المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

ازدهار الحياة العلمية في عصر الامام الرضا
30-7-2016
زُهد النبي (ص) على لسانِ علي (ع)
14-2-2022
أدوات الزراعة وأسماؤها- المحراث
1-10-2018
صور مستحضرات المبيدات
10-12-2015
الافات التي تصيب القمح وطرق مكافحتها
25-6-2017
اثار اليمين الحاسمة
21-6-2016


تفسير الأية (17-35) من سورة طه  
  
8779   02:47 صباحاً   التاريخ: 6-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الطاء / سورة طه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-9-2020 9826
التاريخ: 5-9-2020 5141
التاريخ: 6-9-2020 4394
التاريخ: 11-9-2020 8968

 

قال تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا } [طه: 17 - 35]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

بين سبحانه ما أعطي موسى من المعجزات فقال {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} سأله عما في يده من العصا تنبيها له عليها ليقع المعجز بها بعد التثبت فيها والتأمل لها {قال} موسى {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} أي: أعتمد عليها إذا مشيت والتوكؤ التحامل على العصا في المشي {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} أي: وأخبط بها ورق الشجر لترعاه غنمي {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} ولم يقل أخر ليوافق رءوس الآي أي حاجات أخرى فنص على اللازم وكنى عن العارض قال ابن عباس كان يحمل عليها زاده ويركزها فيخرج منه الماء ويضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل وكان يطرد بها السباع وإذا ظهر عدوحاربت وإذا أراد الاستسقاء من بئر طالت وصارت شعبتاها كالدلووكان يظهر عليها كالشمعة فتضيء له الليل وكانت تحدثه وتؤنسه وإذا طالت شجرة حناها بمحجنها(2).

 {قال} الله سبحانه { أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} أي: تمشي بسرعة وقيل صارت حية صفراء لها عرف كعرف الفرس وجعلت تتورم حتى صارت ثعبانا وهي أكبر من الحيات عن ابن عباس وقيل أنه ألقاها وحانت منه نظرة فإذا بأعظم ثعبان نظر إله الناظرون ويمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلقمها وتطعن أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فتجثها(3)، وعيناه تتوقدان نارا وقد عاد المحجن عنقا فيه شعر مثل النيازك(4). فلما عاين ذلك ولى مدبرا ولم يعقب ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى ارجع إلى حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف.

 {قَالَ خُذْهَا} بيمينك {وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} أي: سنعيدها إلى الحالة الأولى عصا وعلى موسى يومئذ مدرعة من صوف قد خلها بخلال فلما أمره سبحانه بأخذها أدلى طرف المدرعة على يده فقال ما لك يا موسى أرأيت لوأذن الله بما تحاذر أ كانت المدرعة تغني عنك شيئا قال لا ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت وكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا يده في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ عليها بين الشعبتين عن وهب وقيل كانت العصا من آس الجنة أخرجها آدم (عليه السلام) وتوارثها الأنبياء إلى أن بلغ شعيبا فدفعها إلى موسى قال وهب كانت من عوسج وكان طولها عشرة أذرع على مقدار قامة موسى {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} معناه: وأجمع يدك إلى ما تحت عضدك عن مجاهد والكلبي وقيل إلى جنبك وقيل أدخلها في جيبك وكنى عن الجنب بالجناح.

 {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ} لها نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر وأشد ضوءا عن ابن عباس {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} من غير برص في قول الجميع قالوا وكان موسى أدم اللون ففعل فخرجت يده كما قال الله ثم ردها فعادت إلى لونها الذي كانت عليه {آيَةً أُخْرَى} أي: فنزيدك بها آية أخرى أوتخرج مبينة آية أخرى { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا} وحججنا {الكبرى} منها ولو قال الكبر على الجمع وصفا لجميع الآيات لكان جائزا وقيل معناه لنريك من دلالاتنا الكبرى سوى هاتين الدلالتين وقيل إنها هلاك فرعون وقومه فلما حمله سبحانه الرسالة وأراه المعجزات أمره بالتبليغ فقال {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} فادعه إلي {إنه طغى} أي: تجبر وتكبر في كفره {قال} موسى عند ذلك {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} أي: وسع لي صدري حتى لا أضجر ولا أخاف ولا أغتم {ويسر لي أمري} أي: سهل علي أداء ما كلفتني من الرسالة والدخول على الطاغي ودعائه إلى الحق.

 {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} أي: وأطلق عن لساني العقدة التي فيه حتى يفقهوا كلامي وكان في لسان موسى (عليه السلام) رتة لا يفصح معها بالحروف شبه التمتمة(5) وقيل إن سبب تلك العقدة في لسانه جمرة طرحها في فيه وذلك لما أراد فرعون قتله لأنه أخذ بلحية فرعون ونتفها وهو طفل فقالت آسية بنت مزاحم لا تفعل فإنه صبي لا يعقل وعلامة جهله أنه لا يميز بين الدرة والجمرة فأمر فرعون حتى أحضر الدرة والجمرة بين يديه فأراد موسى أن يأخذ الدرة فصرف جبرائيل يده إلى الجمرة فأخذها ووضعها في فيه فاحترق لسانه عن سعيد بن جبير ومجاهد والسدي وقيل: إنه انحل ما كان بلسانه إلا بقية منه بدلالة قوله {ولا يكاد يبين} عن الجبائي وقيل: استجاب الله تعالى دعاءه فأحل العقدة عن لسانه عن الحسن وهو الصحيح لقوله سبحانه {أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} ومعنى قوله {ولا يكاد يبين} أي: لا يأتي ببيان وحجة وإنما قالوا ذلك تمويها ليصرفوا الوجوه عنه.

 {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا} يؤازرني على المضي إلى فرعون ويعاضدني عليه وقيل اجعل لي معاونا أتقوى به وبرأيه ومشاورته وقال {من أهلي} لأنه إذا كان الوزير من أهله كان أولى ببذل النصح له ثم بين الوزير وفسره فقال {هَارُونَ أَخِي} وكان أخاه لأبيه وأمه وكان بمصر {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} أي: قوبه ظهري وأعني به {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} أي: أجمع بيني وبينه في النبوة ليكون أحرص على مؤازرتي لم يقتصر على سؤال الوزارة حتى سأل أن يكون شريكه في النبوة ولو لا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة وإنما سمي الوزير وزيرا لأنه يعين الأمير على ما هو بصدده من الأمور أخذ من المؤازرة التي هي المعاونة وقيل إنما سمي وزيرا لأنه يتحمل الثقل عن الأمير من الوزر الذي هو الثقل وقيل لأنه يلتجىء الأمير إليه فيما يعرض له من الأمور من الوزر الذي هو الملجأ قالوا إن هارون كان أكبر من موسى بثلاث سنين وأتم طولا وأبيض جسما وأكثر لحما وأفصح لسانا ومات قبل موسى بثلاث سنين.

 {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} أي: ننزهك عما لا يليق بك بين (عليه السلام) أنه إنما سأل هذه الحاجات ليتوصل بها إلى طاعة ربه وعبادته وتأدية رسالته لا للرياسة {وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} أي: نحمدك ونثني عليك بما أوليتنا من نعمك ومننت به علينا من تحميل رسالتك {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} أي: بأحوالنا وأمورنا عالما وقيل بصيرا باحتياجنا في النبوة إلى هذه الأشياء.

______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص17-19.

2- المحجن :المنعطف الرأس.

3- جث الشيء:قلعه من أصله.

4- جمع النيزك:الرمح القصير.

5-تمتم تمتمة في الكلام ،عجل فيه ولم يفهمه.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى} ؟ اللَّه يسأل موسى ان يخبره عما في يده ، وهو أعلم به من موسى . . إذن هناك سر . . أجل ، وهو سر عظيم يكمن في هذه العصا ، وقد أراد سبحانه أن يظهره لموسى ، وهو تحوّل العصا إلى حية . .

وإذا كانت نطفة الإنسان تحمل خصائصه ، والبيضة تحمل خصائص الدجاجة ، والبذر خصائص النبات فان هذه الخشبة اليابسة لا تحمل شيئا من خصائص الحية ، ومع ذلك تحولت إليها . . وهذا هو سر الاعجاز ، وبهذا نجد تفسير قوله تعالى :

« يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ » - 95 الانعام .

وقال الرازي : من أراد أن يخرج الشيء العظيم من الشيء الحقير يعرضه أولا على الحاضرين ، ويقول لهم : ما هذا ؟ فيقولون : هو كذا . وعندها يخرج منه الشيء العظيم . . وهكذا فعل سبحانه مع موسى ، سأله عن العصا ولما أقر بأنها خشبة يابسة قلبها اللَّه ثعبانا ، ثم ضرب بها البحر حتى انفلق ، والحجر فانفجرت منه العيون .

والغريب ان الشيخ المراغي نقل عبارة الرازي هذه دون ان يشير إلى مصدرها كعادته في تفسيره من أوله إلى هذه الآية ، واحسب ان اللاحق لا يختلف عن السابق ، ومثله تماما نظام الدين النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن ورغائب الفرقان .

{قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى} .

قرأنا علم المعاني والبيان في كتاب المطول للتفتازاني ، ولما وصلنا إلى باب الإيجاز والإطناب والمساواة ذكر صاحب المطول للاطناب فوائد ، منها الإيضاح ، ومنها التأكيد بالتكرار ، ومنها لذة العلم ، ثم ضرب الأستاذ مثلا للكلام مع الحبيب برواية عن بعض الثقات ، وتتلخص بأن هذا الراوي رأى في منامه محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) وموسى بن عمران ( عليه السلام ) ، وسمع موسى يعاتب محمدا ، ويقول له : لقد قلت فيما قلت :

ان علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل . . أهذه منزلتنا عندك يا أبا القاسم ، تماما كعلماء أمتك ؟ وأراد محمد أن يثبت له ذلك بالعيان ، فقال لموسى : الآن أجمعك بعالم من علماء أمتي لتختبره وترى صحة ما قلت . قال موسى : أجل . فجمعه رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) بعالم يعرف بالمقدس الأردبيلي ، فقال له موسى : ما اسمك ؟

قال : أنا أحمد وأبي اسمه محمد ، وبلدي أردبيل ، ودرست في النجف ، وأستاذي الشهيد الثاني . فقال له موسى : ولم هذا التطويل والاطناب ؟ فقد سألتك عن اسمك ، فأجبت عنه وعن اسم أبيك واسم أستاذك وبلدك . . فقال له المقدس الأردبيلي : وأنت سألك اللَّه عما في يمينك فقلت له : {هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى} . وكان يكفي أن تقول : هي عصاي وتسكت . وعندها التفت موسى إلى محمد وقال له معتذرا : أنت أدرى بما قلت .

وعلق الأستاذ على هذه الرواية بقوله : وهكذا الإنسان يطيل الحديث مع من يحب ، لا لشيء إلا للانبساط والانشراح ، ومن ذلك قول المتنبي :

وكثير من السؤال اشتياق وكثير من رده تعليل {قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى قالَ خُذْها ولا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الأُولى} . خاف موسى من هذا المنظر الرهيب وولى مدبرا كما دلت الآية 10 من سورة النمل : « فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً ولَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ » مما أمرتهم به لأنهم يعلمون اني لا آمر إلا بالخير ، ولا أنهى إلا عن الشر ، وما ان وضع موسى يده على الحية حتى عادت عصا كما كانت .

{واضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى} . في هذه الآية قال سبحانه : واضمم يدك إلى جناحك ، وفي الآية 12 من سورة النمل قال : وأدخل يدك في جيبك ، فالمراد - إذن - من الجناح الجيب ، وهوالقميص أوطوقه كما في كتب اللغة ، ومن غير سوء أي من غير آفة وعاهة ، وكانت يد موسى سمراء لأنه كان أسمر ، ولما أدخل يده في جيبه وأخرجها سطع منها نور كضوء الشمس . وتقدم نظيره في سورة الأعراف الآية 107 ج 3 ص 375 .

{اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} . أمر اللَّه موسى أن يردع فرعون عن ظلمه وطغيانه ، وهو صاحب الحول والطول الذي قال : أنا ربكم الأعلى . . ما علمت لكم من إله غيري . . والذي قال لموسى : « أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ولَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ 18 - الشعراء . نشأ موسى في قصر فرعون كيتيم ، ثم مشردا يأكل بقلة الأرض « ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفاف صفاف بطنه لهزاله ، وتشذّب لحمه » كما قال الإمام علي ( عليه السلام ) (2) حتى استغاث باللَّه ، وسأله لقمة العيش : رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ » - 24 القصص . قال الإمام :

واللَّه ما سأله إلا خبزا يأكله . . وقد استجاب اللَّه دعاءه ، فوجد الخبز عند شعيب على أن يعمل راعيا لماشيته . . هذه هي دنيا موسى بن عمران : وضع في تابوت وقذف به في البحر ساعة ولادته ، ثم نشأ يتيما في بيت فرعون ، ثم مشردا بائسا يجوب الفلوات ، ويقتات من نبات الأرض ، ثم راعيا للغنم .

أهذا الضعيف الذي لا يملك شيئا من حطام الدنيا يذهب إلى فرعون صاحب الحول والطول ليصده عن غيه وجبروته ؟ ولكن هذا ما حصل ، فلقد ذهب موسى إلى فرعون وملئه بعصاه فلقفت ما يأفكون ، وبيده البيضاء فشهدت له بصدقه ونزاهته عن كل تهمة . . وقد سأل موسى ربه أشياء أخرى عن العصا واليد ، فأتاه سؤله ، وهي :

1 - {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} . المعروف عن موسى انه كان عصبي المزاج سريع الغضب مما يكره ، وهذا ما نطق به القرآن ، فقد أخبر عنه انه أخذ بلحية أخيه هارون ورأسه حين عكف بنوإسرائيل على عبادة العجل ، ووكز الفرعوني فقضى عليه ، وعصى أمر العبد الصالح بعد ان قال له : ستجدني ان شاء اللَّه صابرا ولا أعصي لك أمرا . . وليس من شك ان للخطوب والآلام التي قاساها موسى في حياته - أثرا فعالا في هذا الضيق والغضب السريع . . ولما كانت الرسالة إلى الخلق تستدعي الصبر على المكاره والمتاعب سأل ربه رباطة الجأش ، وسعة الصدر .

2 - {ويَسِّرْ لِي أَمْرِي} . مدّني منك يا إلهي بالعون والتوفيق لأداء ما كلفتني به ، وحملتني إياه . . ولا يتم شيء للإنسان من الخير مهما توافرت له الأسباب إلا بتوفيق اللَّه وعونه .

3 - {واحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} . وإذا عطفنا هذه الآية على قوله تعالى : « وأَخِي هارُونُ هُو أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً » - 34 القصص وقوله :

« ولا يَكادُ يُبِينُ » - 52 الزخرف . إذا جمعنا هذه الآيات الثلاث في كلام واحد كانت شاهد صدق بصحة قول من قال : انه كان في لسان موسى ثقل ولكنة ، اما ان هذه اللكنة خلقة ، أومن جمرة أدخلها فاه وهو طفل ، حين امتحن فرعون رشده وتمييزه بين التمرة والجمرة ، أما هذا فعلمه عند ربي . .

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الآية تشعر بأن فصاحة اللسان ، وبلاغة البيان من أجلّ الصفات ونعم اللَّه الكبرى على الإنسان ، وقد امتن سبحانه عليه حيث قال :

« خَلَقَ الإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ » - 3 الرحمن . وقال الإمام علي (عليه السلام ) : « ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة أوصورة ممثلة » .

4 - « واجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ونَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً} . جاء في مجمع البيان :

ان هارون كان أخا لموسى من أمه وأبيه ، وكان يكبره بثلاث سنين ، وكان أتم طولا ، وأبهى جسما ، وأكثر لحما ، وأفصح لسانا ، ومن أجل هذه الصفات سأل موسى ربه أن يجعل أخاه هارون شريكا له في النبوة . . وقال صاحب المجمع :

انه مات قبل أخيه موسى بثلاث سنين .

___________________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 210-213.

2- الصفاف الجلد الأسفل تحت الجلد الذي عليه الشعر ، والتشذب التفرق .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} شروع في وحي الرسالة وقد تم وحي النبوة في الآيات الثلاث الماضية والاستفهام للتقرير، سئل (عليه السلام) عما في يده اليمنى وكانت عصاه، ليسميها ويذكر أوصافها فيتبين أنها جماد لا حياة له حتى يأخذ تبديلها حية تسعى مكانه في نفسه (عليه السلام).

والظاهر أن المشار إليه بقوله:{تلك} العودة أوالخشبة، ولو لا ذلك لكان من حق الكلام أن يقال: وما ذلك بجعل المشار إليه هو الشيء لمكان التجاهل بكونها عصا وإلا لم يستقم الاستفهام كما في قوله:{ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ:} الأنعام: 78.

ويمكن أن تكون الإشارة بتلك إلى العصا لكن لا بداعي الاطلاع على اسمها وحقيقتها حتى يلغوالاستفهام بل بداعي أن يذكر ما لها من الأوصاف والخواص ويؤيده ما في كلام موسى (عليه السلام) من الإطناب بذكر نعوت العصا وخواصها فإنه لما سمع السؤال عما في يمينه وهي عصا لا يرتاب فيها فهم أن المطلوب ذكر أوصافها فأخذ يذكر اسمها ثم أوصافها وخواصها، وهذه طريق معمولة فيما إذا سئل عن أمر واضح لا يتوقع الجهل به ومن هذا الباب يوجه قوله تعالى:{ الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ }: القارعة: 4، وقوله:{ الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ:} الحاقة: 3.

قوله تعالى:{ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} العصا معروفة وهي من المؤنثات السماعية، والتوكي والاتكاء على العصا الاعتماد عليها، والهش هو خبط ورق الشجرة وضربه بالعصا لتساقط على الغنم فيأكله، والمآرب جمع مأربة مثلثة الراء وهي الحاجة، والمراد بكون مآربه فيها تعلق حوائجه بها من حيث إنها وسيلة رفعها.

ومعنى الآية ظاهر.

وإطنابه (عليه السلام) بالإطالة في ذكر أوصاف العصا وخواصها قيل: لأن المقام وهو مقام المناجاة والمسارة مع المحبوب يقتضي ذلك لأن مكالمة المحبوب لذيذة ولذا ذكر أولا أنه عصاه ليرتب عليه منافعها العامة وهذه هي النكتة في ذكر أنها عصاه.

وقد قدمنا في ذيل الآية السابقة وجها آخر لهذا الاستفهام وجوابه وليس الكلام عليه من باب الإطناب وخاصة بالنظر إلى جمعه سائر منافعها في قوله:{ولي فيها مآرب أخرى}.

قوله تعالى:{ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى- إلى قوله - سيرتها الأولى} السيرة الحالة والطريقة وهي في الأصل بناء نوع من السير كجلسة لنوع من الجلوس.

أمر سبحانه موسى أن يلقي عصاه عن يمينه وهو قوله:{ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى} فلما ألقى العصا صارت حية تتحرك بجد وجلادة وذلك أمر غير مترقب من جماد لا حياة له وهو قوله:{ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى } وقد عبر تعالى عن سعيها في موضع آخر من كلامه بقوله:{رآها تهتز كأنها جان}: القصص: 31، وعبر عن الحية أيضا في موضع آخر بقوله:{ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}: الأعراف: 107، الشعراء: 32 والثعبان: الحية العظيمة.

وقوله:{ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا} أي حالتها{الأولى} وهي أنها عصا فيه دلالة على خوفه (عليه السلام) مما شاهده من حية ساعية وقد قصه تعالى في موضع آخر إذ قال:{ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ}: القصص: 31، والخوف وهو الأخذ بمقدمات التحرز عن الشر غير الخشية التي هي تأثر القلب واضطرابه فإن الخشية رذيلة تنافي فضيلة الشجاعة بخلاف الخوف والأنبياء (عليهم السلام) يجوز عليهم الخوف دون الخشية كما قال الله تعالى:{ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}: الأحزاب: 39.

قوله تعالى:{ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى } الضم الجمع، والجناح جناح الطائر واليد والعضد والإبط ولعل المراد به المعنى الأخير ليئول إلى قوله في موضع آخر:{أدخل يدك في جيبك} والسوء كل رداءة وقبح قيل: كني به في الآية عن البرص والمعنى أجمع يدك تحت إبطك أي أدخلها في جيبك تخرج بيضاء من غير برص أوحالة سيئة أخرى.

وقوله:{آية أخرى} حال من ضمير تخرج وفيه إشارة إلى أن صيرورة العصا حية آية أولى واليد البيضاء آية أخرى وقال تعالى في ذلك:{ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ}: القصص: 32.

قوله تعالى:{ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} اللام للتعليل والجملة متعلقة بمقدر كأنه قيل: أجرينا ما أجرينا على يدك لنريك بعض آياتنا الكبرى.

قوله تعالى:{ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} هذا هو أمر الرسالة وكانت الآيات السابقة:{وما تلك بيمينك} إلخ مقدمة له.

قوله تعالى:{ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي - إلى قوله - إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} الآيات - وهي إحدى عشرة آية - متن ما سأله موسى (عليه السلام) ربه حين سجل عليه حكم الرسالة وهي بظاهرها مربوطة بأمر رسالته لأنه أحوج ما يكون إليها في تبليغ الرسالة إلى فرعون وملئه وإنجاء بني إسرائيل وإدارة أمورهم لا في أمر النبوة.

ويؤيد ذلك أنه لم يسأل بعد إتمام أمر النبوة في الآيات الثلاث السابقة بل إنما بادر إلى ذلك بعد ما ألقي إليه قوله:{ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} وهو أمر الرسالة.

نعم الآيات الأربع الأول:{ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي } إلخ، لا يخلومن ارتباط في الجملة بأمر النبوة وهي تلقي عقائد الدين وأحكامه العملية عن ساحة الربوبية.

فقوله:{ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} والشرح البسط والجملة من الاستعارة التخييلية والاستعارة بالكناية كأن صدر الإنسان وقد استكن فيه القلب وعاء يعي ما يرد عليه من طريق المشاهدة والإدراك ثم يختزن فيه السر وإذا كان أمرا عظيما يشق على الإنسان أوهو فوق طاقته ضاق عنه الصدر فلم يسعه واحتاج إلى انشراح حتى يسعه.

وقد استعظم موسى ما سجل عليه ربه من أمر الرسالة وقد كان على علم بما عليه أمة القبط من الشوكة والقوة وعلى رأس هذه الأمة المتجبرة فرعون الطاغي الذي كان ينازع الله في ربوبيته وينادي أنا ربكم الأعلى، وكان يذكر ما عليه بنوإسرائيل من الضعف والإسارة بين آل فرعون ثم الجهل وانحطاط الفكر، وكان كأنه يرى ما ستجره إليه هذه الدعوة من الشدائد والمصائب ويشاهد ما سيعقبه تبليغ هذه الرسالة من الفظائع والفجائع وهو رجل قليل التحمل سريع الانقلاب في ذات الله ينكر الظلم ويأبى الضيم كما يشهد به قصة قتله القبطي واستقائه في ماء مدين وفي لسانه – وهو السلاح الوحيد لمن أراد الدعوة والتبليغ - عقدة ربما منعته بيان ما يريد بيانه.

فلذلك سأل ربه حل هذه المشكلات فسأل أولا أن يوسع صدره لما يحمله ربه من أعباء الرسالة ولما ستستقبله من العظائم والشدائد في مسيره في الدعوة فقال:{رب اشرح لي صدري.

ثم قال:{ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي } وهو الأمر الذي قلده من الرسالة ولم يسأله تعالى أن يخفف في رسالته ويتنزل بعض التنزل عما أمره به أو لا فيقنع بما هو دونه فتصير رسالة يسيرة في نفسها بعد ما كانت خطيرة وإنما سأل أن يجعلها على ما بها من العسر والخطر يسيرة بالنسبة إليه هينة عنده والدليل على ذلك قوله:{ويسر لي}.

ووجه الدلالة أن قوله:{لي} والمقام هذا المقام يفيد الاختصاص فيؤدي ما هو معنى قولنا: ويسر لي، وأنا الذي أوقفتني هذا الموقف وقلدتني ما قلدتني أمري الذي قلدتنيه ومن المعلوم أن مقتضى هذا السؤال تيسير الأمر بالنسبة إليه لا تيسيره في نفسه، ونظير الكلام يجري في قوله:{اشرح لي} فمعناه اشرح لي وأنا الذي أمرتني بالرسالة وقبالها شدائد ومكاره{صدري} حتى لا يضيق إذا ازدحمت علي ودهمتني، ولوقيل: رب اشرح صدري ويسر أمري فاتت هذه النكتة.

وقوله:{ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} سؤال له آخر يرجع إلى عقدة من لسانه والتنكير في{عقدة} للدلالة على النوعية فله وصف مقدر وهو الذي يلوح من قوله:{يفقهوا قولي} أي عقدة تمنع من فقه قولي.

وقوله:{ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي} سؤال له آخر وهو رابع الأسئلة وآخرها، والوزير فعيل من الوزر بالكسر فالسكون بمعنى الحمل الثقيل سمي الوزير وزيرا لأنه يحمل ثقل حمل الملك، وقيل: من الوزر بفتحتين بمعنى الجبل الذي يلتجأ إليه سمي به لأن الملك يلتجىء إليه في آرائه وأحكامه.

وبالجملة هو يسأل ربه أن يجعل له وزيرا من أهله ويبينه أنه هارون أخي وإنما يسأل ذلك لأن الأمر كثير الجوانب متباعد الأطراف لا يسع موسى أن يقوم به وحده بل يحتاج إلى وزير يشاركه في ذلك فيقوم ببعض الأمر فيخفف عنه فيما يقوم به هذا الوزير ويكون مؤيدا لموسى فيما يقوم به موسى وهذا معنى قوله – وهو بمنزلة التفسير لجعله وزيرا { اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}.

فمعنى قوله:{وأشركه في أمري} سؤال إشراك في أمر كان يخصه وهوتبليغ ما بلغه من ربه بادي مرة فهو الذي يخصه ولا يشاركه فيه أحد سواه ولا له أن يستنيب فيه غيره وأما تبليغ الدين أوشيء من أجزائه بعد بلوغه بتوسط النبي فليس مما يختص بالنبي بل هو وظيفة كل من آمن به ممن يعلم شيئا من الدين وعلى العالم أن يبلغ الجاهل وعلى الشاهد أن يبلغ الغائب ولا معنى لسؤال إشراك أخيه معه في أمر لا يخصه بل يعمه وأخاه وكل من آمن به من الإرشاد والتعليم والبيان والتبليغ فتبين أن معنى إشراكه في أمره أن يقوم بتبليغ بعض ما يوحى إليه من ربه عنه وسائر ما يختص به من عند الله كافتراض الطاعة وحجية الكلمة.

وأما الإشراك في النبوة خاصة بمعنى تلقي الوحي من الله سبحانه فلم يكن موسى يخاف على نفسه التفرد في ذلك حتى يسأل الشريك وإنما كان يخاف التفرد في التبليغ وإدارة الأمور في إنجاء بني إسرائيل وما يلحق بذلك، وقد نقل ذلك عن موسى نفسه في قوله:{ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي}: القصص: 34.

على أنه صح من طرق الفريقين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا بهذا الدعاء بألفاظه في حق علي (عليه السلام) ولم يكن نبيا.

وقوله:{ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} ظاهر السياق وقد ذكر في الغاية تسبيحهما معا وذكرهما معا أن الجملة غاية لجعل هارون وزيرا له إذ لا تعلق لتسبيحهما معا وذكرهما معا بمضامين الأدعية السابقة وهي شرح صدره وتيسير أمره وحل عقدة من لسانه ويترتب على ذلك أن المراد بالتسبيح والذكر تنزيههما معا لله سبحانه وذكرهما له بين الناس علنا لا في حال خلوتهما أوفي قلبيهما سرا إذ لا تعلق لذلك أيضا بجعله وزيرا بل المراد أن يسبحاه ويذكراه معا بين الناس في مجامعهم ونواديهم وأي مجلس منهم حلا فيه وحضرا فتكثر الدعوة إلى الإيمان بالله ورفض الشركاء.

وبذلك يرجع ذيل السياق إلى صدره كأنه يقول: إن الأمر خطير وقد غر هذا الطاغية وملأه وأمته عزهم وسلطانهم ونشب الشرك والوثنية بأعراقه في قلوبهم وأنساهم ذكر الله من أصله وقد امتلأت أعين بني إسرائيل بما يشاهدونه من عزة فرعون وشوكة ملئه واندهشت قلوبهم من سطوة آل فرعون وارتاعت نفوسهم من سلطتهم فنسوا الله ولا يذكرون إلا الطاغية، فهذا الأمر أمر الرسالة والدعوة في نجاحه ومضيه في حاجة شديدة إلى تنزيهك بنفي الشريك كثيرا وإلى ذكرك بالربوبية والألوهية بينهم كثيرا ليتبصروا فيؤمنوا وهذا أمر لا أقوى عليه وحدي فاجعل هارون وزيرا لي وأيدني به وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا لعل السعي ينجع والدعوة تنفع.

وبهذا البيان يظهر وجه تعلق هذه الغاية أعني قوله:{كي نسبحك} إلخ، بما تقدمه.

وثانيا: وجه ورود قوله:{كثيرا} مرتين وأنه ليس من التكرار في شيء إذ كل من التسبيح والذكر يجب أن يكون في نفسه كثيرا، ولوقيل كي نسبحك ونذكرك كثيرا أفاد كثرتهما مجتمعين وهو غير مراد.

وثالثا: وجه تقديم التسبيح على الذكر فإن المراد بالتسبيح تنزيهه تعالى عن الشريك بدفع ألوهية الآلهة من دون الله وإبطال ربوبيتها لتقع الدعوة إلى الإيمان بالله وحده، وهو المراد بالذكر، موقعها.

فالتسبيح من قبيل دفع المانع المتقدم على تأثير المقتضي، وقد ذكر لهذه الخصوصيات وجوه أخر مذكورة في المطولات لا جدوى فيها ولا في نقلها.

وقوله:{ إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} هو بظاهره تعليل كالحجة على قوله:{ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} إلخ، أي أنك كنت بصيرا بي وبأخي منذ خلقتنا وعرفتنا نفسك وتعلم أنا لم نزل نعبدك بالتسبيح والذكر ساعيين مجدين في ذلك فإن جعلته وزيرا لي وأيدتني به وأشركته في أمري تم أمر الدعوة وسبحناك كثيرا وذكرناك كثيرا، والمراد بقوله{بنا} على هذا هو وأخوه.

ويمكن أن يكون المراد بالضمير في{بنا} أهله، والمعنى: أنك كنت بصيرا بنا أهل البيت أنا أهل تسبيح وذكر فإن جعلت هارون أخي، وهو من أهلي، وزيرا لي سبحناك كثيرا وذكرناك كثيرا، وهذا الوجه أحسن من سابقه لأنه يفي ببيان النكتة في ذكر الأهل في قوله السابق:{ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي} أيضا فافهم ذلك.

________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص116-121.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

عصا موسى واليد البيضاء:

لا شك أنّ الأنيباء يحتاجون إِلى المعجزة لإِثبات ارتباطهم بالله، وإِلاّ فإنّ أي واحد يستطيع أن يدعي النّبوة، وبناء على هذا فإِن معرفة الأنبياء الحقيقيين من المزيفين لا يتيسر إِلاّ عن طريق المعجزة. وهذه المعجزة يمكن أن تكون بذاتها دعوة وكتاباً سماوياً للنّبي، ويمكن أن تكون أُموراً أُخرى من قبيل المعجزات الحسية والجسمية، إِضافة إِلى أن المعجزة مؤثرة في نفس النّبي، فهي تزيد من عزيمته وإيمانه وثباته.

على كل حال، فإِن موسى(عليه السلام) بعد تلقيه أمر النّبوة، يجب أن يتلقى دليلها

وسندها أيضاً، وهكذا تلقّى موسى(عليه السلام) في تلك الليلة المليئة بالذكريات والحوادث معجزتين كبيرتين من الله، ويبيّن القرآن الكريم هذه الحادثة فيقول: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}؟

إِنّ هذا السؤال البسيط المقترن باللطف والمحبة، إِضافة إِلى أنّه بثّ الطمانينة في نفس موسى(عليه السلام) الذي كان غارقاً حينئذ في دوامة من الاضطراب والهيجان فإنّه كان مقدمة لحادثة مهمّة.

فأجاب موسى: {قَالَ هِيَ عَصَايَ} ولما كان راغباً في أن يستمر في حديثه مع محبوبه الذي فتح الباب بوجهه لأوّل مرّة، وربّما كان يظن أيضاً أن قوله: (هي عصاي) غير كاف، فأراد أن يبيّن آثارها وفوائدها فأضاف: {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ (2) بِهَا عَلَى غَنَمِي} أي أضرب بها على اغصان الشجر فتتساقط اوراقها لتأكلها الاغنام {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ (3) أُخْرَى}.

من المعلوم ما للعصا لأصحابها من فوائد، فهم يستعملونها أحياناً كسلاح للدفاع عن أنفسهم أمام الحيوانات المؤذية والأعداء، وأحياناً يصنعون منها مظلة في الصحراء تقيهم حرّ الشمس، وأحياناً أُخرى يربطون بها وعاء أو دلواً ويسحبون الماء من البئر العميق.

عل كل حال، فإِنّ موسى غط في تفكير عميق: أي سؤال هذا في هذا المجلس العظيم، وأي جواب أعطيه؟ وماذا كانت تلك الأوامر؟ ولماذا هذا السؤال؟

وفجأة {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىفَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}. «تسعى» من مادة السعي أي المشي السريع الذي لا يصل إِلى الركض.

وهنا صدر الأمر لموسى {قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى}(4).

وفي الآية (31) من سورة القصص نقرأ: {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ}.

وبالرغم من أن خوف موسى هنا قد أثار التساؤل لدى بعض المفسّرين بأن هذه الحالة كيف تناسب موسى مع الشجاعة التي عهدناها لدى موسى، وأثبتها عملياً طوال عمره عند محاربته الفراعنة؟ إِضافة إِلى صفات وشروط الأنيباء بصورة عامّة.

إِلاّ أنّ الجواب عن هذا السؤال يتّضح بملاحظة نكتة واحدة، وهي أن من الطبيعي أن كل إِنسان، مهما كان شجاعاً وغير هياب، إِذا رأى فجأة قطعة خشب تتحول إِلى حية عظيمة وتتحرك بسرعة، فلابدّ أن يرتبك ويخاف ولو لمدّة قصيرة ويسحب نفسه جانباً توقياً، إِلاّ أن يكون هذا المشهد قد تكرر أمامه مراراً، ورد الفعل الطبيعي هذا لا يكون نقطة ضعف ضد موسى أبداً. ولا تنافي الآية (39) من سورة الأحزاب حيث تقول: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} فإِن هذا الخوف طبيعي ومؤقت وسريع الزوال أمام حادثة لم تحدث من قبل قط، وخارق للعادة.

ثمّ أشارت الآية التالية إلى المعجزة المهمّة الثّانية لموسى، فأمرته: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى}(5).

وبالرغم من أنّ للمفسّرين في تفسير جملة {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ... } أقوالا مختلفة، إلاّ أنّه بملاحظة الآية (32) من سورة القصص، والتي تقول: {أسلك يدك في جيبك} والآية (12) من سورة النمل، والتي تقول: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} سيستفاد أن موسى كان مأموراً أن يدخل يده في جيبه ويوصلها إِلى تحت إِبطه، لأنّ الجناح في الأصل جناح الطير، ويمكن أن تكون هنا إِشارة إِلى تحت الإِبط.

كلمة (بيضاء) من البياض، وجملة (من غير سوء) إِشارة إِلى أن بياض يدك ليس نتيجة مرض البرص وأمثاله، بدليل أن لها لمعاناً وبريقاً خاصاً يظهر في لحظة ويختفي في لحظة أُخرى.

إِلاّ أنّه يستفاد من بعض الرّوايات أنّ يد موسى قد صارت في تلك الحالة نورانية بشكل عجيب، وإِذا كان كذلك فيجب أن نقبل أن لجملة {من غير سوء} معنى آخر غير الذي قلناه، أي إِن لها نورانية لا عيب فيها، فلا تؤذي عيناً، ولا يرى فيها بقعة سوداء، ولا غير ذلك.

وتقول الآية الأخيرة، وكنتيجة لما مر بيانه في الآيات السابقة: { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} ومن المعلوم أن المراد من الآيات الكبرى هو تلكما المعجزتان المهمتان اللتان وردتا أعلاه، وما احتمله بعض المفسّرين من أنّها إِشارة إِلى المعجزات التي سيضعها الله سبحانه تحت تصرف موسى فيما بعد يبدو بعيداً جداً.

موسى وطلباته القيمة:

إِلى هنا وصل موسى إِلى مقام النبوة، وتلقى معاجز مهمّة تسترعي الإِنتباه، إِلاّ أنّه من الآن فصاعداً صدر له أمر الرسالة .. رسالة عظيمة وثقيلة جدّاً .. الرسالة التي تبدأ بإِبلاغ أعتى وأخطر شخص في ذلك المحيط، فتقول الآية: { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}.

أجل .. فمن أجل إِصلاح بيئة فاسدة، وإيجاد ثورة شاملة يجب البدء برؤوس الفساد وأئمّة الكفر .. أُولئك الذين لهم تأثر في جميع أركان المجتمع، ولهم حضور في كل مكان، بأنفسهم أو أفكارهم أو أنصارهم .. أُولئك الذين تركزت كل الوسائل والمنظمات الإِعلامية والإِقتصادية والسياسية في قبضتهم، فإِذا ما أصلح هؤلاء، أو قلعت جذورهم عند عدم التمكن من إِصلاحهم، فيمكن أن يؤمن خلاص ونجاة المجتمع، وإلاّ فإنّ أي إِصلاح يحدث فإِنّه سطحي ومؤقت وزائل.

والملفت للنظر أن دليل وجوب الإبتداء بفرعون ذُكر في جملة قصيرة: (إِنّه طغى) حيث جمع في كلمة (طغيان) كل شيء .. الطغيان وتجاوز الحدود في كل أبعاد الحياة، ولذلك يقال هؤلاء الأفراد: طاغوت.

ومضافاً إلى أنّ موسى(عليه السلام) لم يستوحش ولم يخف من هذه المهمّة الثقيلة الصعبة، ولم يطلب من الله أي تخفيف في هذه المهمة، فإنّه قد تقبلها بصدر رحب، غاية ما في الأمر أنّه طلب من الله أسباب النصر في هذه المهمة. ولما كان أهم وأول أسباب النصر الروح الكبيرة، والفكر الوقاد، والعقل المقتدر، وبعبارة أُخرى: رحابة الصدر ، فقد { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}.

نعم إِنّ أوّل رأسمال لقائد ثوري هو رحابة الصدر، والصبر الطويل، والصمود والثبات، والشهامة وتحمل المشاكل والمصاعب، ولذلك فإِنّنا نقرأ في حديث عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «آلة الرياسة سعة الصدر»(6). وقد بحثنا الصدر ومعناه في ذيل الآية (125) من سورة الأنعام.

ولما كان هذا الطريق مليئاً بالمشاكل والمصاعب التي لا يمكن تجازوها إلاّ بلطف الله، فقد طلب موسى من الله في المرحلة الثّانية أن تُيسر له أُموره وأعماله، وأن تذلل هذه العقبات التي تعترضه، فقال: {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}.

ثمّ طلب موسى أن تكون له قدرة على البيان بأعلى المراتب فقال: { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} فصحيح أن امتلاك الصدر الرحب أهم الأُمور والأسس، إلاّ أنّ بلورة هذا الأساس تتمّ إِذا وجدت القدرة على إِراءته وإِظهاره بصورة كاملة،ولذلك فإِنّ موسى بعد طلب انشرح الصدر، ورفع الموانع والعقبات، طلب من الله حل العقدة من لسانه.

خاصّة وأنّه بيّن علة هذا الطلب فقال: {يَفْقَهُوا قَوْلِي} فهذه الجملة في الحقيقة تفسير للآية التي قبلها، ومنها يتّضح أنّ المراد من حلّ عقدة اللسان لم يكن هو التلكؤ وبعض العسر في النطق الذي أصاب لسان موسى(عليه السلام) نتيجة احتراقه في مرحلة الطفولة ـ كما نقل ذلك بعض المفسّرين عن ابن عباس ـ بل المراد عقد اللسان المانعة من إِدراك وفهم السامع، أي أريد أتكلم بدرجة من الفصاحة والبلاغة والتعبير بحيث يدرك أي سامع مرادي من الكلام جيداً.

والشاهد الآخر على هذا التعبير هي الآية (34) من سورة القصص: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا}. واللطيف في الأمر أن «أفصح» من مادة فصيح، وهي في الأصل كون الشيء خالصاً من الشوائب، ثمّ أُطلقت على الكلام البليغ المعبر الخالي من الحشو والزيادات.

وعلى كل حال، فإِنّ القائد والقدوة والموفق والمنتصر هو الذي يمتلك إِضافة إِلى سعة الفكر وقدرة الروح، بياناً أخاذاً بليغاً خالياً من كل أنواع الإِبهام والقصور.

ولما كان إِيصال هذا الحمل الثقيل ـ حمل رسالة الله، وقيادة البشر وهدايتهم، ومحاربة الطواغيت والجبابرة ـ إِلى المحل المقصود يحتاج إِلى معين ومساعد، ولا يمكن أن يقوم به إِنسان بمفرده، فقد كان الطلب الرابع لموسى من الله هو: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي}.

«الوزيز» من مادة الوزر، وهي في الأصل تعني الحمل الثقيل، ولما كان الوزراء يتحملون كثيراً من الأحمال الثقيلة على عاتقهم، فقد أطلق عليهم هذا الإِسم، وكذلك تطلق كلمة الوزير على المعاون والمساعد.

أمّا لماذا طلب موسى أن يكون هذا الوزير من أهله؟ فسببه واضح، لأنّه يعرفه جيداً، ومن جهة أُخرى فإنّه أحرص من غيره، فكم هو جيد وجميل أن يستطيع الإِنسان أن يتعاون مع شخص تربطه به علائق روحية وجسمية؟!

ثمّ يشير إِلى أخيه، فيقول: {هَارُونَ أَخِي} وهارون ـ حسب نقل بعض المفسّرين ـ كان الأخ الأكبر لموسى، وكان يكبره بثلاث سنين، وكان طويل القامة، جميلا بليغاً، عالي الإِدراك والفهم، وقد رحل عن الدنيا قبل وفاة موسى بثلاث سنين(7).

وقد كان نبيّاً مرسلا كما يظهر من الآية (45) من سورة المؤمنون: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ}. وكذلك كانت له بصيرة بالأُمور وميزاناً باطنياً لتمييز الحق من الباطل، كما ورد في الآية (48) من سورة الأنبياء: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً }. وأخيراً فقد كان نبيّاً وهبه الله لموسى من رحمته: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا}(مريم،53)، فقد كان يسعى جنباً إِلى جنب مع أخيه في أداء هذه الرسالة الثقيلة.

صحيح أن موسى(عليه السلام) عندما طلب ذلك من الله في تلك الليلة المظلمة في الوادي المقدس حيث حُمّل الرسالة، كان قد مضى عليه أكثر من عشر سنين بعيداً عن وطنه، إلاّ أنّ ارتباطه ـ عادة ـ بأخيه لم يقطع بصورة كاملة، بحيث أنّه يتحدث بهذه الصراحة عنه، ويطلب من الله أن يشاركه في هذا البرنامج الكبير.

ثمّ يبيّن موسى(عليه السلام) هدفه من تعيين هارون للوزارة والمعونة فيقول: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} و«الأزر» أخذت في الأصل من مادة الإِزار، أي اللباس، وتطلق خاصّة على اللباس الذي يشد ويعقد وسطه، ولذلك قد تطلق هذه الكلمة على الظهر أو القوّة والقدرة لهذا السبب.

ويطلب، من أجل تكميل هذا المقصد والمطلب: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} فيكون شريكاً في مقام الرسالة، وفي إِجراء وتنفيذ هذا البرنامج الكبير، إلاّ أنّه يتبع موسى على كل حال، فموسى إِمامه ومقتداه.

وفي النهاية يبيّن نتيجة هذه المطالب فيقول: { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} وتعلم حاجاتنا جيداً، ومُطَّلِع على مصاعب هذا الطريق أكثر من الجميع، فنحن نطلب منك أن تعيننا على طاعتك، وأن توفقنا وتؤيدنا في أداء واجباتنا ومسؤولياتنا الملقاة على عاتقنا.

______________

1- تفسير الامثل، ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص118-126.

2- «أهش» من مادة هشّ ـ بفتح الهاء ـ أي ضرب أوراق الشجر وتساقطها.

3- «مآرب» جمع مأربة، أي الحاجة والمقصد.

4- «السيرة» ـ كما يقول الراغب في المفردات ـ بمعنى الحالة الباطنية، سواء غريزية أو إِكتسابية والبعض فسرها هنا بمعنى الهيئة والصورة.

5- آية منصوبة على أنّها اسم حال محل الحال، والحال لضمير مستتر في (تخرج).

6- نهج البلاغة، الكلمات القصار، الحكمة 176.

7- مجمع البيان ذيل الآية.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .