أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-08
1192
التاريخ: 2023-08-19
1188
التاريخ: 31-3-2016
2490
التاريخ: 1-4-2016
11440
|
تعد الطاعة الرئاسية من الواجبات الوظيفية والتي لها مكانة بارزة بين واجبات المرؤوس وذلك لارتباطها المباشر بسير العمل في المرافق العامة، وإن اختلفت هذه الطاعة من مرؤوس لآخر ووفقاً للدوافع التي تعتري العملية الوظيفية، وليس كل قرار يصدره الرئيس الإداري يكون واجب الطاعة من قبل المرؤوس، فالطاعة شروط وحدود يجب مراعاتها وفقاً للقواعد القانونية، لذا سنحاول في هذا الفرع أن نبين معنى الطاعة الرئاسية وأساسها .
أولاً: التعريف بالطاعة الرئاسية
يختلف مفهوم واجب الطاعة في اللغة (1) ، عنه في الشرع عن الفقه القانوني والطاعة في الشريعة الإسلامية يقصد بها الانقياد إلى الله (عز وجل) والتسليم لأوامره، وعدم عصيانه أو الخروج على شرائعه، فالطاعة دليل الاتباع لأحكام الدين الإسلامي واجتناب نواهيه والتفرقة بين ما على المسلم أن يتبعه وما عليه تركه والنهي عنه، إنصاتاً لقوله تعالى: (( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَا بُوا إِلَى اللَّهِ هُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَيكَ الَّذِينَ هَدَتهُمُ اللَّهُ وَأَوَلَيْكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ )) (2)
وفي تعريف الطاعة لدى فقهاء القانون فمنهم من أخذ بالمعنى الواسع فعرفها بأنها احترام النصوص الدستورية والتشريعية بوجه عام، ومنهم من أخذ بالمعنى الضيق وهو الخضوع لأوامر الرؤساء (3)، وتعد طاعة الرؤساء العمود الفقري في كل نظام إداري وإذا تسرب إلى هذا المبدأ أي خلل فلن يجدى في إصلاح الإدارة أي علاج (4).
وعرفت الطاعة حسب مدلولها الضيق لدى أغلب الفقهاء الفرنسيين ومنهم الفقيه (سالون) بأنها " التنفيذ الدقيق لقواعد المرفق العام والتطابق مع أوامر الرؤساء شفوية كانت أم كتابية"، وهذا ما ذهب إليه الفقيهان (دوبز) و (ديبير) (5) ، في حين نجد الفقيه الفرنسي (ديجي) أخذ بالمعنى الواسع بمفهوم الطاعة والذي يرى أنه لا يوجد واجب طاعة للسلطة الرئاسية يتميز عن واجب طاعة القانون، فدور السلطة الرئاسية لا يزيد عن كونه إعطاء تعليمات للقانون للعمل بمقتضاها (6)، ويرتبط واجب طاعة الموظف لرئيسه في الوظيفة العامة مع واجب احترام الرؤساء والتزام آداب اللياقة معهم، وهذا ما أكدته أغلب النصوص القانونية والأحكام القضائية وما آل إليه أغلب فقهاء القانون . وبهذا نجد أن غالبية الفقه الإداري (7) ، قد أخذوا بالمدلول الضيق كون الطاعة بمدلولها الواسع تشمل طاعة الأفراد عموماً للقانون، ويدخل بمضمونها كل طاعة شخص لشخص آخر، كطاعة الأبناء لآبائهم أو طاعة العمال لأرباب العمل، في حين نجد أن المدلول الضيق قد قصر بمفهومه على تنفيذ أوامر وتوجيهات الرؤساء واحترامهم في العملية الوظيفية(8)، وهو ما يرجح للأخذ بالمعنى الضيق في تعريف الطاعة، وممن الجدير بالذكر أن التعريفات التي تتناولت واجب الطاعة اكدت عنصراً مهماً من عناصر السلطة الرئاسية والمستقر عليه فقهاً وقضاء ألا وهو احترام الرؤساء ، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا المصرية في إحدى أحكامها والتي تقتضي بأن طاعة الموظف لرئيسه من أهم واجبات وظيفته، إذ أن الرئيس بحسب التدرج الرئاسي هو المسؤول عن حسن سير العمل، وترك الأمر للموظف باختيار ما يشاء من أعمال ويرفض ما لا تهواه نفسه يؤدي إلى الإخلال بالعمل الوظيفي (9).
ومما تقدم يمكن أن نلخص مفهوم الطاعة مع التأكيد على المدلول الضيق له بأنه "التزام المرؤوس باحترام وتنفيذ قرارات الرئيس الإداري في إطار العملية الوظيفية وضمن الحدود المنصوص عليها قانوناً" .
وتماشياً مع ما تم ذكره نجد أن الامتثال لأوامر الرؤساء واجب وظيفي يفرض الخضوع لأحكام القانون واحترام المرؤوس لأوامر الرئيس وهذا الاحترام بحد ذاته هو الذي ينتج منه علاقة التدرج الوظيفي داخل نظام الوظيفة العامة، والذي أصبح اليوم مبدأ من مبادئ التنظيم الإداري .
ثانياً : أسس واجب الطاعة
أن من الأسس التي يستمد منها واجب الطاعة الرئاسية أساسه في الوظيفة يكون أحدها نابع من الوظيفة العامة والتدرج الرئاسي للوظيفة العامة، والذي يُعد أساسه القانوني كما يستمد أيضا واجب الطاعة حدوده من مبادئ الشريعة الإسلامية والأخلاق وهذا ما سنوضحه في النقطتين الآتيتين:
1-الأساس القانوني لواجب الطاعة
يعد واجب الطاعة أساساً هاماً من أسس الخضوع للسلطة الرئاسية، وبمقتضى هذا الواجب يتعين على المرؤوس أن ينفذ ما يصدر إليه من رئيسه من أوامر داخل الوحدة الإدارية، وذلك بحكم ما للرئيس من سلطة على مرؤوسيه، تلك السلطة المبنية على مسؤوليته عن أعمال مرؤوسيه، والمرؤوس الذي يقبل الانتماء إلى التنظيم الإداري عليه أن يخضع لقواعد هذا التنظيم بما فيها قبوله لسلطات رؤسائه في إصدار القرارات وأي انتهاك لهذا الواجب أو عدم الرضا لتنفيذه يضع نفسه في مركز المخالف أو المتمرد على النصوص القانونية والتي أرتضى بها سلفاً، الأمر الذي يسوغ به إلى مسألته تأديبياً (10).
ومن الجدير بالذكر إن الامتثال لواجب الطاعة هو أحد النتائج المترتبة على النظام العام للدولة والقواعد الدستورية، ذلك أن طاعة الرؤساء تتبع فكرة التدرج الوظيفي، والتي بدورها تنبثق من نظام الوظيفة العامة وضرورتها والتي يتم تنظيمها بواسطة القانون على أن يكون ذلك في حدود النظام العام للدولة والتي يشترط فيها ضرورة التوافق بين أركانها ومكوناتها الدستورية من حكام ومحكومين والتي يفترض فيها كذلك الخضوع لأحكام القانون واحترام أوامر الرؤساء (11) وهذا يعني خضوع الكل لمبدا المشروعية .
وهكذا نشأ التدرج الرئاسي بين الموظفين وولدت معه رابطة التبعية للرؤساء والتي تعني الالتزام بأوامرهم والقيام بطاعتهم ، حتى أصبح اليوم مبدأ من مبادئ التنظيم الإداري، ولما كان واجب الطاعة يستمد أساسه القانوني من تنظيم الوظيفة العامة ذاتها والقائمة على فكرة التدرج الرئاسي، أو ما يعرف بنظام السلطة الرئاسية فإن الأساس القانوني لواجب الطاعة على هذا النحو يمكن إرجاعه إلى فكرتين أساسيتين هما:
أ- إن الطاعة مستمدة من سلطة الدولة:
وترتبط هذه السلطة ارتباطاً وثيقاً بمبدأ التدرج الإداري توزع فيه المسؤولية على درجات متعددة، ويتخذ شكل هرم إداري متتابع ترتبط فيه كل درجة بالدرجة التي تليها مباشرة برابطة قانونية مباشرة، ألا وهي رابطة السلطة الرئاسية، وعليه تكون السلطة الإدارية بمثابة سلطة متميزة تمثل من خلالها الدولة وتتصرف بأسمها، فالسلطة الممنوحة للرئيس الإداري مستمدة من تمثيله للدولة، وأن طاعته هي طاعة للدولة وللقانون والنظام العام فيها (12).
ب- أن الطاعة الرئاسية هي ضمانة من ضمانات السير الحسن للإدارة:
وهنا نجد أن الرئيس الإداري تقع على عاتقه مسؤولية سير العمل في الإدارة التي يترأسها ويتولى الإشراف عليها، وبهذا فإن العمل الذي يقوم به الموظف يجب أن يكون تنفيذاً لأوامر الرئيس في الوحدة الإدارية، وذلك حتى يسير العمل داخل الإدارة بانتظام وإطراد، وبعيداً عن الأهواء الشخصية للمرؤوسين، فأي عمل يقوم به المرؤوس ما هو إلا تنفيذ الأوامر الرئيس المسؤول المباشر عن تنفيذ العمل، لأنه لو ترك مجال الخيار في القيام ببعض الأعمال دون الأخرى لكان هناك تغليب لمصلحته على حساب المصلحة العامة، وهذا من شأنه زرع الفوضى والإخلال بالسير الحسن للإدارة (13)، وهذا الأساس القانوني لواجب الطاعة هو ما أكدت عليه النصوص القانونية والأنظمة المقارنة وكذلك ما أكد عليه المشرع العراقي .
ففي فرنسا نجد صدى الطاعة في نص المادة (28) من قانون التوظيف الفرنسي لسنة 1983 على " يعتبر الموظف العام أياً كان موقعه في الهرم الإداري مسؤولاً عن تنفيذ المهمات المنوطة به ويتعين عليه احترام التعليمات الصادرة من رئيسه الإداري الأعلى " (14).
وعلى المنوال ذاته ذهب المشرع المصري في مضمون المادة (149) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية المصري رقم (81) لسنة 2018 النافذ والتي نصت على " يجب على الموظف الالتزام بأحكام القوانين واللوائح والقرارات والنظم المعمول بها والعمل على تطبيقها، ويتعين عليه على الأخص ما يأتي: ... 8- أن ينفذ ما يصدر إليه من أوامر بدقة وأمانة، وذلك في حدود القوانين واللوائح والنظم المعمول بها (15)، وهذا ما آلت إليه أغلب التشريعات العربية المقارنة (16).
أما في العراق فقد أكدت على هذا المادة (4) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي رقم (14) لسنة 1991 ،المعدل، والسالف ذكرها والتي أوجب فيها المشرع العراقي بالإلزام المرؤوس باحترام وطاعة رئيسه والتزام اللياقة مع الرئيس وعدم الخروج عن قرارات الرئيس الإداري، إلا أن المشرع العراقي أجاز للمرؤوس أن ينبه الرئيس في حالة وجود قرار غير مشروع ليتم إعفائه من المسؤولية.
وهذا ما قضت به المحكمة الإدارية العليا في مصر في أحد قراراتها والتي جاء فيها «إن من أهم واجبات الوظيفة أن يصدع الموظف بالأمر الصادر إليه من رئيسه وأن ينفذه فوراً بلا توضيح، ولا أن يمتنع عن تنفيذه بحجة عدم ملائمة المكان المحدد لعمله أو عجزه عن القيام بالعمل الموكول إليه ذلك أن الذي يقوم بتوزيع الأعمال ويحدد مكان عمل كل موظف هو الرئيس، بحسب التدرج الإداري وهو المسؤول عن حسن سير العمل، فترك الأمر للموظف أن يختار ما يشاء من الأعمال ... يؤدي إلى الإخلال بالنظام الوظيفي ويعرض المصلحة العامة للخطر» (17).
وإن واجب الطاعة طالما يوجد مع وجود التدرج الرئاسي داخل كل خلية إدارية، والتي أدت إلى أنبثاق رابطة التبعية للرؤساء ، مما دفع بعض الفقهاء (18) ، إلى القول بعدم وجود فرق بين التدرج الرئاسي بين الموظفين من جهة وبين التدرج الإدراي الذي تقوم به الهيئات الإدراية من جهة أخرى، فهو يخلط بين علاقة الخضوع التي تقوم بين الهيئات الإدارية والتي تقررها وتفرضها مبادئ التنظيم الإداري في الدولة، وبين واجب الطاعة لأوامر الرؤساء والذي يثقل كاهل
الموظف في داخل كل خلية إدارية في نظام المركزية كانت أو نظام اللامركزية الإدارية. ونحن نؤيد ما ذهب إليه بعض الفقه على أن علاقة التدرج الرئاسي التي تقوم بين الرئيس والمرؤوس والتي أنبثق منها واجب الطاعة لا يرتبط بنظام المركزية أو اللامركزية الإدارية، طالما كان هناك خضوع لأوامر الرئيس من قبل المرؤوسين والذي يُعد من ضرورات سير العمل، لأن واجب الطاعة هو ذات الواجب الوظيفي الذي يتبع من الوظيفة العامة وحاله حال بقية الواجبات الوظيفية، والذي لا تتصور معه وجود اختلاف مضمونه في المركزية عنه في اللامركزية، لا سيما وجود التدرج الداخلي بين الهيئات والوحدات التابعة للنظام اللامركزي، وإن كان على قمة هذا التدرج لا يوجد الوزير كما هو الحال في النظام المركزي، إلا أنه توجد سلطة إدارية لا مركزية مثل مجلس الجامعة ومجلس المحافظة أو أي من الهيئات اللامركزية المرفقية كانت أم المحلية، لأنه طالما يوجد فيها تدرج داخلي فهذا يعني وجود رئيس ومرؤوس، ووجود طاعة وخضوع .
2 - الأساس الشرعي والاخلاقي لواجب الطاعة
إن واجب الطاعة في الوظيفة العامة وان كان يؤسس في المقام الأول على اعتبارات قانونية، فإن له أصولاً أخرى تستمد من قواعد الدين الإسلامي الحنيف ومبادئ الأخلاق، وهذا ماسنوضحه في هذا الجانبين وكمايلي:
أ - الاساس الشرعي لواجب الطاعة:
فمن الناحية الشرعية نجد أن طاعة الرؤساء في الإسلام يعد من الواجبات الأساسية التي حرص الإسلام أن يغرسها في قلوب المؤمنين، وتأكيداً لأهمية هذا الواجب جاء تقريره في الأوامر القرآنية الموجهة للمسلمين والتي نجدها في قوله تعالى: (( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَتَزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )) (19) ، وهذا النص القرآني هو أمر من الله عز وجل بطاعة الله ورسوله الكريم ، ومن ثم بطاعة أولي الأمر الذين يتولون أمر المسلمين ولهم الحق في إدارة شؤونهم على أن يكون ذلك فيما اأمر الله ورسوله به.
كما أن سند الطاعة نجدها في قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن عبد الله بن عمر رضي ا الله عنهما:
أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وأكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (20) ، وبهذا نجد أن طاعة المرؤوس لرئيسه الإداري تدخل في باب الأمتثال لأوامر الدين الإسلامي الحنيف شرط إلا يكون في معصية الله تعالى.
ب- الاساس الاخلاقي لواجب الطاعة:
أما من الناحية الاخلاقية فنجد أن لواجب الطاعة له أصولاً تستمد من قواعد ومبادئ الأخلاق السارية في الوظيفة العامة، فالطاعة للرؤساء تقوم على أساس الثقة في أوامرهم، وأقتراض الكفاءة في جانبهم ليتولوا مقاليد الأمور في المرافق العامة (21)، فنجد أن المرؤوس يقدم على طاعة أوامر رئيسه وتنفيذها وتقبل سلطته الإدارية عن أقتناع ذاتي بأن ما يقوم به هو السلوك الرشيد الذي تفرضه أخلاقيات الوظيفة العامة، وهذا ما نجده اليوم في عصرنا أنه طالما كان الرئيس الإداري صاحب خلق وذا سلوك مستقيم، نجد نجاح سير العمل داخل المؤسسة الإدارية والتفات جميع المرؤوسين تحت إمرته برضا وقناعة ، وفي المقابل طالما كان المرؤوسين ذا أخلاق حسنة وضمير حي في أداء الواجب فضلاً عن الكفاءة، كان هناك عمل جماعي يخدم إدارة المرافق العامة بكل حيوية وإخلاص لأن الأخلاق الفاضلة تسمو بصاحبها وتجعله متجرداً من الأهواء والمصالح الشخصية .
ثالثاً: حدود واجب الطاعة
إن حدود واجب الطاعة في الوظيفة العامة تختلف عن أساسها، فواجب الطاعة هو خضوع المرؤوس لقرارات الرئيس وأوامره الرئاسية واحترامها بالقدر اللازم لسير العملية الإدارية بأنتظام، وأن هذا الاختلاف في حدود واجب الطاعة قد يكون منها ما هو متعلق بطبيعة النظام الإداري ومنها ما هو متعلق بطبيعة الوظيفة العامة وهذا ما سنتطرق إليه وفقاً للنقاط الاتية:
1 - الحدود المستمدة من طبيعة النظام الإداري
إن حدود الالتزام بواجب الطاعة يختلف باختلاف طبيعة النظام الإداري المتبع في كل نظام، فإذا كان النظام الإداري مركزياً كانت الرابطة بين الرئيس ومرؤوسيه رابطة خضوع، وإذا كان النظام لا مركزياً فإن الرابطة بين السلطة المركزية والإدارات المحلية تخضع لنظام الوصاية الإدارية، ولكل منهما نظامه الخاص وأثره على واجب الطاعة مختلف، وهذا ما سنوضحه وكالآتي:
أ- حدود الطاعة في النظام الإداري المركزي:
تعرف المركزية الإدارية كصورة من صور التنظيم الإداري " حصر ممارسة الوظيفة الإدارية في الدولة بالحكومة المركزية فهي تعني التوحيد وعدم التجزئة، فتقوم الأجهزة الإدارية التابعة للحكومة في المركز مباشرة بممارسة الوظائف والاختصاصات الإدارية في جميع إقليم الدولة" (22) ، أي تعني تركيز الوظيفة الإدارية في الدولة على ممثلي الحكومة في العاصمة وهم الوزراء دون مشاركة أو رجوع إلى هيئات أخرى، وفي ظل هذا النظام تلتزم السلطة الدنيا بالقرارات التي تصدر من السلطة العليا ويساعد على هذه الخاصية الترتيب الذي يسود السلطة التنفيذية وتقسيم الموظفين رؤساء ومرؤوسين إلى درجات يعلو بعضها بعضاً في سلم إداري منتظم، بحيث يخضع كل مرؤوس برئيسه خضوعاً تاماً وينفذ أوامره ويعمل تحت إشرافه وتوجيهاته (23).
ومن ثم نجد أن السلطة الرئاسية في النظام الإداري المركزي تكون أوسع من حيث نطاقها وذلك لأن سلطة الرئيس تكون سلطة واسعة على مرؤوسيه في كل ما يتعلق بسير المرفق العام، سواء كانت تلك السلطة المتعلقة بشخص المرؤوس أم في أعماله، وهذا كله يعود إلى طبيعة العلاقة بين الرئيس والمرؤوس، والتي تحكمها رابطة الخضوع والتبعية الرئاسية.
وعليه فإن حدود الطاعة الرئاسية في ظل هذا النظام تتسع بشكل كبير لصالح الرئيس الإداري نظراً لما تقتضيه خصائص النظام المركزي من " حصر الوظيفة الإدارية في يد الحكومة المركزية وخضوع جميع الموظفين لنظام السلم الإداري والحكومة المركزية" (24).
ب - حدود الطاعة في النظام الإداري اللامركزي:
يقصد باللامركزية الإدارية على أنها " أسلوب من أساليب العمل الإداري يقوم على توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطة المركزية وبين هيئات أو مجالس منتخبة" (25).
وقد أطلق الفقهاء على الرقابة التي تمارسها السلطة المركزية على الهيئات اللامركزية تسمية (الوصاية الإدارية )والتي سبق الإشارة إليها والتي تعد عنصراً أساسياً من عناصر اللامركزية الإدارية والتي بمقتضاها لا يجوز للسلطة المركزية تعديل القرارات التي تصدرها الهيئات المحلية وكل ما تملكه هو أن توافق عليها بحالتها أو ترفضها (26)، لأن السمة المميزة لهذا النظام هو الاستقلال الذي يتمثل بوجود هيئات إدارية تتمتع بالشخصية المعنوية، ووجود مجالس إدارية تتولى الإشراف على هذه الهيئات ويكون لها سلطة التقرير المستقلة مع خضوعها لنوع من الإشراف والرقابة للهيئات المركزية، يستبعد معه سلطة الأمر والتوجيه (27).
وان القاعدة المستقرة في الفقه الإداري تؤكد لنا أن اللامركزية الإدارية الإقليمية والمرفقية هما صورتان من صور اللامركزية الإدارية والتي تدور حول توزيع الوظيفة الإدارية بين أكثر من هيئة واحدة وان كان اللامركزية الإقليمية إبعادها السياسية المتمثلة بمبدأ ديمقراطية الإدارة أكثر ما تستلزمه اللامركزية المرفقية حيث تكون الاعتبارات الفنية العامل الوحيد فيها (28). وخلاصة القول نجد أن مجال واجب الطاعة في داخل النظام المركزي يتسع إلى درجة كبيرة وذلك لأن مظاهر السلطة الرئاسية تكون أوسع منها في نطاق الوصاية الإدارية, إلا أنَّه لابد من التنويه أن واجب طاعة الرئيس الإداري واحترامه لا يختلف في النظام المركزي عنه في النظام اللامركزي، طالما كان هناك تدرج رئاسي بين رئيس ومرؤوس داخل الوحدة الإدارية فإن هناك واجب الطاعة، وتأسيساً على ذلك فالأساس القانوني لواجب الطاعة موجود في كلا النظامين المركزي واللامركزي.
2- الحدود المستمدة من طبيعة الوظيفة العامة:
تعد طبيعة الوظيفة العامة من أهم العوامل المؤثرة في مدى نطاق واجب الطاعة الرئاسية، حيث توجد وظائف يتعذر فيها القول بوجود سلطة رئاسية، وذلك لكون هذه الوظائف تقتضي طبيعتها قدراً من الأستقلال في ممارسة أعمالها كالوظائف الجامعية ووظيفة القاضي، في حين توجد وظائف تشتد فيها السلطة حتى يغدو المرؤوس آلة لتنفيذ الأوامر والتعليمات، دون أن يكون للمرؤوس أية سلطة تقديرية إلا اليسير منها ، كوظائف قوى الأمن الداخلي والوظائف العسكرية، وهذا ما سنوضحه وكما يأتي:
أ- الوظيفة القضائية
يعد عمل القضاة من أهم الأعمال في الدولة، ذلك أن السلطة القضائية هي حارسة العدالة والحريات لأن بأستقلالها يضمن المجتمع تطبيق سيادة القانون والحرية والعدالة، وعليه فإن القضاة تكون قراراتهم وأحكامهم حيادية، وذلك لتمتعهم بالاستقلال قانونـاً وعدم خضوعهم للسلطات الأخرى الموجودة في الدولة، كالسلطة التشريعية والتنفيذية أو حتى لنفوذ المصالح الخاصة والسياسية (29) . وإن مبدأ استقلال القضاء هو مبدأ دستوري أكدت عليه أغلب النصوص الدستورية والقانونية، ولا سلطان عليه غير القانون وهذا ما اكنت عليه المادة (148) من دستور جمهورية
مصر العربية لسنة 2014 ،المعدل، والتي أكدت على أستقلال القضاء بنصها " أن السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل في شؤون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم " (30). وهذا ما أكدته أيضاً المادة (97) من الدستور الأردني بنصها "القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون" (31).
وعلى النهج ذاته سار دستور جمهورية العراق لسنة 2005 عليه في المادة (88) بنصها «القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة» (32).
ووفقاً لهذه النصوص الدستورية نجد أن القضاة في أغلب التشريعات الحديثة ومنها التشريع العراقي غير خاضعين في أداء واجبهم القضائي لغير القانون وإن كان هناك أخطاء تقع منهم، لأن القاضي حر في تكوين قناعته وفي فهمه لنص المادة حتى وإن كان هناك خلاف مع إجماع شراح القانون، فهو يخضع للقانون فقط ولا سلطان عليه لغيره، أستناداً لمبدأ الفصل بين السلطات، فأستقلالية القضاء تتمثل في أمرين اثنين أولهما: ضمانات نزاهة القاضي وقدرته على إصدار أحكامه وقراراته وفقاً للقانون دون أن يتأثر برغبة أو رهبة، وثانيهما إستقلالية السلطة القضائية عن السلطات الأخرى (33).
وفي هذا الصدد يقول أحد القضاة في الولايات المتحدة الأمريكية: «لاتوجد في الحكومة البشرية سوى قوتين ضابطتين قوة السلاح وقوة القوانين، وإذا لم يتولى قوة القوانين قضاة فوق الخوف فإن قوة السلاح هي التي ستقود حتماً» (34).
إلا أن هذا لا يعني أن القضاة لا يخضعون في عملهم الإشراف ومراقبة من قبل مجلس القضاء الأعلى، وذلك بموجب قانون هيئة الإشراف القضائي رقم (29) لسنة 2016 النافذ، والتي تتولى الرقابة والإشراف على حسن قيام القضاة وأعضاء الأدعاء العام بمهامهم القضائية والإدارية المنصوص عليها في القانون (35)، بعدها أحد تشكيلات مجلس القضاء الأعلى (36) إلا أن ما يهمنا في هذا المجال هو السؤال الآتي: ما مدى الطاعة الواجبة في وظيفة القاضي وعلاقته بالسلطة الرئاسية ؟ وهل هناك نوع من الطاعة الواجبة والتي تتحقق في السلطة الرئاسية يخضع لها القاضي؟ مع كل ما ذكرناه سلفاً وما عرفنا عن مبدأ استقلال القضاء، وللإجابة على هذا التساؤل لا بد في البدء أن نفرق بين الجانب أو الواجب الفني للقاضي، والذي يتمثل في الفصل بين الخصوم في الدعاوي والوقائع التي تعرض عليه، وبين الجانب الإداري لوظيفة القضاء، فبالنسبة للجانب الفني يمكن القول بأن إستقلال القاضي في تطبيق القانون وحسم النزاع في الدعاوي المعروضة أمامه أمر لا خلاف فيه فهو يتمتع هنا بالاستقلالية التامة، وبالرجوع إلى نصوص قانون التنظيم القضائي العراقي رقم (160) لسنة 1979المعدل، نجد أن أغلب نصوصه نصت على أستقلالية القضاة في عملهم ومنع القانون من نقل القاضي إلى وظيفة غير قضائية إلا بموافقته التحريرية (37).
وعليه فلا يجوز التأثير على القضاة بأي حال من الأحوال، ومن ثم نجد أن القاضي يتخطى من واجب الطاعة فيما يتعلق بالجانب الفني خلال أدائه لواجبه الوظيفي، إلا إذا وجد نص قانوني تقرر التزامه بطاعة المحاكم الأعلى درجة بخضوع نزاع معين معروض عليه، وهذا ما أكده قرار مجلس العدل العراقي الملغي والذي أكد فيه أنَّه لا يجوز للقاضي أن يطيع أي أمر مخالف للقانون أو يتعلق بالجانب الفني من عمله (38).
أما فيما يتعلق بالجانب الإداري وهو الجانب الآخر لوظيفة القاضي، نجد فيها أن القاضي يخضع فيه للسلطة الرئاسية شأنه في ذلك شأن أي موظف آخر في النظام الوظيفي، ومثال على ذلك القرارات والتعليمات التي تصدر للقاضي والمتعلقة بممارسة مهنة القضاء، منها التزام القاضي بمواعيد بدء المرافعات وحسم الدعاوي خلال الفترة المحددة قانوناً وأرتداء اللباس الرسمي أثناء المرافعة وحضور الاجتماعات الرسمية الخاصة بالعمل القضائي وغيرها من التعليمات المتعلقة بحسن سير أداء وعمل القضاة، لكون القاضي يُعد موظفاً عاماً في هذا الجانب ومن ثم فهو ملزم بإطاعة رؤوسائه في كل ما يُعد عملاً داخل الجانب الإداري. خلاصة القول أن مبدأ واجب الطاعة الرئاسية يكاد يضيق بل ينعدم في الجانب الفني لعمل القاضي، في حين نجد أن الطاعة الرئاسية تتحقق في الجانب الإداري من عمل القضاة .
ب. الوظيفة الجامعية:
" ويقصد بها الوظائف التي يقوم عليها أعضاء هيئة التدريس في الجامعات ومعاهد التعليم العالي" (39) ، ومما لا شك فيه أن للتعليم العالي دور أساسي في الحث على العلم والمعرفة، وبناء جيل يواكب كل تطورات الحياة وتحدياتها، وهذا لا يتحقق إلا من خلال منح الأستاذ الجامعي نوع من الاستقلال والحرية في أدائه للعمل التعليمي، كونه يمثل الينبوع الذي يتدفق منه أهم ثروات المجتمع وأثمنها ألا وهي الثروة البشرية، فهنا كان لا بد أن يكون لنا وقفة لا سيما بعد ما تم ذكره من منح القاضي من حرية واسعة في مجاله الفني، أليس بالامكان من تضييق حدود الطاعة الواجبة للأستاذ الجامعي في جانبه الفني من عمله على عكس الجانب الإداري، والذي سيتسع فيه واجب الطاعة الرئاسية؟ وبالرجوع إلى قانون الخدمة الجامعية العراقي رقم (23) لسنة 2008 المعدل وقانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقي رقم (40) لسنة 1988 المعدل، لم نجد نصاً في كل من هذين القانونين للتعريف بعضو الهيئة التدريسية أو ما يميز الأستاذ الجامعي من موظف الخدمة الجامعية، وهذا ما أكدت عليه المادة (1/ثالثاً) «يقصد بموظف الخدمة الجامعية كل موظف يقوم بممارسة التدريس الجامعي والبحث العلمي والاستشارة العلمية والفنية أو العمل في ديوان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومؤسساتها ممن تتوفر فيه شروط عضو الهيئة التدريسية » (40) ، وهنا كان الأجدر بالمشرع العراقي أن يعرف عضو الهيئة التدريسية أو أن يكتفي بذكر أعضاء هيئة التدريس في تعريفه لموظف الخدمة الجامعية، أو أن يفرقهم عن الموظف الإداري الذي يعمل داخل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أسوة بالمشرع المصري والأردني (41)، وكان من باب أولى بالمشرع العراقي أن ينص في القانون أعلاه على منح الاستقلال لأعضاء الهيئة التدريسية للجامعات والمعاهد العراقية لا سيما بالنسبة للجانب الفني والعلمي في وظائفهم، وتقليص دور الرئيس الإداري بالنسبة لهذا الجانب، ومن ثم لا بد أن يتمتع أعضاء التعليم العالي بنوع من الاستقلال الوظيفي تجاه السلطات الرئاسية، فمنها لا يمكن نقله من كلية إلى أخرى إلا بناءً على موافقتهم وطلبهم الخاص.
وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا في العراق في احد قراراتها والذي جاء فيه «تعد الإدارة متعسفة بأستخدام سلطتها التقديرية اذا نقلت موظف الخدمة الجامعية إلى كلية لاعلاقة لها باختصاصه ولاتتناسب مع خبراته» (42).
ومن ثم لابد من تضييق الطاعة الرئاسية، ولانقول انعدامها في وظيفة الأستاذ الجامعي في الجانب الفني، سواء فيما تعلق منها بآلية توصيل المادة العلمية أو طريقة وضع الأسئلة أو تقديم طرق جديدة في تطوير البحث العلمي، شرط الالتزام بالحيدة وعدم الخروج عن الإطار العام للعملية التربوية والتعليمية وعن نظام الدولة، ويبقى ضميره الحي والأخلاق التي ينبغي للأستاذ أن يسمو بها هي التي تحدد مساره في هذا الجانب، وعليه تستبعد فكرة التدرج الرئاسي بين اساتذة التعليم العالي، فكل عضو منهم يعد معيناً لزملائه الآخرين في المكانة الوظيفية بغض النظر عن التفاوت المالي والعلمي لكل فرد.
أما بالنسبة للجانب الإداري لوظيفة الاستاذ الجامعي فإنهم يخضعون بلا شك لواجب الطاعة شأنه في ذلك شأن أي موظف عام خاضع للتدرج الرئاسي، وعليه فمن حق عميد الكلية ورؤساء الأقسام إصدار توجيهات أو أوامر ملزمة إلى غيرهم من الأساتذة الذين يخضعون إدارياً لهم (43).
وعليه يكونوا ملتزمين بالطاعة الرئاسية على اختلاف درجاتهم العلمية، وملزمين بتنفيذ كل ما يصدر إليهم من عميد الكلية أو رؤساء الأقسام فيما يتعلق بتحديد عدد الدروس والمحاضرات ومواعيد إلقائها والمدة اللازمة لتصحيح الدفاتر الامتحانية أو الالتزام بالحضور، وعليه نجد أن واجب الطاعة يفسر وجوده في الجانب الإداري، بينما لا بد من أنحساره في الجانب الفني أو العلمي، لاننا نرى أن منح الاستاذ الجامعي نوعاً من التحرر من قيود الطاعة الرئاسية كفيلاً بفسح المجال أمام هذه الفئة بأخراج الطاقات العلمية المخزونة وتحقيق الابداع العلمي والذي يعود على المجتمع بالرفاهية والتقدم
ج - الوظيفة العسكرية:
تتميز الوظائف العسكرية بكونها أحد الوظائف التي تكون فيها قوة الرابطة بين أفرادها، ولا سيما بين الرئيس والمرؤوس قوية جداً، وذلك لما تطلبه طبيعة هذه الوظيفة من شدة وصرامة في تنفيذ الأوامر العسكرية الرئاسية في سبيل تحقيق ما تسعى إليه هذه الوظائف من تحقيق الغاية المتوخاة من وجودها.
لذا تعد الطاعة في الوظيفة العسكرية في أسمى مراحلها وأقوى درجاتها، لأن القوة والنظام والترابط بين العسكريين هي أساس الطاعة ولذلك قيل بأن " الطاعة هي قانون الجندي" كونها الرابط الرئيسي للنظام العسكري (44).
وقد حظي واجب الطاعة الرئاسية بإهتمام المشرعين في الأنظمة العسكرية، وفرضت القوانين العسكرية أقصى العقوبات على مخالفة المرؤوس العسكري لواجب الطاعة الرئاسية، لدرجة أن القوانين العسكرية قد تفرض عقوبة الإعدام في حالة رفض طاعة أوامر الضباط العسكريين الأعلى من قبل المرؤوس، بصورة يظهر فيها رفض السلطة عمداً (45).
وقد عالج المشرع العراقي جريمة عدم الطاعة للعسكرية في قانون العقوبات العسكري رقم (19) لسنة 2007 المعدل (46) ، والذي نجد فيه أنه وسع من واجب الطاعة الرئاسية كون هذه الطاعة هي أهم الأسس التي يقوم عليها نجاح أو فشل أي عملية عسكرية، كون هذه العمليات متوقفة على تنفيذ التعليمات العسكرية بدقة وأمانة وفعالية من قبل المرؤوس العسكري.
وفي إرتفاع حدة مستوى الطاعة المنشودة من قبل العسكري اختلفت الآراء في مدى الطاعة للسلطة الرئاسية في مجال الوظيفة العسكرية (47)، فذهب البعض إلى أن الطاعة الواجبة على المرؤوس لهذه الوظيفة هي الطاعة المطلقة حتى لو كانت الأوامر مخالفة للقانون، بينما ذهب الآخر إلى أنَّه لا يجوز للموظف أن يطيع رؤسائه فيما يخرج على القانون، وذهب رأي ثالث إلى أن الطاعة واجبة ما لم يكن الأمر متعلقاً بمخالفة ظاهرة للقانون.
وعليه يجب على المرؤوس العسكري متى صدر إليه أمر من رئيسه المختص مستوفياً كافة الشروط الشكلية والموضوعية أن يطيع هذا الأمر دون تردد أو تأخير أو مناقشة، وإلا يكون قد ارتكب جريمة يحاسب عليها بموجب القانون، لأن عدم إطاعة الأوامر والتعليمات الرئاسية من قبل المرؤوسين العسكريين يشكل جريمة تعاقب عليها كافة قوانين العقوبات العسكرية.
_____________
1- الطاعة في اللغة طاعه يطوعه وطاوعه، ورجل طيع أي طائع والمطاوعة تعني الموافقة ورجل مطواع أي مطيع والطوع نقيض الكره وقالوا: لا تكون الطاعة إلا عن أمر كما أن الجواب لا يكون إلا عن قول، يقال أمره (فأطاع) وقال بن فارس: إذا مضى لأمر فقد (أطاعه) (إطاعة) وإذا وافقه فقد طاوعه ؛ يُنظر أحمد بن محمد علي الفيومي المقرئ ، المصدر السابق، ص197.
2- سورة الزمر : الآية 17-18
3- د. محمد عبد الحميد أبو زيد، طاعة الرؤساء ومبدأ المشروعية دراسة مقارنة دار النهضة العربية، القاهرة، 1988، ص 40 .
4- د. سليمان محمد الطماوي، قضاء التأديب دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، 1979، ص 124 .
5- أشار إليه: عاصم أحمد عجيلة، واجب الطاعة في الوظيفة العامة اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق جامعة القاهرة، 1980، ص 42 .
6- أشار إليه : محمد جودت الملط المسؤولية التأديبية للموظف العام اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1967 ، ص104 .
7- نقلاً عن د. علي جمعة محارب، التأديب الاداري في الوظيفة العامة ، دراسة مقارنة ، دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية 2015 ، ص 140 .
8- د. مازن ليلو راضي، طاعة المرؤوس لرؤسائه في نطاق الوظيفة العامة، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بابل 2012 ، ص 16
9- بدرية ناصر ، نطاق السلطة الرئاسية في القانون الجزائري، رسالة ماجستير، معهد العلوم القانونية والإدارية، المركز الجامعي، الدكتور مولاي الطاهر ، الجزائر، 2009 ، ص 143.
10- نوار نجيب توفيق العبادي، طاعة الرؤساء في القرارات الإدارية غير المشروعة، دراسة مقارنة، ط1، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2019، ص 27 .
11- د. علي جمعة محارب، المصدر السابق، ص 7 .
12- نايف بن سعيد بن غصن المعمري، التزام الموظف العام بطاعة رؤوسائه، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، قسم القانون العام، جامعة المنصورة، 2020، ص 54 .
13- نايف بن سعيد بن غصن المعمري، المصدر السابق نفسه، ص 55 .
14- يُنظر نص المادة (28) من قانون التوظيف الفرنسي لسنة ،1983 ، أشار إليه د. محمد رفعت عبد الوهاب، قضاء المشروعية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية ، 2006، ص132 ووما بعدها .
15- يُنظر المادة (149) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية المصري رقم (81) لسنة 2016 النافذ .
16- وللمزيد يُنظر : قانون الخدمة المدنية العماني رقم (120) لسنة 2004 المعدل حيث نصت المادة (103) على أن " الوظائف العامة تكليف للقائمين بها هدفها خدمة المواطنين تحقيقاً للمصلحة العامة ويجب على الموظف مراعاة أحكام هذا القانون وغيره من القوانين واللوائح ويجب عليه بصفة خاصة: ... د- أن ينفذ كل ما يصدر إليه من أوامر بدقة وأمانة، وذلك في حدود القوانين واللوائح والنظم المعمول بها، ويتحمل كل رئيس مسؤولية الأوامر التي تصدر منه، كما يكون مسؤولاً عن سير العمل في حدود اختصاصه ؛ وما نصت عليه المادة (11) من نظام الخدمة المدنية السعودي رقم (م/49) لسنة 1397 هـ، وما نصت عليه المادة (67) من قانون الموارد البشرية في الحكومة الإتحادية الإماراتية رقم (17) لسنة 2016 المعدل وما سارت إليه المادة (11) من قانون رقم (12) لسنة 2010 الليبي الخاص بإصدار قانون علاقات العمل.
17- يُنظر قرار المحكمة الإدارية العليا المصرية رقم الطعن (1029) لسنة (7) في جلسة 1963/11/30. أشار إليه: أحمد رزق رياض السلطة الرئاسية بين الأمتياز والمسوؤلية، ط1، مؤسسة إبراهيم الناحل القانونية، الأسكندرية، 2007، ص 12 .
18- للمزيد يُنظر : عاصم أحمد عجيلة، واجب الطاعة في الوظيفة العامة اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق جامعة القاهرة، 1980 ، ص 47 ، محمد أحمد الطيب هيكل، السلطة الرئاسية بين الفاعلية والضمان، دراسة مقارنة بين القانون الإداري وعلم الإدارة العامة اطروحة دكتوراه كلية الحقوق جامعة عين شمس، 1983 ، ص 285 ود. ثروت بدوي، تدرج القرارات الإدارية ومبدأ المشروعية، دار الأهرام للنشر، القاهرة، 1968 ، ص336 .
19- سورة النساء : الآية (59).
- أثار مفهوم (أولي الأمر الذي ورد في الآية الكريمة نقاشاً بين الفقهاء والعلماء ومهما كان الخلاف في تفسير أولي الأمر ، بالقول بأنهم الأمراء أو العلماء أو الفقهاء أو أولوا العلم والعقل والرأي فإن المعنى المقصود هو أن نطيع أولي الأمر فينا ممن لهم سيطرة علينا من الولاة والأمراء كما قال الطبري: لصحة الأخبار عن رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) بطاعة الأئمة والولاة فيما كانت طاعة للمسلمين مصلحة. يُنظر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، ج 4 ، ط4 ، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، 1980،ص 95 .
- أما عن سبب نزول هذه الآية الكريمة، أنها نزلت في عبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي، بعثه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في سرية قال أبو عمر : وكان في عبدالله بن حذافة دعابة معروفة، ومن دعابته أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمرة على سرية فأمرهم أن يجمعوا حطباً ويوقدوا ناراً، فلما أوقدها أمرهم بالتقديم فيها، فقال لهم: ألم يأمركم رسول الله ) بطاعتي؟ وقال: من أطاع أميري فقد أطاعني، فقالوا: ما آمنا بالله وأتبعنا رسوله إلا لننجوا من النار ! فصوب رسول الله ( فعلهم وقال : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وقال تعالى: "لا تقتلوا أنفسكم" وهو حديث صحيح الإسناد مشهور، صحيح البخاري المغازي (4340)، صحيح مسلم الإمارة (1840)، سنن النسائي البيعة (4205) ، سنن أبو داوود والجهاد (2625) ، وللمزيد في سبب نزول الآية ينظر: جامع البيان في تفسير القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، المصدر السابق، ص 95. وللإمام أبي الحسن علي بن محمد بن علي الواحدي ، أسباب النزول، تحقيق أيمن صالح شعبان، ط3، دار الحديث، القاهرة، 1996، ص 131 وما بعدها ، وموسوعة الحديث الشريف الموقع الإلكتروني إسلام ويب .www.islam.web.net
20- رواه البخاري في كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (2612/6) (6725)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في معصية (1839/3 ).
21- نايف بن سعيد بن غصن المعمري، التزام الموظف العام بطاعة رؤوسائه، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، قسم القانون العام، جامعة المنصورة، 2020 ، ص 56 .
22- أستاذنا الدكتور سامي حسن نجم عبد الله ، الإدارة المحلية وتطبيقاتها في العراق والدول المقارنة، ط1، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2014، ص 67.
23- د. مازن ليلو راضي، طاعة الرؤساء وحدودها، مصدر سابق، ص 91 وما بعدها
24- للمزيد عن خصائص المركزية الإدارية يُنظر د. ماهر صالح علاوي الجبوري الوسيط في القانون الإداري دار ابن الأثير ، جامعة الموصل، 2009 ، ص73
25- د. علي محمد بدير عصام عبد الوهاب البرزنجي ، مهدي ياسين السلامي مقارنة بالنظم الوضعية ، مطبعة السعادة القاهرة ط1 1983، ص 121 .
26- درويش عبد القادر ، واجب الطاعة في الوظيفة العمومية ، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق ، جامعة الجزائر (بن يوسف بن خدة ) 2008 ، ص 44 .
27- د. نواف كنعان القانون الإداري، ج1 دار الثقافة النشر والتوزيع عمان 2008 ، ص 168.
28- د. سامي حسن نجم عبد الله ، الإدارة المحلية وتطبيقاتها في العراق والدول المقارنة، ط1، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2014 ، ص78.
29- درويش عبد القادر، المصدر السابق، ص 48-49 .
30- يُنظر نص المادة (184) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 2014 المعدل.
31- يُنظر نص المادة (97) من دستور المملكة الأردنية الهاشمية لسنة 1952 والمعدل بموجب العدد (5117) بتأريخ 2011/10/1 في الجريدة الرسمية الأردنية والتعديل ذي العدد (5770) بتأريخ 2022/1/31 المنشور في الجريدة الرسمية الأردنية
32- يُنظر نص المادة (88) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .
33- نايف بن سعيد بن غصن المعمري، التزام الموظف العام بطاعة رؤوسائه، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، قسم القانون العام، جامعة المنصورة، 2020، ص 71 .
34- درويش عبد القادر، المصدر السابق، ص 49 .
35- يُنظر نص المادة (3) من قانون هيئة الإشراف القضائي العراقي رقم (29) لسنة 2016 النافذ والمنشور في جريدة الوقائع العراقية ذي العدد (4418) في تأريخ 2016/10/3؛ ويُنظر نص المادة (57) من قانون التنظيم القضائي العراقي رقم (160) لسنة 1979 المعدل .
36- يُنظر نص المادة (2) من قانون مجلس القضاء الاعلى العراقي رقم (45) لسنة 2017 النافذ.
37- يُنظر نص المادة (49) من قانون التنظيم القضائي العراقي رقم (160) لسنة 1979 المعدل .
38- جاء في القرار "حيث أنه لا يجوز نقل الدعوى من اختصاص قاضي تحقيق إلى اختصاص قاضي تحقيق آخر، إلا بأمر من وزير العدل أو قرار من محكمة التمييز أو من محكمة الجنايات أو محكمة استئناف ضمن منطقتها إذا اقتضت ذلك ظروف الأمن وكان النقل يساعد على ظهور الحقيقة وبذلك ليس لوزارة الداخلية طلب نقل التحقيق ثم ان إستجابة القاضي للنقل قبل التحقيق من دون توافر شروط النقل الأصولية فيها مخالفة قانونية صريحة ويترتب عليها مسائلته انضباطياً ؛ قرار لمجلس العدل الملغي رقم (14) ق 1993 في 9/18/ 1993 أشار إليه .د. مازن ليلو راضي، طاعة الرؤساء وحدودها، مصدر سابق، ص 104 .
39- عاصم أحمد عجيلة، واجب الطاعة في الوظيفة العامة ، اطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة 1980 ، ص 243 .
40- يُنظر نص المادة (1/ ثالثاً) من قانون الخدمة الجامعية العراقي رقم (23) لسنة 2008 المعدل.
41- نجد أن المشرع المصري لم يعرف الخدمة الجامعية أو موظف الخدمة الجامعية وإنما أكتفي بذكر أعضاء هيئة التدريس في المادة (64) من قانون تنظيم الجامعات رقم (49) لسنة 1972 المعدل حيث جاء فيه (أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الخاضعة لهذا القانون هم: أ- الأساتذة بالأساتذة المساعدون ج- المدرسون)، أما في قانون الجامعات الأردنية الرسمية رقم (20) لسنة 2009 النافذ، فقد حدد في المادة (23) منه أعضاء هيئة التدريس بقوله: أ- عضو هيئة التدريس في الجامعة هو (1- الأستاذ 2- الأستاذ المشارك 3- الأستاذ المساعد -4 - المدرس- -5 المدرس المساعد 6- الأستاذ المتمرس) .
42- حكم المحكم الإدارية العليا في العراق ذي الرقم 798/ قضاء موظفين / تمييز / 2019 بتاريخ 2019/4/4 (قرار غير منشور).
43- د. شعبان عبد الحكيم عبد العليم سلامة، مدى إعفاء الموظف العام عن تنفيذ الاوامر غير المشروعة ( دراسة مقارنة بالفقه الاسلامي ) مكتبة الوفاء القانونية ، الاسكندرية ط1 2016 ص 125 .
44- عاصم أحمد عجيلة، المصدر السابق، ص 251 .
45- محمد محمود الشحات الإطار القانوني لطاعة أمر الرئيس في الوظيفة العامة مع التطبيق على الشرطة، أطروحة دكتوراه كلية الدراسات العليا أكاديمية الشرطة، جامعة عين شمس، 1995، ص 105 . وهذا ما أكد عليه قانون الأحكام العسكرية المصري رقم (25) لسنة 1966 والمعدل بالقانون رقم (16) لسنة 2007 والصادر في 23 مايو 2007 في المادة (151) حيث نص على أن يعاقب بالإعدام أو بجزاء أقل منه منصوص عليه في هذا القانون كل شخص خاضع لأحكام هذا القانون إرتكب الجرائم الآتية: عدم إطاعته أمراً قانونياً صادراً له من رئيسه الأعلى في وقت تأدية خدمته بطريقة يظهر فيها رفض السلطة عمداً، سواء صدر له هذا الأمر شفهياً أو كتابياً أو بالإشارة أو بغير ذلك أو تحريضه من الآخرين علىذلك .
46- نصت المادة (42) من قانون العقوبات العسكري العراقي رقم (19) لسنة 2007 المعدل على (أولاً) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر كل من لم يطع امراً يتعلق بواجباته إهمالاً منه وذلك بعدم تنفيذه الأمر وفقاً للأصول أو تغييره أو مجاوزة حدوده، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر إذا تكررت هذه الجريمة).
47- محمد محمود الشحات الإطار القانوني لطاعة أمر الرئيس في الوظيفة العامة مع التطبيق على الشرطة، أطروحة دكتوراه كلية الدراسات العليا أكاديمية الشرطة، جامعة عين شمس، 1995 ، ص108.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|