التمييز بين منهج القواعد ذات التطبيق الضروري ومنهج القواعد الموضوعية |
1560
11:24 صباحاً
التاريخ: 15/11/2022
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-2-2022
2634
التاريخ: 2024-07-19
683
التاريخ: 4-4-2016
2560
التاريخ: 30-11-2021
3386
|
أن من الأسباب التي أدت إلى ظهور منهج القواعد ذات التطبيق الضروري، هو تدخل الدولة ومساهمتها بذاتها في النشاط الاقتصادي والاجتماعي الذي كان يعد من صميم نشاط الأفراد، وذلك نتيجة لظهور الفكر الاشتراكي في دول عديدة مما أدى إلى ظهور قواعد قانونية على درجة من الإلزام تهدف إلى حماية المصالح الحيوية والضرورية الاقتصادية والاجتماعية للجماعة الوطنية، ويترتب على عدم احترامها إهدار ما تبتغيه السياسة التشريعية، وتكون هذه القواعد واجبة التطبيق على العلاقة أيا كانت طبيعتها وطنية أم ذات طابع دولي، وهذه القواعد كما رأينا هي وطنية النشأة والهدف وذات مصدر تشريعي داخلي في الغالب و تكون ذات تطبيق ضروري أمام القضاء، وتبين لنا كذلك أن هذه القواعد حسبما ذهب إليه الفقه المناصر له انه ينطبق مباشرة على العلاقة دون حاجة إلى الاستناد إلى قاعدة الإسناد.
كما بان لنا و اتضح أن منهج القواعد الموضوعية ظهر لأسباب عدة منها معالجة القصور في منهج قاعدة الإسناد الذي يكمن في افتقاده للصفة الدولية، لأنه يؤدي إلى عقد الاختصاص إلى قانون داخلي لا يتلاءم مع طبيعة العلاقة ذات الطابع الدولي وخصوصيتها، مما أدى إلى ضرورة وجود قانون خاص يحكم العلاقات الخاصة الدولية يتضمن قواعد موضوعية، وهذه الأخيرة شأنها شأن القواعد ذات التطبيق الضروري يبين أنصارها أنها تتنطبق مباشرة على العلاقة و دون الاستعانة بقاعدة الإسناد(1)، وهو السبب نفسه الذي أدى إلى ظهور منهج القواعد ذات التطبيق الضروري .
ومادام كلا المنهجين من حيث المبدأ- تتطبق قواعده مباشرة على العلاقة محل النزاع دون الاستعانة بقاعدة الإسناد، فهنا يظهر وجه التشابه بينهما لأنهما ينطبقان بشكل مباشر على العلاقة دون حاجة إلى قاعدة الإسناد، ومن ثم فهما يختلفان عن منهج قاعدة الإسناد الذي تكون من طبيعته تعيين القانون واجب التطبيق بشكل غير مباشر (2) وعلى الرغم من وجه الشبه هذا بين المنهجين فإن ثمة فروقا جوهرية بينهما تظهر في الآتي:
1. من حيث دولية العلاقة : كان سبب ظهور منهج القواعد الموضوعية هو القصور في منهج الإسناد الذي يشير إلى قانون داخلي لحكم علاقة ذات طابع دولي، فكانت الحاجة ملحة إلى ظهور قانون يأخذ بنظر الاعتبار دولية العلاقات الخاصة الدولية، فكانت الطبيعة الدولية للعلاقات التجارية السبب المباشر في ظهور هذا المنهج لأن خصوصية العلاقة توجب خصوصية القانون واجب التطبيق عليها، فهو منهج يستجيب للعلاقات التجارية ذات الطابع الدولي. فلا تنطبق القواعد الموضوعية بحسب الأصل على علاقات القانون الداخلي، بل هي قواعد وجدت لتحكم روابط العلاقات الخاصة الدولية بشكل مباشر، فهي قواعد تستجيب على نحو أفضل إلى التوجهات الخاصة بالروابط التي يحكمها القانون الدولي الخاص. والأمر على خلاف ذلك بالنسبة للقواعد ذات التطبيق الضروري، فهذه الأخيرة شرعت أصلا لتنظيم الروابط الداخلية، وان كانت مراعاة طبيعتها الآمرة تقتضي أمتداد تطبيقها أيضا إلى العلاقات الخاصة الدولية. وهكذا يتضح الفارق الأساسي بين القواعد الموضوعية للقانون الدولي الخاص والقواعد ذات التطبيق الضروري، فعلی الرغم من أن تطبيق كل منهما يتم وفقا لرأي المناصرين لهما على نحو مباشر، إلا أن القواعد الموضوعية في القانون الدولي الخاص تختلف من حيث مضمونها ونطاق تطبيقها عن القواعد ذات التطبيق الضروري، فالأولى شرعت لتنظيم روابط القانون الدولي الخاص والاستجابة إلى طبيعتها الدولية، بينما الثانية وجدت التنظيم روابط القانون الداخلي إلا أن صفتها الآمرة والأهداف التي تسعى إلى إدراكها اقتضت أن يمتد سريانها إلى مجال العلاقات الخاصة الدولية (3).
2.من حيث الهدف: من أوجه الاختلافات التي يمكن تسجيلها في هذا المقام من حيث هدف كلا المنهجين، فهدف منهج القواعد الموضوعية هو حماية مصالح العلاقات الخاصة الدولية، التي لا يعني بها القانون الداخلي أو يعطي حلا ملائمة بشأنها من خلال منهج القواعد ذات التطبيق الضروري، بينما يهدف هذا الأخير إلى حماية النظام أو المجتمع الداخلي دون أن يراعي أي قدر للعلاقات ذات الطابع الدولي، بل تسري على كل العلاقات التي تمس مصالح تلك الدول ولو أدى ذلك إلى الإضرار بالعلاقات ذات الطابع الدولي، حتى أن الفقيه فرانسيسكاكيس "Francescakis' وصفها بأنها تظهر بروح الأنانية التي لا تبتغي الدولة من ورائها إلا تحقيق مصالحها غير عابئة بمصالح الدول الأخرى(4).
فالقواعد ذات التطبيق الضروري هدفها حماية مصالح ذات طابع اقتصادي و اجتماعي وتسري على العلاقات كافة التي تمس هذه المصالح ولو كانت دولية، في حين أن هدف القواعد الموضوعية هو مراعاة خصوصية العلاقات التجارية الدولية بهدف تنشيط حركة التجارة وازدهارها عبر الحدود(5). بل أن القواعد ذات التطبيق الضروري تحاول أن تتناسي الصفة الدولية للعلاقات التي تدخل في مجال سريانها (6).
3. من حيث المصدر: إن مصادر القواعد الموضوعية متعددة منها ذات مصدر تشريعي داخلي ومنها ذات مصدر قضائي كما أن الاتفاقيات الدولية تعد كذلك مصدرا مهما للقواعد الموضوعية، فضلا عن قانون التجارة الدولية ومكوناته التي تتمثل بالعادات والأعراف الدولية والعقود النموذجية فضلا عن المبادئ العامة القانون و قواعد العدالة (7). أما القواعد ذات التطبيق الضروري فمصدرها الوحيد هو التشريع الوطني إذ أنها وطنية النشأة والهدف وعلى القاضي تطبيقها بصورة مباشرة على العلاقة التي تدخل في مجال سريانها المكاني بغض النظر عن طبيعة العلاقة، فهي وضعت أساسا لحكم العلاقات الداخلية ولكن نظرا لغاياتها فإنها تسري على الروابط والعلاقات كافة حتى تلك التي توصف بالطابع الدولي (8).
4. من حيث أولوية التطبيق: إن القواعد ذات التطبيق الضروري تكون لها الأولوية والأسيقية في التطبيق سواء على القواعد الموضوعية أم على قواعد الإسناد إذ يجب على القضاء أن يبحث أولا عن هذه القواعد في قانونه لمعرفة ما إذا كانت تريد الانطباق فإذا لم يجدها اتجه إلى القواعد الموضوعية سواء وجدت في نظامه القانوني أم وجدت في اتفاقية دولية تكون واجبة التطبيق، ثم يصار أخيرا إلى إعمال قواعد الإسناد لتحديد القانون واجب التطبيق(9).
5- من حيث الأسلوب الفني لإعمالهما: يختلف المنهجان من حيث الأسلوب الفني الأعمال كل منهما، فمنهج القواعد الموضوعية قد تصور سلفا الحل الموضوعي المعد أصلا وخصيصا لتنظيم العلاقات الخاصة الدولية، إذ تطبق القواعد الموضوعية مباشرة دون أية وساطة غالبة، ولاعتبارات معينة قد يستعير معيارة أو ضابطا معينا ليبرر ويوسع من نطاق تطبيقها لمصلحة العلاقة الدولية دون أن يمس أو يغير من مضمون هذه القاعدة. بينما يرمي منهج القواعد ذات التطبيق الضروري إلى حماية المصالح الحيوية للدولة إذ تطبق قواعده بمجرد وجود صلة جدية ووثيقة بين العلاقة محل النزاع و بين النظام القانوني لدولة القاضي المختص على نحو كاف (10).
ويشير جانب من الفقه(11)بشأن الأسلوب الفني لإعمال كل من المنهجين، أن القواعد ذات التطبيق الضروري تسري بقوتها الذاتية دون حاجة إلى قاعدة إسناد، تحدد حالات تطبيقها أي أنها قواعد ذات تطبيق ذاتي، فان القواعد الموضوعية المتعلقة بالعقود الدولية، ومعاملات التجارة عبر الحدود لا تسري في غالب الأحوال إلا بمقتضى قاعدة الإسناد هي في الغالب إرادة الأطراف في العقد الدولي، وحتى إذا كانت القواعد الموضوعية ذات طابع وطني أو ذات مصدر قضائي، فلا يسوغ الادعاء بأن تلك القواعد لا تفترق عن القواعد ذات التطبيق الضروري إذ تسريان كلاهما بمجرد انعقاد الاختصاص القضائي للمحاكم الوطنية، فالواقع أن القواعد ذات التطبيق الضروري في قانون القاضي، لا تسري لمجرد الاختصاص القضائي بل لابد من وجود صلة جدية ووثيقة بين العلاقة محل النزاع و بين النظام القانوني لدولة القاضي المختص بالفصل في القضية، أما القواعد الموضوعية الوطنية فهي تسري إذا تحقق في العلاقة المذكورة وصف معين وهو "الدولية أو الاتصال بمصالح التجارة الدولية دون تطلب توافر صلة أية صلة بقانون دولة القاضي.
____________
1- د. أحمد عبد الحميد عشوش، تنازع مناهج تنازع القوانين، الطبعة الاولى ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1985 ، ص 16.
2- د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، دار النهضة العربية القاهرة 1989 ، ص 1391 .
3- د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1990 ، ص525-529.
4- نقلا عن د. محمد عبد الله محمد المؤيد، منهج القواعد الموضوعية في تنظيم العلاقات الخاصة ذات الطابع الدولي ، دار النهضة العربية القاهرة 1998 ، ص 465.
5- عبد الله فاضل حامد ميراني، القواعد الآمرة وتطبيقها على العقد الدولي "دراسة تحليلية"، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون والسياسية في جامعة دهوك، 2005 ، ص 81.
6- د. أحمد عبد الكريم سلامة، القواعد ذات التطبيق الضروري، وقواعد القانون العام في القانون الدولي الخاص ، دراسة تحليلية مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1985 ، ص 201
7- ينظر ص 111-125 من هذه الأطروحة .
8- د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، المرجع السابق، ص 1391 .
9- المرجع نفسه، ص 361؛ وهذا يعكس رأي الفقه المناصر لمنهج القواعد ذات التطبيق الضروري، وسيتبين لنا في الفصل الثالث كفاية منهج قاعدة الإسناد في إعمال منهج القواعد ذات التطبيق الضروري ومن ثم فلا حاجة لإعطاء هذا المنهج الأولوية في الإعمال لأنه سينطبق بموجب منهج قاعدة الإسناد، و بإمكان الدفع بالنظام العام أن يحقق الغاية نفسها في حماية الاسم الاجتماعية والاقتصادية و السياسية في قانون القاضي .
10- د. محمد عبد الله محمد المؤيد، المرجع السابق، ص466
11- د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، المرجع السابق، ص 1390
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|