعب دورا كبيرا في تكوين الجماعات الأولى (2) أولم تكن جنسية الفرد منظمة كما هو الحال في الوقت الحاضر فاختلاف الأجنــاس بسبب الفتوح والغزوات اصبح من الصعب معه القول بتكوين شعب دولة معينة على أساس الجنس ، فأهمية الجنس في الوقت الحاضر محدودة جدا إن لم تكن معدومة (3) فلا يمكن اعتبار الجنسية فكرة تقوم على العنصرية فمن خصائص الجنسية أنها رابطة قانونية وسياسية ويترتب ع الاعتبار القانوني في الجنسية أن الدولة هي التي تنشئها أي القانون هو الذي يحدد شروط فرضها وكسبها وسحبها واسقاطها وتسمى الجنسية عندئذ بالجنسية القانونية تعبر عن تبعية الفرد للدولة مانحة الجنسية وهذا ما يميزها عن الجنسية الفعلية التي تعبر عن تبعية الفرد إلى جماعة معنية من الناس فتكون الأولى فكرة قانونية وسياسية أما الثانية فتكون فكرة اجتماعية (4).
فالجنس في حقيقة الأمر لا يصلح أن يكون معيارا لتحديد أبناء الدولة والقول بخلاف ذلك يهدر القيمة القانونية والسياسية للجنسية (5)
والقول بأن الدولة تأخذ بفكرة الأساس العائلي لوجود مبررات عنصرية تتصل بوراثة الجنس يجعل من الجنسية رابطة لا يتمتع بها إلا الافراد الذين ينتمون إلى جنس أو أصل واحد ، بينما جنسية الدولة يتمتع بها كل فرد يتوفر فيه عناصر ثبوتها ، ويؤيد الباحث ما ذهب إليه البعض من أنّ الحجة القائلة باعتماد الدول جنسية الدم لأسباب عنصرية تكمن ضمن الاتجاهات السياسية التي لم تهدف إلا للتوسيع العدواني لغرض تفوق الجنس البشري الذي تستند عليه واتخذته أساسا لقيام الدولة على كافة الأجناس الأخرى (6) ، وقد تدارك الفقه والقضاء هذه الحقيقة وحاول ابرازه وادانته حتى تم تدوينه وتأكيده في أغلب الدساتير العربية (7) ، والتأكيد على عدم قيام جنسية الدولة على وراثة الجنس أمر جدير بالاهتمام ولا سيما للتمييز بين المعنى اللغوي والمعنى الفني للجنسية (9).
ب- اعتبار تبعية الأبن لأبيه في الدين هي أساس اعتماد الدول الجنسية في الدم
يرى الاتجاه الآخر من القائلين بالحجة العنصرية أن اعتبار تبعية الإبن لأبيه في الدين هو الأساس الجوهري الذي يعول عليه في فرض الجنسية الأصلية القائمة على حق الدم ، واستندوا في ذلك على قوله تعالى ((ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ )) (10) وذلك لوجود روابط شرعية تربط بين الابن وابيه يتحقق بمقتضاها الاستقرار القانوني في العلاقات بين أفراد العائلة ويحافظ على عاداتها وتقاليدها (11).
ويمكن لنا ان نحدد أن هذا الإتجاه لا يختلف عن سابقه فإذا كان الأول يبنى الأساس العائلي على وراثة الجنس فإنّ الاتجاه الثاني يجعل منه وسيلة للمحافظة عليه ، والقول بذلك في كلا الاتجاهين يتنافى مع التوجه الحديث في الجنسية ، ويمكن أن يكون الجنس مبررا كافيا للأخذ بفكرة الأساس العائلي في المجتمعات القبلية .
أما الجنسية في الدولة الحديثة فلم تعد وسيلة للمحافظة على وحدة الجنس والعرق سواء بنيت على أساس عائلي أو جغرافي أو كلاهما ، فالقانون الدولي قد بتر سلطة الدولة في بناء جنسيتها على اسس عنصرية سواء أكانت دينية أم عرقية (12)
ومن الجدير بالذكر ذهب اتجاه آخر من المنادين بالعنصرية في حق الدم إلى القول إن عنصر السكان في الدولة تحبكه عدة عوامل أهمها الإشتراك في الجنس واللغة واللون والدين والمعتقد والتاريخ ، فالعبرة بجنسية الدم تكمن بالصلة التي تربط الأفراد بهذه العوامل (12).
ويرى الباحث أن العنصرية التي جاء بها أصحاب الاتجاه الأخير لا تستند على أسس دينية أو عرقية وإنّما تقوم على التضامن في الإشتراك في العوامل .
2- الأسباب السياسية
وفي إطار الأسباب السياسية فإن القائلين بحق الدم يرون أن الوطنيين المهاجرين من بلادهم إلى بلاد أخرى لأي ظرف كان فيجب أن يبقون حاملين جنسية دولتهم الأصلية ويستمرون في تمتعهم بها ولا يقف تمتعهم بالجنسية عند هذا الحد بل يجب أن يتمتع بها أبناؤهم المولدين في الخارج أيضا فيكونوا بذلك عنصر دعاية لدولتهم الأم فيعملون لصالحها وتعتمد عليهم في تحقيـق شــتـى ماربها السياسية (13).
ويرد عليهم أن الروابط التي تربط الفرد حامل الجنسية بالدولة التي يتمتع بجنسيتها لا تكن بالروابط القانونية والسياسية فقط فالدولة لا تمنح جنسيتها ألا للأفراد الذين يتوفر لديهم الإرتباط روحيا ومعنويا بها (14)، وهذا ما يؤيده واقع التعامل الدولي حيث أن الجنسية علاقة روحية بين الفرد والدولة تترجمها صيغ فنية (15) ، فالوطني عندما يكون داخل حدود دولته فيحافظ على ارتباطه ماديا ومعنويا بها وإذا ما غادر حدود دولته بنية التوطن في دولة أخرى ، فإنه يكون بذلك قد فقد ارتباطه الأول، ويفترض المفهـوم الحديث للجنسية أن يكون التلازم والتزامن بين الارتباطين متحققا بينما يفترقان دائما بالنسبة للمهاجر(16)، ولطالما لم يفقد ارتباطه الثاني باتجاه شعوره وولائه لدولته الأم فبقى بذلك متمتعا بجنسية دولته الأم ، إما إذا فقد الارتباطين معا المادي والمعنوي كأبنائهم المولودين في الخارج والذين تربو وترعرعوا بمجتمع دولته ولادتهم فهنا يلزم إلا يتم تقرير حق الجنسية الأصلية لدولة آبائهم عند حد معين كالجيل الثاني أو الثالث ............ .
فالجنسية رابطة قانونية وسياسية وروحية بين الدولة وحامل الجنسية ولا تمنح الأغراض سياسية بحث ، فالجانب السياسي في الجنسية لا يعنى أن غايتها سياسيا بحت بل يعني انتماء حاملها إلى دولة ما وهذا ما يميز الجنسية عن فكرة القومية (17).
فمن المتفق عليه لا يوجد تشابه بين فكرة الدولة وفكرة الامة فالدولة لا يمكن قيامها إلا يتوافر جميع اركانها من إقليم وشعب وسلطة بينما فكرة الأمة فيمكن توافرها دون الحاجة لإندماج ابنائها تحت مظلة سياسية تأخذ شكل الدولة (السلطة) اي بتوافر ركني الإقليم والشعب فحسب (18).
ومن الجديد بالذكر أنّ الحجة السياسية التي قال بها المنادون بالأساس العائلي تعتبر سلاحا ذا حدين فكما يمكن لأصحاب حق الدم الاستناد عليها كمبرر لاعتمادهم جنسية الدم فيمكن للمنادين بحق الإقليم الاستناد اليها أيضا لاتحاد العلة في ذلك فالاعتبارات السياسية التي استندوا اليها والتي تبرر تقرير حق الجنسية لأبناء رعايا الدولة المهاجر منها رعاياها المولودين في الخارج تقابلها اعتبارات معنية من نوعها تبرر فرض جنسية دولة الاقليم للمولودين فيها من ابناء رعايا الدولة الأخرى (19).
3-الأسباب الاجتماعية والعملية
يعتبر تلقي الطفل من أصوله التربية والولاء من المبررات الاجتماعية للأخذ بفكرة الأساس العائلي حيث إنّ الأسرة تعتبر أساس الانتماء العائلي فيستقى منها الشعور الخاص الذي ينمي لدى الطفل روح الحب للوطن الذي يعيش فيه ، كما أن أنصار حق الــدم استندوا لحجج عملية مستمدة من الواقع حيث ذهبوا الى أن الأساس العائلي يعتبر الأساس الأصلح لبناء جنسية الدولة حيث إنّه يحافظ على علاقة الدولة برعاياها المقيمين في الخارج لظروف خارجة عن ارادتهم كطلب العلم أو الرزق مثلا ويمكن للدولة الاستفادة من خبراتهم وأموالهم عند عودتهم إليها، فضلاً عن ذلك أن احتفاظ الدولة بجزء من رعاياها على إقليم الدول الأخرى يزيد من نفوذها في الخارج (20).
___________
1- الحسين والقيد ، القانون الدولي الخاص الجزء الاول الجنسية ، 3 مطبعة شمس كلية الحقوق جدة 20070 ص 34 وما بعدها.
2- ارتبط حق الدم في العصور البدائية بمفاهيم سياسية سادة في العصبية فكان حق الدم مرادفا في العنصرية ففي المانيا الهتلرية على سبيل المثال يستحيل منح الجنسية الالمانية لغير النسل الألماني كما كان يستحيل من الجنسية الانجليزية لغير المنحدرين من اصل انجليزي فكان كل جنس ينظر لنفسه على انه الجنس السامي الذي يحق له البقاء بمفرده، اشارة اليه د. عبد المنعم زمزم الجنسية ومركز الاجانب في القانون الدولي والقانون المصري، كلية الحقوق جامعة القاهرة ، طبعة مخصصة للطلاب ، 2016، ، ص47.
3- احمد قسمت الجداوي، الجنسية ومركز الاجانب ، الجزء الأول ، دار النهضة ، 1971 ص 11 وما بعدها .
4- د. حفيظة السيد الحداد ، الموجز في الجنسية ومركز الاجانب ، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2003 ، ص 69.
5- الحجة العنصرية للجنسية ظاهرة الحدود السياسية بين الدول ، فالادعاء الالماني قبل اندلاع الجرب العالمية الثانية بحق الدولة الالمانية في بسط سيادتها على كل الشعوب المنحدرة من الاصل الالماني ولو كانت واقعة تحت سيادات دول اخرى لم تكن سوى حركة سياسية تهدف الى مراجعة تخطيط الخريطة العالمية وهو ما ادى الى قيام الحرب العالمية الثانية وما قاساه العالم من شرورها، اشارة اليه د. جابر جاد عبدالرحمن ، القانون الدولي الخاص ، ط1، شركة النشر والطباعة العراقية المحدودة ، بغداد ، 1949، ص 77 وما بعدها .
6- د. حفيظة السيد حداد ، الموجز في الجنسية ومركز الاجانب ، المصدر السابق ، ص 39-41
7- نصت المادة 14 من الدستور العراقي النافذ لعام 2005 العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز لسبب الجنس او العرق أو القومية او الاصل او اللون أو الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي وكذلك نصت المادة 40 من دستور مصر لعام 1971 المواطنون لدى القانون سوى وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك لسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة ".
8- تعرف الجنسية لغة حالة أو ماهية الجنس كالجنسية العراقية وغيرها، ينظر : مختار الصحاح ، الشيخ الامام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، بلا مكان طبع، 1976، ص 105، بينما المعنى الفني للجنسية يعني الانتماء الى الدولة وليس الى الجنس ، ينظر: د. حفيظة السيد الحداد ، الجنسية ومركز الاجانب ، مصدر سابق ،ص 40.
9- سورة الاحزاب آية (5).
10- عبد الرسول عبد الرضا الاسدي ، القانون الدولي الخاص، مكتبة السنهوري، بيروت ،2018، ص 52.
11 - انيس- فوزي قاسم ، قانون العودة وقانون الجنسية الاسرائيليان " دراسة في القانونين المحلي والدولي "، مركز الابحاث لمنظمة تحرير فلسطينية ، 1972، ص98.
12- د. عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، ج 1، ط6 ، بلا دار نشر، القاهرة، 1968،ص141.
13- د. جابر جاد عبدالرحمن ، القانون الدولي الخاص ، طا ، شركة النشر والطباعة العراقية المحدودة ، بغداد ، 1949، ص 76.
14- عبرت محكمة العدل الدولية في قضية نو تباوم عام 1955 عن وجود أسس مشتركة مادية ومعنوية في الجنسية فذهبت الى اعتبار الجنسية هي بمثابة علاقة قانونية جوهرها واقعة اجتماعية تربط بين الفرد والدولة قوامها تضامن حقيقي في الوجود والمصالح والعواطف يساندها تبادل الحقوق والواجبات ، اشارة اليه د. حفيظة السيد الحداد ، الموجز في الجنسية ومركز الاجانب ، مصدر سابق، ص 36.
15- عبد الرسول عبد الرضا الاسدي ، الجنسية في العلاقات ذات الأبعاد الدولية الخاصة ، اطروحة مقدمة الى مجلس كلية القانون جامعة بغداد ، 2007م ، ص23.
16- د. عبد الرسول عبد الرضا الاسدي ، الجنسية والعلاقات الدولية ، منشورات زين الحقوقية ، ط2 ،2011، ص35.
"
17- لا يوجد تشابه بين فكرة الجنسية والقومية على الرغم من النجاح الذي لاقاه مبدأ القوميات ، فالجنسية تهدف الى تقسيم العالم الى وحدات سياسية تتمثل بالدول بينما القومية تقسمه الى وحدات اجتماعية تتمثل بالأمم ، اضافة الى ذلك ان الجنسية تم تقريرها للأفراد بمقتضى تشريع متصدرة الدولة بمالها من سلطة وسيادة في تحديد ركن الشعب فيها وبذلك تكون الجنسية حالة قانونية لها بدايتها ونهايتها في حين ان القومية شعور ينبع داخل الفرد بدوافع نفسية فلا ينظم بتشريع تصدره الدولة فتكون القومية حالة اجتماعية ليس لها نهاية عديم القومية ، وكذلك ان فكرة الجنسية تتمتع بظواهر قد لا نجد مثيلها في فكرة القومية كظاهرة تعدد الجنسية وانعدامها اذ ليس من شخص يتمتع بأكثر من قومية ولا يوجد شخص عديم القومية اشار اليه .د. حفيظة السيد الحداد ، الموجز في الجنسية ومركز الأجانب ، المصدر السابق ، ص 27 وما بعدها .
18- نفس المصدر السابق، ص 26.
19- د. جابر جاد عبدالرحمن ، القانون الدولي الخاص ، طا ، شركة النشر والطباعة العراقية المحدودة ، بغداد ، 1949، ، ص77 .
20 - د. عبد المنعم زمزم، الجنسية ومركز الأجانب في القانون الدولي والقانون المصري المقارن، بلا دار نشر ، 2016، ص 53.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|