أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-24
1070
التاريخ: 9-10-2014
1924
التاريخ: 2023-02-14
1163
التاريخ: 2023-03-05
954
|
حسب دين اليهود فإن قتل شخص عادي هو بمثابة قتل الناس جميعاً: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] وعلى هذا الأساس فإن قتل اناس معصومين، لم يقترفوا ذنباً إلهيـاً ولـم يجترحوا معصية بحق البشريّة وليس في ذمتهم لا حــق الله ولا حــق للناس، فإن قتلهم كان مما لا يُغتفر على الإطلاق، وليس ثمة مجال لاعتذار بني إسرائيل.
ظاهر الآية محط البحث هو أن كلمة يقتلون معطوفة على يكفرون وعلى هذا فإن الفعل: كانوا يتكرر بالنسبة ليقتلون أيضاً مما يدل على أن قتل النبيين كان قد أمسى عادة قبيحة وسنة سيئة عند بني إسرائيل. ومن أجل ذلك فقد جاء في نفـس ســورة "البقرة" قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 91]؛ أي: ... إذا كنتم صادقين وكنتم تؤمنون بالآيات التي نزلت عليكم إذن فلم تقتلون أنبياء الله؟! لقد أمست عادة قتل الأنبياء بالنسبة لهم ملكـة وتحولت إلى خصلة قبيحة ملازمة بحيث أدى ذلك إلى أن يُؤمر نبي الإسلام - في مقام الاحتجاج مع يهود عصر نزول القرآن ومـن أجل نقض ادعائهم - بأن يسألهم فلم تقتلون أنبيـاء الله وبـأي أسلوب؟ بأسلوب الخطاب الموجّه إلى يهود ذلك العصر ومع إسناد القتل إليهم أنفسهم، وذلك على أساس قوله: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: 118] مما يعني أن هذه الخصلة لازمة لبني إسرائيل قاطبة.
ويمكن القول، على هذا الأساس، بأنه لو كان لليهود المعاصرين لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) القدرة على قتل الأنبياء أيضاً لكانوا قد فعلوا ذلك بالنبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) ، بل حتى لو عاد موسى الكليم (عليه السلام) إلى الدنيا ثانية فإنهم ما كانوا ليؤمنوا به. ليس هذا فحسب بل كان من الممكن أن يقتلوه أيضاً؛ كما هم أجدادهم أن يقتلوا هارون أخا موسى (عليه السلام): {وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} [الأعراف: 150]
تنويه:
1. لعل قتل الأنبياء مع وجود الوعد الإلهـي بنـصرتهم: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173] {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21] متعلق بأولئك الأنبياء الذين لم يكونوا مأمورين بالجهاد؛ كما أن استشهاد بعضهم في ساحة الجهاد قد مهد لنصرة دين الله تعالى.
2. إن قتل الأنبياء هو كفر عملي وأما الإنكار القلبي لآيات الله فهـو كفر عقائدي. ومن هذا المنطلق فقد جاء ذكر ما كان مرتبطاً بالكفر العقائدي أولاً وعلى نحو منفصل ثم تلاه ذكر قتل الأنبياء.
ومن الممكن أن يكون المراد من "القتل في جملة: {وَيَقْتُلُونَ} [البقرة: 61] هو القتل من دون واسطة، كما سبق القول في أن بني إسرائيل كانوا على وشك أن يقتلوا هارون (عليه السلام) ، كما قد يكون المقصود منه أيضاً هو القتل بالواسطة من خلال عدم مراعاة التقية ونشر أخبار الأنبياء وإفشاء أسرارهم؛ كما قال أبـو عبد الله الصادق (عليه السلام) عند تلاوته للآية المذكورة: "والله ما ضربوهم بأيديهم، ولا قتلوهم بأسيافهم، ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فأخذوا عليهـا فقتلوا فـصـار قـتـلاً باعتداء ومعـصية" (1) ؛ أي ... بـبـل سمعوا أخبارهم وأحاديثهم وأفشوها فعمد الحكام والجبابرة، على أساس هذه الأنباء، إلى اعتقالهم وقتلهم. إذن فقتل الأنبياء بواسطة بني إسرائيل كان عن طريـق الاعتداء ومعصية إفشاء الأسرار وليس القتل بالسيف من دون واسطة).
بالطبع لابد من تبرير جملة: "والله ما ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم التي تنفي القتل من دون واسطة بشكل صريح؛ وذلك لأن ظاهر الآية مدار البحث وآيات أخرى من قبيل: {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 112]، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [النساء: 155] و {وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة: 70]، هو القتل من غير واسطة، بل وقد نقل في سورة النساء" الاعتراف بقتل عيسى عـــن ألسنتهم، وذلك في قوله: {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى} [النساء: 157]، مما يدل على قذارتهم وقسوتهم، هذا وإن لم ينجحوا في قتل شخص المسيح.
على أي حال، فإن ظاهر هذه الآية هو قتل الأنبياء بلا واسطة، ويمكن أن يكون الغرض مما جاء في الرواية المذكورة هـو مجـرد بـيــان أهمية لزوم حفظ الأسرار والتقيّة، وإذا كانت تنفي القتل من دون واسطة في الواقع ـ من أجل نفي تـوهـم حـصـر مـصداق فذلك بشكل صريح القتل في القتل من غير واسطة، كما أنه . من الممكن ـ بلحاظ توسيع نطاق المصداق - أن يصبح القتل بالواسطة مشمولاً في الآية أيضاً؛ أي ليس الغرض هو نفي القتل من دون واسطة بل المراد هو إثبات وإدراج القتل بالواسطة، وأن إفشاء الأسرار هو بمنزلة القتل بلا واسطة.
كما إنه لا يتصور - أساساً ـ أن يكون قتل الأنبياء عن حق، والعياذ بالله؛ أي إن كون هذا القتل ظالماً وبغير حق هو أمر واضح وبديهي مـن أجـل ذلك لابد من مناقشة أنه: ما الرسالة التي يوجهها قيد: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61] في الآية؟
نقول في الجواب على ذلك هذا القيد هو من قبيـل وصـف: {لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] في الآية: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [المؤمنون: 117]؛ حيث إن جزاء كلمة مَن في هذه الآية هو جملة: {فإنما حسابه عند ربه}. إذن فجملة: {ولا برهان له به} هي صفة لمن يدعوا إلهاً آخر غير "الله"، أي إنه وصف لازم يرافقه بشكل دائمي. إذن فإظهار مثل هذا الوصف يوجب تأكيد كون المدعى في هذه الآية أنه بلا برهان، وتثبيت كون قتل الأنبياء في الآية مورد البحث أنه مغاير للحق.
وطبقاً للبيان الفائت فإن قيد: بغير الحق يعني أن من لوازم قتل الأنبياء هو كون هذا الفعل من غير حق، وأنّه لم يكن في أيدي بني إسرائيل أي مبرر لعملهم هذا؛ وذلك لأن مقام الأنبيـاء مـسلـم بـه ثبوتاً، وكذا الأمر إثباتاً فهذا المنصب لهم.
وقيل أيضاً: إن ذكر القيد المشار إليه هو لتقبيح بني إسرائيل وبيان هذه النقطة أنهم لم يُقدموا على مثل هذه الفعلة الشنيعة عن واشتباه بل كان عن إصرار وتعمد. وعلى أساس ذلك، فإذا تعامل أبناؤهم بجفاء مع النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في عصره فهذه الظاهرة ليست بالجديدة عليهم؛ لأنهم امتداد لتلك الأصول وذلك العرق (2).
ومن الممكن أن تكون الجملة التالية مؤيدة لهذا الكلام حيث تقول صراحة: وذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ؛ فقتل الأنبيـاء لـم يكـن عـن سهو واعتقاد بحقانية هذا العمل، بل إن ما حملهم على هذا العمـل هـو حب الدنيا، والانجراف خلف الهوى والغلو في العصيان والاعتداء (3) " نفس الاحتمال الرابع الذي مرّ في توضيح المشار إليـه في كلمة ذلك الثانية.
خلاصة القول هي أن مدار الأنبياء هو الحق ومحـورهـم هـو العدل وأن حقانيتهم كانت ثابتة عند بني إسرائيل ولم يكن لهم أي مبرر لقتلهم الأنبياء؛ لأنه لم يشاهد من تلك الذوات النورانية فساد، ولا إخلال بالأمن، ولا تأجيج للفتن. إذن فلم يكن في أيديهم لا مجوز إلـهـي ولا مصحح إنساني لفعل ذلك. من هنا فقد عُبّر عن مثل هذه الظاهرة القبيحة والشنيعة بعبارة: {بغير الحق}.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. تفسير العياشي، ج 1، ص 64؛ وتفسير الصافي، ج 1، ص123.
2. راجع تفسير الكاشف، ج 1، ص 116.
3. راجع تفسير أبي السعود، ج 1، ص 131.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|