أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-2-2018
1491
التاريخ: 2-7-2019
1723
التاريخ: 4-2-2018
1629
التاريخ: 23-12-2020
2105
|
هناك طوائف تمنع من البحث عما وراء هذا العالم المشهود و تَعُدُّ حُدودَ المادّةِ أَقصى ما تَصِلُ إليه المعرفةُ البشرية و تسلُب كلَّ قيمة من العِلْم المتعلق بما وراء الطبيعة. و العجبُ أن بعض هذه الطوائف من الإِلهيين الذين يعتقدون بوجود الإِله ، ولكن لا يبيحون البحث عما وراء الطبيعة على الإِطلاق و يكتفون في ذلك بالإِيمان بلا معرفة.
و إِليك هذه الطوائف :
الطائفة الأولى : المادّيون :
و هم الذين يعتقدون بأَصالة المادة و يَنْفُون أيَّ وجود وراءَ
العالم الطبيعي ، فالوجود عندهم مساو للمادة...
الطائفة الثانية : المفرِّطون في أدوات المعرفة :
و هؤلاء يعتقدون بما وراء الطبيعة ، غير أَنَّهم يعتقدون بارتفاع قمم
ذلك العالم و شموخها بحيث لا يمكن أَنْ تبلُغَها العقول و تنالَها الأَفهام.
و هؤلاء يدعون أَمراً و لا يَأْتون عليه بدليل ، فإِنَّ عند العقل
قضايا بديهيةً كما أَنَّ لديه قضايا نظريةً منتهيةً إلى البديهية. والقضايا
البديهيةُ صادقةٌ بالبداهة في حق المادة و غير المادة. و كما أنَّ العقل يستنتج من
إِنهاء القضايا النظرية في الأمور الطبيعية إلى البديهية ، نتائجَ كانت مجهولة ،
فهكذا عمله في القضايا الراجعة إلى ما وراء المادة...
الطائفة الثالثة : مُدّعو الكشف و الشهود :
و هؤلاء يعتقدون أنّ الطريقَ الوحيد للتعرف على ما وراء الطبيعة هو
تهذيبُ النفس و جعلُها مستعدةً لقبول الإِفاضات من العالم الرّبوبي ، و هذا في
الجملةِ لا إِشكال فيه ، ولكن حصرَ الطريق بالكشف و الشهود ادعاء بلا دليل. فلا
مانع من أَنْ تكون أَدوات المعرفة متعددةً من الحسّ و العقل و الكشف.
الطائفة الرابعة : الحنابلة و بعض الأَشاعرة :
و هؤلاء يعتقدون بأَنَّ الطريق الوحيد للتعرف على العالم الربوبي هو
إِخبار السماء ، فلا يجوز لنا الحكم بوحدة الذات الإِلهية أَو كثرتِها ، و
بساطَتِها أَو تَرَكُّبِها ، و جسمانِيَّتِها أو تَجَرُّدِها ، إِلاّ بالأَخبار و
الأَنباء الواردة من السماء. و قد عزب عن هؤلاء أنَّ العقل عنصر سماوي موهوب من
قبل الله تعالى للإِنسان لاكتشاف الحقائق بشكل نسبي. قال سبحانه : {وَاللَّهُ
أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ
لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[النحل: 78].
و أَوضح دليل على قدرة العقل على البحث و دراسة الحقائق
السُّفْلِيَّة و العُلْوِيَّة حَثُّ الوَحْي على التَّعَقُّل سبعةً و أَربعين مرةً
، والتَّفَكُّر ثمانيةَ عشر مرةً ، و التَّدَبُّر أربعَ مرات في الكتاب العزيز.
و تخصيص هذه الآيات بما وقع في أفق الحس تخصيص بلا دليل.
ثم لو كان الخوض في البحث عما وراء المادة أَمراً محظوراً ، فلِمَ
خاض القرآن في هذه المباحث ، و دعى جميع الإِلهيين إلى سلوك هذا الطريق الذي سار
عليه. قال سبحانه : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا
فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] و قال
سبحانه : {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ
وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ
وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }
[المؤمنون: 91]. ترى في هاتين الآيتين أدَقَّ البراهين على التوحيد في التدبير بما
لا يُتَصَوَّر فوقَهْ ،...
إِنَّ الكتاب الكريمَ يَذُمُّ المشركين بأَنَّهم يعتقدون بما لا
برهان لهم علي ، و من خلال ذلك يرسم الطريق الصحيح للإلهيين و هو أَنه يجب عليهم
تحصيل البرهان على كل ما يعتقدونه في المبدأَ و المعاد. قال سبحانه : {أَمِ اتَّخَذُوا
مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ
وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ
مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 24].
و لو كان عمل السلف في هذا المجال حجة ، فهذا الإِمام علي بن أبي
طالب قد خاض في الإِلهيات في خُطبَه و رسائله و كلمه القصار بما ليس في وسع أَحد
غيره.
و لأَجل ذلك ترجع إليه كثير من المدارس الفكرية العقلية في الإِلهيات
، و عنه أَخذت المعتزلة العدل و التوحيد ، و الإِمامية أُصولها و عقائدها.
فلا ندري لماذا تحتج سلفية العصر الحاضر و الماضي بعمل أَهل الحديث
من الحنابلة و الأَشاعرة ، ولا تحتج بفعل الإِمام أَمير المؤمنين علي بن أبي طالب
ربيب أَحضان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )و تلميذِه الأَول خليفة المسلمين
أَجمعين.
قال العلامة الطباطبائي ( رحمه الله : « إنَّ للناس مسالك مختلفة في
هذا المجال ، فهناك من يرى البحث عن الحقائق الدينية و التَّطَلُع إلى ما وراء
ظواهر الكتاب و السُّنَة بدعةً ، و العقل يُخَطِّئُهُم في ذلك ، و الكتابُ والسنةُ
لا يصدِّقانِهم.
فآيات الكتاب تُحَرِّضُ كُلَّ التحريض على التدبر في آيات الله و بذل
الجُهْد في تكميل معرفته و معرفة آياته بالتذكر و التفكر و النظر فيها و الاحتجاج
بالحجج العقلية ، و متفرقات السنَّة المتواترة معنى توافقها. و هؤلاء هم الذين
يحرِّمون البحث عن حقائق الكتاب و السنة ، حتى البحث الكلاميّ الذي بناؤه على
تسليم الظواهر الدينية ثم الدفاع عنها بما تيسّر من المقدمات المشهورة و
المُسَلَّمَةِ عند أَهل الدين » (1).
عودة نظرية أَهل الحديث في ثوب جديد :
لقد عادت نظرية أَهل الحديث في العصر الحاضر بشكل جديد و هو أنَّ
التحقيقَ في المسائل الإِلهيةِ لا يُمْكِن إلا من خلال مطالعة الطبيعة. قال محمد
فريد وجدي : « بما أنّ خُصومَنا يعتمدون على الفلسفة الحِسِّية و العِلم الطبيعي
في الدعوة إلى مذهبهم فنجعلهما عُمْدَتَنا في هذه المباحث بل لا مناص لنا من
الإِعتماد عليهما ، لأَنهما اللذان أَوصلا الإِنسان إلى هذه المِنصَّة من العهد
الروحاني » (2).
و قال السيد أبو الحسن النَّدَوي : « قد كان الأَنبياء ( عليهم
السَّلام ) أَخبروا الناس عن ذات الله و صفاته و أَفعاله ، و عن بداية هذا العالم
و مصيره و ما يهجم على الإِنسان بعد موته و آتاهم علم ذلك كلِّه بواسطتهم عفوا بلا
تعب ، و كفوهم مؤنة البحث و الفحص في علوم ليس عندهم مبادئها و لا مقدماتها التي
يبنون عليها بحثَهم ليتوصلوا إلى مجهول ، لأنّ هذه العلوم وراء الحس و الطبيعة ،
لا تعمل فيها حواسهم ، و لا يؤدي إِليها نظر هم و ليست عندهم معلوماتها الأَولية ... إلى أَنْ قال ... الذين خاضوا في الإِلهيات من غير
بصيرة و على غير هدى جاؤوا في هذا العلم بآراء فجَّة و معلومات ناقصة و خواطر
سانحة و نظريات مستعجلة ، فضلّوا و أضلّوا » (3).
أقول : لا شك أَنَّ القرآن يدعو إلى مطالعة الطبيعة ، كما مر. إلاّ
أنّ الكلامَ هو في مدى كفاية النظر في الطبيعة و دراستها في البرهنة على المسائل
التي طرحها القرآن الكريم مثل قوله سبحانه : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ} [الشورى: 11].
{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60].
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180].
{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة: 115].
{هِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4].
إلى غير ذلك من المباحث والمعارف التي لا تنفع دراسة الطبيعة و
مطالعة العالم المادّي في فكِّ رموزها و الوقوف على حقيقتها ، بل تحتاج إلى مبادئ
و مقدمات عقلية و أسس منطقية.
إِنَّ مطالعة العالمَ الطبيعي تهدينا إلى أنَّ للكون صانعاً عالماً
قادراً ، و تهدينا إلى أَنَّه سبحانه عالم بكل شيء و قادر على كل شيء ، و انه خالق
كل شيء ، و مدبر كل شيء.
فإذا أردنا أن نحدد مدى المعرفة الحاصلة من النظر في الطبيعة ، فلنا
أن نقول : إنَّ الإِمعان في الطبيعة يُوصلنا إلى حدود ماوراء الطبيعة ، و يوقفُنا
على أنَّ الطبيعة تخضع لقوة قاهرة و تدبير مدبّر عالم قادر ، ولكن لا يمكن
للإِنسان التَّخَطِّي عن ذلك إلى المسائل التي يطرحها القرآن أو العقل، و للمثال
نقول :
أَولا : إِذا كان ماوراء الطبيعة مصدراً للطبيعة فما هو المصدر لما
وراءها نفسها؟
ثانياً : هل ذلك المصدر أزَلِيُّ أو حادثٌ ، واحدٌ أو كثير ، بسيطُ
أو مُرَكَّب ، جامع لجميع صفات الجمال و الكمال أو لا؟
ثالثاً : هل لعلمه حدّ ينتهي إليه أو لا؟
رابعاً : هل لقدرته نهاية تَقِفُ عندها أو لا؟
خامساً : هل هو أَوّلُ الأَشياء و آخرُها أو لا؟
سادساً : هل هو ظاهر الأَشياء و باطنها؟
إنّ هذه المعارف يطرحها القرآن الكريم و يأمر بالتدبّر فيها و يقول : {أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].
والإِمعان في الطبيعة لا يفيد في الإِجابة عن هذه التساؤلات ،
والوقوف على المعارف المطروحة في القرآن.
و عندئذ لا مناص عن سلوك أحد الطريقين : إمَّا أنْ يصار إلى التعطيل
و تحريم البحث حول هذه المعارف. و إمَّا الإِذعان بوجود طريق عقليٍّ يوصِلُنا إلى
تحليل هذه المعارف و يساعدُنا على الوقوف عليها.
إِنَّ الذين يُحَرِّمون الخوضَ في هذه المباحث يعتمدون على أَنَّ
التعرُّفَ على حقيقة الذات و كُنْهِ صفاتها أَمرٌ محال ، ولكن ليس كلُّ بحث كلامي
ينتهي إلى ذلك الحد و يحاول البحث عن حقيقة الذات الإِلهية كما أَوضحناه.
إِنَّ العلومَ الطبيعيةَ قد خَدَمَت مَسْلَكَ الإِلهيين و عزَّزَت
موقفهم ، حيث أَثبتت أَنَّ الكون نظامٌ كله ، إِلاّ أَنها قاصرة عن حل كل المشاكل المطروحة
في مجال العقائد.
نعم ، إِنَّ في هذه الأَبحاث ليس متاحاً لكل أحد ، وليس مُيَسَراً
لكل قاصد ، فهي من قبيل السهل الممتنع ، و ذلك لأنَّ الإِنسان بسبب أنسِه بالأُمور
الحِسِّية يصعب عليه تحريرُ فِكْرِه عن كل ما تَفْرِضه عليه ظروفه حتى يَتَهَيَّأَ
للتفكر فيما وراءَ الطبيعة بفكر متحرر من أغلال الماديَّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الميزان ، ج 8 ، ص 153.
2 ـ على أطلال المذهب المادي ،
ج 1 ، ص 16.
3 ـ ماذا خسر العالم ، ص 97.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|