أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-5-2021
2440
التاريخ: 16-11-2018
2356
التاريخ: 6-2-2017
1635
التاريخ: 21-10-2019
1576
|
وفاة رقية :
قيل : إن رقية ربيبة النبي «صلى الله عليه وآله» قد توفيت في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة في شهر رمضان ، يوم النصر ببدر.
وقيل : بل إن زيد بن حارثة جاء بشيرا بالنصر في حين كان عثمان واقفا على قبرها يدفنها.
وقال النووي : إنها توفيت في ذي الحجة (١).
ونحن نرجح : أنها توفيت بعد رجوعه «صلى الله عليه وآله» من بدر ، وذلك استنادا إلى ما يلي :
١ ـ إن رواية : أن عثمان تخلف عن بدر ليمرضها محل شك ، وذلك لما تقدم من تعيير عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود وغيرهما له بتخلفه عن بدر ، فكيف خفي عليهم عذره ، بل وفضله إذا كان «صلى الله عليه وآله» قد ضرب له بسهمه وأجره كما يقولون.
هذا عدا عن الرواية التي تقول : إنه تخلف لأنه كان مريضا بالجدري.
وقد تقدم كل ذلك وسواه في وقعة بدر ، فلا نعيد.
٢ ـ لقد ذكر النووي : أنها توفيت في شهر ذي الحجة بعد بدر (2).
وذكر ابن قتيبة : أنها توفيت لسنة وعشرة أشهر وعشرين يوما من مقدمه «صلى الله عليه وآله» المدينة (3).
وهذا معناه : أنها توفيت في شهر محرم. وهو يعضد ما ذكره النووي آنفا ، وإن كان هذا أكثر دقة وتحديدا.
٣ ـ لقد روى ابن سعد ، وغيره : أنه «صلى الله عليه وآله» قال حينما توفيت رقية : الحقي بسلفنا عثمان بن مظعون ، فبكت النساء على رقية ، فجاء عمر بن الخطاب ، فجعل يضربهن إلى أن قال : فقعدت فاطمة على شفير القبر تبكي ، فجعل يمسح عن عينها بطرف ثوبه (4).
وردّ الواقدي هذه الرواية : بأن رقية قد توفيت ، والنبي «صلى الله عليه وآله» غائب في بدر ، فلعل المراد غير رقية ، أو أنه «صلى الله عليه وآله» أتى قبرها بعد قدومه ، وبكاء النساء عليها بعد ذلك (5).
ولكن هذا لا يمكن قبوله ، فإن الرواية الآنفة صحيحة السند ، ويعضدها ما تقدم وما سيأتي.
وردها استنادا إلى ما شاع من تمريض عثمان لها ، لأجل تأكيد ما استقر في نفوسهم من أنه «صلى الله عليه وآله» قد ضرب لعثمان بسهمه وأجره ، ليس بأولى من العكس ، مع وجود التهمة في مستندهم هذا ، كما تقدمت الإشارة إليه في وقعة بدر.
٤ ـ وقد جاء بسند صحيح على شرط مسلم ، عن أنس : لما ماتت رقية بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، قال «صلى الله عليه وآله» : لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة. فلم يدخل عثمان القبر (6).
وفي لفظ آخر ذكره البخاري ، عن أنس ، قال : شهدنا دفن بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله» ورسول الله «صلى الله عليه وآله» جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : هل منكم من أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة : أنا ، فنزل في قبرها (7).
وحكم جمع بأن ذكر رقية في الرواية وهم ، أو خطأ ، استنادا إلى ما تقدم من كون رقية قد توفيت ، والنبي «صلى الله عليه وآله» في بدر (8).
وجوابه كجواب سابقه. وليس هذا بأولى من العكس ، بل العكس هو المتيقن ، حسبما قدمنا آنفا ، وفي وقعة بدر.
والمراد بالمقارفة هنا : المجامعة ، كما جزم به ابن حزم وغيره.
كلام ابن بطال وغيره :
وقد علق ابن بطال على حديث المقارفة هذا بقوله : «أراد النبي «صلى الله عليه وآله» أن يحرم عثمان النزول في قبرها.
وقد كان أحق بها ؛ لأنه كان بعلها. وفقد منهم علقا لا عوض منه ؛ لأنه حين قال «عليه السلام» : «أيكم لم يقارف الليلة أهله» سكت عثمان ، ولم يقل :
أنا ؛ لأنه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه ، ولم يشغله الهم بالمصيبة ، وانقطاع صهره من النبي «صلى الله عليه وآله» عن المقارفة ؛ فحرم بذلك ما كان حقا له ، وكان أولى به من أبي طلحة وغيره ، وهذا بين في معنى الحديث.
ولعل النبي «صلى الله عليه وآله» قد كان علم ذلك بالوحي ؛ فلم يقل له شيئا ؛ لأنه فعل فعلا حلالا ، غير أن المصيبة لم تبلغ منه مبلغا يشغله ، حتى حرم ما حرم من ذلك ، بتعريض دون تصريح» (9).
وقال ابن حبيب : «إن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان : أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة ؛ فتلطف «صلى الله عليه وآله» في منعه النزول في قبر زوجته بغير تصريح» (10).
وللعلامة الأميني ههنا كلام جيد ذكر فيه : أن النبي الداعي للستر على المؤمنين ، والداعي للإغضاء عن العيوب ، والناهي عن التجسس بنص القرآن العظيم عما يقع في الخلوات ، يخرج هنا عن سجيته ، ويخالف طريقته (11) ، ويعرض بعثمان هذا التعريض الذي فضحه وحرمه مما هو حق له. الأمر الذي يدل على أن ما اقترفه عثمان كان أمرا عظيما ، لا مجرد كونه فعل أمرا حلالا ، ربما يكون قد اضطر إليه بسبب طول مرض زوجته ، كما قد يحلو للبعض (12) أن يعتذر ؛ فإن ذلك لا يستدعي من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يقف هذا الموقف الحازم (13). انتهى ملخصا.
ونقول :
لعل عثمان قد ارتكب في حق رقية ذنبا عظيما جدا لم يستطع التاريخ أن يفصح لنا عنه ، بل نجد نصا في الكافي يقول : إن رقية لما قتلها عثمان ، وقف النبي «صلى الله عليه وآله» على قبرها ؛ فرفع رأسه إلى السماء ، فدمعت عيناه ، وقال للناس : إني ذكرت هذه وما لقيت ؛ فرققت لها ، واستوهبتها من ضمة القبر (14).
ولعل مما يشير إلى ذلك ، ما رواه في تقريب أبي الصلاح ، عن تاريخ الثقفي : أن عثمان لما خطب ، وقال : ألست ختن النبي على ابنتيه؟
أجابته عائشة : بأنك كنت ختنه عليهما ، ولكن كان منك فيهما ما قد علمت (15).
وبعد كل ما تقدم ، فهل يمكن أن نصدق : أنه «صلى الله عليه وآله» قال : إنه لو كان عنده ثالثة ، أو عشرة ، أو أربعون أو .. لكان زوجها لعثمان؟! (16).
أكاذيب وأباطيل :
والأكاذيب والأباطيل ههنا كثيرة ، نشير منها إلى ما يلي :
١ ـ هناك رواية تقول : إنه بعد موت رقية ، رأى النبي «صلى الله عليه وآله» عثمان مهموما لهفان (أو أنه يبكي بكاء شديدا) ؛ فسأله «صلى الله عليه وآله» ؛ فقال : وهل دخل على أحد ما دخل عليّ؟.
ماتت ابنة رسول الله التي كانت عندي ، وانقطع ظهري ، وانقطع الصهر بيني وبينك ، فبينما هو يحاوره إذ قال النبي «صلى الله عليه وآله» : يا عثمان ، هذا جبريل «عليه السلام» يأمرني عن الله أن أزوجك أختها أم كلثوم ، على مثل صداقها ، وعلى مثل عشرتها ؛ فزوجه إياها (17).
عجيب!! أو ليس هذا النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه هو الذي حرم عثمان من الدخول في قبر رقية ؛ لأنه رفث إلى جارية في نفس ليلة وفاتها؟!
أو ليس عثمان هو الذي عيرته عائشة بأنه كان منه في رقية وأختها ما قد علم؟!.
أو ليس هو الذي قتل رقية ، حسبما جاء في رواية الكافي؟!.
٢ ـ ورواية أخرى مفادها : أن أبا هريرة دخل على رقية ، فأخبرته : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان عندها آنفا ، وسألها «صلى الله عليه وآله» كيف تجد عثمان ، فقالت : بخير.
قال : أكرميه فإنه من أشبه أصحابي بي خلقا (18).
ونحن لا نزيد هنا على ما قاله الحاكم ، وأيده الذهبي في تلخيصه : «هذا حديث صحيح الإسناد ، واهي المتن ، فإن رقية ماتت سنة ثلاث (19) من الهجرة عند فتح بدر ، وأبو هريرة إنما أسلم بعد فتح خيبر» (20).
هذا مع غض النظر عن المناقشة الكبيرة في أن يكون عثمان من أشبه أصحابه به خلقا ؛ فإن المراجعة لسيرة عثمان وأخلاقه وسلوكه ، لا يمكن أن تؤيد هذا بوجه من الوجوه ، ونحيل القارئ إلى مورد واحد يكشف عن خلق عثمان ، وهو قضيته مع عمار بن ياسر حين بناء المسجد ..
هذا كله مع غض النظر عما ظهر منه أيام خلافته من أمور نقمها الصحابة عليه ، حتى انتهى بهم الأمر إلى أن قتلوه من أجلها.
وثمة روايات أخرى حول عثمان وزواجه برقية وأم كلثوم ، تعرض لها العلامة الأميني في الغدير ، فمن أرادها فليراجعها (21). فإنه رحمه الله قد جاء بما هو كاف وشاف ، فجزاه الله خير جزاء وأوفاه.
كلمة أخيرة حول رقية وعثمان :
ويذكرون أخيرا : أن رقية كانت قبل عثمان متزوجة بابن أبي لهب ، وقد فارقته بالطلاق.
وثمة رواية تقول : إن المبادرة للطلاق كانت من جانب آل أبي لهب ، انتقاما منها ومن أبيها ، لأنها صبت إلى دينه. وهذه الرواية هي المعروفة.
ولكننا نجد في مقابل ذلك ، رواية حسنة الإسناد تقول : إن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي طلب من عتبة طلاق رقية ؛ وسألته رقية ذلك ، فطلقها (22).
ونحن وإن كنا لا نستغرب خبث نفوس آل أبي لهب ، ولا يبعد أن تكون قد تعرضت عندهم للأذى ، ولربما يستفاد ذلك من طلبها هي الطلاق ، إلا أننا ربما نجد في هذه الرواية الثانية : دلالة على أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يسعى إلى أن لا يقر مسلمة مع مشرك ، إن استطاع إلى ذلك سبيلا.
ومهما يكن من أمر ، فإن عثمان قد تزوجها بعد طلاق ابن أبي لهب لها .. ويظهر أن ذلك كان في الإسلام ؛ كما تدل عليه الروايات المتقدمة (23).
وإن كان البعض يحاول أن يدّعي أنه تزوجها في الجاهلية (24) ولكن ما تقدم يدفعه.
ويدفعه أيضا أن ابن شهرآشوب يذكر : أن عثمان قد عاهد أبا بكر أن يسلم إذا زوجه النبي «صلى الله عليه وآله» رقية (25) ، وكانت رقية ذات جمال رائع (26) ، ومن أحسن البشر (27).
فلعل النبي «صلى الله عليه وآله» زوجه إياها تألفا له على الإسلام ، فأسلم.
ويكون معنى قولهم ـ وإن كان ذلك بعيدا ـ إنه كان قد تزوجها في الجاهلية : أنه تزوجها في جاهليته هو ، ثم أسلم ، وفاء بعهده لأبي بكر.
ولسوف يأتي بعض الكلام حول هذا أيضا ، حين الكلام عن زواج علي «عليه السلام» بفاطمة إن شاء الله.
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٠٦.
(2) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٠٦.
(3) ذخائر العقبى ص ١٦٣.
(4) راجع : طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٢٤ و٢٥ ، والإصابة ج ٤ ص ٣٠٤ ، ووفاء الوفاء ج ٣ ص ٨٩٥ ، ومنحة المعبود في تلخيص مسند الطيالسي ج ١ ص ١٥٩ ، وليراجع قاموس الرجال ج ١٠ ص ٤٣٩ عن الكافي.
(5) راجع المصادر المتقدمة.
(6) مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٧ ، وتلخيصه هامش نفس الصفحة للذهبي ، وسكت عنه ، وليراجع : الإستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٣٠١ ، والإصابة ج ٤ ص ٣٠٤ ، وفتح الباري ج ٣ ص ١٢٧ ، ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٧٠ و٢٢٩ ، وعن تاريخ البخاري الأوسط ، والروض الأنف ج ٣ ص ١٢٧.
(7) صحيح البخاري ط سنة ١٣٠٩ ج ١ ص ١٥٢ و١٤٦ ، ومشكل الآثار ج ٣ ص ٢٠٢ و٢٠٤ ، والإصابة ج ٤ ص ٣٠٤ ، والإستيعاب بهامشها ج ٤ ص ٣٠١ ، والمعتصر من المختصر لمشكل الآثار ج ١ ص ١١٣ و١١٤ ، وسنن البيهقي ج ٤ ص ٥٣ ، ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٧ ، ومسند أحمد ج ٣ ص ١٢٦ و٢٢٨ ، وذخائر العقبى ص ١٦٦ ، والمصنف لعبد الرزاق ج ٣ ص ٤١٤ ، وعن تاريخ البخاري.
(8) الإستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٣٠١ ، ونهاية ابن الأثير ج ٤ ص ٤٦ ، وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٢٦ ، والإصابة ج ٤ ص ٣٠٤ و٤٨٩ عن أبي عمر وابن سعد ، وعن البخاري ولكن قد رأينا أن البخاري لم يصرح بأنها أم كلثوم ، نعم قد ذكر الرواية في رقية في تاريخه ، ثم ناقشها بما ذكروه. والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٩٧ عن البخاري ، وفتح الباري ج ٣ ص ١٢٧ عنه و١٢٦ عن غيره ، والروض الأنف ج ٣ ص ١٢٧ ، وذخائر العقبى ص ١٦٦.
(9) الروض الأنف للسهيلي ج ٣ ص ١٢٧ و١٢٨.
(10) فتح الباري ج ٣ ص ١٢٧.
(11) المراد : أن الشارع هو الذي أوجب على رسول الله أن يبادر للتصدي والمواجهة.
(12) المصدر السابق.
(13) الغدير ج ٨ ص ٢٣٣.
(14) قاموس الرجال ج ١٠ ص ٤٣٩.
(15) قاموس الرجال ج ١٠ ص ٤٤٠ عن تقريب ابن الصلاح.
(16) راجع : الغدير ج ٨ ص ٢٣٣ و٢٣٤.
(17) راجع : مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٩ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٦١٢ و٦١٣ عن ابن المسيب ، وذخائر العقبى ص ١٦٥ و١٦٦ عن ابن عباس وأبي هريرة ، وقال : أخرجهما الفضائلي.
(18) مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٨ ، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٨١ ، وسيرة مغلطاي ص ١٦ و١٧ ، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٤ عن الحاكم ، وابن عساكر.
(19) الصحيح : سنة اثنتين.
(20) مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٨ ، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة.
(21) راجع : الغدير ج ٥ ص ٣٢٦ ، وج ٩ ص ٣٥١ و٣٥٢ و٣٠٣ و٣٧٢ و٣٧٤ ، وموارد أخرى لا مجال لذكرها.
(22) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢١٦ و٢١٧ عن الطبراني. قال الهيثمي : وفيه زهير بن العلاء ، ضعفه أبو حاتم ، ووثقه ابن حبان ، فالإسناد حسن.
(23) راجع : ذخائر العقبى ص ١٦٢ ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٩٧ عن الدولابي ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٠٦.
(24) تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٧٥ عن الدولابي.
(25) مناقب ابن شهرآشوب ج ١ ص ٢٢.
(26) المواهب اللدنية ج ١ ص ١٩٧ ، وذخائر العقبى ص ١٦٢.
(27) مستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٧ ، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثاني والعشرين من سلسلة كتاب العميد
|
|
|