المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6253 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

ابن الصلاح
7-8-2016
دور الموطن في مجال تنازع القوانين
31-1-2022
Phosphorus and Life
6-11-2018
المعالجـة المحاسبـية للسـلـم والسـلـم المـوازي
2023-08-03
أشعار لراشد بن عريف الكاتب
12/12/2022
الصبيان ورفاقهم
9-7-2020


ما الأدب؟ ولماذا الآداب الإسلاميّة؟  
  
1296   11:21 صباحاً   التاريخ: 2023-12-12
المؤلف : السيد عادل العلويّ.
الكتاب أو المصدر : طالب العلم والسيرة الأخلاقيّة.
الجزء والصفحة : ص 21 ــ 36.
القسم : الاخلاق و الادعية / آداب / اداب عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-6-2017 2580
التاريخ: 26-9-2016 1904
التاريخ: 2023-03-29 1305
التاريخ: 22-6-2017 2062

الأدب من الأخلاق الفرعيّة ومن منشآتها، وهو بمعنى الهيئة الحسنة الممدوحة التي ينبغي أن يقع عليه الفعل المشروع، إمّا في الدين، أو عند العقلاء في مجتمعهم، كآداب الدعاء والصلاة وملاقاة الأصدقاء، وأدب المعاشرة، وما شابه ذلك، وإن شئت فقل: الأدب يعني ظرافة العمل ولطافته.

ولا يكون إلاّ في الاُمور المشروعة غير الممنوعة شرعاً وعقلا، فلا أدب في الظلم والخيانة والكذب، ولا أدب في الأعمال الشنيعة والقبيحة، ولا يتحقّق أيضاً إلاّ في الأفعال الاختياريّة، التي لها هيئات مختلفة فوق الواحدة، حتّى يكون بعضها متلبّساً بالأدب دون بعض، كأدب الأكل مثلا في الإسلام: وهو أن يبدأ فيه بالبسملة ـ بسم الله ـ، ويختم بالحمدلة ـ الحمد لله ـ ويأكل دون الشبع وألا ينظر إلى الآخرين وغير ذلك من الآداب والسنن.

وإذا كان الأدب هو الهيئة الحسنة في الأفعال الاختياريّة، والحسن وإن كان بحسب أصل معناه وهو الموافقة لغرض الحياة، ممّـا لا يختلف فيه أنظار المجتمعات، لكنّه بحسب مصاديقه ممّـا يقع فيه أشدّ الخلاف، وبحسب اختلاف الزمان والمكان واختلاف الاُمم والشعوب والأديان والمذاهب، وحتّى المجتمعات الصغيرة المنزليّة وغيرها في تشخيص الحسن والقبيح يقع الاختلاف والخلاف بينهم في آداب الأفعال وحسنها وقبحها.

فربّما كان عند قوم من الآداب ما لا يعرفه آخرون، وربما كان بعض الآداب المستحسنة عند قوم شنيعة مذمومة عند آخرين، كتحيّة أوّل اللقاء، فإنّه في الإسلام بالتسليم تحيّة من عند الله مباركة طيّبة، وعند قوم برفع القلانس، وعند بعض برفع اليد حيال الرأس، وعند آخرين بانحناء وطأطأة رأس، وكما أنّ في آداب ملاقاة النساء عند الغربيّين اُموراً يذمّها الإسلام وينكرها، إلى غير ذلك.

غير أنّ هذه الاختلافات إنّما نشأت في مرحلة تشخيص المصداق، وأمّا أصل معنى الأدب، وهو الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يكون عليها الفعل، فهو ممّـا أطبق العقلاء من بني آدم، وأجمعوا على تحسينه فلا يختلف فيه اثنان.

وليست الآداب هي عين الأخلاق، فإنّ الأخلاق بمعنى الملكات الراسخة في النفوس، ولكنّ الآداب هيئات حسنة مختلفة تتلبّس بها الأعمال الصادرة عن الإنسان عن صفات مختلفة نفسيّة، فبين المعنيين بون بعيد.

إنّما الآداب من منشآت الأخلاق، والأخلاق من مقتضيات المجتمع بخصوصه بحسب غايته الخاصّة، فالغاية المطلوبة للإنسان في حياته هي التي تشخّص أدبه في أعماله، وترسم لنفسه حظّاً لا يتعدّاه إذا أتى بعمل في مسير حياته والتقرّب من غايته.

وإذا كان الأدب يتبع في خصوصيّته الغاية المطلوبة في الحياة، فالأدب الإلهي الإسلامي ـ بالمعنى الأعمّ ـ الذي أدّب الله سبحانه به أنبيائه ورسله وأوصيائهم (عليهم السلام)، ومن ثمّ ورثة الأنبياء العلماء الصالحين، هو الهيئة الحسنة في الأعمال الدينيّة التي تحاكي غرض الدين وغايته وهي السعادة الأبديّة ـ سعادة الدارين ـ المتمثّلة والمتبلورة في العبوديّة على اختلاف الأديان الحقّة بحسب كثرة موادّها وقلّتها، وبحسب مراتبها في الكمال ومدارج الرقيّ والتعالي.

والإسلام دين الله القويم لمّا كان من شأنه التعرّض لجميع جهات وحقول الحياة الإنسانيّة، بحيث لا يشذّ عنه شيء من شؤونها وتدبيرها، يسيراً كان أو خطيراً، فلذلك وسع الحياة أدباً وشملها خُلقاً، ورسم في كلّ عمل هيئة حسنة تحاكي غايته ومقاصده، وليس له غاية عامّة إلاّ توحيد الله سبحانه في مرحلتي الاعتقاد والعمل جميعاً، فإنّ الحياة عقيدة وجهاد، أي أن يعتقد الإنسان أنّ له إلهاً هو الذي منه بدء كلّ شيء، وإليه يعود كلّ شيء، له الأسماء الحسنى والصفات العليا، ثمّ يجري في الحياة ويعيش بأعمال تحاكي بنفسها عبوديّته وعبوديّة كلّ شيء عنده لله الحقّ عزّوجلّ، وبذلك يسري التوحيد في باطنه وظاهره، في جوارحه وجوانحه، في سيره وسيرته، وتظهر حقيقة العبوديّة من أقواله وأفعاله وسائر أبعاد وجوده ظهوراً تامّاً لا حجاب عليه.

فالأدب الإلهي ـ أو الأدب النبويّ والمولويّ ـ إنّما هي هيئة التوحيد الصادق في الفعل الناطق (1).

وطالب العلم أولى الناس برعاية الأخلاق الحسنة والآداب الإسلامية، أي بتجلّي التوحيد الكامل في أفعاله وأحواله وأقواله.

والناس إنّما يتّبعون أهل العلم في أقوالهم ومواعظهم، لو رأوا ذلك على حركاتهم وسكناتهم، فمن عمل بما علم وبدأ بنفسه أوّلا، فإنّه يؤثّر في النفوس وتنقاد له القلوب، وإلاّ فإنّ الكلام إذا خرج من القلب دخل في القلب، وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان. يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسيره ـ الميزان ـ: « فمن الواجب عند التعليم أن يتلقّى المتعلّم الحقائق العلميّة مشفوعةً بالعمل، حتّى يتدرّب ويتمرّن عليه لتزول بذلك الاعتقادات المخالفة الكائنة في زوايا نفسه، ويرسخ التصديق بما تعلّمه في النفس، لأنّ الوقوع أحسن شاهد على الإمكان ـ فإنّ أوّل دليل على إمكان الشيء وقوعه ـ ولذلك نرى أنّ العمل الذي لم تهد النفس وقوعه في الخارج يصعب انقيادها له، فإذا وقع لأوّل مرّة بدا كأنّه انقلب من امتناع إلى إمكان، وعظم أمر وقوعه، وأورث في النفس قلقاً واضطراباً، ثمّ إذا وقع ثانياً وثالثاً هان أمره وانكسر سورته، والتحق بالعاديات التي لا يعبأ بأمرها، وإنّ الخير عادة، كما أنّ الشرّ عادة.

ورعاية هذا الاُسلوب في التعليمات الدينية وخاصّة في التعليم الديني الإسلامي من أوضح الاُمور، فلم يأخذ شارع الدين في تعليم مؤمنيه بالكلّيات العقليّة والقوانين العامّة قطّ، بل بدأ بالعمل وشفعه بالقول والبيان اللفظي، فإذا استكمل أحدهم تعلّم معارف الدين وشرائعه، استكمله وهو مجهّز بالعمل الصالح، مزوّد بزاد التقوى.

كما أنّ من الواجب أن يكون المعلّم المربّي عاملا بعلمه، فلا تأثير في العلم إذا لم يقرن بالعمل، لأنّ للفعل دلالة كما أنّ للقول دلالة، فالفعل المخالف للقول يدلّ على ثبوت هيئة مخالفة في النفس يكذب القول فيدلّ على أنّ القول مكيدة ونوع حيلة يحتال بها قائله لغرور الناس واصطيادهم.

ولذلك نرى الناس لا تلين قلوبهم ولا تنقاد نفوسهم للعظة والنصيحة إذا وجدوا الواعظ به أو الناصح بإبلاغه غير متلبّس بالعمل متجافياً عن الصبر والثبات في طريقه.

فمن شرائط التربية الصالحة أن يكون المعلّم المربّي في نفسه متّصفاً بما يصفه للمتعلّم متلبّساً بما يريد أن يلبسه، فمن المحال العادي أن يربّي المربّي الجبان شجاعاً باسلا، أو يتخرّج عالم حرّ في آرائه وأنظاره من مدرسة التعصّب واللجاج وهكذا.

قال تعالى:(أفَمَنْ يَهْدي إلى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهْدي إلاّ أنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمونَ) (2).

وقال:(أتَأمُرونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ) (3).

وقال حكايةً عن قول شعيب لقومه:(وَما اُريدُ أنْ اُخالِفَكُمْ إلى ما أنْهاكُمْ عَنْهُ إنْ اُريدُ إلاّ الإصْلاحَ ما اسْتَطَعْتُ) (4) إلى غير ذلك من الآيات.

فلذلك كلّه كان من الواجب أن يكون المعلّم المربّي ذا إيمان بموادّ تعليمه وتربيته.

على أنّ الإنسان الخالي عن الإيمان بما يقوله حتّى المنافق المتستّر بالأعمال الصالحة المتظاهر بالإيمان الصريح الخالص لا يتربّى بيده إلاّ من يمثّله في نفسه الخبيثة، فإنّ اللسان وإن أمكن إلقاء المغايرة بينه وبين الجنان بالتكلّم بما لا ترضى به النفس، ولا يوافقه السرّ إلاّ أنّ الكلام من جهة اُخرى فعل، والفعل من آثار النفس ورشحاتها، وكيف يمكن مخالفة الفعل لطبيعة فاعله؟ ... انتهى كلامه رفع الله مقامه.

فالأدب في الإسلام، أو الأدب الإسلامي يعني حكومة التوحيد في حياة الإنسان، فيسري التوحيد في جميع الأعمال (ومعنى سراية التوحيد في الأعمال كون صورها تمثّل التوحيد وتحاكيه محاكاة المرآة لمرئيها بحيث لو فرض أنّ التوحيد تصوّر لكان هو تلك الأعمال بعينها، وأنّ تلك الأعمال تجرّدت اعتقاداً محضاً لكانت هي هو بعينه)، فمن أدب الله قوله سبحانه وتعالى:(وَجَعَلـْناهُمْ أئِمَّةً يَهْدونَ بِأمْرِنا وَأوْحَيْنا إلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْراتِ وَإقامَ الصَّلاةِ وَإيْتاءَ الزَّكاةِ وَكانوا لَنا عابِدينَ) (5).

وما أكثر الآيات الكريمة والروايات الشريفة التي تحثّ الإنسان على أن يراعي الآداب. يكفيك شاهداً نماذج ممّـا يقوله أمير المؤمنين على (عليه السلام) في ذلك:

قال (عليه السلام):"الأدب كمال الرجل ".

"يا مؤمن، إنّ هذا العلم والأدب ثمن نفسك، فاجتهد في تعلّمهما، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد في ثمنك وقدرك".

"من لم يكن أفضل خلاله أدبه، كان أهون أحواله عطبه".

" الأدب أحسن سجيّة".

"أفضل الشرف الأدب".

" خير ما ورّث الآباء الأبناء: الأدب "

" حسن الأدب خير مؤازر وأفضل قرين"

" طالب الأدب أحزم من طالب الذهب"

" إنّ الناس إلى صالح الأدب أحوج منهم إلى الفضّة والذهب"

" أشرف حسب حسن أدب ".

" حسن الأدب أفضل نسب وأشرف سبب ".

" عليك بالأدب فإنّه زين الحسب ".

" حسن الأدب يستر قبح النسب ".

" فسد حسب من ليس له أدب ".

" الأدب حلل جدد ".

"زينتكم الأدب".

" لا زينة كالأدب ".

" من قلّ أدبه كثرت مساويه ".

" النفس مجبولة على سوء الأدب، والعبد مأمور بملازمة حسن الأدب، والنفس تجري في ميدان المخالفة، والعبد يجهد بردّها عن سوء المطالبة، فمتى أطلق عنانها فهو شريك في فسادها، ومن أعان نفسه في هوى نفسه، فقد أشرك نفسه في قتل نفسه ".

" نِعم قرين العقل الأدب ".

" كلّ شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى الأدب ".

" الآداب تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان ".

" تولّوا من أنفسكم تأديبها، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها ".

" ذَكِّ قلبك بالأدب كما يُذكّى النار بالحطب، ولا تكن كحاطب الليل وغثاء السيل ".

" ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم ".

"سبب تزكية الأخلاق حسن الأدب ".

"ليس شيء أحمد عاقبةً ولا ألذّ مغبّةً ولا أدفع لسوء أدب ولا أعون على درك مطلب من الصبر ".

"كفاك أدباً لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك ".

"قال الشعبيّ: تكلّم أمير المؤمنين (عليه السلام) بتسع كلمات ارتجلهنّ ارتجالا، فقأنَ عيون البلاغة وأيتمن جواهر الحكمة، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهنّ، ثلاث منها في المناجاة، وثلاث منها في الحكمة، وثلاث منها في الأدب. فأمّا اللاتي في المناجاة، فقال: إلهي كفى بي عزّاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي ربّاً، أنت كما اُحبّ فاجعلني كما تحبّ. وأمّا اللاتي في الحكمة، فقال: قيمة كلّ امرئ ما يحسنه، وما هلك امرؤ عرف قدره، والمرء مخبوّ تحت لسانه. واللاتي في الأدب، فقال: امنن على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغنِ عمّن شئت تكن نظيره ".

" أفضل الأدب أن يقف الإنسان عند حدّه ولا يتعدّى قدره ".

" أحسن الآداب ما كفّك عن المحارم ".

"تحرّي الصدق وتجنّب الكذب أجمل شيمة وأفضل أدب ".

"ضبط النفس عند الرغب والرهب من أفضل الأدب ".

"جالس العلماء يزدد علمك ويحسن أدبك".

" بالأدب تُشحذ الفِطَن ".

"إذا زاد علم الرجل زاد أدبه، وتضاعفت خشيته لربّه ".

"قيل لعيسى بن مريم (عليه السلام): مَن أدّبك؟ قال: ما أدّبني أحد، رأيت الجهل فجانبته ".

"قال لقمان (عليه السلام): من عنى بالأدب اهتمّ به، ومن اهتمّ به تكلّف علمه، ومن تكلّف علمه اشتدّ له طلبه، ومن اشتدّ طلبه أدرك منفعته، فاتّخذه عادة، فإنّك تخلف في نفسك وتنفع به من خلفك" (6).

من هذه الروايات الشريفة ومن أمثالها بالمئات والاُلوف نكتشف أنّ الواجب علينا لدرك سعادة الدارين وبلوغ الكمال والوصول إلى الله سبحانه أن نؤدّب أنفسنا بالتوحيد بأحسن الآداب، ونقمعها عن الأهواء والزيغ والارتياب، فإنّ النفس تفتقر دوماً إلى تأديب وتهذيب وترهيب وترغيب:

(إنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاّ ما رَحِمَ رَبِّي) (7).

(قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (8).

ويكفينا واعظاً وزاجراً قوله تعالى: (وَفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرونَ) (9).

فالواجب على كلّ عاقل أن يؤدّب نفسه بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، فكما أنّ تمام الشجرة بالثمرة، فتمام السعادة بمكارم الأخلاق ومحاسنها.

ومعلوم أنّ تهذيب الأخلاق ورعاية الآداب علم شريف، بل يعدّ من أشرف العلوم لا سيّما لأهل العلم، فإنّ العلماء قادة وسادة، والناس على دين ملوكهم، فإذا كان القائد صالحاً، فإنّ الرعيّة يلزمها الصلاح والفلاح والنجاح، وإذا فسد العالِم فسد العالَم، فأولى الناس بالآداب والأخلاق طلاّب العلوم، لا سيّما طلبة العلوم الدينية.

قال بعض البلغاء في الاهتمام بما هو الأهمّ من إصلاح أمر النفس على تقديم البدن وتقديم طبّها وعلاجها عليه: بأنّ الإنسان إذا كان قد علم أنّه مركّب من شيئين: أحدهما أشرف وهو النفس، والآخر أدنى وهو الجسم، فاتّخذ للدنيء منها أطبّاء يعالجونه من أمراضه التي تعروه، ويواظبون عليه بأقواته التي تغذوه، ويتعاهدونه بأدويته التي تنقّيه، وترك أن يفعل بالشيء الشريف مثل ذلك، فقد أساء الاختيار عن بيّنة، وأتى بالغلط عن بصيرة، وأطبّاء هذه النفس هم الأفاضل العلماء، وأقواتها الغاذية هي الآداب المأخوذة عنهم، وأدويتهم المنقّية هي النواهي والمواعظ المسموعة منهم. ومن الواضح أنّ من يدّعي علم الأشياء ومعرفتها، وهو لا يعرف نفسه ولم يهذّبها، فمثله مثل من يطعم الناس وهو جائع، ويداويهم وهو عليل، ويهديهم طريقاً وهو لا يدري طريقه، فلا بدّ أن يبدأ الإنسان بنفسه يكون إماماً لها ثمّ ينصب نفسه إماماً لغيره. الله الله في كسب الآداب، فما أروع ما يقوله أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في الديوان المنسوب إليه:            

كن ابن من شئت واكتسب أدباً

يغنِكَ محموده عن النسب

فليس يغني الحسيب نسبته

ليس الفتى من يقول: كان أبي (10)

قيل: أوّل ما يؤدّب به المبتدي: التبرّي من الحركات المذمومة، ثمّ التنقّل إلى الحركات المحمودة، ثمّ التفرّد لأمر الله، ثمّ التوقّف، ثمّ الرشاد، ثمّ الثبات، ثمّ القرب، ثمّ المناجاة، ثمّ المصافاة، ثمّ الموالاة، ولا يستقرّ هذا بقلبه حتّى يرجع إلى إيمانه، فيكون العلم والقدرة زاده، فيكون مقامه عند الله مقام المبشّرين من الحول والقوّة، وهذا مقام حملة العرش وليس بعده مقام.

وقيل: الأدب مع الله: القيام بأوامره على الإخلاص وصحّة المعاملة معه على الظاهر والباطن مع الخوف، والصحبة مع الخلق بالرفق والحلم والسخاء والشفقة، والأخذ بالفضل وصلة القاطع، والإحسان إلى المسيء، وتعظيم الجميع وأن ينأ عنه القلب، وازدرته العين، فإنّ كلّ أحد من المسلمين كائناً من كان لا يخلو من فضل الله ولعلّه ممّن يطيع الله.

وقال: كن لربّك عبداً، ولإخوانك خادماً، واعلم أنّه لا أحد من المسلمين إلاّ وله مع الله سرّاً، فاحفظ حرمة ذلك السرّ.

وقيل: من أساء الأدب على البساط ردّ إلى الباب، ومن أساء الأدب على الباب ردّ إلى سياسة الدوابّ.

وبالجملة: الناس في الآداب على أربع طبقات، والأدب في نفسه على أربع مراتب.

فأمّا طبقات الناس في الأدب، فمنهم: أهل الدنيا أكثر آدابهم في الفصاحة والبلاغة والأسمار والأشعار والخطّ والحركة باليد خاصّة، وبالبدن جملة.

وأهل الدين، أكثر آدابهم: التفقّه في أحكام الشرع، والتحلّي بالعبادة وأركانها وشرائطها، والانتهاء في المعاملات إلى مأخذ الشرع، توفّراً على المباحات وتصوّناً عن المحظورات.

وأهل الإرادة، أكثر آدابهم في رياضة النفوس وتأديب الجوارح وحفظ الحدود وترك الشهوات.

وأهل المعرفة أكثر آدابهم في طهارة القلوب وحفظ الوقت ومراعاة الأسرار وقلّة التعريج على النفس وخواطرها وشدّة التحفّظ في مقامات القربة ومواقعها.

وأمّا مراتب الأدب الأربع، فهي: أن يحافظ في المعاملات بحيث لا يعيب عليه الكبراء، ولا يأخذ من الدنيا ما يعيب عليه الزهّاد، ولا يقع من إيثار الاُمور ما يعيب عليه الحكماء، وتكون الصلاة في مراعاتها بحيث لا يعيب عليه الحفظة، فإنّ الصلاة مناجاة الربّ، فلا ينظر سرّه إلاّ إلى مولاه، ولا يطلب من الدارين إلاّ رضاه، فهذا في معرفة الأدب (11).

وإلى مثل هذه الآداب والكمالات يحتاج طالب العلم في سيرته الأخلاقية.

نشير إلى أهمّ الآداب التي على طالب العلم أن يراعيها، ويعرف حدودها، وما يترتّب عليها من الآثار في حياته الفردية والاجتماعيّة، في الدنيا والآخرة، ومن الله التوفيق والتسديد. وعلينا أن نخاف يوم الوعيد، كما نخاف من سوء العاقبة، فإنّ من لم يهذّب نفسه ويخلص في علمه وعمله، يبتلى بالحجاب الأكبر، وتنطبق عليه مثل هذه الآيات القرآنية في قوله تعالى:

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرينَ أعْمالا الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبونَ أنَّهُمْ يُحْسِنونَ صُنْعاً) (12).

(أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلـهَهُ هَواهُ وَأضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلـْم وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلـْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْديهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أفَلا تَذَكَّرونَ) (13).

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَوْ شَئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلـكِنَّهُ أخْلَدَ إلى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلـْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلـْهَثٌ أوْ تَتْرُكْهُ يَلـْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرونَ ساءَ مَثَلا القَوْمُ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَأنْفُسَهُمْ كانوا يَظْلِمونَ) (14).

(مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلوها كَمَثَلِ الحَمارِ يَحْمِلُ أسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدي القَوْمَ الظَّالِمينَ) (15).

فهذه بعض أوصاف اُولئكَ العلماء الذين لم ينتفعوا من علمهم، لأنّه لم يقترن العلم بالتربية والتزكية، فإنّ أوّل ما ينبغي على طالب العلوم الدينيّة القيام به، هو أن يكون بصدد تهذيب نفسه وتطهير روحه وصيقلة قلبه، فإنّ جميع القيم والمثل ترتكز على محور تزكية النفس: (قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها).

وَما لم يتمّ غسل القلب من الأدران والصفات الشيطانيّة والرذائل النفسيّة فلن يكون باستطاعة شيء ـ حتّى العلم ـ أن ينجي الإنسان.

بل إنّ من لم يهذّب نفسه ... كلّما ازداد علماً علماً كلّما ازداد إضراره بنفسه وبمجتمعه، إنّ العلم كالسكّين إذا كانت في يد جرّاح مختصّ ماهر فهي سبب الحفاظ على الحياة، وإذا كانت في يد جاهل أحمق فهي خطر على الناس.

فيا أخي (الروحاني) فكّر جيّداً وانظر في عواقب الاُمور، وليكن همّك قبل كلّ شيء تطهير باطنك وتنظيف قلبك.

إنّ حكم قتل آية الله الشهيد الشيخ فضل الله نوري رضوان الله عليه قد أصدره معمّم لم يهذّب نفسه، أي الشيخ إبراهيم الزنجاني ممثّل زنجان في المجلس النيابي، فقد تصدّى للقضاء في محاكمة الشيخ الشهيد وأفتى بقتله.

وقد ذمّت الروايات العلماء الذين لم يزكّوا أنفسهم ذمّاً كبيراً وبيّنت أنّ خطر هؤلاء لا تكاد تحدّه أبعاد.

يقول أمير المؤمنين على (عليه السلام): "قصم ظهري اثنان: عالمٌ متهتّك وجاهل متنسّك، فالجاهل يغشّ الناس بتنسّكه، والعالم يغرّهم بتهتّكه".

يقول الإمام الخميني (قدس سره) في هذا الصدد: "إذا لم تصلحوا أنفسكم في الحوزات العلميّة، فأينما ذهبتم فإنّكم تتسبّبون بانحراف الناس عن الإسلام وجعلهم يسيئون الظنّ بالروحانيّين ورجال الدين.

إذا درستم فقد تصبحوا علماء، ولكن يجب أن تعلموا أنّ الفارق كبيرٌ جدّاً بين العالم والمهذّب، فكلّما اختزنت هذه المفاهيم في القلب الأسود غير المهذّب يزداد الحجاب، إنّ العلم في النفس غير المهذّبة حجاب ظلام ... العلم نورٌ ولكن في القلب الأسود يصبح سبباً في ازدياد دائرة الظلمة والاسوداد.

انتبهوا، إيّاكم أن تبذلوا الجهد خمسين سنة بكدّ اليمين وعرق الجبين في الحوزات ثمّ تكسبوا جهنّم ... فكّروا وادرسوا سبل إصلاح المناهج الدراسيّة في مجال الأخلاق وتزكية النفس وتهذيبها.

معاذ الله أن يقبل الناس على شخص ويحترموه قبل أن يهذّب نفسه، عندها يخسر نفسه، ابحثوا عن حلّ قبل أن تبيض اللحى.

على الشباب أن لا ينتظروا حتّى يعلو بياض غبار الموت رؤوسهم ووجوههم، ما دمتم شباباً فباستطاعتكم أن تفعلوا شيئاً.

انتبهوا ما دامت الفرصة باقية، وكونوا قبل كلّ شيء بصدد تهذيب أنفسكم وتزكيتها"(16).

وزبدة المخاض ونتيجة ما تقدّم نصل إلى هذه الحقيقة الواضحة، أنّ الوصول إلى الكمالات الروحيّة والمدارج المعنويّة، والإحاطة بأسرار عالم الوجود، وما وراء الطبيعة، والانقطاع إلى الله سبحانه، حتّى يكون الإنسان عالماً ربّانيّاً تتجلّى فيه صفات الله سبحانه وأسمائه الحسنى، لا سبيل إليه إلاّ في إطار تهذيب النفس والتحلّي بالأخلاق الحسنة والسجايا الطيّبة.

يقول صدر المتألّهين: "عندما كنت في (كهك ـ قرية بأطراف قمّ المقدّسة) كنت أعمل على تهذيب نفسي، كنت أخلو بنفسي واُفكّر، أستعرض المعلومات التي تعلّمتها، كنت اُحاول جاهداً أن أفهم أسرار الوجود بقوّة العلم والإيمان، وبسبب الإخلاص وتزكية النفس، أضاء قلبي وفتحت أمامي أبواب الملكوت، وبعدها أبواب الجبروت وفهمت أسرار الدنيا الإلهية، وفهمت أشياء لم أكن في البداية أتصوّر أن تفكّ لي رموزها"(17).

(قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها * وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (18).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اقتباس من كتاب سيّدنا العلاّمة الطباطبائي (الميزان في تفسير القرآن 6: 256، وللموضوع تتمّة قيّمة يتعرّض المصنّف فيها إلى آداب الأنبياء مع الله ومع الناس، ثمّ أدب النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله)، فراجع فيه فوائد جمّة.

(2) يونس: 35.

(3) البقرة: 44.

(4) هود: 88.

(5) الأنبياء: 37.

(6) الروايات من ميزان الحكمة 1: 52، طبعة مؤسسة دار الحديث.

(7) يوسف: 52.

(8) الشمس: 9 ـ 10.

(9) الذاريات: 21.

(10) آداب النفس: 152، في الهامش.

(11)  آداب النفس: 152.

(12) الكهف: 103 ـ 104.

(13) الجاثية: 23.

(14) الأعراف: 175 ـ 176.

(15) الجمعة: 5.

(16) سيماء الصالحين: 25، عن الجهاد الأكبر.

(17) المصدر: 32.

(18) الشمس: 9 ـ 10.

 

 

 




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.