المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



تفسير الأية (83-89) من سورة طه  
  
5726   07:14 مساءً   التاريخ: 7-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الطاء / سورة طه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2020 7023
التاريخ: 11-9-2020 8968
التاريخ: 6-9-2020 2958
التاريخ: 6-9-2020 8779

 

قال تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا  } [طه: 83 - 89]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} قال ابن إسحاق كانت المواعدة أن يوافي الميعاد هو وقومه وقيل مع جماعته من وجوه قومه وهو متصل بقوله {واعدناكم جانب الطور الأيمن} فتعجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه وخلفهم ليلحقوا به فقيل له ما أعجلك عن قومك يا موسى أي بأي سبب خلفت قومك وسبقتهم وجئت وحدك {قال} موسى في الجواب {هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي} أي: هؤلاء من ورائي يدركونني عن قريب وقيل معناه هم على ديني ومنهاجي عن الحسن وروي عنه أيضا أنه قال هم ينتظرون من بعدي ما الذي آتيهم به وليس يريد أنهم يتبعونه.

 {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} أي: سبقتهم إليك حرصا على تعجيل رضاك أي لازداد رضا إلى رضاك {قال} الله تعالى {إِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ} أي: امتحناهم وشددنا عليهم التكليف بما حدث فيهم من أمر العجل فألزمناهم عند ذلك النظر ليعلموا أنه ليس بإله كما قال سبحانه {ألم أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} {من بعدك} أي: من بعد انطلاقك {وأضلهم السامري} أي: دعاهم إلى الضلال فقبلوا منه وضلوا عند دعائه فأضاف الضلال إلى السامري والفتنة إلى نفسه ليدل سبحانه على أن الفتنة غير الضلال وقيل إن معنى فتنا قومك عاملناهم معاملة المختبر المبتلي ليظهر لغيرنا المخلص منهم من المنافق فيوالي المخلص ويعادي المنافق.

 { فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} أي: رجع موسى من الميقات إلى بني إسرائيل شديد الغضب حزينا عن ابن عباس وقيل جزعا عن مجاهد وقيل متحسرا متلهفا على ما فاته لأنه خشي أن لا يمكنه تدارك أمر قومه عن الجبائي {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} أي: صدقا لإيتاء الكتاب وهو التوراة لتعلموا ما فيه وتعلموا به فتستحقوا الثواب عن الجبائي وقيل الوعد الحسن هو ما وعدهم به من النجاة من فرعون ومجيئهم إلى جانب الطور ووعده بالمغفرة لمن تاب وقيل هو ما وعدهم به في الآخرة على التمسك بدينه في الدنيا عن الحسن {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} أي: مدة مفارقتي إياكم {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ } أي: يجب عليكم {غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} بعبادتكم العجل والمعنى أم أردتم أن تصنعوا صنعا يكون سببا لغضب ربكم {فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} أي: ما وعدتموه لي من حسن الخلافة بعدي ويبين ذلك قوله بئسما خلفتموني من بعدي وقيل إن إخلافهم موعده أنه أمرهم اللحاق به فتركوا المسير على إثره للميقات وقيل: هو أنه أمرهم أن يتمسكوا بطريقة هارون وطاعته ويعملوا بأمره إلى أن يرجع فخالفوه .

{قالوا} أي: قال الذين لم يعبدوا العجل {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } أي: ونحن نملك من أمرنا شيئا والمعنى إنا لم نطق رد عبدة العجل عن عظيم ما ارتكبوه للرهبة لكثرتهم وقلتنا وجاء في الرواية أن الذين لم يعبدوا العجل كانوا اثني عشر ألفا والذين عبدوه كانوا ستمائة ألف رجل ومن قرأ بملكنا بضم الميم فمعناه بقدرتنا وسلطاننا أي لم نقدر على ردهم {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} معناه ولكنا حملنا أثقالا من حلي آل فرعون وهو ما استعادوه من حليهم حين أرادوا السير وقيل هو ما ألقاه البحر على الساحل من ذهبهم وفضتهم وحليهم بعد إغراقهم فأخذوه وقيل هو من أثقال الذنوب والآثام أي حملنا آثاما من حلي القوم لأنهم استعاروا حليا من القبط ليتزينوا بها في عيد كان لهم ثم لم يردوها عليهم عند الخروج من مصر مخافة أن يعلموا بخروجهم فحملوهم وكان ذلك ذنبا منهم إذ كانوا مستأمنين فيما بينهم وقيل إنهم كانوا في حكم الإسراء فيما بينهم فكان يحل لهم أخذ أموالهم فعلى هذا لا يمكن حمله على الإثم.

 {فقذفناها} أي: ألقيناها في النار لتذوب {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} أيضا ليوهم أنه منهم عن الجبائي وقيل: معناه فمثل ما ألقينا نحن من هذا الحلي في النار ألقى السامري أيضا فاتبعناه وقيل إن هذا كلام مبتدأ من الله حكى عنهم أنهم ألقوا ثم قال وكذلك ألقى السامري عن أبي مسلم {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا} أي: أخرج لهم من ذلك عجلا جسيما {له خوار} أي صوت وقد ذكرنا صفة العجل في سورة الأعراف {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} أي: قال السامري ومن تبعه من السفلة والعوام هذا العجل معبودكم ومعبود موسى.

 {فنسي} فيه قولان (أحدهما) أنه من قول السامري ومن تبعه أي: نسي موسى أنه إله وهو قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي والضحاك وقيل: معناه فنسي أي ضل وأخطأ الطريق وقيل معناه أنه تركه هنا وخرج يطلبه (والثاني) أنه قول الله تعالى أي فنسي السامري أي ترك ما كان عليه من الإيمان الذي بعث الله به موسى عن ابن عباس أيضا وقيل معناه فنسي السامري الاستدلال على حدوث العجل وأنه لا يجوز أن يكون إلها وقيل فنسي السامري أي: نافق وترك الإسلام.

 ثم احتج سبحانه عليهم فقال {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} أي: أفلا يرى بنوإسرائيل أن العجل الذي عبدوه واتخذوه إلها لا يرد عليهم جوابا {وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} ومن كان بهذه الصفة فإنه لا يصلح للعبادة قال مقاتل لما مضى من موعد موسى خمسة وثلاثون يوما أمر السامري بني إسرائيل أن يجمعوا ما استعاروه من حلي آل فرعون وصاغه عجلا في السادس والثلاثين والسابع والثامن ودعاهم إلى عبادته في التاسع فأجابوه وجاءهم موسى بعد استكمال الأربعين قال سعيد بن جبير كان السامري من أهل كرمان وكان مطاعا في بني إسرائيل وقيل: كان من قرية يعبدون البقر فكان حب ذلك في قلبه وقيل كان من بني إسرائيل فلما جاوز البحر نافق فلما قالوا اجعل لنا إلها كما لهم آلهة اغتنمها وأخرج لهم العجل ودعاهم إليه عن قتادة.

_______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص45-49.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

بعد ان هلك فرعون وعد سبحانه موسى ان ينزل عليه التوراة ، وضرب له ميقاتا ، فذهب إلى ربه ليأتي بالتوراة بعد ان استخلف أخاه هارون على بني إسرائيل ،

فاغتنموا غياب نبيهم موسى ، وعبدوا العجل ، وحققوا ما كانوا يحلمون به من قبل ، حيث رأوا قوما « يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ » - 138 الأعراف . وسبقت الإشارة إلى ذلك في الآية 51 من سورة البقرة و 148 من سورة الأعراف . . والآيات التي نحن بصددها ، والتي بعدها إلى الآية 98 كلها تتحدث عن هذا الموضوع وما يتصل به ، وتعود بنا إليه .

{وما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى} . بهذا السؤال تبدأ حكاية العجل . .

يذهب موسى إلى ربه ليتلقى الوحي ، فيسأله سبحانه عن تعجله ، وهو أعلم بالسبب ، كي يخبره عما أحدث قومه من عبادة العجل { قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى } . يدل ظاهر الكلام على أنه كان المفروض ان يأتي موسى إلى الطور ، ومعه جماعة من قومه ، فأتى وحده ، فاتجه السؤال ، وجاء الجواب انهم لاحقون بي بلا تأخير ، وسبقتهم إليك يا إلهي حرصا على مرضاتك . . قال هذا ، وهو لا يعلم ما ذا أحدثوا بعده .

{ قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ } . المراد بالفتنة هنا التمحيص والاختبار ليظهر الإسرائيليون على حقيقتهم ، يقال : فتنت الذهب بالنار إذا اختبرته ، ووجه الاختبار هنا ان اللَّه سبحانه نهى بني إسرائيل عن عبادة العجل بلسان هارون ، وأمرهم الشيطان بعبادته بلسان السامري ، فعصوا الرحمن ، وأطاعوا الشيطان ، وظهروا بذلك على حقيقتهم من ضعف الايمان ، والاستعداد التام للكفر والجحود ، تماما كما يجترح المجرم المحرمات حين يجد السبيل إليها ، ويفتضح على رؤوس الاشهاد .

{ فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً } . تقدم في سورة الأعراف الآية 150 {قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً }. يشير بهذا إلى أن اللَّه قد وعد بإنزال التوراة على نبيهم ، وفيها تفصيل كل ما يحتاجون إليه من معرفة الحلال والحرام ، وانه عز وجل سيملَّكهم دار الفاسقين كما في الآية 145 من سورة الأعراف : « وكَتَبْنا لَهُ فِي الأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ » .

{ أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ } . يعني بالعهد مدة غياب موسى عن قومه . تقول :

عهدي به قريب أي لقائي { أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) . أم بمعنى بل ، وأردتم أي أقدمتم على ما يوجب غضب اللَّه ، والمعنى اني لم أغب عنكم طويلا . . فلما ذا أشركتم باللَّه ؟ فهل تريدون أن يحل بكم نكاله وعذابه ؟ وفي هذا إيماء إلى انهم يؤمنون ما دام موسى قائما على رؤوسهم ، فان غاب انقلبوا على أعقابهم وحرفوا الدين على أهوائهم كما حدث بالفعل .

{ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي }. انقلبتم عن دين اللَّه بعد أن وعدتموني بالثبات عليه { قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا } . هذا اعتراف صريح منهم بأنهم قد كفروا وارتدّوا ونكثوا بالوعد ، وعذرهم الوحيد انهم كالمسيرين لا يملكون أنفسهم عن الكفر والغدر والخيانة ، حتى كأنهم مطبوعون على ذلك . . وهكذا تظهر حقيقة بني إسرائيل في أقوالهم وفلتات ألسنتهم بالإضافة إلى أعمالهم .

{ ولكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ }. المراد بالأوزار هنا الأحمال ، وزينة القوم هي حلي النساء الفرعونيات . قال كثير من المفسرين : لما علم بنو إسرائيل انهم سيجتازون البحر ، وان اللَّه سبحانه مغرق فرعون وجنوده احتالوا على الفرعونيات ، واستعاروا حليهن للعرس أو لغيره من الأسباب ، وحملوها معهم . .

وليس هذا ببعيد على طبيعة الإسرائيليين واحتيالهم لكسب المال وجمعه بكل وسيلة {فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} . قال الطبري في تفسيره : ألقى بنو إسرائيل ما معهم من الحلي في حفرة ، وألقى السامري أيضا ما معه ، وصاغ الجميع على هيئة العجل { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ }. تقدم في الآية 148 من سورة الأعراف ج 3 ص 395 .

{فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ}. ضمير قالوا يعود إلى السامري وأصحابه ، وضمير نسي إلى موسى ، والمعنى ان بني إسرائيل قالوا : هذا العجل هو الإله الحقيقي لنا ولموسى وللعالم أجمع ، وقد ذهل عنه موسى ، وذهب يطلبه ويبحث عنه في الطور ، وما درى انه ضيفنا وفي ديارنا . . وتجدر الإشارة إلى أن من قال : ان اللَّه جسم فإنه يلتقي مع عبدة العجل والأوثان من حيث يريد أو لا يريد .

{ أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ولا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا ولا نَفْعاً }. كيف يكون العجل ربا لهم ، وهو من صنع أيديهم ، لا يسمع كلامهم ولا يرد جوابهم ، ولا يجلب لهم ولا لنفسه نفعا ، ولا يدفع عنه ولا عنهم ضرا ؟ قال بعض المفسرين : « وفوق ذلك هو لا ينطح ، ولا يرفس ، ولا يدير طاحونة ولا ساقية » . وفي تفسير الرازي ان يهوديا قال للإمام علي ( عليه السلام ) : ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم . فقال الإمام : انما اختلفنا عنه ، وما اختلفنا فيه . وأنتم ما جفّت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لنبيكم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة .

ولو جاز لنا أن نفسر القرآن بالرأي والتأويل بالحدس لقلنا : ان صياغة العجل من الذهب ، وتأليه الإسرائيليين له يرمز إلى انهم قد فطروا منذ القديم على عبادة المال ، وانه هو إلههم وحده لا شريك له . . وتاريخهم القديم والحديث يدل على ذلك دلالة صريحة واضحة ، وانهم يستحلون كل شيء من أجل المال حتى إراقة الدماء والدعارة والغدر .

_______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 234-237.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى - إلى قوله - لترضى} حكاية مكالمة وقعت بينه تعالى وبين موسى (عليه السلام) في ميعاد الطور الذي نزلت عليه فيه التوراة كما قص في سورة الأعراف تفصيلا.

وظاهر السياق أنه سؤال عن السبب الذي أوجب لموسى أن يستعجل عن قومه فيحضر ميعاد الطور قبلهم كأنه كان المترقب أن يحضروا الطور جميعا فتقدم عليهم موسى في الحضور وخلفهم فقيل له:{ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى } فقال:{هم أولاء على أثري} أي إنهم لسائرون على أثري وسيلحقون بي عن قريب{وعجلت إليك رب لترضى} أي والسبب في عجلي هو أن أحصل رضاك يا رب.

والظاهر أن المراد بالقوم وقد ذكر أنهم على أثره هم السبعون رجلا الذين اختارهم لميقات ربه، فإن ظاهر تخليفه هارون على قومه بعده وسائر جهات القصة وقوله بعد:{أ فطال عليكم العهد} أنه لم يكن من القصد أن يحضر بنوإسرائيل كلهم الطور.

وهذا الخطاب يمكن أن يخاطب به موسى (عليه السلام) في بدء حضوره في ميعاد الطور كما يمكن أن يخاطب في أواخر عهده به فإن السؤال عن العجل غير نفس العجل الذي يقارن المسير واللقاء وإذا لم يكن السؤال في بدء الورود والحضور استقام قوله بعد:{ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ } إلخ، بناء على أن الفتنة كانت بعد استبطائهم غيبة موسى على ما في الآثار ولا حاجة إلى تمحلاتهم في توجيه الآيات.

قوله تعالى:{ قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ } الفتنة الامتحان والاختبار ونسبة الإضلال إلى السامري - وهو الذي سبك العجل وأخرجه لهم فعبدوه وضلوا - لأنه أحد أسبابه العاملة فيه.

والفاء في قوله:{فإنا قد فتنا قومك} للتعليل يعلل به ما يفهم من سابق الكلام فإن المفهوم من قول موسى:{هم أولاء على أثري} أن قومه على حسن حال لم يحدث فيهم ما يوجب قلقا فكأنه قيل: لا تكن واثقا على ما خلفتهم فيه فإنا قد فتناهم فضلوا.

وقوله:{قومك} من وضع الظاهر موضع المضمر ولعل المراد غير المراد به في الآية السابقة بأن يكون ما هاهنا عامة القوم وما هناك السبعون رجلا الذين اختارهم موسى للميقات.

قوله تعالى:{ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا - إلى قوله - فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي } الغضبان صفة مشبهة من الغضب، وكذا الأسف من الأسف بفتحتين وهو الحزن وشدة الغضب، والموعد الوعد، وإخلافهم موعده هو تركهم ما وعدوه من حسن الخلافة بعده حتى يرجع إليهم، ويؤيده قوله في موضع آخر:{بئسما خلفتموني من بعدي}.

والمعنى: فرجع موسى إلى قومه والحال أنه غضبان شديد الغضب - أوحزين - وأخذ يلومهم على ما فعلوا، قال يا قوم أ لم يعدكم ربك وعدا حسنا - وهو أن ينزل عليهم التوراة فيها حكم الله وفي الأخذ بها سعادة دنياهم وأخراهم - أووعده تعالى أن ينجيهم من عدوهم ويمكنهم في الأرض ويخصهم بنعمه العظام{أ فطال عليكم العهد} وهو مدة مفارقة موسى إياهم حتى يكونوا آيسين من رجوعه فيختل النظم بينهم{ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} فطغوتم بالكفر به بعد الإيمان وعبدتم العجل{فأخلفتم موعدي} وتركتم ما وعدتموني من حسن الخلافة بعدي.

وربما قيل في معنى قوله:{فأخلفتم موعدي} بعض معان أخر: كقول بعضهم إن إخلافهم موعده أنه أمرهم أن يلحقوا به فتركوا المسير على أثره، وقول بعضهم هو أنه أمرهم بطاعة هارون بعده إلى أن يرجع إليهم فخالفوه إلى غير ذلك.

قوله تعالى:{ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} إلى آخر الآية الملك بالفتح فالسكون مصدر ملك يملك وكأن المراد بقولهم:{ما أخلفنا موعدك بملكنا} ما خالفناك ونحن نملك من أمرنا شيئا - كما قيل - ومن الممكن أن يكون المراد أنا لم نصرف في صوغ العجل شيئا من أموالنا حتى نكون قاصدين لهذا الأمر متعمدين فيه ولكن كنا حاملين لأثقال من حلي القوم فطرحناها فأخذها السامري وألقاها في النار فأخرج العجل.

والأوزار جمع وزر وهو الثقل، والزينة الحلي كالعقد والقرط والسوار والقذف والإلقاء والنبذ متقاربة معناها الطرح والرمي.

ومعنى قوله:{ وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا } إلخ لكن كانت معنا أثقال من زينة القوم ولعل المراد به قوم فرعون - فطرحناها فكذلك ألقى السامري - ألقى ما طرحناها في النار أوألقى ما عنده كما ألقينا ما عندنا مما حملنا - فأخرج العجل.

قوله تعالى:{ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ } في لفظ الإخراج دلالة على أن كيفية صنع العجل كانت خفية على الناس في غير مرأى منهم حتى فاجأهم بإظهاره وإراءته، والجسد هو الجثة التي لا روح فيه فلا يطلق الجسد على ذي الروح البتة، وفيه دليل على أن العجل لم يكن له روح ولا فيه شيء من الحياة، والخوار بضم الخاء صوت العجل.

وربما أخذ قوله:{فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم} إلخ كلاما مستقلا إما من كلام الله سبحانه باختتام كلام القوم في قولهم:{فقذفناها} وإما من كلام القوم وعلى هذا فضمير{قالوا} لبعض القوم وضمير{فأخرج لهم} لبعض آخر كما هو ظاهر.

وضمير{نسي} قيل: لموسى والمعنى قالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي موسى إلهه هذا وهو هنا وذهب يطلبه في الطور وقيل: الضمير للسامري والمراد به نسيانه تعالى بعد ذكره والإيمان به أي نسي السامري ربه فأتى بما أتى وأضل القوم.

وظاهر قوله:{فقالوا هذا إلهكم وإله موسى} حيث نسب القول إلى الجمع أنه كان مع السامري في هذا الأمر من يساعده.

قوله تعالى:{ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } توبيخ لهم حيث عبدوه وهم يرون أنه لا يرجع قولا بأن يستجيب لمن يدعوه، ولا يملك لهم ضرا فيدفعه عنهم ولا نفعا بأن يجلبه ويوصله إليهم، ومن ضروريات عقولهم أن الرب يجب أن يستجيب لمن دعاه لدفع ضر أو لجلب نفع وأن يملك الضر والنفع لمربوبه.

______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص154-156.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 صخب السامري:

ذكر في هذه الآيات فصل آخر من حياة موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل، ويتعلّق بذهاب موسى (عليه السلام) مع وكلاء وممثّلي بني إسرائيل إلى الطور حيث موعدهم هناك، ثمّ عبادة بني إسرائيل للعجل في غياب هؤلاء.

كان من المقرّر أن يذهب موسى (عليه السلام) إلى «الطور» لتلقّي أحكام التوراة، ويصطحب معه جماعة من بني إسرائيل لتتّضح لهم خلال هذه الرحلة حقائق جديدة حول معرفة الله والوحي.

غير أنّ شوق موسى (عليه السلام) إلى المناجاة مع الله وسماع ترتيل الوحي كان قد بلغ حدّاً بحيث نسي في هذا الطريق ـ حسب الرّوايات ـ كلّ شيء حتّى الأكل والشرب والإستراحة، فطوى هذا الطريق بسرعة، ووصل لوحده قبل الآخرين إلى ميقات الله وميعاده. هنا نزل عليه الوحي: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى}؟

فأجاب موسى على الفور: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} فليس شوق المناجاة وسماع كلامك لوحده قد سلب قراري، بل كنت مشتاقاً إلى أن آخذ منك أحكام التوراة بأسرع ما يمكن لاُؤدّيها إلى عبادك، ولأنال رضاك عنّي بذلك .. أجل إنّي عاشق لرضاك، ومشتاق لسماع أمرك.

وفي هذا اللقاء إمتدّت مدّة الإشراقات والتجليّات المعنوية الإلهيّة من ثلاثين ليلة إلى أربعين، وأدّت الأجواء المهيأة لإنحراف بني إسرائيل دورها، فالسامري، ذلك الرجل الفطن والمنحرف صنع بإستعماله الوسائل التي سنشير إليها فيما بعد عجلا، ودعا تلك الجماعة إلى عبادته، وأوقعهم فيها.

لا شكّ في أنّ الأرضيات، كمشاهدة عبادة المصريين للعجل، أو مشاهدة مشهد عبادة الأصنام ـ العجل بعد عبور نهر النيل، وطلب صنع صنم كهؤلاء، وكذلك تمديد مدّة ميعاد موسى، وإنتشار شائعة موته من قبل المنافقين، وأخيراً جهل هذه الاُمّة، كلّ ذلك كان له أثر في ظهور هذه الحادثة والإنحراف الكبير عن التوحيد، لأنّ الحوادث الإجتماعية لا تقع عادةً بدون مقدّمات، غاية ما هناك أنّ هذه المقدّمات تكون تارةً واضحة وعلنية، وأُخرى مستورة وخفيّة.

على كلّ حال، فإنّ الشرك في أسوأ صورة قد أحاط ببني إسرائيل، وأخذ بأطرافهم، خاصةً وأنّ كبار القوم كانوا مع موسى في الجبل، وكان زعيم الاُمّة هارون وحيداً دون أن يكون له مساعدون أكفّاء مؤثّرون.

وأخيراً أخبر الله موسى في الميعاد بما جرى لقومه والسامري إذ تحكي الآية التالية ذلك فتقول: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}.

غضب موسى عند سماعه هذه الكلمات غضباً التهب معه كلّ وجوده، وربّما كان يقول لنفسه: لقد تحمّلت المصائب والمصاعب خلال هذه السنين الطويلة، وأرهقت نفسي وواجهت كلّ الأخطار في سبيل أن تركن هذه الاُمّة إلى التوحيد، فكيف ذهبت جهودي أدراج الرياح بمجرّد أن غبت عنها عدّة أيّام {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا}.

وما أن وقعت عينه على ذلك المنظر القبيح، منظر عبادة العجل {قال ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً}. وهذا الوعد الحسن إمّا أن يكون وعد بني إسرائيل بنزول التوراة وبيان الأحكام السماوية فيها، أو الوعد بالنجاة والإنتصار على الفراعنة ووراثة حكومة الأرض، أو الوعد بالمغفرة والعفو للذين يتوبون ويؤمنون ويعملون الصالحات، أو أنّه كلّ هذه الاُمور.

ثمّ أضاف: {أفطال عليكم العهد} وهو يشير إلى أنّه: هبوا أنّ مدّة رجوعي قد طالت من ثلاثين إلى أربعين يوماً، فإنّ هذا الزمن ليس طويلا، ألا يجب عليكم أن تحفظوا أنفسكم في هذه المدّة القصيرة؟ وحتّى لو نأيت عنكم سنين طويلة فينبغي أن تلتزموا بالتعاليم الإلهيّة التي تعلمّتموها وتؤمنوا بالمعجزات التي رأيتموها: {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي }(2) فقد عاهدتكم على أن تثبتوا على خطّ التوحيد وطريق طاعة الله الخالصة، وأن لا تنحرفوا عنه قيد أنملة، إلاّ أنّكم نسيتم كلّ كلامي في غيابي، وكذلك تمردّتم على طاعة أمر أخي هارون وعصيتموه.

فلمّا رأى بنو إسرائيل أنّ موسى (عليه السلام) قد عنفّهم بشدّة ولامهم على فعلهم وتنبّهوا إلى قبح ما قاموا به من عمل، هبوا للإعتذار فـ{ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا}(3) فلم نكن في الواقع قد رغبنا وصمّمنا على عبادة العجل {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}.

وللمفسّرين آراء فيما فعله بنو إسرائيل، وما فعله السامري، وما هو معنى الآيات ـ محلّ البحث ـ على نحو الدقّة، ولا يبدو هناك فرق كبير في النتيجة بين هذه الإختلافات.

فذهب بعضهم: إن «قذفناها» تعني أنّنا ألقينا أدوات الزينة التي كنّا قد أخذناها من الفراعنة قبل الحركة من مصر في النّار، وكذلك ألقى السامري ما كان معه أيضاً في النّار حتّى ذاب وصنع منه عجلا.

وقال آخرون: إنّ معنى الجملة أنّنا ألقينا أدوات الزينة بعيداً عنّا، فجمعها السامري وألقاها في النّار ليصنع منها العجل.

ويحتمل أيضاً أن تكون جملة { فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} إشارة إلى مجموع الخطّة التي نفذّها السامري.

وعلى كلّ حال، فإنّ كبير القوم إذا لام مَن تحت إمرته على إرتكابهم ذنباً ما، فإنّهم يسعون إلى نفي ذلك الذنب عنهم، ويلقونه على عاتق غيرهم، وكذلك عبّاد العجل من بني إسرائيل، فإنّهم كانوا قد إنحرفوا بإرادتهم ورغبتهم عن التوحيد إلى الشرك، إلاّ أنّهم أرادوا أن يلقوا كلّ التبعة على السامري.

على كلّ، فإنّ السامري ألقى كلّ أدوات زينة الفراعنة وحليهم التي كانوا قد حصلوا عليها عن طريق الظلم والمعصية ـ ولم يكن لها قيمة إلاّ أن تصرف في مثل هذا العمل المحرّم ـ في النّار {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ}(4) فلمّا رأى بنو إسرائيل هذا المشهد، نسوا فجأةً كلّ تعليمات موسى التوحيديّة {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى}.

ويحتمل أيضاً أن يكون قائل هذا الكلام هو السامري وأنصاره والمؤمنون به.

وبهذا فإنّ السامري قد نسي عهده وميثاقه مع موسى، بل مع إله موسى، وجرّ الناس إلى طريق الضلال: «فنسي».

ولكن بعض المفسّرين فسّروا «النسيان» بالضلال والإنحراف، أو أنّهم إعتبروا فاعل النسيان موسى (عليه السلام) وقالوا: إنّ هذا كلام السامري، وهو يريد أن يقول: إنّ موسى نسي أنّ هذا العجل هو ربّكم، إلاّ أنّ كلّ ذلك مخالف لظاهر الآية، وظاهرها هو ما قلناه من أنّ المراد هو أنّ السامري قد أودع عهده وميثاقه مع موسى وربّ موسى في يد النسيان، واتّخذ طريق عبادة الأصنام.

وهنا قال الله سبحانه توبيخاً وملامة لعبدة الأوثان هؤلاء: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًاً} فإنّ المعبود الواقعي يستطيع على الأقل أن يُلبّي طلبات عباده ويجيب على أسئلتهم، فهل يمكن أن يكون سماع خوار العجل من هذا الجسد الذهبي لوحده، ذلك الصوت الذي لا يُشعر بأيّة إرادة، دليلا على جواز عبادة العجل، وصحّة تلك العبادة؟

وعلى فرض أنّه أجابهم عن أسئلتهم، فإنّه لا يعدو أن يكون كإنسان عاجز لا يملك نفع غيره ولا ضرّه، بل وحتّى نفسه، فهل يمكن أن يكون معبوداً وهو على هذا الحال؟

أي عقل يسمح بأن يعبد الإنسان تمثالا لا روح له يظهر منه بين الحين والآخر صوت غير مفهوم، ويعظمه ويخضع أمامه؟

_____________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص175-179.

2ـ من البديهي أن لا أحد يصمّم على أن يحلّ عليه غضب الله، بل المراد من العبارة أنّكم في وضع كأنّكم قد صمّمتم مثل هذا التصميم في حقّ أنفسكم.

3ـ «مَلْك» و «مِلك» كلاهما تعني تملّك الشيء، وكأنّ مراد بني إسرائيل أنّنا لم نتملّك هذا العمل، بل وقعنا تحت تأثيره حتّى إختطف قلوبنا وديننا من أيدينا. وإعتبر بعض المفسّرين هذه الجملة مرتبطة بجماعة قليلة من بني إسرائيل لم تعبد العجل. ويقال إنّ ستمائة ألف شخص من هؤلاء أصبحوا من عبدة العجل، وبقي منهم إثنا عشر ألفاً فقط على التوحيد. لكن يبدو أنّ التّفسير الذي قلناه أعلاه هو الأصحّ.

4ـ «الخوار» صوت البقرة والعجل، ويطلق أحياناً على صوت البعير.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .