المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

قانون الملء في التصوير
2-1-2022
الفوارق بين الكهل والشاب
2024-04-16
فرضية الأمير
2023-10-15
دراسة القيمة الفعلية لعناصر المناخ
2024-09-17
مصادر العدوى في الماشية والقضاء عليها
1-5-2016
21- يوسف ابن عبد الرحمن الفهرى
23-11-2016


معنى المعاد وآثار الاعتقاد به  
  
1785   12:30 صباحاً   التاريخ: 9-08-2015
المؤلف : علي موسى الكعبي
الكتاب أو المصدر : المعاد يوم القيامة
الجزء والصفحة : ص9-25
القسم : العقائد الاسلامية / المعاد / تعريف المعاد و الدليل عليه /

 المبحث الأوّل : معنى المعاد لغةً واصطلاحاً:

المعاد في اللغة : كلّ شيءٍ إليه المصير والمآل ، وهو مصدر عاد إليه يعود عَوْداً وعودةً ومعاداً، أي : رجع وصار إليه ، قال تعالى : {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29].

ويتعدّى بنفسه وبالهمزة ، فيقال : عاد الشيءَ عَوْداً وعِياداً : انتابه وبدأه ثانياً ، وأعدتُ الشيء : رددته ثانياً ، أو أرجعته ، وأعاد الكلام : كرّره ، قال تعالى : {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح: 18].

وأصل المعاد (مَعْوَد) على وزن (مَفْعَل) قُلبتْ واوه ألفاً ، ومثله : مقام ومراح ، وقد جاء على الأصل في حديث أمير المؤمنين عليه السلام : « والحَكَمُ الله ، والمَعْوَدُ إليهِ القِيامةُ »(1).

ومَفْعَل ومقلوبها تستعمل مصدراً صحيحاً بمعنى العَوْد ، واسماً لمكان العَوْد أو زمانه ، قال تعالى : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85]، وفي الحديث : «واصلح لي آخرتي التي فيها معادي ».

والمبدئ المعيد : من صفات الله تعالى ، لأنّ الله سبحانه بدأ الخلق إحياءً ، ثمّ يميتهم ، ثم يعيدهم إلى الحياة يوم القيامة ، قال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27](2). المعاد في الاصطلاح : هو الوجود الثاني للأجسام وإعادتها بعد موتها وتفرّقها(3).

وعرّف أيضاً بأنه الرجوع إلى الوجود بعد الفناء ، أو رجوع أجزاء البدن إلى الاجتماع بعد التفرّق ، وإلى الحياة بعد الموت ، ورجوع الأرواح إلى الأبدان بعد المفارقة(4). واختلفوا في حقيقته ؛ أهو روحاني فقط ، أم هو جسماني ؛ فالقائلون بأنه روحاني فقط ، هم جمهور الفلاسفة الذين توقفوا عند قاعدتهم العقلية التي تقول : إن المعدوم لا يعاد . فلما كانت الأبدان تنعدم بعد الموت ، فلا يمكن أن تعاد ثانية ، وعليه جعلوا المعاد وما يتعلّق به من شأن الروح وحدها التي لا يعتريها الفناء.

وأما القائلون بالمعاد الجسماني ، وهم عامة أهل الإسلام من المتكلمين والفقهاء وأهل الحديث وأهل التصوف ، فقد آمنوا بعودة الأبدان يوم القيامة كما أخبر عنه الله تعالى.

وقد افترق هؤلاء أيضاً في مصير الروح بعد الموت إلى فريقين لاختلافهم في تفسير الروح ؛ فقال فريق بأن الروح جسم سارٍ في البدن سريان النار في الفحم ، والماء في الورد ، فالمعاد عندهم بالنسبة للبدن والروح هو معاد جسماني ، وقال آخرون وفيهم كثير من الحكماء وأكابر المتكلمين والعرفاء بتجرد الروح وعودتها إلى البدن بعد البعث.. فيصبح المعاد عندهم جسماني روحاني. وعلى هذا ورد تقسيم الأقوال في المعاد إلى ثلاثة : روحاني ، وجسماني ، وجسماني روحاني(5).

المبحث الثاني : آثار الاعتقاد بالمعاد:

قبل أن نبين الآثار المترتبة على الاعتقاد بالمعاد ، لا بدّ من الإشارة إلى أن الله سبحانه لم يفرض علينا الاعتقاد باليوم الآخر ، وما فيه من المُداقّة في الحساب وظهور نتائج الأعمال ، كوسيلة من وسائل الردع عن الشرّ والفساد في الدنيا والترغيب في عمل الخير والرشاد ، وحسب ، بل أوجبه تعالى لأنه حقيقة ثابتة لها وجود واقعي ، ولأنّ الإيمان بالمعاد إيمان بالأمر الواقع ، وتسليم بالقضاء الحتم الذي لا بدّ منه ، قال تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ: 3].

أمّا ما يترتب على الإيمان بالمعاد ، من الوقوف عند حدود الشريعة وامتثال أحكامها وتطبيق مقرراتها ـ وما يتبع ذلك من آثار تعود في صالح الفرد والمجتمع ، سواء في إطار تهذيب الأخلاق وتقويم السلوك ، أو في إطار تنمية النوازع النفسية الخيّرة ، وضمان عروجها في سُلّم الفضيلة والكمال ـ فهي فرع لذلك الأصل ، وثمرة من ثمراته الطيبة ، والتي ترسم لنا بمجموعها صورة من صور الحكمة الإلهية في فرض اُصول الاعتقاد وتشريع الأحكام ، وما لذلك من آثار تعود في صالح الفرد ، وتضمن مصالحه وسعادته في الدارين ، وتسهم في تنظيم الحياة الانسانية بأبهى صورها ، وفي ما يلي نذكر أهمّ تلك الآثار :

أولاً : أثر المعاد في إطار السلوك:

لا يخفى أن إرسال الأنبياء يُعدّ من الضرورات التي تفرضها حاجة الإنسان إلى الهداية والصلاح ، بما ينسجم مع الحكمة الإلهية التي قضاها الله تعالى في خَلْقه ، ولا يمكن إقامة اُسس تلك الهداية ما لم تقترن بقوّة تنفيذية فاعلة تحمل الإنسان على الانصياع لها ، وتُخرج التعاليم الإلهية والأحكام السماوية من حيّز النظرية إلى واقع الممارسة ، فتقود الإنسان إلى ساحل الرشاد ، دون أدنى تجاوزٍ منه أو مخالفة ، وبدون تلك القوّة ستبقى تلك التعاليم والأحكام مجرّد مواعظ ، ليس لها معنى في واقع الحياة ، ولا أدنى تأثير في سلوك الانسان.

وإذا تصوّرنا أن العوامل الخارجية المتمثّلة بقوانين العقوبات الوضعية ـ وما فيها من السجن والاعدام والابعاد وغيرها ـ قادرة على كبح جماح النفس الانسانية وسيرورتها باتجاه تطبيق اُسس الصلاح والهداية ، فإن الواقع يشير إلى فشل تلك العوامل في اجتثاث جذور الشرّ والفساد وضمان السعادة والكمال والأمن ، سواء على صعيد الفرد أو المجتمع.

ذلك لأنّ تلك القوانين إذا كانت قد نجحت في ردع المجرمين والأشرار من الرعية ، بإنزال أقصى العقوبات بهم ، فإنّها قد أفلست في الحدّ من انحرافات أصحاب القرار السياسي ، وأصبحت قاصرة أمام المتسلّطين الذين يتلاعبون بمقدّرات الشعوب ، ويبتزّون أموالهم ويغتصبون حقوقهم تحت غطاء قانوني مصطنع يوفّر لهم الحماية والأمان.

ثم إنّ العوامل الخارجية المؤثرة في سلوك الفرد ، بما فيها من قوانين العقوبات التي تواضعت عليها أنظمة الحكم في أغلب الدول ، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقوة الدولة وهيبة سلطتها الحاكمة وسلامة أدواتها التنفيذية ، وحينما تفقد الدولة تلك القوة والهيبة ، ويستشري الفساد في أوصالها ، فلا قيمة لتلك القوانين ، وليس لها أدنى هيبة أو احترام.

وإذا افترضنا نجاح القوانين الوضعية في ردع المجرمين من الرعية والحاكمين ، مع وجود القانون الذي يضمن استمرار قوة الدولة وفاعلية مؤسساتها التنفيذية ، فإنّ في جنبات الإنسان منطقة فراغ لا تطالها مراقبة السلطة ، ولا تصلها سلطة القانون ، ومن تلك المنطقة تحدث الجرائم والانحرافات الشاذة ، بعيداً عن الأضواء الكاشفة ، بسبب شهوات النفس الأمّارة وما يعدها الشيطان من الغرور {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60]، {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } [الإسراء: 53].

وإذا قيل : بأن الملحد قد يكون فاضلاً قويماً ، فإن فضيلته ظاهرية ، لا ترتكن على اُصول نفسية ، فضيلة أوجدها الحياء من المعاشرين ، أو التقية من سلطة القوانين ، ولو غاب الرقيب وخلا له الجو ، فإنه لا يتورّع عن هتك سترٍ أو سلب مالٍ أو اقتراف محرّم ؛ لأن الشهوة إذا امتلكت ناصية النفس ، قادتها إلى كلّ رذيلة ، وركبت كلّ دنيئة ، فأنّى تكون الفضيلة لمن يعتقد أنه حيوان فانٍ ؟

وعليه فإنّ القوانين التي تسنّها الدول ، وحتى في أكثر دول العالم مدنيةً وتقدماً ، قد أثبتت فشلها الذريع في توجيه سلوك الفرد ، وتنظيم حياته ، وبلوغ أهدافه الإنسانية والروحية ، على اُسس ثابتة وقويمة ، تستوعب حركة الفرد في المجتمع وتصرفاته وأعماله الظاهرية والباطنية ، وترشده إلى الصلاح والسعادة في دنياه وآخرته.

وممّا تقدمّ يتبيّن أن العوامل الداخلية الكامنة في أعماق نفس الإنسان ، والنابعة من صميم وجدانه وضميره ، هي القوة الوحيدة التي تحكم سلوكه وتصرفاته ، وتلازمه في حلّه وترحاله وسرّه وعلنه ، وذلك لما للروح من قدرة ذاتية على كبح جماح صاحبها ، لأنها من عالمٍ علوي ، فتنزع بفطرتها إلى الكمال والسمو ، ولكن قلّما يصل الإنسان إلى أن يجعل لروحه سلطاناً على جسده ، لأن هذا الأمر يحتاج إلى رياضة روحية قاسية لا تسهل إلاّ لمن يعتقد بخلود النفس ، وهذا الاعتقاد يخلق في أعماق النفس الإنسانية حافزاً يدعو إلى عمل الفضائل والخيرات ، رجاءً في ثواب الآخرة ، ووازعاً يحدّ من الأهواء والشهوات ، ويردع عن ارتكاب المعاصي والسيئات ، خوفاً ورهبةً من عقاب الآخرة.

ذلك لأنّ الضمير الانساني وحده قد يؤنّب صاحبه على سيئةٍ فعلها ، لكنّه لا يعذّبه ، وقد يعاتبه على منكرٍ اقترفه ، لكنّه لا يعاقبه ، وقد يكون ناصحاً وواعظاً ، لكنّه قد لا يكون موجّهاً ، لأنه لا يملك نفعاً ولا ضراً إزاء أهواء النفس وجموحها في عالم الضلال والغواية ، وكثيراً ما تغالبه فيكفّ ويعتزل ، وعندها يفعل الانسان ما يشاء تحت جنح الظلام بعيداً عن أعين الناس.

فإذا كانت القوانين الرسمية والأعراف الاجتماعية وازعاً يردع الانسان من الخارج ، والضمير الانساني وازعاً يردعه من الداخل ، فيضبطان سلوكه وتصرفه إلى قدرٍ معين ، فإنّ الإيمان بالله والاعتقاد باليوم الآخر يجمع بين الاثنين ويفوقهما ، لأنه يغرس في النفوس اُسس التربية الأخلاقية القائمة على الشعور بوجود الرقيب على القول والعمل ، ولا يستطيع المؤمن التهرّب من ذلك الرقيب في جميع أحواله ، لأنه محيط بكلّ شيء ، وأقرب إليه من حبل الوريد ، ويعلم السرّ وأخفى ، وإنه سيحاسبه عن كلّ كبيرة وصغيرة فعلها ، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة ، ولهذا يبقى المؤمن شاعراً بالمسؤولية ، خائفاً من عقاب الله وعذابه ، حتى لو سوّلت له نفسه الاختفاء عن الأنظار بجريرته ، وأمن من عقوبة القانون وسلطته ، إذ لا مفرّ من حكم الله وسلطانه.

روي عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام أنه جاءه رجل ، وقال : أنا رجل عاصٍ ولا أصبر عن المعصية ، فعظني بموعظة. فقال عليه السلام : « افعل خمسة أشياء واذنب ما شئت ، فأول ذلك : لا تأكل رزق الله ، واذنب ما شئت ، والثاني : اخرج من ولاية الله ، واذنب ما شئت ، والثالث : اطلب موضعاً لا يراك فيه الله ، واذنب ما شئت ، والرابع : إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك ، واذنب ما شئت ، والخامس : إذا أدخلك مالك في النار فلا تدخل النار ، واذنب ما شئت »(6).

فالمؤمن يعتقد أن كلّ شيء تابع لسلطان الله تعالى وملكه ، وداخل تحت ولايته ، وأنه تعالى يرى كلّ أفعال المرء وحركاته وسكناته ، وما يجيش به صدره ويخطر على قلبه ، وأن تلك الأفعال هي الوحيدة التي سترافقه بعد الموت إلى يوم الحساب ، وتكون المقياس للثواب والعقاب، وليس ثمة شيء غيرها ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يتبع المرء ثلاثة : أهله وماله وعمله ، فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يرجع أهله وماله ويبقى عمله »(7).

ومن لوازم الإيمان باليوم الآخر : الاعتقاد بأن الناس مدينون بما قدّموا ، ومُرتَهنون بما أسلفوا ، يوم يعرضون على ربهم في دار الحساب ، لا تخفى منهم خافية ، فيسألون عن كل أعمالهم وتصرّفاتهم وعمّا أبدوه وأخفوه من خير وشرّ ، ثم يلقون الجزاء وفاقاً على ما كانوا يعملون قال تعالى : {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]وقال سبحانه : {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38].

فالأعمال هي مقياس الفضيلة والرذيلة ، وأساس القرب من الرحمة الإلهية والبعد عنها ، إذ لا ينظر في تلك المحكمة إلى الصور والأشكال ، ولا إلى الأحساب والأنساب ، ولا إلى التجارة وكثرة الأولاد والأموال ، قال تعالى : {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 101 - 103] وقال تعالى : {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آل عمران: 10] وقال سبحانه : {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل: 11]. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم »(8).

هذا هو بعض ما يلزم المؤمن الاعتقاد به ، ضمن دائرة الاعتقاد باليوم الآخر ، وهو يخلق في أعماق نفسه الزهد في الدنيا ، والورع عن محارم الله ، ويجعله يتردّد كثيراً قبل ارتكاب المعصية ، ويرتدع عنها بوازع ينبع من صميم نفسه المؤمنة بيوم الحساب ، ومراقبة ضميره الموقن بوجود الرقيب على الأعمال ، دون حاجة إلى مراقبة القانون وسلطته.

فالاعتقاد بالمعاد إذن أداة قويمة وفعّالة لتقويم السلوك الفردي ، وتنعكس آثاره على الصعيد الاجتماعي أيضاً ، ذلك لأنه يلزم المرء المسلم التمسّك بكتاب الله تعالى وسنّة رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وعدله ، حيث تنتظم اُمور الناس ، ويحفظ لكلّ ذي حقّ حقّه ، كما أنه يخلق في نفس الإنسان موجة قوية من الاحساس بالمسؤولية إزاء كلّ عمل من أعماله ، ويذكي في روحه نزاهة تصدّه عن العدوان على حقوق الآخرين ، وورعاً يجرّده عن الظلم والتجاوز عليهم ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « بئس الزاد إلى المعاد العدوانُ على العباد »(9).

وقال عليه السلام : « لا يؤمن بالمعاد من لا يتحرّج عن ظلم العباد »(10).

وقال عليه السلام : « والله لأن أبيت على حسك السعدان مُسهّداً ، أو أُجرّ في الأغلال مُصفّداً ، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد ، وغاصباً لشيء من الحُطام ، وكيف أظلم أحداً لنفسٍ يسرع إلى البلى قفولها ، ويطول في الثرى حلولها ؟! »(11).

والإسلام يؤكّد أن خير ما يحمله المرء إلى آخرته هو التقوى ، وذلك يحول دون اتساع أمواج الفساد والخيانة ، ويسهم في إرساء اُسس الصلاح والاستقرار الاجتماعي.

وكان أئمة المسلمين يحثّون الناس بهذا الاتجاه ، قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : « كان أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة ، إذا صلى بالناس العشاء الآخرة ينادي بالناس ثلاث مرّات ، حتى يسمع أهل المسجد : أيها الناس ، تجهّزوا يرحمكم الله ، فقد نودي فيكم بالرحيل ، فما التعرّج على الدنيا بعد النداء فيها بالرحيل ؟! تجهّزوا رحمكم الله ، وانتقلوا بأفضل ما بحضرتكم من الزاد ، وهو التقوى... »(12).

والاعتقاد بالآخرة دافع لمراعاة حقوق الناس وإرساء قواعد التعامل الصحيح ، القائم على الانصاف والصدق والأمانة ، قال تعالى : {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } [المطففين: 1 - 5].

والإسلام يؤكد أن الانسان إذا انقطع عن الدنيا ، فلا يتبعه بعد موته إلاّ ما يدلّ على العطاء المستمر من صالح الذرية ، والسنّة الحسنة التي يعمل بها بعد موته ، وأعمال الخير والإحسان.

قال الصادق عليه السلام : « ليس يتبع المؤمن بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته ، وسنة هو سنّها فهي يُعمَل بها بعد موته ، أو ولد صالح يدعو له » (13) ، وفي ذلك دعوة صريحة للإنسان المسلم لأن يفكّر في إقامة اُسس الخير والصلاح في المجتمع ، وتربية النشء الصالح حتى بعد انقطاعه عن الدنيا.

وعليه فإن الإيمان بالمعاد والحساب يوم القيامة ، يعتبر من الاُصول الاعتقادية ذات الأهمية البالغة في آثارها ونتائجها الواضحة ، لتنظيم حياة المجتمع المسلم ، وتوجيه سلوكه لبلوغ أهدافه الإنسانية والروحية على اُسس قويمة ، هي أرقى من كل التشريعات البشرية الهادفة إلى القضاء على الفوضى والفساد ، وجرائم القتل والنهب ، التي بلغت أوجها في أكثر بلدان العالم تقدّماً وتطوّراً وثقافةً.

( ومن هنا اضطرّ كثير ممّن لا يؤمن بالدين ولا بالآخرة كواقع ديني ، إلى أن يصرّحوا بأنه لا شيء غير عقيدة الآخرة يصلح لمراقبة الإنسان وإخضاعه لسلوك طريق الحق والعدل والانصاف في جميع الظروف ، مثل « كانت » و« فولتير » وغيرهما ) (14).

ثانياً : أثر المعاد في إطار النفس:

إنّ الاعتقاد بالله وباليوم الآخر يعتبر من أمضى أسلحة الإعداد والحصانة ، ذلك لأنه يمنح النفس الإنسانية قوّة الصمود أمام الرغبات النفسية والمظاهر الخدّاعة في هذا العالم ، ويكسبها حصانة تقيها من الجنوح إلى أهوائها وتفطمها عن إتيان شهواتها ، ذلك لأن أغلب من لا يؤمن بالمعاد ويعتقد أنه إذا مات تحلّل جسده وختمت حياته ، لا تكون له شكيمة تردّه عن الهوى وتصدّه عن الغيّ ، ولا يكون له وازع يزجره عن الباطل ويصرفه عن إتيان القبيح.

أمّا المؤمن باليوم الآخر فإنّه يعتبر الحياة الدنيا مدرسة إعداد ووسيلة لاكتساب المعرفة والفضيلة للوصول إلى الكمال والحقّ والعيش في عالم الخلود والبقاء الأبدي والسعادة السرمدية، وذلك من خلال تنزيه النفس عن ارتكاب الخطايا ، وترويضها على معاني الفضيلة والعدالة ، ومجاهدتها عن الاستسلام لرغباتها المضادّة للشرع والعقل ، والعروج بها إلى سلّم الكمال الانساني والاطمئنان الروحي { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر: 27 - 30].

وتلك القيم لا ينشدها الإنسان إلاّ ليقينه بمعادٍ يثاب فيه على إحسانه ويعاقب على إساءته ، فهو يسيطر على نفسه بقوة عقيدته التي غرست في نفسه حبّ الفضيلة ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، ومنحته المناعة الكافية عن ارتكاب الخطايا والذنوب ، لما تخلّفه من ندامة وحسرة ومسؤولية كبرى في يوم الحساب.

ثمّ إن الاعتقاد بالمعاد ليس رادعاً عن إتيان القبائح وغشيان الخسائس وحسب ، بل إنه مُطمأنّ النفس وسَكَن الخواطر ومعتصم الاندفاعات ، وبه تمتدّ أشعة الأماني إلى ما لا نهاية ، ولا تقف الآمال إلاّ عند غاية الحق والكمال ، حيث يصبح الانسان فاضلاً ، لا لأنه يخاف العذاب أو يرجو الثواب ، بل لأنه يجد لذة الفضيلة أكبر من لذّة الرذيلة ، ويعبد الله تعالى لا بدافع الرهبة أو الرغبة ، بل لأنه يرى الله تعالى أهلاً للعبادة ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ، ولا طمعاً في ثوابك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك » (15). وتلك عبادة الأحرار المخلصين والكرام المؤمنين.

أمّا الذين لا يؤمنون بالآخرة ولا يرجون لقاء الله ، فقد رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وركنوا إليها ، فاستولت عليهم الرغبات ، وامتلكتهم الأهواء ، فاستعبدت ذواتهم ، وحطّمت نفوسهم ، فتراهم يلهثون وراء الحطام الدنيوي الزائل ، لأنه وسيلتهم لتحصيل السعادة ، وتحقيق سبيل الرفاه والعيش الرغيد والأماني والرغبات قبل الرحيل إلى عالم الموت ، الذي يعني العدم والفناء في اعتقادهم.

ومن هنا تراهم يشعرون بالاضطراب وعدم الاستقرار ، خشية من انتهاء الرزق قبل الموت ، وعدم تحصيل أسباب السعادة والرفاه قبل الفوت ، فينتابهم الهمّ والأسى لأدنى فشل في الحياة ، وتشقى نفوسهم بالمتاعب الدنيوية التي لم يحصلوا على عوضٍ أو ربحٍ لقاءها ، فتكون الدنيا في أعينهم سوداء قاتمة وعبثاً لا معنى له ، وقد يلجأون إلى الانتحار فراراً من الواقع المؤلم ، لأنهم عميٌّ لا يبصرون ، أعمتهم الدنيا من أن يبصروا طريق الحق والخير والكمال.

قال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنما الدنيا منتهى بصر الأعمى ، لا يبصر مما وراءها شيئاً، والبصير ينفذها بصره ، ويعلم أنّ الدار وراءها ، فالبصير منها شاخص ، والأعمى إليها شاخص ، والبصير منها متزوّد ، والأعمى لها متزوّد » (16) .

وعلى عكس ذلك يعتقد المؤمن وبنفس مطمئنة أن السعادة لا تقتصر على هذه الحياة الدنيوية ومتاعها المحدود ، وأن الذي عند الله سبحانه هو أكثر خيراً وأبقى أثراً {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص: 60] وذلك يمنحه الصمود أمام مصائب الحياة ومصاعبها وأحداثها المفجعة ، فلا يستسلم للحوادث ، ولا يقع فريسة للاضطراب والقلق والضياع ، بل يوطّن نفسه على الصبر متذكّراً الموت وقيامه بين يدي الله تعالى رجاء السعادة الأبدية ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « أكثروا ذكر الموت ويوم خروجكم من القبور ، وقيامكم بين يدي الله تعالى ، تهون عليكم المصائب » (17).

فالمعاد عقيدة ترمي إلى سعادة الأنسان وتوجيه ملكاته النفسية نحو الفضيلة والكمال ، لأنّ الفوز بالدار الآخرة يتطلّب التحلّي بالفضائل والمكارم التي يكتسبها الإنسان ، باعتدال نفسه وتوسّطها بين طرفي الإفراط والتفريط من كلّ قوة غضبية أو شهوانية ، وسلوكه الطريق المؤدي إلى نيل الفضيلة وتجنب الرذيلة على اختلاف أنواعها ، لما فيها من الذلّ والهوان في الحياة الدنيا ، وما يترتّب عليها ممّا لا يحمد عقباه من الخزي وعذاب النار في الدار الآخرة ، وبذلك تُهيَّأ له الأرضية للسير في مدارج الكمال.

ومهما امتلك الانسان المعاصر من تقنية متطوّرة وأدوات حضارية مكّنته من السيطرة على قوى الطبيعة المختلفة ، إلاّ أنها أثبتت فشلها من أن تمسك بزمام النفس الإنسانية ، وأن تروّضها في طريق الكمال المطلوب ، وعجزت بالتالي من أن تحول دون انتشار عوامل الانحراف والفساد والاضطراب والقلق التي اتسعت أمواجها وانتشرت آثارها في أكثر بلدان العالم المتطوّر مدنياً.

ومن هنا بقيت جميع الحلول المطروحة ، من قبل الاتجاهات الوضعية ، لرفع حالة الاضطرابات الروحية المتفشية في مجتمعات الدول المتطوّرة عقيمة وغير مثمرة ، وبقي الإنسان هناك يعيش حالة من الضياع والخواء الفكري.

وبقيت عقيدة المعاد هي القوّة الوحيدة القادرة على تهذيب النفوس والحيلولة دون انحرافها ، وهي الدرع الحصينة التي تحفظها من هجمات الأهواء وتصوغها صياغة رفيعة ؛ لتصل إلى السعادة المبتغاة ، وهي الركن الأساس الذي يرسو عليه بناء النفس الفاضلة والمجتمع الفاضل.

____________

(1) نهج البلاغة / صبحي الصالح : 231 الخطبة 162 ـ دار الهجرة ـ قم .

(2) راجع في المعنى اللغوي : لسان العرب / ابن منظور ـ عود ـ 3/315 ـ أدب الحوزة ـ قم ، مفردات القرآن / الراغب ـ عود ـ : 351 ـ المكتبة المرتضوية ـ طهران ، المصباح المنير / الفيومي ـ عاد ـ 2 : 101 ـ مصر ، معجم مقاييس اللغة / ابن فارس ـ عود ـ 4 : 181 ـ دار الفكر ـ بيروت.

(3) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر / الفاضل المقداد : 86 ـ انتشارات زاهدي.

(4) شرح المقاصد / التفتازاني 5 : 82 ـ الشريف الرضي ـ قم.

(5) المبدأ والمعاد / صدر الدين الشيرازي : 374 ـ 375 ، حق اليقين/ عبد الله شبر 2 : 36ـ38 ـ مطبعة العرفان ـ صيدا.

(6) جامع الأخبار / السبزواري : 359/1001 ـ مؤسسة آل البيت عليهم السلام / قم ، بحار الأنوار / المجلسي 78 : 126/7 عن الإمام الحسين عليه السلام .

(7) كنز العمال / المتقي الهندي 15 : 690/42761 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت.

(8) تفسير الرازي 22 : 135 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

(9) نهج البلاغة / صبحي الصالح : 507 ـ الحكمة 221.

(10) غرر الحكم / الآمدي 2 : 364/409.

(11) نهج البلاغة / صبحي الصالح : 346 ـ الخطبة 224.

(12) أمالي المفيد : 198/32 ـ مؤتمر الشيخ المفيد ـ قم.

(13) التهذيب / الطوسي 9 : 232/3 ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

(14) الأدلة الجلية في شرح الفصول النصيرية / عبدالله نعمة : 193 ـ دار الفكر اللبناني.

(15) بحار الأنوار / المجلسي 41 : 14/4.

(16) نهج البلاغة / صبحي الصالح : 191 ـ الخطبة (133) .

(17) الخصال / الصدوق : 616 ـ حديث الأربعمائة.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.